• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإحسان إلى (الشاب)

أسرة

الإحسان إلى (الشاب)
 1- الإحسان إلى (الشاب) في القرآن الكريم: أ- إشعاره أنّه نواة التحوّل، والقدرة على التغيير، والأمل في الإنفتاح والتجديد، ورمز الطموح والإبداع، وأنّه حركة الحياة في أبهى صورها، وأجلى معانيها: قال تعالى في الشابّ إبراهيم (ع): (إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاعِبِينَ * قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (الأنبياء/ 52-56). ب- توجيهه التوجيه السّليم في أنّه يمكن أن يكون إنسان الله، أو الشاب الرباني الذي يتباهى به تعالى في الملأ الأعلى: قال سبحانه في الشابِّ إسماعيل (ع): (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (الصافات/ 102). ت- تعليمه في كيفيّة التسامي والإرتفاع على شهواته المُنحرفة ونزواته الهابطة، وكيف يستعصم بالله ليكون مالكاً لنفسه لا أن تكون نفسه مالكةً له: قال عزّ وجلّ في الشابِّ يوسف (ع) بشهادة مَن جرّبت عفّته وتعاليه عن الإنحراف: (وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) (يوسف/ 32). وهي شهادة ذات قيمة، فهي صادرة عن المرأة التي أغرته بالفاحشة وتشهد له أنّه لم يستجب لها ولم يخضع للإغراء والجو الضاغط. ث- الإنفتاح به على عالم العطاء والفتوة والنُّبل والمروءة والشهامة، وخدمة الضعفاء، والإحسان إلى الآخر عند الإحساس بحاجته إلى ذلك: قال جلّ جلاله في الشابِّ موسى (ع): (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ) (القصص/ 17). ج- تكريس خصلتي (القوّة) الإيجابيّة النافعة المُسخّرة في خدمة الضعفاء، و(الأمانة) في الحفاظ على عفّة النفس وعفاف الآخر، وإشاعة جوّ من الأمن الإجتماعي الذي يشيع في النفوس حالة من السلام الداخلي. قال تعالى في الشابِّ موسى (ع) أيضاً وبشهادة مَن جرّبت قوّته وعفّته وأمانته: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ) (القصص/ 26). ح- الوصول به إلى درجة التواضع وعدم الإغترار بشبابه وقوّته وعصره وعلمه، وأنّه مهما أوتي من فهم وعلم وقوّة، لا يستغني عن تجربة والديه ووعظهما وإرشادهما وعلمها: قال عزّ وجلّ في الشابِّ يحيى (ع): (وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا) (مريم/ 114). خ- تهذيبه وإعداده ليكون إنساناً نفّاعاً مُباركاً عفيفاً مُلتزماً بأدب الله وأخلاقه ونهجه، وأن يكون مُستقيماً يُشار إلى استقامته بالبنان، وقدوة يُحتذى بها: وقال سبحانه في الشابة مريم (ع): (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) (آل عمران/ 43). وقال عزّ وجلّ في الشاب عيسى (ع): (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) (مريم/ 31). د- وأن يُدعى للإنضمام إلى الجماعة الصالحة التي تزيد في معرفته وحبِّه لله، وفي قوّته على تنفيذ برنامج الخير والإحسان والإصلاح: قال جلّ شأنه في الشبان (الفتية) من أصحاب الكهف: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) (الكهف/ 13).   