د. إفلين عون بالاشتراك مع د. ماجد خضر
وفقاً للمفهوم الغربيّ للتغذية، يحتاج جسمُ الإنسان إلى سبعةِ عناصر من أجل التمتّع بالصحّة والحيويّة. وهذه العناصر هي: الكربوهيدرات والبروتينات والدهون والزيوت والمعادن والفيتامينات والإنزيمات والماء.
الكربوهيدرات: تُشكِّل المصدر الرئيسي للطاقة التي يحتاجها الجسم.
تَشمل الكربوهيدرات البسيطة (وهي ما يُشار إليها غالباً بالسكّريات البسيطة) السكَّر الأبيض والعسل وسيروبَي (عُصارتَي) الذرة والفركتوز. في الواقع تُمتصّ السكريات البسيطة بسرعة في مجرى الدم، وقد يزوِّد هذا الامتصاص السريع الجسمَ بدُفعة من الطاقة، إلّا إنّه غالباً ما يستتبعُ "هبوطها". مع مرور الوقت، قد يؤدّي طلبُ الجسم المُلحّ للإنسولين – وهو الهرمون الذي يضبط توازن السكّر في الدم – إلى إجهاد البنكرياس (المعثكلة). يُعرَف الإنسولين أيضاً بأنّه "هرمون تخزين الدهون"؛ من هذا المُنطلق بالذات، تمّ الربطُ بين السّمنة وبين استهلاك السكَّر الذي يحفّز تحرير الإنسولين. لا عجبَ في أنّ السكّريات البسيطة مُضرّةٌ بالصحّة!
تتواجد الكربوهيدرات المركّبة في الحبوب الكاملة والخُضر. وبما إنّها تُمتصّ ببطء في مجرى الدم، فهي تمنح الجسمَ الطاقةَ المنتظمة الكافية من دون أن تُجهدَ البنكرياس بالحاجة المُلحّة إلى الإنسولين. إنّها مفيدةٌ للصحّة!
البروتينات: تشكّل المادة الصلبة الأساسيّة للعضلات والأعضاء والغدد والعظام والأسنان والبشرة والأظافر والشعر. في الواقع، البروتين ضروريٌّ لبناء جميع أنسجة الجسم وترميمها، وهو مصنوع من اثنتَين وعشرين كتلة بنائيّة تُدعى الأحماض الأمينيّة. تسعةٌ من هذه الأحماض تُعتبَبرُ "أساسيّة"، إذ يعجزُ الجسمُ عن تصنيعها ويضطرّ بالتالي إلى امتصاصها من الغذاء.
تحتوي البروتينات الحيوانيّة على جميع الأحماض الأمينيّة الأساسيّة. مع ذلك، وبمعزلٍ عن الجدليّة القائمة حول كيفية تعليف الحيوانات تجاريّاً بالمضادّات الحيويّة والستيرويدات، من شأن الإفراط في تناول البروتين الحيواني أن يتسبّب بفرط نسبة الحموضة في الجسم. في الحقيقة، غالباً ما يكون اللحم التجاري غنيّاً بالأحماض المشبّعة؛ في حدوث مشاكل صحية. لذا، إن قرّرتم تناول البروتينات الحيوانيّة، الرجاء أن تحرصوا على تعديل الحموضة بواسطة أطعمة قلويّة، واختيار لحوم الحيوانات المغذّاة بالأعشاب العضويّة تملك البروتينات النباتية تركيبات متنوّعة من الأحماض الأمينيّة، التي إن جُمعت معاً (الحبوب مع الخُضر القرنيّة على سبيل المثال) تُكمّل بعضها البعض وتشكِّل ما يُمكن اعتباره بروتينات "كاملةً".
ليس من الضروري أن تُدمَج هذه البروتينات المتكاملة في الوجبةِ نفسِها، إذ يقوم الجسم بتخزين الأحماض الأمينية أوّلاً، ليستعين بها بعدئذٍ كمخزونٍ احتياطيّ من أجل تكميل البروتين. قد تؤدّي حالاتُ الإفراط في تناول البروتينات النباتية إلى فرط حموضة الجسم؛ لذا يجدر تناولها باعتدال إلى جانب الأطعمة القلويّة.
الدهون والزيوت: تلعبُ دور عناصر بُنْيَويّة في الأغشية التي تُحيط بخلايا الجسم والتي يصل عددها إلى التريليون. إنّها مصدر طاقةٍ مهمّ للجسم وتؤدّي وظائف مهمّة في تركيبة الخلايا الصحّية وصيانتها. تُقسمُ الدهون والزيوت إلى نوعَين رئيسيَّين:
الدهون المشبَّعة، وتتواجد بشكل كبير في المنتجات الحيوانيّة. تميل هذه الدهون إلى الاندماج معاً والترسّب في الخلايا والأعضاء والشرايين. وفي حال تمّ الإفراط في تناولها، قد يؤدِّي تكتّلها في الجسم إلى بروز مشاكل صحّية عديدة.
الدهون غير المشبّعة، وتتواجد بشكل كبير في الثمار الجوزيّة والبذور والخُضر (الذُّرة والزيتون). تَجري هذه الدهون في الجسم فتسمحُ للجزيئات داخل أغشية الخلايا بالتواصل أو الانفصال فيما تؤدّي وظائفها الكيميائية والنقليّة المهمّة. كذلك، قد يستتبع الإفراط في تناولها مشاكل صحّية.
المعادن: تَضبط التوازن الحمضيّ القلويّ والنشاط الهرمونيّ والإنزيمي وحركة الجهاز العصبي الكهربائيّة وعمليّة نقل الأكسجين في الجسم. تُعتبَر ضروريّة أيضاً لنموّ العظام والأسنان والعضلات وجميع أجزاء الجسم وصيانتها. يعجَزُ الجسمُ عن تصنيع المعادن، لذا عليه أن يستمدّها من الغذاء.
الفيتامينات: هي المسؤولة عن استقلاب البروتينات والدهون والكربوهيدرات وعن بناء أنسجة الجسم وتبادل الطاقة بين الخلايا. من المهمّ جدّاً تناول تنويعة واسعة من الأغذية بهدف الحصول على كمية الفيتامينات المُناسبة.
الإنزيمات: تنظِّم النشاط الكيميائي في جميع الكائنات الحيّة من خلال تسريع بعض التغيّرات في موادّ أخرى في الجسم وحثّها وتحفيزها. إنّها ضرورية لتفكيك الكربوهيدرات والبروتينات والدهون هضمها وامتصاصها. تتواجد الإنزيمات في الأطعمة الطازجة والمخلّلات (الأطعمة النيئة المحفوظة بالملح وغير المعقّمة). من شأن تسخين الطعام في المايكروييف (فرن الموجات الصغريّة) وطبخه ومعالجته بالأشعّة أن تقضي على الإنزيمات فيه.
الماء: حيويّ لتأمين جميع وظائف الجسم، بما فيها الحركة والهضم وضبط الحرارة، ويشكّل ثمانين بالمئة من وزن جسم الإنسان! إلى ذلك، يُعتبَرُ الماء أساسيّاً للوظيفة الاستقلابيّة ونقل الدهون وحرقها وتخلّص الجسم من السموم. ويجدر استخدام أنقى أنواع المياه الصالحة للشرب والطبخ والاستحمام من أجل تجنّب امتصاص الجسم لرواسب مبيدات الآفات والمعادن الثقيلة (بما فيها الرصاص الناتج عن الأنابيب القديمة المهترئة)، ومادّتَي الكلور والفلوريد.
تتواجد العناصر السبعة الأساسيّة في الفئات الغذائيّة التالية. الرجاء الحرص على تنظيم قائمة غذائكم بحيث تحوي جميع هذه العناصر. وفي حال عجزتم عن التزوّد بها في كلّ وجبةٍ من الوجبات الرئيسية، حاولوا أقلَّه الحصول عليها خلال مجمل النهار:
الكربوهيدرات: الحنطة الكاملة والخُضر القرنيّة والخضر والبذور والفاكهة؛
البروتينات: الخُضر القرنيّة ومنتجاتها، الأسماك والبذور والثمار الجوزيّة واللحم والبيض ومنتجات الحليب (اللبن)؛
الدهون والزيوت: زيوت الطبخ والثمار الجوزيّة، وزبدتها، والزبدة، والأطعمة الحيوانيّة؛
المعادن: الأملاح والخُضر البحريّة والخضر والسمك واللحم؛
الفيتامينات: الخُضر والفاكهة والخضر البحريّة؛
الإنزيمات: الأطعمة المُخمَّرة والخُضر النيئة والفاكهة؛
الماء: مياه الينابيع والخُضر والفاكهة.
