إنّ المهارة الأكثر أهمية التي سيحتاج إليها طفلك طيلة حياته المدرسية هي القراءة، فمهما كانت المادة التي يدرسها، فعليه أن يكون قادراً على القراءة لفهمها. ومدى إتقانه للقراءة ومحبته لها سيكون عاملاً مهماً في درجة نجاحه في كلّ المواد.
قد تكونون على علم بأنه كان هناك كثير من الجدل حول موضوع تعليم القراءة. أحد مظاهر هذا الجدل يتمحور حول ما إذا كان يجب الانتظار ما إلى أن يبلغ الأطفال السنة السادسة من أعمارهم ويصبحون في الصف الأول للبدء بتعليمهم القراءة، أم يجب تعليمهم القراءة في وقت أبكر من ذلك. والمظهر الآخر لهذا الجدل يتمحور حول ما إذا كان يجب على الوالدة (أو الوالد) محاولة تعليم الطفل القراءة قبل أن يلتحق بالمدرسة أو أن معلمة المدرسة فقط هي المؤهلة لتعليمه القراءة. تلقي الأبحاث التي أجرتها الدكتورة دولوريس دوركين بعض الضوء على الإجابة عن تلك الأسئلة.
درست الدكتورة دولوريس الأطفال الذين تعلموا القراءة قبل التحاقهم بالمدرسة. وأرادت معرفة كيف تعلم هؤلاء الأطفال قبل تلقيهم اي إرشادات منهجية حول القراءة في المدراس. قامت بالدراسة على 5103 من أطفال الصف الأول في مدراس أوكلاند الرسمية في كاليفورنيا. ومن كل هذه المجموعة كان تسعة وأربعون طفلاً قد تعلموا القراءة فعلاً في بيوتهم قبل الالتحاق بالصف الأول. لقد تابعت هؤلاء الاطفال خلال السنوات خمس، مختبرة إنجازاتهم في القراءة في كل سنة من هذه السنوات. وقد بقيت مجموعة القارئين المبكرين متقدمة على الآخرين طوال السنوات الدراسية الخمس، يقدم بحث الدكتورة دولوريس الدليل على أن الأطفال الذين يتعلمون القراءة في وقت لا حق لا يستطيعون اللحاق بالقارئين المبكرين حتى الصف الخامس في الحد الأدبي، وهو الحد الزمني الذي انتهت عنده اختباراتها على هؤلاء الاطفال. كيف أمكن لهؤلاء القارئين المبكرين أن يكونوا هكذا؟ وجدت الدكتورة دولوريس دوركين أنهم لم يكونوا بالضرورة مختلفين عن الأطفال الآخرين في ذكائهم أو شخصياتهم. لم يكن الاختلاف في الاطفال بل كان في أهلهم وخاصة في أمهاتهم. فقد وفرت الامهمات بيئة منزلية أكثر تحفيزاً لأطفالهن، وهكذا تعلموا القراءة مبكراً. ولكي نقدم مثلاً أكثر تحديداً نقول إن كل واحدة من هذه الأمهات التسع والأربعين كانت قد وفرت لطفلها في المنزل سبورة، بدأ يرسم ويكتب عليها قبل أن يلتحق بالمدرسة.
في دراسة ثانية في مدينة نيويورك على ثلاثين طفلاً كانوا قد تعلموا القراءة قبل الالتحاق بالصف الأول. وقارنتهم بمجموعة مكونة من ثلاثين طفلاً لم يكونوا قارئين مبكرين ولم يكونوا يستطيعون القراءة عندما التحقوا بالصف الأول. كانت المجموعتان متطابقتين من ناحية الذكاء الفردي،. وحيث إن المجوعتين قد تعلمت القراءة مبكراً إلا ان أطفال المجموعة الأولى كانوا أكثر ذكاء من أطفال المجموعة الثانية.
نتائج
كانت أهم النتائج التي وصلت إليها الدكتورة دوركين:
ماذا فعلت أمهمات القارئين المبكرين لأطفالهن في بيوتهن أكثر مما فعلت الأمهات الأخريات؟
لقد قرأن لأطفالهن قبل أن يلتحقوا بمدارسهم.
لقد وفرن في منازلهن من المواد ما أثار في أطفالهن الأهتمام بالقراءة. وفرن الورق والأقلام ليقمن بالخربشة والرسم والكتابة. كان لديهن الكتب المشتراة والمستعارة من المكتبة العامة. كان هناك سبورة في المنزل أيضاً. لقد أثرن فضول أطفالهن، وشرحن معاني الكلمات لهم وساعدهن في تعلم الكتابة.
هؤلاء الأمهات لم يكن مختلفات عن الأمهات الأخريات في ما فعلنه مع أطفالهن فقط. بل في أفكارهن واعتقاداتهن أيضاً. فقد اعتقدن أنهن يجب أن يقدمن المساعدة في مهارات كالقراءة إلى أطفالهن في مرحلة ما قبل المدرسة، وتحدين الاعتقاد الراسخ بأن المعلم المؤهل فقط هو من يعلم الطفل القراءة. كل هذه النتائج التي ذكرتها آنفاً تم قياسها والتعبير عنها في شكل نسب مئوية مختلفة بين مجموعيتين من الأمهمات. وهذه الاختلافات وجد أنها ذات دلالة كبيرة من الناحية الإحصائية. وعلى الرغم من ذلك، كانت هناك نتائج مهمة أخرى للدكتورة دوركين لم يكن من الممكن قياسها بسهولة، إلاّ أنها وجدت أنها تمثل فرقاً حقيقياً بين مجموعتي الأمهمات.
أمهات الأطفال الذين لم يتعلموا القراءة مبكراً وصفن أنفسهن (مشغولات). وهذه الكلمة برزت مرة أخرى بعد في الطريقة التي تحدثن بها عن أنفسهن وعن حياتهن. قلن إنهن مشغولات جداً ليقمن بأشياء خاصة لأطفالهن، فيما لم تتحدث أمهمات القارئين المبكرين عن أنفسهن بهذه الطريقة. ولكن عندما قارنت الدكتورة دوركين مجموعتي الأمهات وجدت ان أمهات الأطفال الذين لم يقرأوا مبكراً لم يقمن في الحقيقة بأمور أكثر ولم يكن لديهن مسؤوليات أكبر مما لدى أمهمات القارئين المبكرين.
بدا أيضاً أن أمهمات القارئين المبكرين تمتعن كثيراً بالأشياء التي قمن بها مع أطفالهن. وقد عبرت إحدى الأمهات عن ذلك بالقول: " لقد استمتعت بذلك الطفل"؟ على سبيل المثال، الأم التي تصطحب طفلاً على شراء حا جاتها العائلية ستعتبر طفلها مصدراً للإزعاج والمضايقة بينما تحاول إنجاز عملية التسوق بسرعة وفعالية. أما والدة القارىء المبكر فقد يكون لديها المسؤوليات نفسها تماماً- شراء حاجات العائلة- ولكنها تجعل التسوق نوعاً من المغامرة بالنسبة إلى طفلها في مرحلة ما قبل المدرسة: "دعنا نرى ماذا تقول هذه الكلمات على علب الحبوب المختلفة".
إذاً أظهر بحث الدكتورة دوركين أن الأطفال يمكن تعليمهم القراءة مبكراً في البيت، وبينت أن القارئين المبكرين يتقدمون على الأطفال الآخرين في دروسهم ويحافظون على تقدمهم في إنجازات القراءة حسب اختباراتها لهم في المدرسة الأبتدائية (الصف الخامس). إن نتائج أبحاث الدكتورة دوركين مدهشة في آثارها بالنسبة إلى أمهمات الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة، فهذه النتائج تعني أنك إذا أردت لطفلك أن يكون ناجحاً في المدرسة يمكنك فعل ذلك. وهي تعني إنك إذا هيأت له بيئة محفزة في سنوات ما قبل المدرسة، فمن المرجح بأنه سيكون ناجحاً في المدرسة.
لا ينحصر تعلم الأطفال للقراءة بمن هم في سن السادسة أو في الصف الأول، لكن هناك أدلة بحثية واضحة على بعض الأطفال يكونون ناضجين بما فيه الكفاية لتعلم القراءة وهم في سن الرابعة، وبعضهم في السادسة، والبعض الآخر ليس قبل السابعة أو الثامنة. الكثيرون في حقل تعليم الطفولة المبكرة ويقولون: "لم العجلة؟ لماذا نعلم طفلاً في الرايعة أو الخامسة القراءة بينما هو لا يملك (الاستعداد) لها؟ لماذا نسلب منه طفولته؟".