2- الإحسان إلى (الشابِّ) في الأحاديث والروايات: أ- أن يهتمّ المعنيون بالشأن التربوي والتأهيلي بأخلاق الشابّ: كيف يكون متصالحاً مع نفسه ومع مجتمعه وأسرته ورفاقه في العمل: يقول الإمام الصادق (ع) في وصيّة (ورقة بن نوفل) لخديجة بنت خويلد (رض): "إعلمي أنّ الشاب الحسن الخُلق مِفتاحٌ للخير، مِغلاقٌ للشّر". ب- دعوته للإنخراط في الأعمال الخيرية والإصلاحية التي تزيد في معرفته وخبرته وإحساسه بقيمة ذاته، وتنعكس إيجاباً فيما يناله مجتمعه من خيره وبرِّه وإحسانه: يقول الإمام الصادق (ع) لأحد أصحابه: "عليكَ بالأحداثِ (الشُّبّان)، فإنّهم أسرَع إلى كلِّ خير". ت- أن يُعطى الشاب فرصته للعلم والتعلّم واضعاً نصب عينيه أنّ مساحة طلب العلم بمساحة العمر، أي من المهد إلى اللّحد، وأنّ التعلّم في مرحلة الفتوّة والشباب أبقى وأدوَم من التعلّم المتأخِّر، وأنّ الأساس العلمي والثقافي المتين سيجعل البناء رصيناً صامداً بوجه الزلازل والأعاصير والفيضانات: يقول رسول الله (ص): "مَن تعلّم في شبابه كان بمنزلةِ الرسم في الحَجَر، ومَن تعلّم وهو كبير كان بمنزلة الكتابة على وجه الماء". وقال (أيّوب) (ع): "إنّ الله يزرعُ الحكمة في قلب الصغير والكبير، فإذا جعل الله العبد حكيماً في الصِّبا، لم يضع منزلته عند الحكماء (على) حداثةِ سنِّه، وهم يرون عليه من الله نور كرامته". ث- أن يُدعى دائماً إلى التوبة والعودة إلى الله والإستغفار والندم على المعصية، ليعرف أنّ كلّ ابن آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوابون: قال رسول الله (ص): "إنّ الله يُحبُّ الشاب التائب". وعنه (ص): "فضلُ الشاب العابد الذي تعبّد في صباه على الشيخ الذي تعبّد بعدما كبرَت سنّه، كفضل المُرسلين على سائر الناس". وعنه (ص) كذلك: "سبعة في ظِلِّ عرش الله عزّ وجلّ يوم لا ظلَّ إلّا ظلّه: وشابٌّ نشأ في عبادة الله عزّ وجلّ". ج- وكما أنّ التعليم أساس تُبنى عليه شخصيّة الشاب، فإنّ أعمدة وأركان هذا البناء يجب أن تُشاد على طاعة الله تعالى، ومن أحسن الإحسان إلى الشاب أن يوجّه ويُنشّا في طريق عبادة الله تعالى: يقول (ص): "إنّ أحبّ الخلائق إلى الله عزّ وجلّ، شاب حدث السن في صورةٍ حسنة، جعل شبابه وجماله لله وفي طاعته، ذلك الذي يُباهي به الرحمن ملائكته، يقول: هذا عبدي حقّاً".   3- الإحسان إلى (الشابِّ) في الأدب: إذا لم تحاول في شبابِكَ غايةً **** فيا ليتَ شِعري في أيِّ وقتٍ تحاولُ ب- تغذيته بروح الأمل والرجاء، كما فعل يعقوب (ع) مع الشبان من أولاده في أن لا ييأسوا من روح الله في البحث عن المفقودين أو المُغيّبين، يوسف وأخيه بنيامين. قال الشاعر: وهدى التجاربِ في الشيوخ وإنما **** أملُ البلادِ يكونُ في شُبّانها وقال آخر مُخاطباً (نابتة البلاد) وهم الشباب في أنّهم أمل التجديد: أهلاً بنابِتَةِ البلادِ ومَرحبا **** جدّدتُم العهدَ الذي قد أخلَقا أخلَقا: أصبح بالياً، قديماً، عتيقاً، لم يعد ذا نفع وجدوى. ت- حثّ الشبان والفتيات على مواجهة الصعاب والتحديات وكسرها وقهرها بما يمتلكون من روح المُغامرة والجرأة والشجاعة والإقتحام. قال الشاعر مُخاطباً الشّباب في تجاوز الصِّعاب: كونوا كرقراقٍ بمدرَجةِ الحصِّ يتسرّبُ **** تأتي الصّخورُ طريقَهُ فيجوزهنّ ويذهبُ الرّقراق: الماء. يجوزهنّ: يتخطّاهنّ، يعبرهنّ، لا تمنعه الصخور من مواصلة حركته وسيره نحو مصبِّه (هدفه). يقول (عبّاس محمود العقّاد): "الشّبيبة نفحة من العبقريّة، ينالها كلّ إنسان، والعبقريّة نفحة من الشباب لا ينالها إلّا المُخلّدون". وقال (مارون عبّود): "وكنز العبقريّة المطمور لا ينبشه