• ٢٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

وظائف وسائل الإعلام في فلسفة الإعلام الإسلامي

محمد يوسف السماسيري

وظائف وسائل الإعلام في فلسفة الإعلام الإسلامي

تعد الغايات التي طرحتها الكوزمولوجيا الإسلامية المحدد الأساسي للدور الذي ينبغي أن تلعبه وسائل الإعلام في المجتمع المسلم. ولما كانت الغاية الأساسية للكوزمولوجيا الإسلامية تتمثل في إقامة مجتمع الاستخلاف الذي تتحقق فيه العبودية المطلقة للخالق – سبحانه وتعالى – والذي يحقق لأفراده السعادة في الدنيا ويضمن لهم الخلود في نعيم الآخرة، ويسعى جاهداً لنشر الدين الحق وإعلاء كلمة الله في أرضه، فإنّ هذا يعني أن وسائل الإعلام في المجتمع المسلم مطالبة بالإضطلاع بعدة وظائف للإسهام في كل ذلك، هذه الوظائف هي:

  ترسيخ عقيدة التوحيد في مجتمع الاستخلاف: يتطلب اضطلاع وسائل الإعلام بهذا الدور القيام بمهمتين: مقاومة الأفكار والعادات والتقاليد المنافية لعقيدة التوحيد: سواء أكانت تلك الأفكار نتيجة لانفصام الواقع الاجتماعي عن المثال الإسلامي، أم كانت إفرازاً لعقائد منافية للعقيدة الإسلامية ومعادية لها مثل تلك التي صنعها الاستعمار في المجتمعات الإسلامية مثل القاديانية والبابية والبهائية[1] أم كانت أفكاراً جلبها المستعمر معه للقضاء على هوية البلدان الإسلامية وجعلها تدور في فلكه وهي الماثلة في الأفكار العلمانية التي يتبناها ويروج لها في شتى مناحي الحياة (السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الدينية... إلخ)[2]. نشر وترسيخ تعاليم عقيدة التوحيد في النفوس: وذلك من خلال توعية المسلمين على مختلف أعمارهم وثقافاتهم بتعاليم دينهم طبقاً لما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وما تعارف عليه العلماء وتنمية ثقافاتهم الدينية. والتوعية هنا بمثابة زرع تعاليم الدين الحنيف، والتنمية بمثابة تعهد هذا الزرع بالري وتوفير الجو الصحي له للنماء والزيادة حتى يؤتي ثماره الفكرية والعملية[3]. ومن خلال ذلك يمكن الإسهام في بناء الإنسان المؤهل لإقامة مجتمع الاستخلاف، الذي يجعل غايته العليا في هذا الوجود رضوان خالقه سبحانه وتعالى، ويسعى في كل حركة من حركاته وسكنة من سكناته لتحقيق هذه الغاية.   - تدعيم الوظيفة العمرانية لمجتمع الاستخلاف: لا يقف الدور المنوط بوسائل الإعلام في إقامة مجتمع الاستخلاف عند حد توعية الفرد المسلم بأمور دينه وبرسالته في مجتمع الاستخلاف، وإنما يمتد إلى الإسهام في توعيته بالسبل المثلى للمشاركة الإيجابية في الوظيفة العمرانية لمجتمع الاستخلاف وذلك من خلال: - القيام بالتهيئة النفسية والاجتماعية للأفراد لتهيئة المناخ لإقامة النظام الإسلامي في التنمية، وتشجيع التطبيقات المبتكرة في مجالات الإنتاج والتوزيع والتمويل وأعمال المصارف والتنمية في ميادين الزراعة والصناعة والتجارة والتعليم والصحة وغيرها[4]. - النهوض بالمستوى الفكري والحضاري للأفراد، وترقية اهتماماتهم ومحو الأمية الفكرية والحرفية[5]. - خلق الجو الحضاري الملائم للتقدم والنهضة، ونشر العلوم والفنون السليمة الهادفة وتوعية الأفراد