جاء في إحدى الأساطير أن رجلاً حكيماً كان يعيش في أحد أقطار الشرق، وكان قانعاً سعيداً بحكمته، ناجحاً في حياته كلّ النجاح، حتى أن أحداً من الناس لم يكن يدانيه حكمة وسعادة ونجاحاً. ولم يكن يبخل على أيّ قاصد له، في إسداء النصح له وإرشاده إلى طريق خلاصه من الهموم والكآبة والقلق. وكان الناس يقصدونه من كلّ مكان طالبين العلاج على يديه، وأكثر أولئك الزائرين كانوا يرجعون إلى قراهم بعد زيارتهم لصومعته، وقد شُفوا تماماً من متاعبهم وغدوا أسعد الناس. ولكن بعضهم كان يعود بعد اللقاء، وهو على حاله من الشقاء أو أضلّ سبيلاً!
وذات صباح كان الحكيم الفيلسوف جالساً مسترخياً على ضفة النهر قرب صومعته عندما دنا منه شاب ورجاه أن يسمح له بمقابلته، فسمح له بذلك ودار بينهما الحوار التالي:
الشاب: عذراً يا سيدي. أرجو أن تسمح لي بهنيهة من وقتك، فلقد قصدت صومعتك من مكان بعيد. لقد تناهى إلى أسماعي صيتك العريض ومقدرتك على معالجة العواطف المكدودة واستطاعتك جلب السعادة الشخصية، فهب لي شيئاً مما عندك.
الحكيم: أبسط شكواك يا ولدي فأنا مصغٍ إليك، ويسعدني أن أمدّ لك يد العون لو استطعت.
الشاب: قل لي إذن ما علة إحساسي بالتعاسة الشديدة؟ فأنا شاب موفور الثراء ولديّ مال كثير لا تأكله النيران، ولكنني لا أحس بالرضى عن نفسي. إن لي زوجة طيبة وأسرة كبيرة، ولكننا دائموا الخصومة واللجاجة، ولا أشعر أن كلّ الناس يحبّونني ويقدّرونني. وتحت إمرتي جيش لجب من الفَعَلة، ولي منشآت رابحة كثيرة، ولكنني عندما أنام ليلاً لا يطيب لي الاستيقاظ صباحاً بل أتمنى لو بقيت على الدوام نائماً، إنني أتمتع بصحة طيبة، ولا أعاني ألماً أو وجعاً. وبالرغم من كلّ هذه الأمور فإنني دائم الشعور بالتعاسة. فهل تستطيع أن تدلّني على سبب ذلك؟
الحكيم: جوابي هو كالتالي: إنك تعِس لأنك لا ترى الحياة رؤية صحيحة.
الشاب: ولكن ذلك لا يمكن أن يكون. فأنا أرى الحياة رؤية صحيحة، إنني أراك أمامي وأرى الأشجار والنهر وأشاهد الناس يلهون ويسبحون في النهر، وأرى الطيور في السماء. أفلا أرى الحياة رؤية صحيحة؟
الحكيم: بلى، ولكنك لا ترى إلا ما تسهل رؤيته، وتحوّل بصرك عما هو مهم أن تراه؟
الشاب: ولكنني أبصر ما يبصره أكثر الناس، أفلا يكفي ذلك لأن أكون مبصراً للحياة على حقيقتها؟
الحكيم: كلا. فأقوالك تدلُّ على أنك لا ترى إلا ما يراه أكثر الناس. ولكن لكي تكون سعيداً فإن عليك أن تفهم كنه ما تقع عيناك عليه.
الشاب: أؤكد لك يا سيدي أنني أرى الحياة رؤية صحيحة، أليست هذه شجرة؟ ألا يجري النهر؟ ألا توجد هذه الطيور المحلِّقة الآن؟
الحكيم: لقد صار بمقدوري الآن أن أجيب على سؤالك الأصلي جواباً أكمل وأتمّ. إن سرّ شكواك يرجع أوّلاً: إلى كونك لا ترى. وثانياً: إلى أن قناعتك هي أن ما تراه هو حقيقة الحياة!
الشاب: ما أزال غير قادر على فهمك!
الحكيم: إنّ ذلك يعني أنك لا تريد أن تفهمني. إنّ العناء هو الثمن الذي ينبغي عليك دفعه لكي تظل قابضاً على يقينك. ولذلك فإن مراعاتك الصواب والحق في حياتك، هي أهم من سعادتك.
الشاب: ولكنني لا أقرّك في ذلك. إنني لا أريد أن أكون مصيباً، وإنما أفضّل على ذلك أن أكون سعيداً ومبراً من متاعبي. فهل تساعدني؟
الحكيم: يؤسفني ألا أستطيع ذلك، فأنا لا أستطيع مساعدة إنسان واثق كلّ هذه الثقة من نفسه. قد أتمكّن من مدّ يد المساعدة لك بعد حين، أيّ بعد أن تذوق طعم شيء من الشقاء. يكفيك الآن أن تتذكر الأسرار التي بحت لك بها الآن، وأن تمضي في تنعّمك بالطيور والأشجار والنهر على نحو ما يفعله الآخرون الذين يرون ما تراه!
المصدر: كتاب كيف تغير حياتك
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق