• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

فكر منظم ومراقب

د. أحمد توفيق

فكر منظم ومراقب
◄من يتعلم كيف يراقب ويضبط فكره، يتعلم كيف يسيطر على مصيره. انّنا مرتبطون بعالم أفكارنا. والإنسان الذي يتعلم كيف يغير أفكاره ونواياه بوعيه الخاص، باستطاعته تغيير مصيره، هكذا قضت حكمة الخالق عزّ وجلّ.

انّ القوى السالبة التي تعمل في حياتنا سوف تذوب وتندثر عند تجاهلنا لها، وعند التفكير بطريقة إيجابية بدلاً عنها.

وسلوكنا الخارجي الظاهر، إنما هو نتيجة عفوية أوتماتيكية لخيالاتنا وتصوراتنا العقلية الواعية الظاهرة أو الباطنة التي تعمل ما دون الشعور والوعي.

وانّنا ننجذب باستمرار إلى ظروف وأحوال وحوادث تكون أحياناً مخالفة ومضادة لإرادتنا الواعية الموضوعية، ولكن نادراً ما تكون مخالفة لإرادتنا وتخيلاتنا وتصوراتنا الغير واعية.

انّ أغلب تخيلاتنا وتصوراتنا العقلية غير شعورية، نأخذها من تجارب شخصية سابقة أو تجارب وراثية متأصلة في أسلافنا. كما انّ هنالك كثير من الصور والأفكار مخفية في عمق وجودنا وعقلنا الباطن ولا يدري عنها وعينا الظاهر شيئاً.

وانّ نماذج وتصورات وأفكار عقلنا الباطن يمكن تغييرها. فنحن الذين أودعناها في عمق عقلنا الباطن، ويمكننا اجتثاثها من جذورها وتغييرها وزرع أفكار وتصورات بدل عنها.

العقل كالمغناطيس يجذب ما يتناسب ويماثل ما يدور في باطنة من أفكار وخيالات وتصورات. فكلّ شيء في حياتنا نتيجة للفكر. وحتى نسمو في حياتنا علينا غرس نماذج من الصور والأفكار الإيجابية البناءة.

إذا كان القلق والخوف يسيطر عليك، فأملأ نفسك باليقين والإيمان. فالإيمان يغلب ويطرد الخوف والقلق والأفكار السلبية. فكلّ نوع من الفكر يعدّل ما يعاكسه من الفكر ويزيله.

فإذا قلت لنفسك انني لست بصحة جيدة وانني أشعر بالإرهاق والتوتر والاعياء. بإمكانك أن تغير هذا القول بقولك انّني بخير وصحة وعافية وسوف أكون متمتعاً بنشاط وحيوية، هذا القول وهذا الفكر سوف يشعرك بتجدد الحيوية والنشاط والعافية. فانكار الحالة السالبة يجعلها تختفي. وإثبات وتأكيد الحالة الموجبة المرغوبة يجعلها تظهر وتعطي أثراً إيجابياً.

لقد أصبح جسمنا وعقلنا وأحوالنا محتقنة وذلك بربط أنفسنا بالخوف، والفقر، والمرض، والحساسية والعجز حتى أصبحنا بحالة من الركود والجمود الجسدي والعقلي.

لنفسح مجالاً للنفحة وللروح والشرارة الإلهية السارية في أعماقنا، فليس هنالك من ملجأ سواها. ولنجعل الارتباط والاتصال مباشراً، ولنسلم أمرنا لله في أعمالنا وأحوالنا.

لندع وعينا العميق يظهر هذا الاتصال والارتباط مع الخالق سبحانه، فصوت الحقّ يدعو إلى هذا الوعي وهذا الهدى والارتباط.

لنوجه أفكارنا إلى النقاء والصحة والكمال والجمال والسلام في الوجود من حولنا، وسوف يعم النور والبهجة والسمو وجودنا.

وعند دوام تمثلنا للخيال والصورة التي ترغبها، فإننا نغدو إنعكاساً لهذا الخيال وهذه الصورة.

كما أنّ نظرتنا لأنفسنا وذواتنا تنعكس على الأفراد من حولنا. فإذا كان لديك ثقة بنفسك، فإنّ الآخرون يثقون فيك. كما انّ نظرتك الشخصية لنفسك توجه طريقة عملك وسلوكك.

