• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

آيات العظمة والتدبير في الذرة

آيات العظمة والتدبير في الذرة

(وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الذاريات/ 49).

الذرة هي أصغر جزء في هذا الكون – هكذا كان يظن – ولكن الإسلام، ولكن القرآن الكريم، كان لهما كلام آخر في ذلك.

فالقرآن الكريم يصرح ويقول: إنّ لا صحةَ لما تقولون!.. والحقّ في غير ما تذهبون إليه!.. أيّها الناس.. ومن كلّ شيء خلقنا زوجين.. الذرة ليست أصغر جزء في الكون!..

صدق الله، وصدق رسول الله (ص) تقدم العلم، بجهود بذلت، وعلماء عملوا، وفجأة يخرون إلى الأذقان سجداً لله – طوعاً أو كرهاً – مقرين مذعنين لقوله تعالى: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) وقوله سبحانه: (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) (يس/ 36).

ماذا حدث أيّها العلماء؟!

ماذا رأيتم في هذا الكون، وفي الذرة بالذات؟!

نبئونا بربّكم.. أخبرونا.. تكلّموا ماذا أراكم العلم؟..

مهلاً مهلاً.. لا تستعجلوا الجواب.. ولا تذهبن بكم المذاهب، لقد جاءنا من ربنا نور وهدى!.. أيّها الناس! الذرة ليست أصغر جزء في هذا الكون، هكذا أخبرنا العلم.

الزوجية ظاهرة في الذرة سواء في عدد "البروتونات" الذي يقابله نفس العدد من "الإلكترونات" وفي الشحنة السالبة تقابلها الشحنة الموجبة. وهكذا تظهر الزوجية في كلّ شيء غير الذرة، سمها ما شئت: سالب وموجب، حار وبارد، ذكر وأنثى، دفع وجذب، وغير ذلك.

 

الروعة والدقة في الذرة:

الذرة تتكون من الناحية المبدئية من ثلاثة أجزاء: "البروتون" في المركز، وله شحنة موجبة، وفي مداره الخارجي يوجد "الإلكترون" وله شحنة سالبة، و"النيوترون" وشحنته حيادية، وإنّ عدد "البروتونات" الموجودة في النواة تساوي عدد "الإلكترونات" المتواجدة في المدارات الخارجية، وبهذا تتوازن الذرة من الناحية الكهربائية. وأما التوازن في الوزن فيقوم به "النيوترون" مع "البروتون" حيث يوازيه بالوزن، فإنّ وزن البروتون على وجه التقريب هو "جزء من مليون مليار مليار" من الغرام، والنترون يقارب هذا الوزن، أمّا وزن الإلكترون فهو يساوي (1-1837) من وزن البروتون ويعادله في الشحنة الكهربية أمّا مقدار الشحنة الكهربية لكلّ منها تساوي (6/1 × 10 سالب 19) كولوم، وهناك فراغ هائل بين النواة المكوّنة من البروتونات والنيوترونات والتي قطرها أقل من قطر الإلكترونات التي تدور حولها بـ"عشرة آلاف مرة" وإنّ سرعة دورانها (3000) كيلومتر في الثانية، أو مليوني دورة حول نفسها في الثانية.

فانظر إلى عجيب صنع الله جلت قدرته!

أليس في هذا التكوين من العظمة والدقة المتناهية، ما يدعو إلى الدهشة والحيرة؟!

ألا يدعو هذا النظام البديع في هذا المخلوق المتناهي في الصغر أن نخرّ ساجدين للخالق العظيم، الذي خلق كلّ شيء فأحسن خلقه؟!

 

اختلاف الذرة:

تختلف المادة باختلاف ذراتها، أي ما تحمله كلّ ذرة من عدد الإلكترونات والبروتينات. فأبسط ذرة "الهيدروجين" حيث تحمل بروتوناً واحداً وإلكتروناً واحداً، وهكذا يتدرج بناء الذرات حتى يصل إلى (103) كما وصلت إليه سلسلة (الاكتانيوم).

إنّ اختلافاً بسيطاً في الذرات يدهش العقول ويحيّر الألباب، فمثلاً (الهليوم) يحمل اثنين من البروتونات، فهو على شكل غاز من الغازات الخاملة، بينما "الليتيوم" يحمل ثلاثة من البروتونات، فهو على شكل معدن، ومن المعادن النشطة.

تغيير بسيط، وهو زيادة بروتون واحد، يجعل العناصر الغازية الخاملة، عناصر معدنية نشطة.

ما هذا اللغز العجيب؟!

هل بامكان العلم[1] والعلماء حل هذا اللغز؟!

كلا ثم كلا، لا يحلّه إلّا القرآن الكريم قال تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (الحجر/ 21)، (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) (الرعد/ 8).

إنّ في الذرة الواحدة آيات وآيات تدلنا على عظمة الخالق – جلت قدرته – فإذا كان قطر الذرة الواحدة يساوي "جزءاً واحداً من مائة جزء من السنتمتر". فما عدد الآيات في هذا الكون الفسيح الذي لا يعلم نهايته إلّا الله – عظمت آلاؤه –؟. علينا أن نعرف عدد الذرات في الكون، لنعرف من خلالها عدد الآيات، وهيهات هيهات، أن يصل إلى ذلك علم البشر.

هكذا يقرر القرآن الكريم هذه الحقيقة العلمية، في وقت جهل الإنسان بدقائق الكون، وفي وقت اكتشافه لجوانب منه، على حد سواء:

(وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ[2] إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (لقمان/ 27).

 

المصدر: كتاب آيات الله في الآفاق وفي الأنفس


[1]- نحن هنا لا نريد أن ننقص من قيمة العلم وأهميته، ولا نريد أن نقول بأنّ العلم يخالف الدّين، نحن نعتقد أنّ الدين والعلم توأمان لا يفترقان، يؤيد أحدهما الآخر ويعضده، وخاصة دين الإسلام، دين العلم والدليل والبرهان: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (الزمر/ 9)، (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة/ 111).

ولكن نقول: إنّ العلم مهما بلغ لا يزال في أوّله، وما زال البشر لم يؤتوا منه إلّا قليلاً: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا) (الإسراء/ 85). وفي هذا إغراء للإنسان للمضي قدماً في طلب العلم واكتشاف مجاهله، وتحذير من الوقوع في براثن الغرور إذا انفتحت له بعض أبواب العلم.

[2]- كلمات الله: آيات الله.

ارسال التعليق

Top