• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإمام الصادق (عليه السلام).. نموذج لإنسانية المعرفة

عمار كاظم

الإمام الصادق (عليه السلام).. نموذج لإنسانية المعرفة

نشأ الإمام أبو عبدالله الصادق (عليه السلام) في بيت من أعز بيوت الله، ذلك البيت الذي أشرقت منه رسالة الإسلام التي فرضت المعرفة، ومدّنت الأُمم وكرّمت الإنسان ومجّدت الفكر. في ذلك البيت المعظم الذي هو مصدر الإشعاع في دنيا العرب والإسلام، كما كان الإمام الصادق (عليه السلام) عملاق هذه الأُمّة ورائد نهضتها الفكرية والحضارية، فكان جدّه الإمام زين العابدين (عليه السلام) وإمام المتقين وسيِّد الساجدين يغذِّيه بروحانيته وقداسته، ويفيض عليه مقوماته الفكرية، كما كان أبوه الإمام محمّد الباقر (عليه السلام) يغرس في أعماق نفسه جميع ما توفر عنده من الزخم الروحي، والمُثل العليا ليكون وليده القائد لهذه الأُمّة في مسيرتها الروحية والزمنية. لقد كان الإمام الصادق (عليه السلام) متفوقاً في خلقه، وفي حُسن معاملته، وفي تصوير المثل الأعلى الأدبي لمن كان يطلب العلم في مجالسه، أو يذهب مذهبه من أتباعه، أو يعجب به مَن هو مذهب غيره من العلماء والفقهاء. وكذلك كان متفوقاً في سعة إدراكه وغوصه على الحقائق العلمية الفلسفية في عصره، متفوقاً في مشاركته الشاملة التامة العميقة في كلّ المعارف التي شاعت في عصره الذهبي. لم يكن الإمام (عليه السلام) متخصصاً في فرع من العلوم، أو ناهجاً منهجاً فلسفياً خاصاً، راغباً عن غيره أو جاهلاً له.. فلم يكن التخصص يومذاك من مذاهب كبار العلماء. الإمام الصادق (عليه السلام) نموذج لإنسانية المعرفة في العصر الإسلامي الذهبي، بل بداية رائعة له.. هيأت له أسباب هذه الإمامة أنّه بالإضافة إلى ذكائه الوقّاد وجهوده البالغة في البحث والتأمّل والدراسة، كان من أولئك الملهمين الذين لا يجود التاريخ الإنساني بهم إلّا في فترات متباعدة، يضاف إلى هذا أيضاً أنّه ثمرة من ثمرات أهل البيت النبويّ الشريف ممّن كانوا في الذورة من قادة العرب وأئمّتهم.

من الخدمات الجليلة التي أسداها الإمام الصادق (عليه السلام) إلى العالم الإسلامي هو تجديده وبعثه لجامعة أهل البيت (عليهم السلام) على نطاق واسع لم يعهد له نظير في تلك العصور، فقد فتحت هذه المؤسسة العلمية آفاق الفكر والوعي، ونشرت ألواناً من العلوم والمعارف لم يعرفها المسلمون، ولا غيرهم، من قبل. لقد ساهم الإمام الصادق (عليه السلام) مساهمة إيجابية وفعّالة في التقدُّم التكنولوجي، والتطوّر العلمي في جميع أنحاء العالم وذلك بما قدّمته جامعته من نظريات خلّاقة وأُسس رائعة لعلم الفيزياء والكيمياء والطب، وغيرها من العلوم التي يحتاج إليها الناس في أُمور حياتهم.

وكان الإمام (عليه السلام) يُشجِّع على التعليم، ويدعو له لأنّه من أهمّ الوسائل الناجحة في نمو الفكر، وقد نظر إلى فتى على ثيابه أثر المداد وهو يستره خجلاً من الإمام، فأنكر (عليه السلام) ذلك وقال له:

لا تجزعنّ من المداد فإنّه******عطر الرجال وحلية الكتاب

ونظر (عليه السلام) إلى فتى آخر على ثيابه أثر المداد وهو يستره لئلّا يراه الإمام، فقال (علیه السلام) له: «يا هذا، إنّ المداد على الثياب من المروءة».

وكان الإمام (علیه السلام) يحث على كتابة العلم لأنّها مفتاح للتأليف وسبب لتطوّر الفكر، وتقدّم للطالب في ميادين العلم، وقد قال (عليه السلام) لأصحابه: «اكتبوا فإنّكم لا تحفظون حتى تكتبوا...». وأوصى الإمام (عليه السلام) أصحابه بالمحافظة على الكُتُب من التلف والضياع، وقال: «احتفظوا بكُتُبكم فإنّكم سوف تحتاجون إليها...». وكان الإمام (علیه السلام) يُصحِّح ما يكتبه العلماء والفقهاء من تلاميذه، وساهم في تكوين الفكر الإسلامي، وإقامة صروح الفضيلة والعلم في دنيا العرب والإسلام، وتكوّنت ببركته النهضة العلمية التي أمدت العالم الإسلامي بجميع مقومات النهوض والارتقاء.

ارسال التعليق

Top