فوائد
هناك فوائد عقلية وعاطفية ومن أهمها: أولاً، تعطي القراءة لطفلك زيادة كبيرة في استقلاليته واعتماده على نفسه وانضباطه الذاتي.
ثانياً، القراءة تفتح العديد من الآفاق الفكرية أمامه، إذ تصبح لديه عندئذ إمكانية الوصول المستقل إلى قدر كبير من المعومات وتنفتح أمامه أبواب المتعة التي كانت مغلقة قبل أن يتعلم القراءة.
ثالثاً، إذا قدمت إرشارات القراءة لطفلك قبل أن يلتحق بالصف الأول، فهذا سيخفف الضغط عنه، لانه بذلك يكون قد استعد وتهيأ وتدرب على الأساسيات لتعلم القراءة، وهذا سيجعله يوفر جهداً على نفسه وعلى المعلمة التي سوف تعلمه في الصفوف الأولى لأنه قد تخطى مرحلة التدريب الأولى.
رابعاً، الأطفال في سن الرابعة والخامسة يجدون تمارين الصوت ممتعة. فهم يحبون التكرار ويحبون اللهو بوقع الأصوات في اللغة. ويمكنهم الاستمتاع بالتدريب الصوتي والتكرار.
وهناك فوائد عقلية لتعليم القراءة لطفل في الرابعة أو الخامسة من العمر، بل أن هناك فوائد عاطفية أيضاً، فتعليم القراءة يدعم كثيراً مفهوم الطفل الذاتي عن نفسه. وهو يزيد مشاعر الكفاءة والثقة الذاتية عنده. إن هذه المهارة الجديدة تمكنه من قراءة الكتب، وقراءة اللافتات والإرشادات، وفهم التعليمات، وفهم وإدراك عالمه بطريقة لم يكن قادراً عليها من قبل.
أما أصحاب مدرسة (لم العجلة؟): راجعوا مسلماتكم. إن تقديم إرشادت القراءة لطفلك في مرحلة ما قبل المدرسة هو أمر جيد. ولكن هناك بعض التحفظات عندما يتعلق الأمر بمسألة تعليم الوالدين القراءة لأطفالهما. لا للضغط على طفلك لفعل أي شيء حتى لو كان تلوين الأصابع هو أمر سيئ. ومن نتائجه أن يصبح مقصراً دراسياً في دروسه، في محاولة غير واعية منه لمعاقبتك على الضغط المبكر عليه. إن هذا النوع من الضغط ينعكس سلبياً في نفسيته وتحصيله الدراسي.
الأم التي تحاول الضغط على طفلها ليتعلم القراءة أو أي شكل آخر من أشكال النشاط العقلي ستنهي إلى أن تؤذيه أكثر مما تنفعه. هذه الظاهرة صورت بشكل طريف في مقالة قصيرة عنوانها " قصة حياتي" لشيلا غرينووولد: "من يوم ولادتي نظر والدي إليّ على أنني سأكون من الناجحين. عندما بلغت السنتين من العمر اصطحبني إلى الروضة علموني الكتابة. قال لي لا تضيعي وقتك، وإلا ستكونين من الخاسرين، عندما بلغت عامين ونصف العام أرسلني إلى المدرسة. كنت ممتازة في بشر الجزر. ولم يكن وقت لعبي عبثاً أو ضائعاً. تعلمت أسماء الألون والحروف وبنيت علاقات جيدة. في سن الثالثة علمتني أمي القراءة. قالت لي لا تضيعي وقتك، وإلا ستكونين من الخاسرين. لم يهمل والداي الجانب الاجتماعي من نموي. فقد التقيت باطفال آخرين وبعد المدرسة كنت ألعب معهم، قالا لي لا تضيعي وقتك، وإلا ستكونين من الخاسرين، والآن وقد بلغت الرابعة أشعر بالثقة. سألتحق بروضة الأطفال التي اختارها لي، وسأسير في طريق النجاح وعندما أكبر أود أن أصبح ربة بيت".
هذا المقال يلقي الضوء على الضغوط التي يتعرض لها طفلك لأنك تريدين أن تحشي عقله بالعلم ولكن تمهلي، علمي طفلك القراءة في سن مبكرة، هذا سيفيده لكن لا تحاولي الضغط عليه، لأنك ستدفعين ثمن ذلك مشكلات عاطفية سوف تجره إلى عيادات الأخصائيين النفسيين في مرحلة لا حقة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق