• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

التحضير للتحول الشخصي

التحضير للتحول الشخصي

◄ما الواقع:

يجد معظمنا صعوبة في تحديد ماهية الواقع. ورغم هذا فإننا نشعر بما يجعلنا نلتمس سكنى الواقع بناء على تغذية راجعة من حواسنا. ولتأييد هذا الواقع فإننا نستند إلى ما تعتبره ثقافتنا عادياً ومفيداً أو صحياً، لذلك فإنه يكون واقعاً.

والسؤال هو: أين يستقر الحب ضمن منظومة الأشياء؟

أليس من الممكن أن تكون حياتنا أفضل إذا اعتبرنا أنّ الواقع هو ما ليس له نهاية أو بداية؟!

ويقع الحب في إطار هذا التعريف لما لا نهاية أو السرمدية. ويكون أي شيء آخر عارضاً.. لذلك فإنّه يكون بلا معنى.

إنّ الخوف يشوه إدراكنا دوماً ويحول بيننا وبين شعورنا الدقيق بما يجري حولنا. أما الحب فهو الغياب المطلق للخوف. ولا يهددنا الحب بأيّة أسئلة أو شكوك أو مشكلات. وتتسم حالته الطبيعية بالتمدد والاتساع وليس المقارنة والقياس. إذن فالحب هو بالفعل كلّ شيء ذو قيمة. أما الخوف فإنّه لا يعطينا شيئاً لأنّه لا شئ.

ورغم أنّ الحب هو دائماً ما نريده بالفعل، إلا أننا نخشى الحب غالباً بدون معرفته شعورياً. ومن ثمّ فإننا نعمى ونصم عن الشعور بوجود الحب. وإننا بمساعدتنا لأنفسنا وللآخرين على التخلص من الخوف فإننا ندشن خبرة ملؤها التحول الشخصي، ونبدأ في الرؤية فيما وراء واقعنا القديم الذي حددته حواسنا المادية، ونلج مرحلة من الشفافية نجد فيها ترابط العقول وأننا نشترك في ذاتٍ عامة وأنّ السلام الداخلي والحب هما في حقيقة الأمر الواقع بعينه. وباعتبار أنّ الحب هو واقعنا الوحيد فإنّ الصحة والكلية wholeness يمكن رؤيتهما بوصفهما السلام الداخلي. ويمكن اعتبار انّ التعافي هو التخلص من الخوف. إذن: فالحب هو التخلص من الخوف.

 

اجترار الماضي:

تضم الذاكرة قصاصات كثيرة و(أفلاماً) وحكايات عديدة عن خبراتنا الماضية. وتكون هذه الصور مركبة فوق بعضها البعض وأيضاً فوق العدسة التي نشهد بها الحاضر. وبالتالي فإننا لا نراها أبداً أو نسمعها كما هي، لكننا نرى مجرد شذرات من الحاضر من خلال ركام الذكريات القديمة المشوهة التي نضعها فوقها.

وإننا إذا استعددنا فإنّه يمكننا بزيادة في الفعالية أن نستخدم التخيل لمسح كلّ شيء من تلك الوقائع القديمة ما عدا الحب. ويتطلب ذلك التخلص من كلّ ارتباط ماضٍ لنا بالشعور بالذنب والخوف.

 

التنبؤ مقابل السلام:

إننا نقوم في بعض الأحيان بإعطاء قيمة كبيرة للتنبؤ والتحكم أكثر مما نعطي للتمتع بالسلام داخل العقل. ونشعر حينئذٍ بأهمية التنبؤ لئلا نمسي بائسين في اللحظة التالية، ومن ثمّ فإننا نجد سعادة في أن نكون صواباً أكثر من حيازة السعادة الحقة في اللحظة الآنية. ويمكن تفسير ذلك بأنّه طريق السلامة لالتماس حماية لأنفسنا، لكنه يوجد دائرة قصيرة تخلط المتعة بالألم.