انّ كلّ نشاط للعقل له قابلية حتمية لخلق ما يساويه ويطابقه مادياً. فعقلنا كمصنع بالنسبة لنا وأفكارنا هي أدواتنا التي ينبغي أن نستعملها بحكمة وبصورة إيجابية بناءة.

وبربط عقولنا وفتح قلوبنا للروح الإلهي المقدس الذي تكمن نفحه منه في أعماق كياننا، فإننا نملك الصفات السامية التي هي من طبيعتها.

هذا يتطلب نوع محدد من الفكر، وتوجيهه دوماً إلى تصور الرغبات والنعم التي نصبو إليها.

من خلال عقولنا نحن على إتصال بالحكمة الإلهية المقدسة لأخذ الإلهام والإرشاد منها. فعلينا توجيه عقولنا إلى الحضور الإلهي الباطن في أعماقنا لنستلهم ونستقبل حكمته وذكائه وعلمه اللانهائي.

علينا تعلم الاتصال مع هذا الحضور الإلهي في داخلنا والذي هو أقرب إلينا من حبل الوريد، وأخذ النصح والإرشاد من خلاله لنسمو بأنفسنا وننعم بفضله ونعمه.

ما يعتقده المرء عن نفسه وعن علاقته بالناس الآخرين، وأفكاره عن موقفه من الخلق والخالق والعالم من حوله يقرر طريقة حياته.

رغبتنا في أن نحب، ومستوى قلقنا وشعورنا بالذنب أو الرضى عن أنفسنا ومن حولنا وحاجتنا للتقدير والشعور بالقوّة والشجاعة والأمل. هذه جميعها تتأثر بتوجهنا الفكري وفلسفتنا ونظرتنا للحياة.

ونحن نرى مدى الصلة القوية بين نظرتنا الفلسفية للحياة والوجود وتأثيرها على صحتنا الجسدية والنفسية.

الشواهد السريرية لا تحصى عن أمراض الضغط، والتلبك المعوي والمعدي، والأمراض الصدرية وغيرها من الأمراض الجسمية تثبت بوضوح ارتباط العقل والجسد. فسلوكنا، وأفكارنا، وأهدافنا وفلسفتنا الشخصية بالنسبة للحياة، لها علاقة مباشرة وتأثير مباشر على صحتنا.

أفكارنا تحت تأثير قانون يظهر مادياً في حياتنا ما تحتوي عليه هذه الأفكار. لذلك من المهم الانتباه إلى نوع الرغبات والأهداف التي تدور في خلدنا وعقولنا.

وانّ الذكاء الإلهي في أعماقنا يؤهلنا للعيش بنجاح وبصحة جيدة وشباب دائم، ويهدينا للصراط المستقيم.

لنوجه أفكارنا بهدوء وثقة للنبع الداخلي، والروح المقدس في أعماقنا، ولنستمد منه الهدى والإرشاد والسكينة والسلام.

العقل هو القوّة الخلاقة في كياننا، وحين يأخذ هذا العقل أنموذجه من الروح والشرارة والنفخة الإلهية في داخلنا ويتمثلها، فإنّه يتجدد أوتوماتيكياً، ويجدد الجسم وظائفه حيوية وكمال.

ففي كيانك تكمن الروح والنفخة الإلهية والقوة المستعدة دوماً لمعونتك في الأزمات وكلّ الأحوال، وشفاءك من الأمراض، وحفظك من كلّ مكروه. فتوجه إليها بثقة كاملة وإيمان عميق. وإذا أردت دوام الصحة الكاملة لذاتك يجب عليك أن تبقي نظرتك العقلية، وتوجهاتك الفكرية على نماذج متقنة من الصحة الكاملة.

المرض خبرة، ولكنه ليس ضرورة إنسانية. ومعاناة الإنسان ما هي إلا نتيجة سوء استعماله لطبيعته الإنسانية الحقة.►

 

المصدر: كتاب كيف تتحكّم في طاقاتك الخفية الذهنية، الجسمية والروحية

ارسال التعليق

Top