إلّا العامل المُثابر شيخاً كان أم شابّاً"! ويقول (محمّد علي علويّة): "على الشباب واجباتٌ ثلاثة: تربيةُ عقله، وتربيةُ نفسه، وتربيةُ بدنه، فإذا أهملَ واجباً من هذه الواجبات، فقد أهمل التوازن في حياته". نقول: لا يُترك للشّاب وحده مهمّة تربية عقله ونفسه وبدنه، فممّا لا شكّ فيه أنّه اللّاعب الأوّل في هذا الميدان، لكن لابدّ من الإحسان إليه عقليّاً ونفسيّاً وبدنيّاً، لتكون تلك من مهام المعنيين في بناء وتربية وتهذيب الشباب. وقد قيل: "يتوهّم الشّباب أنّ الطاعة أمرٌ شاقٌ على النفس، مُذلُّ لها، مُقيِّدٌ لحرِّيتها، والحقيقة أنّ الطاعة أساسُ بناء المجتمع، وسرّ انتظام الحياة فيه، وأنّ قوّة الجماعة وسلامتها تتوقّفان على الفضائل التي يتحلّى بها شبابها". ح- ومن الإحسان إلى الشبّان، الكشف عن مواهبهم وقدراتهم وما يمكن أن يفعلوه أو يُنجزوه من إبداعات وبطولات، وأنّ طموحاتهم وآمالهم يمكن بهمّتهم العالية، أن ترى النور: في بعض الحِكَم: "الشباب لم يُخلَق لينام فوق الحرير والأرجوان، أو ليتسكّع في المقاهي، إنّما خُلِقَ والبطولة توأمين يُكمل أحدهُما الآخر"! وقال (أحمد شوقي): شبابٌ قُنَّعٌ لا خيرَ فيهمُ **** وبُورِكَ بالشّبابِ الطامِحينا وفي (إيرلندا) يقولون: "إمدَحْ الشباب، وسوف يبرعم".   4- برنامج الإحسان إلى (الشباب): من برنامج الإحسان إلى الشباب الذي صاغه القرآن الكريم، وبلورته الأحاديث والروايات، وتفنّنت في التعبير عنه الحِكَم والأمثال والأشعار، يمكن أن تخلص إلى البنود الأساسية في لائحة الإحسان للشبان: 1- إتِّخاذ القدوة الحسنة والمَثَل الأعلى في الإحسان، فلكي أكون مُحسناً لابدّ من مَثَل أقتديه وأتأسّى به، فإذا كان مَثَلي الأعلى قريباً من الله مُحسناً للناس، فهناك أحطّ رحالي، لأنّه مرتعي ومنتجعي وموسمُ قِطافي. 2- الإحسان ليس مجرّد عاطفةٍ جميلةٍ أو شعور نبيل، هي معرفة أيضاً، فإذا تزوّدتُ بالمعرفة وأنا شابّ، ارتفعت نسبة الإحتمال في أن أكون مُحسناً. يقول رسول الله: "مَن أحبّ أن ينظر إلى عُتقاء الله من النّار، فلينظر إلى المُتعلِّمين"! ويقول الإمام الصادق (ع): "لستُ أحبُّ أن أرى الشاب منكم إلا غادياً في حالين: عالماً أو مُتعلِّماً، فإن لم يفعل فرّط، فإن فرّط ضيّع، فإن ضيّع أثم، وإن أثم سكن النار، والذي بعثَ محمداً بالحقّ". 3- من الإحسان إلى الشاب أن يُدعى دائماً إلى التعقّل في أموره، فهو ليسَ بحاجةٍ إلى النصيحة كيف يُحرِّك طاقته ويوظِّف اندفاعه وحماسته إلّا في حدود أن يضيف إليها شيئاً من التعقّل يُحسن إلى نفسه، وإلى أسرته، وإلى مُجتمعه. 4- مرحلة الشباب فرصة، موسم، مَغنَم، ولذلك دعا رسول الله (ص) إلى اغتنامها، أي الحصول على أكبر قدر من الغنائم فيها، ومن ذلك أن يُحسن الشاب إلى نفسه بالتعليم والعبادة وتنشيط قواه الخيِّرة، وتفعيل مشاعره الطاهرة، حتى تكون إحساناً يمشي على الأرض. كيف أحصل على ذلك؟ من قدوةٍ صالحةٍ، من مُربٍّ صالحٍ، من رفيقٍ صالحٍ، من زوجةٍ، صالحةٍ، من بيئةٍ ثقافيةٍ صالحةٍ، من تربيةٍ ذاتيةٍ صالحةٍ. 5- يقول الشاعر المهجري (نجيب صعب): شبابَ العُرْبِ إنَّ الشرقَ ليلٌ **** ومن لمعانِ نهضتكم شِهابُ وما برحت جموعُ الشّرقِ ترجو **** قيامَكُم.. وعندكُم الجوابُ إذا سارت قوافلُكُم لمجدٍ **** فلا ضيرَ إذا نبحت كِلابُ

ارسال التعليق

Top