إننا نعتقد غالباً أن مخاوف الماضي يمكن أن تتنبأ بمخاوف المستقبل. ويفضي هذا النوع من التفكير إلى أننا نبدد معظم وقتنا في الخوف حول كلاً من الماضي والمستقبل لنوجد حلقة خبيثة من المخاوف لا تتيح سوى ثقب صغير للحب والمتعة في الحاضر.

 

خيار للواقع:

يمكننا أن نختار واقعنا. فحيث إن إرادتنا حرة فإنّه يمكننا رؤية الحقيقة والمرور بها. ويمكننا أن نشهد حقيقة واقعنا بوصفه حباً. ولأجل ذلك، فإنّه ينبغي في كلّ لحظة أن نرفض التقيد بالماضي المخيف والمستقبل المتخم بالمخاوف وأن ننبذ "وقائع" الشكوك التي تبنيناها من ثقافتنا. ويمكننا أن نشهد هذا الوضع باعتباره الفرصة الوحيدة التي لا ينبغي أن تضيع والعيش في واقع "الآن".

وحيث إنّه لا حدود لعقولنا فإنّها ترتبط معاً. وفي حقيقة الأمر فإن عقولنا تحدها فقط الحدود التي نضعها لها. إذ إننا حينما نجد قيمة في جعل ماض مخيف "واقعاً" فإننا نقيد عقولنا باستخدامه بوصفه واقعنا.

ونتيجة لذلك فإن عقولنا يمكن أن ترى بخوف فقط كلّ ما يأتي ولا يمكنها الإطراق للحظة للاستمتاع بالحاضر في سلام. وحينما نقوم باستخدام كلمات مثل "لا يمكن" أو "مستحيل" فإننا نضع قيوداً من الماضي المخيف حول أنفسنا.

 

أحادية الهدف:

يعد السلام العقلي كهدف وحيد القوة الدافعة الأعظم التي يمكن أن نحوزها. ولكي نحظى بالسلام الداخلي فإننا بحاجة إلى الاتساق في امتلاك السلام العقلي كهدف وحيد لنا. لكننا بدلاً من الارتباط بهدف واحد فإننا جميعاً نسعى إلى التطلع نحو أهداف عدة.

ولن تخدم مغازلة الأهداف بهذا الشكل سوى تشتيت التركيز وزيادة الخلط والتداخل. ويمكننا تحقيق الاتساق في الحفاظ على هذا الهدف الوحيد في العقل من خلال تذكير أنفسنا بأحادية الهدف إذا وجدنا أنفسنا نغرق في اليم فجأة. وسوف نضع جل اهتمامنا حينئذٍ في الهدف الوحيد المنطوي على الطفو الآمن والتنفس لأجل البقاء.

 

دعم السلام العقلي من خلال التسامح:

إذا كان السلام العقلي هدفنا الأوحد فإنّ التسامح يمسي وظيفتنا الوحيدة. ذلك أنّ التسامح هو أداة تصحيح إدراكاتنا المتسمة بالعوار لنجد طوق النجاة وسط بحور المخاوف.

لكن كثيرين منا يغشاهم الإحباط لدى اقتراف خطأ محاولة حب الآخرين كخطوة أولى! ويبدو بعض الناس في ضوء قيمنا وخبراتنا الماضية المشوهة أنهم لا يمكن حبهم، وذلك لأن إدراكاتنا الخطأ لسلوكهم جعلت من الصعب حبهم.

إننا يمكننا لدى تمتعنا بالسلام العقلي كهدف أوحد أن نتخذ الخطوة التالية وهي التسامح وتبني رؤية الآخرين كتوسيع للحب أو التخوف والتماس العون في شكل حب. ويصبح من السهل في ظل هذا الإدراك الجديد منح كل من الحب الكلي والقبول للشخص الآخر، ومن ثمّ الشعور بالسلام الداخلي في ذات الوقت.

 

العقل طائر يحلق بجناحين:

ربما يكون من المفيد تصور العقل بمثابة الفيلم والكاميرا وأي شيء آخر ضمن عملية إنتاج الفيلم. إن ما نشهده هو بالفعل حالتنا العقلية/ النفسية التي نسقطها على شاشة تدعى "العالم". ويصبح هذا العالم وأولئك الموجودون فيه بالفعل مرآة أفكارنا وخيالاتنا. ويصبح ما يسقطه عقلنا إدراكنا الذي يقيد رؤيتنا لطالما التصقنا به.

ويعمل العقل كما لو كان مقسماً إلى جزأين: إذ يعمل جزء منه كما لو كان موجهاً بالأنا، بينما يعمل جزء آخر بواسطة الحب. ويركز العقل الانتباه في معظم الوقت على هذه الموجهات الخادعة أو الافتراضية التي نسميها الأنا التي هي اسم آخر للخوف. إنّ الأنا توجه (تخرج) فقط (أفلام) الحروب والصراعات رغم أنها تجعلها تبدو من خلال الخدع تجسيداً لخيالاتنا الرومانسية. إنّها توجه (تخرج) بالفعل فقط (الأفلام) التي تجسد الخداع بأننا منفصلون وبعيدون عن بعضنا البعض.

أما مخرجنا الحقيقي وهو الحب فإنّه لا يسقط خداعات.. إذ إنّه يوسع الحقيقة فقط. ويخرج الحب (الأفلام) التي توحد وتربط. ويمثل العقل بالفعل المخرج والمنتج وكاتب السيناريو وكاتب القصة وفريق التمثيل والمصورين والجمهور والنقاد. وحيث إنّ العقل لا حدود له فإنّ له القدرة على تغيير (الفيلم) وكلّ شيء حوله في أي وقت. ويتمتع العقل بالقدرة على صناعة كلّ القرارات.

ويعمل جزء الأنا من العقل كستار من الخوف والشعور بالذنب اللذين يثبطان ميكانيزم الحب. ويمكننا تعلم توجيه العقل لفتح الستار وإطلاق ضياء الحب الذي كان هناك دائماً ويظل واقعنا (حقيقتنا الفعلية).

 

قواعد عملية:

إنّ مراعاة الأمور الهامة التالية سوف تساعدك كثيراً لدى تطبيقك العملي للمادة التي يغطيها هذا الموضوع:

1-    السلام العقلي هو هدفنا الأوحد.

2-    التسامح هو وظيفتنا الوحيدة والسبيل لتحقيق هدفنا وهو سلام العقل.

3-    يمكننا من خلال التسامح أن نتعلم عدم الحكم على الآخرين ورؤية كل شخص بدون عيوب بما في ذلك أنفسنا.

4-    يمكننا التخلص من الخوف حينما نكف عن إصدار الأحكام والتوقف عن إسقاط الماضي في المستقبل والعيش فقط في "الآن".

5-    يمكننا تعلم تقبل التوجيه من صوتنا الداخلي الحدسي الذي هو دليلنا للمعرفة.

6-    ولدى توجيه الصوت الداخلي لنا فإنّه سيقوم أيضاً بتقديم المعاني لإنجاز ما هو ضروري.

7-    ولدى اتباع التوجيه الداخلي للذات فإنّه كثيراً ما يكون ضرورياً الالتزام بهدف معيّن حتى حينما تكون وسائل تحقيقه ليست ظاهرة حالاً. ويعد هذا اتجاهاً معاكساً للمنطق الشائع في العالم والذي يمكن اعتباره بمثابة "وضع العربة أمام الحصان".

8-    إننا لدينا خيار في تحديد ما ندركه والمشاعر التي نشهدها.

9-    يُمكننا من خلال إعادة تدريب العقل أن نتعلم استخدام التخيل النشط الإيجابي الذي يمكِّننا من توليد صورة متحركة محبة إيجابية في عقولنا.►

 

المصدر: كتاب هندسة الجودة النفسية (سكة الإرادة.. الحب يعني التحرر من الخوف)

ارسال التعليق

Top