الصوم دورة تدريبية تهدف إلى تغيير داخل الإنسان نحو الأفضل، فمن كان بعيداً من الله تعالى، ومستغرقاً في مظاهر الدُّنيا، وممارساً لكثير من الرذائل، فإنّه يمكنه أن يستفيد من فرصة الصوم، وأن يصحّح مساره وحركته في الحياة، ويتوب إلى ربّه ويعود إلى رشده، مستغلّاً بذلك بركات الصوم وأجوائه، للتفكّر في مصيره وأحواله. يقول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): «فإذا صمتّم، فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب، وغضّوا أبصاركم، ولا تنازعوا، ولا تحاسدوا، ولا تغتابوا، ولا تماروا، ولا تكذبوا، ولا تباشروا، ولا تخالفوا، ولا تغاضبوا، ولا تسابّوا، ولا تشاتموا، ولا تنابزوا، ولا تجادلوا، ولا تظلموا، ولا تسافهوا، ولا تزاجروا، ولا تغفلوا عن ذكر الله وعن الصلاة، والزموا الصمت والسكوت والحلم والصّبر والصّدق ومجانبة أهل الشر، واجتنبوا قول الزور والكذب والخصومة وظنّ السّوء والغيبة والنميمة، وكونوا مشرفين على الآخرة، منتظرين لأيامكم، منتظرين لما وعدكم الله، متزوّدين للقاء الله، وعليكم السّكينة والوقار».
إنّ الصوم دورة تدريبية لإعداد الإنسان على أن يكون عبداً حقيقيّاً لله في إخلاصه وتوجّهه إليه وتوكّله عليه والثّقة به، تمهيداً ليكون من المستحقّين لنعيم الله ورحمته ورضوانه. والمطلوب منا أن نستفيد من هذا البرنامج العبادي في شهر الصيام، من الدُّعاء والصلوات وتلاوة القرآن، والتعوّد على فعل الخيرات وهجران الشّرور، والمساهمة في العمل الجماعي المثمر والمفيد للواقع. لأنّ شهر رمضان كأفضل وأغلى فترة زمنية تمرّ على الإنسان في العام، ينبغي عليه أن يحرص على كلّ ساعة من ساعاته، ولحظة من لحظاته. ومعنى ذلك، أن يحفل شهر رمضان بأفضل البرامج، وأحسن الأعمال، وأن يكون إنتاج الإنسان فيه أكثر، وفاعليته أكبر.
ولتأكيد الخاصية والتميز لهذا الشهر الكريم، فرض الله صيامه على الناس، ليعيشوا فيه جواً وبرنامجاً فريداً، يساعدهم على الارتقاء إلى مكانة هذا الشهر ومقامه العظيم. فعلى الصعيد النفسي، فإنّه دورة تدريبية، لتربية الإنسان على التحكم في رغباته وشهواته، حيث يمتنع بقرار ذاتي عن الطعام والشراب، وسائر المفطرات، مع ميله إليها، أو حاجته لها في بعض الأحيان. وعلى الصعيد الاجتماعي، يتحسس الإنسان من خلال الصوم جوع الفقراء والمعدمين، ويشعر بمعاناتهم وحاجتهم. وروحياً، فإنّ التسامي على الرغبات، والتفاعل مع الأجواء المباركة للشهر الكريم، ينتج صفاءً روحياً، وحيوية معنوية عالية. لكن هذه الفوائد والمنافع وأمثالها، إنّما تتحقّق مع الوعي بها والتوجه إليها، وإتاحة الفرصة لفريضة الصوم المباركة، ولأجواء رمضان الكريمة، أن تؤدّي مفعولها، وتعطي آثارها، دون معوّقات أو حالات مضادة.
إنّنا في هذا الشهر الشريف نعيش بين يدي الله وفي ضيافته وفي آفاق رحمته، فعلينا أن نعمل على أن ننمي إيماننا وأخلاقنا وروحياتنا والتزامنا في كلّ شيء، لأنّ القضية هي أن يتحرك الإنسان بصومه، ليكون الإنسان الذي ينطلق من أجل أن يحصل على رضا الله في كلّ شيء، وحتى لا يكون كما ورد في الحديث: «رُبّ صائم ليس له من صيامه إلّا الجوع والعطش». هذا هو المجتمع الإيماني الذي يسعى على الدوام كي يستفيد من كلّ العمر في تجديد ارتباطه بالله، وأن يكون هذا الارتباط مترجماً في سلوكٍ يجلب السعادة والأمان والرحمة للجميع، ويواجه كلّ فساد وباطل.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق