في ليلة النصف من رمضان المبارك وُلد الإمام الحسن (ع)، كان بيت آل محمّد يستقبل الحبيب، وقد كان ينتظره طويلاً.. واستقبله كما تستقبل الزهرة النضرة قطرة شفافة من الندى بعد العطش الطويل. والوليد يتشابه كثيراً وجدّه الرسول العظيم، ولكنّ جدّه لم يكن شاهَد ميلاده حتى تُحمل إليه البشرى. فقد كان في رحلة سوف يرجع منها قريباً. وكان أفراد الأسرة ينتظرون باشتياق، ولا يتحفون الوليد بسنن الولادة، حتى إذا جاء الرسول (ص) أسرع إلى بيت فاطمة (ع) على عادته في كلّ مرة عندما كان يدخل المدينة بعد رحلة. وعندما أتاه نبأ الوليد غَمَره البُشر، ثم استدعاه. حتى إذا تناوله أخذ يشمّه ويقبّله ويؤذِّن له ويُقيم، ويأمر بخرقة بيضاء يلف بها الوليد، بعدما ينهى عن الثوب الأصفر. ثم ينتظر السماء هل فيها للوليد شيء جديد، فينزل الوحي، يقول: إن اسم ابن هارون - خليفة موسى (ع) كان شبَّراً.. وعلي منك بمنزلة هارون من موسى فسمِّه حَسَناً، ذلك أن شُبَّراً يرادف الحسن في العربية. وسار في المدينة اسم الحسن، كما يسير عبق الورد. وجاء المبشرون يزفون أحر آيات التهاني إلى النبي (ص)، ذلك أنّ الحسـن (ع) كان الولد البكر لبيت الرسالة، يتعلق به أمل الرسول وأصحابه الكرام. فهو مجدد أمر النبي الذي سوف يكون القدوة والأسوة للصالحين من المسلمين.. إنه امتداد رسالة النبي من بعده. وفي الغد يأمر الرسول (ص) بكبش، يعق عنه، فلما يأتون به يجيء بنفسه ليقرأ الدعاء بالمناسبة فيقول: بسم اللـه الرحمن الرحيم اللـهم عظمُها بعظمه، ولحمُها بلحمه، ودمُها بدمه، وشعرُها بشعره، اللـهمَّ اجعلها وقاءً لمحمد وآله. ثم يأمر بأن يوزع اللحم على الفقراء والمساكين، لتكون سنّة جارية من بعده، تَذبح كلّ أسرة ثريَّة كبشاً بكلّ مناسبة متاحة، لتكون الثروة موزعة بين الناس، لا دَولة بين الأغنياء منهم. ثم يأخذه الرسول ذات يوم وقد حضرت عنده لبابة - أم الفضل - زوجة العباس بن عبد المطلب عمِّ النبيِّ فيقول لها: رأيتِ رؤيا، في أمري.. فتقول: نعم يا رسول اللـه.. فيقول (ص): قُصِّيها. فتقول: رأيت كأن قطعة من جسمك وقع في حضني. فناولها الرسول (ص) الرضيع الكريم، وهو يبتسم ويقول: نعم هذا تأويل رؤياك. إنه بضعة مني. وهكذا أصبحت أم الفضل مرضعة الحسن (ع). ويشب الوليد في كنف الرسول الأعظم (ص)، وتحت ظلال الوصي (ع)، وفي رعاية الزهراء (ع)، ليأخذ من نبع الرسالة كلّ معانيها، ومن ظلال الولاية كلّ قيمها ومن رعاية العصمة كلّ فضائلها ومكارمها. ولايزال النبي والوصي والزهراء عليهم جميعاً صلوات اللـه يُوْلُونه العناية البالغة التي تنمي مؤهلاته. ولد الإمام الحسن (ع) في حياة جدّه الرسول الأكرم (ص) وعاش في كنفه سبع سنوات وستّة أشهر من عمره الشريف، وكانت تلك السنوات على قلّتها كافية لأن تجعل منه الصورة المصغّرة عن شخصية الرسول حتى ليصبح جديراً بذلك الوسام العظيم الذي حباه به جدّه، حينما قال له:«أشبهت خلقي وخلقي».
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق