تختلف حدته باختلاف البيئة والأسباب
الخجل حالة نفسية يشعر معها الشخص بالقلق وعدم الراحة في المواقف الاجتماعية، وعدم القدرة على الشعور بالمتعة نتيجة المشاركة في أي نشاط اجتماعي، ما يدفعه إلى تجنب التواصل الاجتماعي، والانسحاب من هذه المواقف. ويعتبر الخجل أحد مشاكل الطفولة الشائعة، إذ تشير الدراسات إلى أنّ 20% من الأطفال لديهم هذه المشكلة، بينما يتصف 25% من الأطفال بالجرأة، ويتردد 55% من الأطفال بين الخجل والجرأة.
تختلف مشكلة الخجل في حدتها لدى الأطفال الذين يعانون منها من طفل إلى آخر، باختلاف المواقف أو الأماكن التي قد تحدث فيها، ودرجة تأثيرها في ممارسة الطفل لحياته وأنشطته. وعادة ما يؤدي الخجل الشديد إلى الانسحاب الاجتماعي، إذا كان قائماً على الخوف والقلق الاجتماعي على الرغم من الرغبة في التفاعل اجتماعياً، كما تحدث مع الأطفال، الذين يرغبون في تكوين صداقات لكنهم غير قادرين على ذلك، فيفقدون دوافعهم للانخراط في التفاعل الاجتماعي، أو يصابون بما يسمى "عدم الاهتمام الاجتماعي"، ويظهر هذا في سن مبكرة.
تظهر على الطفل الذي يعاني من الخجل الشديد، مجموعة من الأعراض، عند مقابلة أشخاص جُدد، أو حين يُطلب منه الحديث أمام مجموعة من الناس، أو في الصف، أو المشاركة في أي نشاط تفاعلي، ومن هذه الأعراض: صعوبة الحديث، التلعثم أو التأتأة، احمرار الوجه، تعرق اليدين، صعوبة إيجاد الكلمات للحديث أمام الآخرين، عدم التواصل البصري (عدم النظر في عيني من يتحدث إليه)، وعدم الابتسام بسهولة، فضلاً عن عدم الرغبة في اللعب مع الأطفال الآخرين والاكتفاء بمراقبتهم عن بعد، وعدم الرغبة في زيارة الأقارب والجيران.
وتشير الدراسات والبحوث الخاصة بالأطفال الخجولين إلى وجود عامل وراثي يتسبب في ظهور هذه المشكلة، إلا أن نسبة تأثير العامل الوراثي ضعيفة مقارنة بتأثير البيئة، التي تعتبر الأبرز تأثيراً في تشكل مشكلة الخجل، إضافة إلى عوامل مثل: عدم شعور الطفل بالأمن والاهتمام، سوء العلاقة الوالدية (بين الآباء والأبناء)، الصراعات الأسرية أو الفوضى، الانتقادات المتكررة من قبل الأهل والمعلمين والأصدقاء لسلوك الطفل، وهيمنة أو سيطرة الأخ أو الأخت الكبرى على الطفل. ويمكن أن ينتج الخجل عن التأثر بالآخر كنموذج وتقليد لسلوك الآخرين، كأن يكون أحد الوالدين أو الإخوة الكبار خجولاً جدّاً، بالإضافة إلى عدم توفر فرص التفاعل الاجتماعي في سن الطفولة المبكرة، أي أن ينشأ الطفل في السنوات الأولى من حياته في بيئة معزولة، وبعيداً عن العائلة والأصدقاء، بالإضافة إلى الفشل الناتج عن ازدياد المتطلبات والتوقعات المغالية التي يفرضها الآباء أو المعلمون.
مضاعفات الخجل:
يمكن أن يؤثر الخجل الشديد والمستمر في حياة الطفل، ويفوّت عليه الكثير من الفرص في الحياة الاجتماعية والأكاديمية، كانخفاض فرص ممارسة وتطوير المهارات الاجتماعية، وقلّة عدد الأصدقاء، وانخفاض المشاركة في أنشطة ممتعة ومفيدة تتطلب تفاعلاً مع الآخرين، مثل الرياضة والرقص والدراما والموسيقى والرحلات، وتزايد الشعور بالوحدة، وعدم أهميته كشخص، وانخفاض تقدير الذات، وارتفاع مستويات القلق.
وللخجل كذلك نتائج إيجابية، منها ارتباطه في كثير من الأحيان بأداء مدرسي جيِّد، وعدم دخول الطفل في مشكلات أو متاعب، والقدرة على الإنصات للآخرين، وعدم قلق الأهل من إمكانية ابتعاده أو إيذاء نفسه، ولكن هذه الإيجابيات تبقى أقل أهمية وتأثيراً مقابل السلبيات التي يعيشها الطفل بصحبة حالة الخجل.
كيف يمكن للوالدين أن يتصرفا حيال هذا الواقع؟
· يجب على الوالدين أن يحرصا على عدم وصف الطفل بـ"الخجول"، وعدم السماح للآخرين بوصفه بهذه الصفة أو الحديث عنها أمامه، أو الثناء عليها بإعتبارها تهذيباً، أو حتى استخدامها كوصف لصيق أو مرادف لشخصية الطفل.
· الحرص على عدم انتقاد الطفل أو السخرية من خجله، بل إبداء قدر كبير من التفهم والدعم لما يقوم به، وتشجيعه على التفاعل مع الآخرين بهدوء ولطف، وبصوت منخفض.
· تشجيع الطفل على الحديث عن سبب خجله، وعما يخافه وما يدفعه لعدم اللعب أو التفاعل مع الآخرين.
· إخبار الطفل عن فترات من حياة الأب أو الأُم كانا فيها خجولين، وكيف تغلبا على هذا الخجل، فالأطفال يعتقدون أن والديهم مثال للكمال، وشعورهم بأن والديهم مرا بالحالة نفسها سيخفف كثيراً من قلقهم، ويساعدهم على الشعور بشكل أفضل.
· أن يكون الوالدان نموذجاً وقدوة سوية أمام الطفل في التواصل الاجتماعي اللطيف والمتوازن.
· تشجيع الطفل على أي تفاعل يقوم به والثناء على أدائه من دون مبالغة تزيد من خجله وارتباكه.
· عدم ترك الطفل الخجول يقضي وقتاً طويلاً في ممارسة الألعاب الإلكترونية أو مشاهدة التلفزيون أو نصفح الإنترنت، فهذا يزيد من ابتعاده عن التواصل الاجتماعي، ويشعره بوجود البديل، وبالتالي عدم الحاجة لتجاوز والتغلب على الخجل.
· تسهم العلاقة العاطفية الجيدة مع الأبناء والتعبير عن الحب والاهتمام، في تحقيق الإشباع العاطفي والشعور بالأمان، والقدرة على التعبير عن النفس والمخاوف بشكل منفتح، وتعتبر أساساً مهماً جدّاً للصحة النفسية للأطفال والمراهقين، وبالتالي على الوالدين ألا يحرما طفلهما من حقه في ودهما له والتواصل معه عن قرب.
ارسال التعليق