• ٣٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التربية الواعية للطفل

عمار كاظم

التربية الواعية للطفل

للطفولة في بُعدها الإنساني معناها الحيوي في عملية تأسيس الشخصية الإنسانية وتقويتها وغرس البذور الطاهرة النقية فيها، وإعدادها للتحول إلى عنصر فاعل منتج يمارس دوره في بناء الحياة على أساس ثابت.

اهتمّ الإسلام كدين في تكريم الطفولة المنسجمة مع مبادئه من خلال ترسيخ مجموعة القيم الأخلاقية والتربوية التي تنفتح على الإنسان طفلاً وشاباً وشيخاً للتخطيط لبناء جيل سليم نفسياً ودينياً وصحياً وتربوياً وأخلاقياً وللعمل على إعداد الإنسان لتحقيق معنى وجوده لكونه الخليفة على الأرض.

وقد حمل الإسلام لبلوغ الهدف، أمر التربية على عاتق الأب والأُم لكونهما العنصر الأساسي في التربية وخاصّة في المراحل الأولى للطفل، ولكنّه لم يلغِ دور المجتمع.

واعتمد الإسلام في أسلوبه التربوي على خطّين: الأوّل وهو وقائي، بحيث يمنع من وقوع الطفل تحت التأثيرات السلبية التي قد تنشأ من نقاط ضعفه، كما سعى إلى الخطّ الثاني وهو بناء الشخصية المتحركة والمتوازنة التي تأخذ حاجتها في الحياة، كما أكّد الإسلام على أهمية إنتاج الولد الصالح لأنّه سيشكّل الذخيرة للأبوين عند الله، لأنّه هو الذي يمثّل استمرار الحياة لأهله حتى بعد مماتهم.

هدف التربية في الإسلام، هو إعداد المسلم لتحقيق كلّ الأهداف الإسلامية التي وضعت بين يدي الإنسان سواء على مستوى انفتاحه على الله أو انفتاحه على الناس أو على نفسه، ودور التربية إذن هو أن تؤسس التوازن في شخصية الإنسان بمختلف أبعادها الجسدية والنفسية والذهنية والاجتماعية، وأن تزرع القيم والمفاهيم داخل شخصيته، بالمستوى الذي يتحوّل فيه الطفل إلى تجسيد حيّ لتلك القيم.

وعموماً إنّ هدف الإنسان المسلم في تربية أولاده هو أن يكون على الصورة التي يتمثّل فيها الإسلام في عناصر شخصيتهم فكراً وعملاً على الخطّ المستقيم في خطّ طاعة الله، بما يحقّق الإنسان ذاته وخدمة الإنسانية أيضاً، وكذلك إعداد الفرد للتكيف مع محيطه الاجتماعي.

والمقصود بالتربية الواعية، تربية متوازنة لا تترك الإنسان في مهب الريح بل تجعله يتحكم بنفسه بحيث لا تطغى عليه وراثية أو تسقطه المؤثرات الخارجية بسهولة. والتربية الواعية تنطلق من فهم جيِّد لظروف الولد ثمّ تحاول خلق المناخات الملائمة التي يكتسب الغير من خلالها مختلف القيم التي نريد غرسها وتجسيدها في ذاته، كلّ ذلك في إطار احترام شخصيته وإثارة الثقة في نفسه.

على الأغلب، إنّ الأصل هو عدم القسوة، ولكن من الممكن أن نستعمل العنف من موقع الرحمة لا من موقع حالتنا المزاجية التي تختزن الميل إلى القسوة، وإذا درسنا المسألة على ضوء الواقع لا نجد الحياة رفقاً كلّها أو عنفاً كلّها، وهناك مَن يحتاج إلى الضغط كي يهدأ ويستقر، لكن الأصل في الإسلام هو الرفق. إنّ المفهوم الإسلامي للتربية يستدعي أن يعتبر الأبوان أولادهما أمانة الله بين أيديهما، وهو أمر يتحقّق من خلال الاستماع إليه واحترام عقله وتعليمه احترام الآخر وهو يأتي ضمن سياسة تربوية متكاملة. وعندما نريد التعامل مع الطفل، عليها أن نتقمص شخصيته في أحاسيسه ومشاعره وحاجاته وأحلامه وآلامه، لنبادر إلى الاستجابة لها وضبطها. وأمّا مبدأ الثواب والعقاب فهو يقوم على آليات نفسية تحفّز السلوك الإيجابي وتحبط السلوك السلبي، فهدف استخدام الثواب والعقاب هو تنمية شخصيته وإنسانيته وعقله، وهو مبدأ قرآني يتناسب مع الطبيعة الإنسانية. وإلى ذلك أشار الإمام السجاد (عليه السلام) في رسالة الحقوق – في حقّ الولد – قوله: «وأمّا حقّ ولدك فتعلم أنّه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره وإنّك مسؤول عما وليته من حسن الأدب والدلالة على ربّه والمعونة على طاعته فيك وفي نفسه فمثاب على ذلك ومعاقب».

وقد بيّن الإمام عليّ (عليه السلام) هذا المفهوم في وصيته لابنه الحسن (عليه السلام)، حيث يشير في أحد مقاطعها الأولى إلى أنّ الولد ليس هو فقط بعض الوالد، بل هو كلّه لذا فإنّه يهمه أمره كما يهمه أمر نفسه فينصحه بما ينصح به نفسه ويدفع عنه ما يدفع عن نفسه، ويغذيه بكلّ ما يحتاجه من ينابيع الفضل والهدى إذ يقول (عليه السلام): «ووجدتُك بعضي، بل وجدتُك كلّي، حتى كأنّ شيئاً لو أصابك أصابني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي».

ارسال التعليق

Top