• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

حقيقة معركة الخندق

عمار كاظم

حقيقة معركة الخندق

معركة الخندق أو كما تُعرف أيضاً بمعركة الأحزاب، هي من أهمّ الوقائع القتالية التي خاضها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمون ضدّ الكفار، حيث تعتبر هذه المعركة من أخطر المعارك، كون المشركين حاصروا المسلمين في المدينة المنوّرة، بغرض القضاء على المسلمين عن بكرة أبيهم. كما وقعت معركة الخندق في الثالث من شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة لحماية المدينة المنوّرة ضد تحالف عدة قوى على المسلمين. أمّا السبب الرئيسي لهذه الغزوة هو أنّ يهود بني النضير كانوا قد نقضوا عهدهم مع رسول الله الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحاولوا قتله والقضاء عليه، فحاصرهم الرسول والمسلمون بسبب خيانتهم ونقضهم العهد. وعلى إثر ذلك بدأ اليهود بالكيد للمسلمين، حيث بدأوا بتأليب القبائل العربية وتجميعها لأجل مهاجمة المسلمين والقضاء عليهم، فتقاطعت المصالح كلّها مع بعضها البعض، حيث تجمّع من معسكر المشركين كلَّاً من قريش وكنانة، غطفان والتي ضمّت بنو مرة، وفزارة، وأشجع، بالإضافة إلى سليم، وبنو أسد، ولأجل هذا أطلق عليهم اسم الأحزاب، حيث انضمّ إليهم يهود بني قريظة فيما بعد في خيانة يهودية أُخرى.

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) (البقرة/ 214). نزلت هذه الآية في الوقت الذي كان المسلمون يعانون الحروب والحصار والتجويع والشدّة من قريش، والتي كانت تهدف إلى اجتثاث الإسلام من جذوره، وأن لا يبقى له أثر بعد عين. وقد أشار القرآن الكريم إلى واحدة من هذه المُعاناة التي عاشها المسلمون في معركة الخندق، عندما تكالبت قوى الشِّرك عليهم، وجاءتهم من كلِّ مكان تريد اقتلاعهم من المدينة: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً) (الأحزاب/ 10-11).

لقد أراد الله سبحانه وتعالى من خلالها، أن يذكِّر المؤمنين بحقيقتين لا ينبغي أن تغيب عن بالهم؛ الحقيقة الأولى، هي أنّ الجنّة التي وعدهم الله بها ويسعون إليها، لن يكون الطريق إليها معبَّداً ومفروشاً بالرياحين، بل هو مليء بالأشواك، ويحتاج بلوغه إلى صبرٍ وتحمّلٍ ومُعاناة، فقد ورد في الحديث: «الجنّة محفوفة بالمكاره والصبر، فمَن صبر على المكاره في الدُّنيا، دخل الجنّة». وقد ورد في الحديث: «ومَن سأل الله الجنّة ولم يصبر على الشدائد؛ فقد استهزأ بنفسه». وقد قال الإمام عليّ (عليه السلام) للذين كانوا يعتقدون أنّه بقليلٍ من العمل، وبدون تعب وجهد وتحمّل المُعاناة، يستطيعون نيل الجنّة وبلوغها: «أبهذا تريدون أن تجاوروا الله في دار قدسه، وتكونوا أعزّ أوليائه عنده؟ هيهات! لا يخدع الله عن جنّته، ولا تنال مرضاته إلّا بطاعته».

أمّا الحقيقة الثانية، فهي أنّ أيّ نصر وعد الله به المؤمنين، لن يتحقّق إلّا بعد أن يخضعهم الله سبحانه لامتحان واختبار شديدين، يظهرون فيه صبرهم وثباتهم وإيمانهم، والذي أشار إليه الله بقوله: (مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ). إذاً سُنّة الابتلاء والامتحان هي سُنّة من سنن الله التي جرت في التاريخ وتجري في الحاضر، وهي التي أشار إليها الله سبحانه عندما قال: (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (العنكبوت/ 1-3). فالله سبحانه لن يكتفي من العبد أن يعلن إيمانه، أو أن يمارس طقوس هذا الإيمان وعباداته، بل هو عرضة لامتحانات بها تظهر حقيقة هذا الإيمان عنده، وعلى أساسها، يتمّيز الصادق في إيمانه من الكاذب، والجادّ من غير الجادّ، والطيِّب من الخبيث.

في معركة الخندق.. صمد المسلمون وأبلوا بلاءً حسناً، بإيمانهم ثمّ بأخوّتهم الفذة، صمدوا أمام التحدّيات الداخلية والخارجية وجاهدوا أفضل الجهاد. فبدؤوا بحفر الخندق حول المدينة باتّجاه العدو، وخرج النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مع المسلمين ليشاركهم في حفر هذا الخندق وتقسيم العمل بينهم، وكان يحثّهم ويقول: «لا عيش إلّا عيش الآخرة، فاغفر للمهاجرين الأنصار». وهكذا واجه المسلمین أكبر التحدّيات في معركة الخندق، وكانت أكبر عدة لهم - بعد الله ثمّ إيمانهم الراسخ - هي إخوّتهم، ووحدة صفهم، وتماسكهم، فلقد ذاب كلّ واحد منهم في المجموع فتشكّلت قوّة واحدة منهم يصعب اختراقها بل كان النصر حليفها.

ارسال التعليق

Top