وفقاً للدراسات الحديثة، تألَّفَ معظم نظام الإنسان الغذائي على امتداد آلاف السنين من أغذيةٍ نباتيّةٍ شملت الحبوب البريّة والجذور والخُضر القرنيّة والعساقيل والفاكهة ولحوم الطرائد. ففيما مضى، كانت الخُضر تنمو في تربةٍ غنيّة بالمعادن وبطريقةٍ تنسجم مع فصول السنة؛ كان لحم الطرائد هبراً وطريّاً جدّاً (كانت كمّيّة الدهون فيه أقلّ بثماني إلى عشرة مرّات من الدهون الموجودة في الدواجن الحديثة). في الواقع، كانت نسبةُ الخُضر المُتناوَلة إلى اللحوم الحيوانيّة ثلاثة إلى واحد؛ ونادراً ما كان الغذاءُ يشكّل مصدراً للأمراض.
نلاحظ حاليّاً أنّ العديد من تقاليد الحضارات الغذائية لا زال يرتكز على النظام الغذائي النباتي. ونذكر منها على سبيل المثال:
· آسيا: الأرزّ والآزوكي (فاصوليا يابانيّة حمراء)، ومنتجات فول الصويا، والخضر والسمك؛
· أمريكا اللاتينيّة: الذُّرة والخُضر القرنيّة والخُضر والدجاج؛
· الشرق الأوسط: الكُسكس والحمّص والخضر ولحم الضأن؛
· أوروبا الشماليّة: القمح والشعير والكاشا (مُستحضر من حبوب القمح الأسود)، والبسلّة المفلوقة، والخُضر المخلَّلة والسمك المُملّح؛
· أميركا الشماليّة: الأرزّ البرّيّ، الذّرة، الفاصوليا المخبوزة، الخُضر والسمك.
ما زالت نسبة الوفيّات المرتبطة بتلك الأنظمة الغذائية النباتية منخفضة نسبياً حتى يومنا هذا. ومع ذلك، في الكثير من البلدان اليوم، ولا سيّما بعد الثورة الصناعيّة، انقلبت نسبة الخُضر إلى الأغذية الحيوانيّة، لتُصبحَ واحداً إلى ثلاثة. وبدلاً من اتّباع نظام غذائيّ يرتكز على الخُضر الكاملة، هَيمنت على خياراتنا الغذائيّة: مطاعم المأكولات السريعة التي تركّز على اللحوم الحيوانيّة والمزارع التجاريّة الضخمة المزدهرة التي تستخدم مبيدات الآفات والترب المُستنفَدة؛ والبذور المفرطة المعالجة المحتوية على قليلٍ من المغذّيات والخالية من الألياف، والإفراط في تناول منتجات الحليب والسكّر. إنّ نسبة الخضر إلى اللحوم؛ باتت واحداً إلى ثلاثة، وغالباً ما تُعزى مئات الأمراض إلى هذا النظام الغذائيّ الحديث.
في حال كنتم تتساءلون عن ماهيّة "الأطعمة الكاملة"، نُفيدكم بأنّها أطعمة غير مُعالَجة تبقى قدر الإمكان على حالها الطبيعيّة (ولا تتضمّن الأطعمة المعلّبة والمجفّفة أو المحتوية على موادّ حافظة، إلخ). من المهمّ أيضاً عند اختيار نظامٍ غذائيّ يرتكز على الأطعمة الكاملة، أخذ نوعيّة الطعام بعين الاعتبار. كما من الأهميّة بمكان انتقاء أطعمةٍ عضويّة من أجل الحصول على أكبر قدر من المغذّيات، ودعم المزارع العضويّة والامتناع عن تشجيع استخدام المبيدات بسبب الآثار السلبيّة التي تخلّفها الأخيرة على الجسم والحياة البرّية والبيئة.
تعترف منظّمات الصحّة المحلّية والعالميّة بالأنظمة الغذائيّة النباتيّة التقليديّة التي تركّز على الأطعمة الكاملة، وتُقرّ بأنّها الأكثر تعزيزاً للصحّة وذلك بفضل غناها بالمغذّيات والألياف واحتوائها على كمّيّات ضئيلة من الدهون.
سوف أوسّع قليلاً إطارَ هذا النوع من الأنظمة لأضمّنه الأغذية العضويّة، قاصدةً بذلك اعتمادَ الأنظمة الغذائيّة النباتيّة المرتكزة على الأطعمة الكاملة العضويّة كأفضل خيارٍ غذائيٍّ لعائلتي الخاصّة ولكم أنتم أيضاً.
المصدر: كتاب لمسة شفاء/ الجزء الثاني (تقنيات ووصفات منزلية لأجل الصحة والجمال)
ارسال التعليق