• ٢٥ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٣ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

خدمة الناس.. نعمة وعبادة

خدمة الناس.. نعمة وعبادة

◄لتحقيق هذه الغاية نتتبع التالي:

-          تصدير الموضوع:

رُوِي عن رسول الله (ص): "... مَن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومَن فَرَّجَ عن مسلم كربة فَرَّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومَن سَرَّ مسلماً ستره الله يوم القيامة".

 

-          مدخل:

الإسلام ليس منهج اعتقاد وإيمان في القلب فحسب، بل هو منهج حياة إنسانية واجتماعية واقعية، يتجسّد فيها الاعتقاد والإيمان ممارسة عملية في جميع جوانب الحياة ومتطلِّباتها الفردية والاجتماعية، وذلك على مبدأ التراحم والتكافل والتناصح والمودّة والإحسان والتضحية والإيثار، قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة/ 2)، وهذا ما يلزم الأفراد بالكثير من الواجبات تجاه بعضهم بعضاً كأفراد، وتجاه المجتمع ككيان اجتماعي يحتضن الجميع، من أهمّها خدمة الناس وقضاء حوائجهم.

 

-          قضاء حوائج الناس تكليف اجتماعي:

لقد وضع الإسلام منهجاً متكاملاً في العلاقات بين البشر، يقوم على أساس مراعاة حقوق أفراد المجتمع وبث روح التعاون والخدمة المتبادلة بينهم، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل/ 90)، فالتقيُّد بهذا الأمر الإلهي يعصم الإنسان عن التقصير في حقوق الناس، ويدفعه للعمل الدؤوب في خدمتهم، وأداء مسؤوليته تجاههم، وقد حثّ النبيّ محمّد (ص) كلّ مسلم ليكون مسؤولاً في بيئته الاجتماعية، من خلال الاهتمام بأُمور المسلمين ومشاركتهم في آمالهم وآلامهم، فقال (ص): "مَن أصبح لا يهتم بأُمور المسلمين فليس بمسلم"، ودعا الإمام الصادق (ع) إلى الالتصاق بجماعة المسلمين، فقال: "مَن فارق جماعة المسلمين قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه".

 

-          قيمة قضاء حوائج المؤمنين وخدمتهم:

من جملة ما يؤكد الإسلام عليه في معرض التكافل الاجتماعي، هو ضرورة قضاء حوائج المؤمنين بعضهم لبعض. وهذا ما نفهمه بوضوح من الأخبار، فإنّ خدمة المؤمنين:

أ) تبيح الجنّة: ففي الحديث عن الإمام الصادق (ع)، قال: "أوحى الله عزّوجلّ إلى داوود: إنّ العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فأبيحه جنّتي. فقال داوود: يا ربّ وما تلك الحسنة؟ قال: يُدخل على عبدي المؤمن سروراً، ولو بتمرة. فقال داوود (ع): حقٌّ لمن عرفك ألا يقطع رجاءه منك".

وعن الإمام الصادق (ع): "إنّ الله تعالى خلق خلقاً من خلقه، انتجبهم لقضاء حوائج فقراء شيعتنا، ليثيبهم على ذلك الجنّة. فإن استطعت أن تكون منهم فكن".

ب) أحبّ الأعمال إلى الله تعالى: عن الإمام الصادق (ع)، عن أبيه، قال: "سُئِل رسول الله (ص): أيّ الأعمال أحبّ إلى الله؟ قال: اتّباع سرور المسلم، قيل: يا رسول الله، وما اتّباع سرور المسلم؟ قال: شبعة جوعه، وتنفيس كربته، وقضاء دينه".

