إنّ المنبر الحسيني، هو منبر دعوة.. منبر توعية.. منبر حركة، هو منبر ثورة، ومنبر الإسلام كلّه. إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) كان مسلماً وكان إمام المسلمين وكان داعية للإسلام، كان ثائراً يريد أن يُصلح أمّة جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
إنّ المنبر الحسيني، في بداياته كان مقتصراً على جانب الحزن والبكاء، ثمّ دخل عنصر الوعظ والإرشاد، مع هذا الجانب، ثمّ استمر المنبر الحسيني في تطوّره، حيث لم يعد اليوم مقتصراً على سرد حوادث كربلاء، والتوقّف عند الجانب العاطفي في بعض تلك الحوادث، بل بدأ يطرح مختلف القضايا والشؤون التي تهم الإنسان المسلم، ويناقش العديد من المسائل الاجتماعية والعقيدية والتربوية، وغيرها.
أبرز أدوار المنابر الحسينية ومهمّاتها هي:
- الدور المعلوماتي.. الثقافي:
إنّ المنابر الحسينية، مدرسة يسهل فيها التعلّم والاستفادة لجميع طبقات الناس، فيتعلمون فيها التاريخ والأخلاق والتفسير والخطاب والشعر واللغة وغير ذلك، وتوقّف السامع على بليغ الكلام، من نظمٍ ونثر. إنّ وفرة المنابر الحسينية وتنوّع الخطباء في ثقافاتهم، وأساليب الطرح قد أسهمت إلى حدٍ كبير، في تثقيف الإنسان المسلم، ثقافة متعدّدة الجوانب متنوّعة الأبعاد.
إنّ من مهام الخطيب الحسيني، أن يكون حذقاً وماهراً في ملامسة قضايا الناس والواقع، ومقاربتها عبر رؤية تصحيحية نقدية تنسجم مع الحاجات والتطلعات، من خلال تلاوة السيرة والحديث عن الثورة الحسينية بحيث تخدم الأهداف الكبرى في الربط الحيّ والفاعل لحركة الإمام الحسين (عليه السلام) في خطّ العدالة والحرية ومواجهة الفساد وغير ذلك.
فعاشوراء وسيلة نحيي بها النفوس التوّاقة إلى مزيد من الكرامة والحرّية، ونحيي بها كلّ أملٍ في مواجهة الفساد والظالمين والمنحرفين الذين يخنقون الحياة، ويصادرون إرادة الناس وحاضرهم ومستقبلهم. وللخطيب الحسيني دور أساس في بثّ الوعي الإسلامي الرسالي في الناس، عبر إبراز مفاهيم الإسلام التي ضحّى من أجلها الحسين (عليه السلام)، وأن ينفتح على قضايا الناس الحيوية وما يواجهونه.
- الدور التربوي.. الأخلاقي:
تقوم المنابر الحسينية، بدورٍ أساسي في تربية الأمّة، وتنشئة أبنائها على الارتباط بالقيم والمفاهيم الإيمانية والروحية. إنّ المدرسة الروحية كانت، من أبرز مدارس المنبر الحسيني، وإنّ ممّا يميز الشيعة في العالم، أنّهم يولون أيام عاشوراء اهتماماً بارزاً، ممّا ينعكس على الحالة الروحية التي يعيشها الإنسان الشيعي. فحتى غير الملتزمين دينياً منهم، يجدون أنفسهم قريبون من أجواء الهداية والالتزام، ولهذا يكثر المصلّون في المساجد أيام عاشوراء، وهناك الكثير ممّن قد اهتدى إلى طريق الالتزام الديني، بفضل المنابر الحسينية وخطبائها الذين يؤكّدون على مسائل تؤثّر كثيراً في توجيه الناس نحو طاعة الله تعالى.
إنّ الحسين (عليه السلام) لم يدَع الصلاة يوم عاشوراء رغم تلك الحرب القاسية والظروف الاستثنائية، حيث كان يصلّي ببعض أصحابه، فيما يقف البعض الأخر في موقف الدفاع عن المصلّيين. لهذا يعتبر مجلس المنبر الحسيني، نادٍ للوعظ والإرشاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- الدور الاصلاحي.. الاجتماعي:
من أبرز غايات المنبر الحسيني، الإصلاح الاجتماعي وذلك تجارياً مع نداء الإمام الحسين (عليه السلام): «إنما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدي». حيث أخذ على عاتقه الإصلاح والتصدي لكلّ ما يعيب المجتمع ويشينه وقد نجح المنبر على مر العصور بتأدية هذا الدور حتى صار هذا الدور أحد أركانه وأُسسه. إنّ من أبرز الصور التي يعكسها المنبر الحسيني في المجالس، تذويب كلّ الفوارق الاجتماعية حيث يعيش المجتمع كنسيج واحد وذات تفاعل موحّد ومشترك.
ومع هذا الإيقاع الخاص بالمنبر، علينا التفكير في تطويره وتفعيله بل وإعادة صياغته من جديد حتى يتناسب مع متطلبات العصر فيحل جميع إشكاليته ويؤدي رسالته بصورة كاملة وعلى أحسن وجه.
إنّ استقطاب المنبر الحسيني، لشرائح مختلفة من المجتمعات التي يعقد فيها، وذلك الحضور الجماهيري الكبير الذي يحظى به، إضافة إلى الدور البارز، لخطيب المنبر الحسيني وتأثيره العميق في النفوس، يجعل له صدى بارزاً ودوراً فعّالاً في العصر الحالي.
كلّ ذلك يسهم في تقوية العلاقات، وشدّ الأواصر بين أبناء المجتمع ذلك في أجواء إيمانية، وروحية تشجّع على الخير والهدى والصلاح.
- نشر الثقافة القرآنية
من الأهداف الأساسية للمنبر الحسيني هو نشر الثقافة القرآنية، وإذا كانت الثورة القرآنية رسالة نهوض لفكر وتطلعات الإنسان وتأصيلاً لوعي القضية الإسلامية وأخلاقياتها وهي كذلك فعلاً فالمنبر الحسيني كحركة امتداد لخُطى الإمام الحسين (عليه السلام) باعتباره عدل القرآن وقرينه ليشكل منبره دوراً فعّالاً في نشر الثقافة القرآنية النقية والأصيلة التي تسد فراغاً في المجتمع وتصنع الوعي الإسلامي بتحقيق أهم أهداف المنبر الحسيني في الجوانب القرآنية التي منها، الارتباط الروحي والنفسي والعاطفي بمصادر التشريع الإسلامي، الكتاب العزيز والسُّنة الثابتة.
وأيضاً، تأصيل العلاقات الإنسانية ضمن إطار صحيح وفق الأهداف والأخلاق القرآنية كما في تأسيس العلاقة بين الإنسان وربّه وتأسيس علاقته بأخيه الإنسان وعلاقاته بالطبيعة والمحيط من حوله. والإسهام في عمليات التربية والتضحية والفداء والصبر كمفاهيم قرآنية وكحركة تطبيقية في صقع الواقع. من هنا أهمية وعي وظيفة المنبر الحسيني من قبل الخطباء، والعمل بكلّ مصداقية على خلق الأسلوب المناسب والفاعل لإخراج رسالة الحسين (عليه السلام) وأهدافه إلى الناس، بالشكل الذي يتفاعلون معه، وتتحرّك به عقولهم، وتتطوّر به حركتهم في الحياة، فحركة الحسين (عليه السلام) هي حركة الإسلام في كلّ أبعاده الحضارية والإنسانية والرسالية.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق