• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

ما هي أحسن لحظة في حياتك؟

ما هي أحسن لحظة في حياتك؟
◄التفوق، تفاهم الأب والأم، إستضافة الأولاد يوم الإجازة، موقع مرموق، قدر معقول من المال، طاعة الله والقناعة، من منا تسعده وتريح قلبه دقائق الصلاة الغالية أكثر من تحقيق ربح تجاري؟! لا مانع من أن نفرح بالخير والرزق الحلال يأتينا من الله، ولكن الحضور في العبادة والإخلاص في الطاعة واجب شرعي يسبق هذا كله. الإنطباع الأولي عن البشر قد لا يعبر عن الحقيقة، ففي زحام الحياة الشديدة قد تلتقي بعضهم وتظن للوهلة الأولى أنهم لا يعانون أي منغصات في الحياة، وحينما تتجاذب معهم أطراف الحديث تجد الأمر مختلفاً، والظاهر لا يعبر عن الباطن، فكل منهم لديه مشكلة أو مشكلات تكدر صفو حياته، الأمر الذي يجعله يتطلع بشغف وتوق إلى لحظة سعيدة في الحياة. لتحقيق هذه المسألة إلتقينا عدداً من الصبية والفتيات والرجال والنساء للتعرف على اللحظة التي يحلمون بها، ورؤية الدين وعلم النفس لتقديمها عبر هذه السطور. عمرو محمد (10 سنوات): أبي يعمل في القوات الجوية، راتبه ليس قليلاً، ينفقه علينا، ولكن أمي غير راضية، وهي تظن أننا سنسعد أكثر لو إنتقلنا إلى شقة جديدة أو إذا اشترت لنا ملابس أغلى، إنها لا تعرف أن لحظة السعادة – "الفرحة" – التي أجدها هي اللحظة التي نراها قد توقفت عن الشجار مع أبي حول المال وغيره. داليا خالد (12 عاماً)، طالبة بالمرحلة الإعدادية: قال لنا معلم اللغة العربية إنّ الأشياء المحيطة بنا لا تحزن ولا تسعد، ولكني أفرح وأرى الكون كله كذلك كلما جلستُ إلى أمي أحكي لها كل ما يحدث معي، من تفاهات وأمور عظيمة، وحتى دروسي أذاكرها ولا أفهم منها شيئاً إلا حينما أجلس بجوارها، بصراحة الدنيا هي أمي، لكنها عندما تزوجت بعد طلاقها من أبي لم يعد للحياة طعم، وأظلمت الدنيا في وجهي، فكم كنت أتمنى أن تسود بينهما علاقات الود والحب، وأسعد بجانبهما، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه. أم رحاب (ربة منزل 46 عاماً): حينما كنت صغيرة كنت أتخيل أني حينما أبدو جميلة في العيون فإنّه شيء عظيم، وبعدما عرفت الحياة أصبحت أوصي بناتي – حتى بعد زواجهنّ – بأن يحرصن على جمال الروح فإنّه الأبقى. اللحظة الحلوة التي أحياها وأنتظرها كلما بعدت هي تلك التي يتجمع فيها أبنائي من حولي، المتزوج منهم والمتزوجة.. كل جمعة أقضي يوماً كله سعادة وحين يخرج الرجال لصلاة الجمعة أخلو بزوجات الجميع لا أستطيع أن أعبر عن مقدار هذه السعادة حينما أسمع إليهنّ وأتأكد من توفيقهنّ، لأحاول حل مشكلاتهن.. بصراحة أنا أحيا هذه اللحظة. رجاء رشدي (طالبة جامعية): لحظة الهناء التي أنتظرها هي لحظة تفوقي، فأنا طوال سنوات تعليمي أجتهد انتظاراً لها، لحظة سعادتي هي لحظة التميز، فأنا طالبة في الدفعة هذا أمر عادي، ولكنني أعمل طوال العام وأجتهد في المذاكرة، وأحضر جميع المحاضرات، لكن كله يهون إنتظاراً للحظة ظهور النتيجة، كي أجد نفسي في المتفوقات، هذه هي اللحظة الحلوة التي أطلبها من الله في الجامعة عند التخرج. أم إسراء ( معلمة 34 عاماً): إبتسامة إبنتي الصغيرة تساوي عندي الدنيا وما فيها، أجد الراحة حينما أنظر إلى وجهها، أنسى متاعب النهار كله، الشجار مع الزميلات، تعسف المديرة. توفيق محمد (بكالوريوس تجارة 25 عامة): بصراحة سعادتي فيما سيأتي غداً من الأحلام التي أنتظر تحقيقها، حينما أصبح محاسباً لي مكتب خاص، وأحقق إسماً معروفاً بين الناس، حينما يجئ هذا اليوم سوف أحس بلحظة الفرحة، وإحساسي بالراحة يقترب كلما وضعت قدمي وسرت في هذا الطريق ولو بعمل ضئيل. أحمد نصر (مهندس): ببساطة 90% من السعادة يساوي المال الوفير، أنا لم أقل إنّ السعادة هي المال، ولكن اللحظة الحلوة هي التي تجئ ولديّ من المال ما يزيد على حاجتي الضرورية.. المال يجلب كثيراً من الأشياء التي تسعد!. طارق عبدالحميد (موظف): حينما كنت صغيراً كنت أتخيل نفسي وأنا في منصب كبير، وعندي من الملابس الكثير، ولدي زوجة وأولاد، فأتخيل أنني سأكون في قمة السعادة، وعندما حققت كل ذلك إكتشفت أنّ السعادة الحقيقية ليست في الدنيا، وتيقنت أن أسبابها لن تجتمع لشخص واحد قط، لدي الآن المنصب والأولاد ولكن أين هي الصحة التي كانت؟! صغار الشباب ينسون أو يتناسون ما لديهم من فضل الله عليهم، ويذهبون للبحث عن النقود، وكأنها كل شيء، لا يتذكرون أن لديهم من النعم الكثير، وأنّ المال سوف يأتي على مهل، وأصحاب المال لديهم من المتاعب والمنغصات والمشاكل والمشاغل ما يكفيهم.. لقد وزع الله أسباب السعادة والشقاء على البشر بالعدل.. لا أقول إنني أتمنى أن أكون فقيراً ولدي صحة لأنني أعلم أنني لن أخذ أكثر من نصيبي، ولأني ساعتها سوف أجد من المتاعب ما هو بديل، ولكني أقول إنّ السعادة هي اليوم الذي يمر عليّ دون أن أتألم ألماً لا أستطيع تحمله!. الحاج سيد عويس (رجل أعمال 71 عاماً): اللحظات الحلوة في حياتي أجدها في مقاومة متاعب الشيخوخة لأداء الصلوات والعيش وسط مجتمع المسجد.. وأنا أرى أنّ الراحة والطمأنينة تسكن في القلب المتفائل الذي يرى من الحياة نصفها الممتلئ بالخير بدلاً من التركيز على المشكلات والمنغصات، والقرب من الله هو المعيار الذي يجعلها أكثر نضارة، ذلك حينما نقنع أنفسنا بأن ما عند الله خير وأبقى. نوال العريض (مديرة روضة 55 عاماً): القناعة بما لدينا والتسليم بكل ما إختاره الله لنا، هذه عندي هي اللحظة التي تسعدني.. إنني أتطلع إلى الحياة وقد عركناها وعركتنا، فأجد أنني ما إبتغيت أمراً وصممت عليه معتمدة على قدراتي إلا وفقدته مهما كان سهلاً، وما إنتويت السعي مخلصة مُسَلّمة الأمر لله إلا وحصلت على ما أريد مهما يكن صعباً، ولو ثبتنا هذا المعنى في نفوس صغارنا منذ نعومة أظافرهم – كما فعل النبي (ص) في نصحه لعبد الله بن عباس وهو غلام صغير – لجنينا خيراً كثيراً.   -        مفتاح: وتعليقاً على ذلك يقول د. فضل أبو الليل – أستاذ الصحة النفسية: لحظة الهناء، أو الإطمئنان تمثل أعلى طموح للإنسان، لذا فإنها لدى كل فرد تعكس ما بداخله، فالذي يهدف من حياته إلى جمع المال وتكوين ثروة، لن تجده مستريحاً قرير العين إلا حينما يحصل عليه.. والذي يقف بآماله وأمانيه عند حدود المتع الحسية لن تجده مسروراً إلا حينما يحصل عليها، وكذلك الإنسان الانفعالي أو العاطفي. والمطلوب أن تكون كل هذه الأشياء متوافرة لدينا، نسعى إليها، ولا نخجل من إعترافنا بحاجتنا إلى المال كي نسد جوانب نقص في حياتنا، ولكن ما المال؟ ولماذا أحتاجه؟ وإلى أي مدى أحتاجه؟ هذه أسئلة ليست بسيطة، وينبغي الإجابة عليها لتحديد الهدف من الحياة.. النفس السوية تحتاج إلى المال ليسد رغباتها، ويغنيها عما في يد الناس، فحيث وجدته زاد حمدها لله. ويضيف: إنّ الإعلاء من دوافع الطموح والتفوق في الحياة – وفق الإمكانات – تشير إلى أن صاحبها يسير على الطريق الصحيح، أما الأحداث التي تصيب الإنسان أحياناً فتزلزل حياته، أو تجعله يتوقف عن مواصلة السير، فهذا يعني أنّ المشكلة – المصيبة – قد أصابته في مقتل، وذلك لأنّه علق آماله على مالا دوام ولا إستقرار لحاله.. وحتى لا يصاب المرء بمثل حالة التوقف هذه فإن عليه أن يعلي من دوافعه، ويقتنع بمبادئ ومثل وغايات أعلى من مجرد هدف عابر، وفي قمة هذا السعي إلى رضى الله تعالى.   -        نصيبك: أما المهندس رمضان عبدالعظيم فيرى المسألة من زاوية قول الله تعالى: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) (الأنعام/ 32)، وقوله سبحانه: (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) (القصص/ 77)، فمع أن هجران الدنيا وترك ما فيها من الحلال وتحريمه على النفس والناس ليس مما له في ديننا سند، فإنّ التوسع في تأميل الدنيا وطلبها يشغل الإنسان عن الغايات السامية، ويعطي بعض اللحظات قيمة أعلى وأسمى مما تستحق، ويمكنك أن تكتشف هذا إذا قارنت بين لحظة الربح في صفقة تجارية ولحظة الوقوف في الصلاة بين يدي الله جلّ وعلا، فمن منا تسعده وتريح قلبه دقائق الصلاة الغالية أكثر من تحقيق ربح تجاري؟! لا مانع من أن نفرح بالخير والرزق الحلال يأتينا من الله، ولكن الحضور في العبادة والإخلاص في الطاعة واجب شرعي يسبق هذا كله.►   *كاتب من القاهرة

ارسال التعليق

Top