د) يُبشِّر المؤمن يوم القيامة: وعن الإمام أبي عبدالله الصادق (ع)، قال: "... إذا بعث الله المؤمن من قبره، خرج معه مثال يقدمه أمامه، فكلّما رأى المؤمن هولاً من أهوال يوم القيامة، قال له المثال: لا تجزع ولا تحزن، وأبشر بالسرور والكرامة من الله عزّوجلّ، فما يزال يُبشِّره بالسرور والكرامة من الله سبحانه حتى يقف بين يدي الله عزّوجلّ، ويحاسبه حساباً يسيراً، ويأمر به إلى الجنّة، والمثال أمامه، فيقول له المؤمن: رحمك الله! نِعَم الخارج معي من قبري، مازلت تُبشِّرني بالسرور والكرامة من الله عزّوجلّ حتى كان ما كان، فمن أنت؟ فيقول له المثال: أنا السرور الذي أدخلته على أخيك المؤمن في الدنيا، خلقني الله لأبُشِّرك".

د) أفضل من العبادة: ورد في العديد من الروايات أنّ خدمة المؤمنين بعضهم، وتعاونهم وترابطهم المادّي والمعنوي أفضل من بعض العبادات المستحبّة، عن أبي عبدالله الصادق (ع)، قال: "... لَقضاءُ حاجة امرئ مؤمن أفضل من حجّة وحجّة..." حتى عدّ عشر حجج.

ورُوِي عن ذي الخُلق العظيم محمّد (ص) قوله: "مَن قضى لأخيه المؤمن حاجة كان كمن عبد الله دهره".

فكم يكون سامياً ذلك المجتمع الذي يسعى، بل يهرع كلّ واحد لقضاء حوائج إخوانه بهذه الروحية العالية والنيّة الخالصة، ثمّ إنّ النبيّ (ص) يقول: "والله، لقضاء حاجة المؤمن خير من صيام شهر واعتكافه".

 

-          لا تُفوِّت فرصة خدمة الناس:

ينبغي التعاون بين المؤمنين لتأسيس ثقافة تربوية تُمكِّن المؤمن من الاستعانة بأخيه المؤمن، إذ لا مانع من أن يطلب المؤمن العون والحاجة من أخيه، لقول الإمام الصادق (ع): "إذا ضاق أحدكم فليُعلِمْ أخاه، ولا يعين على نفسه".

وليس ذلك منّة من المؤمن على أخيه المؤمن، بل هو من نوع توفيق المؤمن لخدمة المؤمنين، وهو ما نفهمه من رواية الإمام الصادق (ع)، حيث قال: "إنّ الرجل ليسألني الحاجة فأبادر بقضائها مخافة أن يستغني عنها فلا يجد لها موقعاً إذا جاءته".

وفي رواية عن إسماعيل بن عمّار الصيرفي، قال: قلت لأبي عبدالله الصادق (ع): جُعلت فداك! المؤمن رحمة على المؤمن؟ قال: "نعم". قلت: وكيف ذاك؟ قال (ع): "أيّما مؤمن أتى أخاه في حاجة فإنما ذلك رحمة من الله، ساقها إليه وسَبَّبها له، فإن قضى حاجته كان قد قبل الرحمة بقبولها، وإن ردّه عن حاجته وهو يقدر على قضائها، فإنما ردّ عن نفسه رحمة من الله عزّوجلّ ساقها إليه وسَبَّبها له...".

فحينما يسألك شخص حاجته فبادر إلى قضائها ولا تماطل، فقد يتغيّر الوضع ويستغني عنها، فتفوتك بذلك فرصة عظيمة وأجر جزيل، رُوِي عن الإمام الصادق (ع) قوله: "مَن كان في حاجة أخيه المسلم كان الله في حاجته ما كان في حاجة أخيه".

 

-          جزاء خدمة الناس محفوظ عند الله:

دعا القرآن الكريم جميع المسلمين إلى التمحور حول العمل الصالح، فالإسلام يعطي العمل الصالح القيمة الأساسية ويجعله محور التنافس في المجتمع. ففي أكثر من مئة وعشرين موضعاً، يؤكد القرآن الحكيم على الربط العضوي بين الإيمان والعمل الصالح، ويُصرِّح بأنّ الذين يرثون الأرض هم الصالحون.

والصلاح ليس شيئاً جامداً، وإنما هو حركة وعمل في الاتجاه الصحيح. وهو ليس فقط في أُمور الدين كالصلاة والصيام والزكاة والحج، وإنما كلّ عمل يحكم العقل والدين بصلاحه، فخدمة الناس، وبناء المساكن صلاح، وتعبيد الشوارع صلاح، وإقامة المصانع صلاح، وزراعة الأرض صلاح، وكلّ ما كان من شأنه عمارة الأرض فهو عمل صالح.

ويؤكد القرآن الحكيم على أنّ ما نعمله من خير وخدمة للناس، سنجده عند الله، يقول تعالى: (وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (البقرة/ 110). فإنّ كلّ عمل نعمله في طريق الخير فهو لنا، حتى لو كان في مظهره من أجل الآخرين، لأنّنا حينما نعمل للآخرين، فإنّ هذا العمل سيتضاعف وتعود إلينا نتائجه من حيث نشعر أو لا نشعر، وفي آية أخرى يقول الله سبحانه وتعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا) (آل عمران/ 30)، ويقول سبحانه: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (الزلزلة/ 7-8).

إذاً، فإنّ أعمال الخير وأعمال الشر تبقى ولا تزول، وهي محور جزاء الإنسان في الدنيا والآخرة. ومن أجل أن يدفعك الإسلام إلى أن تجتهد في سبيل عمل الخير، ولا تدع عمل خير إلّا وتقوم به، ولا تبقي من عمرك لحظة إلّا وتُعمِّرها بعمل الخير، فإنّ القرآن يُبيِّن أنّه في يوم القيامة سيُنصب ميزان توضع في كفّة منه أعمال الإنسان الخيِّرة وفي الكفة الأخرى أعماله الشريرة، وآنذاك يشعر الإنسان بقيمة حبّة الخردل من عمله، هذه الأعمال الصغيرة التي قد نستهين بها اليوم، إلّا أنّنا نشعر بقيمتها غداً، ففي ذلك اليوم إذا رجحت كفة الحسنات على كفة السيِّئات، يحقّ لك أن تفتخر.. أمّا اليوم وقبل أن تعرف مصيرك، فلا تستطيع أن تقول شيئاً، يقول تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ) (القارعة/ 8-11).

 

-          كلمة من القلب:

اهتمّ يا أخي كثيراً بقضاء حوائج المسلمين، واسعَ لتحقيق ما يهمّهم. واعلم، إنّ أفضلَ القربات إلى الله السعي في قضاء حوائج ذوي الحاجات.

رُوِي عن رسول الله (ص): "مَن مشى في حاجة أخيه ساعة من ليل أو نهار، قضاها أو لم يقضِها، كان خيراً له من اعتكاف شهرين"، ورُوِي عن وصيّة أمير المؤمنين (ع) أنّه قال لكميل بن زياد: "يا كميل، مُرْ أهلك أن يروحوا في كسب المكارم، ويُدلِجوا في حاجة مَن هو نائم، فوالذي وسع سمعه الأصوات، ما من أحد أودع قلباً سروراً إلّا وخلق الله له من ذلك السرور لطفاً، فإذا نزلت به نائبة جرى إليها كالماء في انحداره حتى يطردها عنه كما تُطرد غريبة الإبل".

واسعَ ما استطعتَ أن تُلقي السرورَ في قلوب المؤمنين، فإنّ ثواب ذلك لا يُحدُّ بحدٍّ، فإنّ إدخال السرور على قلب المؤمن خيرٌ من بناء بلد، رُوِي عن مُسرِّ المؤمنين محمّد (ص) قوله: "إنّ أحبَّ الأعمال إلى الله إدخال السرور على المؤمنين".

وعن النبيّ (ص) أيضاً: "مَن سَرَّ مؤمناً، فقد سرّني، ومَن سَرَّني فقد سَرَّ الله".

ولا تنسَى يا أخي المسلم إنّ "أحبّ الناس إلى الله أنفعهم، وأحبّ الأعمال إلى الله عزّوجلّ سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً. ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحبَّ إليَّ من أن اعتكف في المسجد شهراً، ومَن كفّ غضبه ستر الله عورته، ومَن كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضىً يوم القيامة، ومَن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزلّ الأقدام...". ►

 

المصدر: كتاب أنوار الحياة/ سلسلة زاد الواعظين

ارسال التعليق

Top