بكل أهداف المجتمع وسبل الإسهام في تحقيقها[6]. - الدعوة إلى إعلاء الهمم والحث على فضيلة الجهاد والتعاون وتحقيق روح الإخاء والتكافل الاجتماعي.. وما إلى ذلك من السبل التي تساعد على تنمية الإنسان الصالح الأتقى الذي يقف على الأرض فيعمرها ويصلحها ويزيد إنتاجها[7]. وبالإضافة إلى الدور المنوط بوسائل الإعلام للإسهام في بناء الإنسان المؤهل للقيام بالوظيفة العمرانية لمجتمع الاستخلاف، فإنّها مطالبة أيضاً بتدعيم مسيرة المجتمع المسلم العمرانية بصفة عامة، وذلك من خلال مساندة جهوده وعلى شتى المستويات السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، (زراعية، صناعية، تجارية، والعلمية و... إلخ)، ومن خلال تقوية الروابط بين أقاليمه والتوحيد بين ثقافاته الفرعية المتباينة[8]، ومن خلال تكوين الرأي العام المؤمن الواعي الذي يقدر حقيقة وجوده ومسؤولياته في كل ما يدعى إليه من أعمال تستهدف الصالح العام[9] ومن خلال تدعيم مكانته بين مجتمعات الدنيا. والدفاع عنه ضد كل هجوم مغرض.. وما إلى ذلك من مهام يتطلبها تفعيل الوظيفة العمرانية لمجتمع الاستخلاف، مجتمع أمّة الشهادة، خير أمّة أخرجت للناس.   - كشف أي خلل أو قصور في مسيرة مجتمع الاستخلاف: وتعد هذه الوظيفة من أهم الوظائف الملقاة على عاتق وسائل الإعلام في المجتمع المسلم، ففلسفة الإعلام الإسلامي لا ترى في ممارسة هذه الوظيفة مجرد حق يمكن للقائمين على أمر هذه الوسيلة الاضطلاع به أو التخلي عنه، وإنما تنظر إليه على أنّه واجب لابدّ من الاضطلاع به، سواء أكان هذا الخلل أو القصور متعلقاً بأمر من أمور الدين أم بأمر من أمور الدنيا، صادراً من قبل فرد، ولو كان الحاكم نفسه، أم من جماعة[10] متمثلاً في الامتناع عن الاضطلاع بمعروف مأمور به، أم في اقتراف منكر منهي عنه. وهناك ثماني آيات في كتاب الله تشير بشكل أو بآخر إلى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتمدح فاعلية وتذم تاركيه[11]. كما أنّه هناك عدداً كبيراً من الأحاديث التي تدلل على وجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتبشر فاعليه وتتوعد تاركيه ومنها – مثلا – قوله (ص): (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) وقوله: (الأمر بالمعروف والناهي عن المنكر شهيد[12] وقوله ما من نبي بعثه الله إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره. ثمّ إنّه تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون. ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل[13]. وتبعاً لذلك فإنّ المسلم مطالب بأن يكون رقيباً على دينه في مجتمعه، كما هو رقيب عليه في نفسه وقد زوده الإسلام بأخلاق من الصراحة والشجاعة فأوجب عليه أن يفعل الخير ويدعو إليه، وينهي عن المنكر ويسعى إلى تغييره، وهذا ليس نافلة بل من صميم الدين[14] ويقتضي ذلك من حملة الأقلام وأرباب الألسنة أن يشتبكوا مع أي خلل أو قصور في أي موطن من مواطن حياة المجتمع المسلم في معارك حامية لا تنتهي إلا بإصلاح هذا الخلل، وكل حركة في هذا السبيل جهاد، فإذا بلغ الأمر حد التضحية[15] فسيد الشهاداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله[16]. ويشترط في اضطلاع القائمين على أمر وسائل الإعلام بهذه الوظيفة أن يكونوا في نقدهم متجردين من الاعتبارات الشخصية وألا يكون للواحد منهم غرض سوى رضوان خالقه سبحانه وتعالى[17] والإسهام في نهضة أمته وأن يقدم النقد في أسلوب حكيم يبني ولا يهدم وأن يبتعد في أسلوبه عن السباب والبذاءة بدعوى محاربة الباطل، فإن ذلك باطل يريد أن يدفع به باطلاً[18].   - إعلاء كلمة الله في أرضه "نشر رسالة مجتمع الاستخلاف": ويتطلب القيام بهذه الوظيفة الاضطلاع بمهمتين هما: أوّلاً: مواجهة الحملات الإعلامية المضادة للإسلام التي تهدف إلى تشويه أو إبرازه في صورة التخلف وعدم المعاصرة[19]. وتفنيد الأفكار التي تستند إليها وإظهار حقدها على الإسلام وتهاوي الحجج التي تستند إليها في دعواها. ثانياً: الاجتهاد وبكل السبل في نشر رسالة الإسلام "رسالة مجتمع الاستخلاف" ولإعلاء كلمة الله في أرضه، ولاضطلاع الأُمّة المسلمة (أمة الشهادة) بالدور المنوط بها في نشر الهدى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ...) (آل عمران/ 110)، فإنّه ينبغي: - تأهيل كوادر من القيادات المسلمة في الخارج وتكليفهم بمهمة الدعوة بين غير المسلمين. - تزويد الرأي العام العالمي بالرؤية الإسلامية للقضايا المعاصرة. - تعريف العالم بموقف الإسلام من العقائد والأديان والمذاهب الأخرى. - خلق جسور من التعاون مع أجهزة الإعلام والدعاية والتربية والتعليم وقادة الفكر في دول العالم المتقدم[20]. هذا بالإضافة إلى الدور الأساسي لوسائل الإعلام المسلمة الماثل في الإعلام عن الإسلام، وتبسيط طروحاته والإقناع بها من خلال الحكمة والموعظة الحسنة والجدل بالتي هي أحسن.   - آليات إلزام وسائل الإعلام والعاملين بها بالاضطلاع بالوظائف المكلفين بها: الواقع أن آليات إلزام وسائل الإعلام والعاملين بها بالاضطلاع بالمهام المنوطة بها لا تختلف كثيراً عن آليات إلزامها بعد تجاوز الحدود المشروعة في وسائلها، إلا في كونها لا تتضمن التدخل الحكومي عبر القضاء، وأنها تعول على الالتزام الذاتي من قبل القائمة على أمر هذه الوسائل في تحمل هذه المسؤوليات بشكل أكبر وذلك على النحو التالي: الالتزام الذاتي: يكاد الالتزام الذاتي من قبل القائمين على أمر وسائل الإعلام بالاضطلاع المهام التي ينتظرها المجتمع المسلم منها أن يكون الضامن الأساسي للاضطلاع بهذه المهام[21] وإذا كان ذلك ينطبق بصفة عامة على العاملين في أي وسيلة إعلامية فإنّه ينطبق بصفة خاصة على العاملين في وسائل الإعلام المملوكة ملكية خاصة. ويكمن الدافع الأساسي للالتزام الذاتي لتحمل هذه المسؤوليات فيما يمكن أن يحققه هذا الالتزام لصاحبه من الفوز برضوان خالقه – وهو أعلى هدف يمكن أن يسعى إليه إنسان في هذا الوجود، وأمامه تتضاءل الأهداف الأخرى مهما عظمت، وأمامه تتضاءل أيضاً التضحيات التي قد يتطلبها هذا الالتزام – وهذا فيما يتعلق بالاضطلاع بالمهمة الجسيمة، مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – مهما عظمت نتائجها، لأنّ الإنسان المسلم لكي ينال رضوان خالقه عليه لا ينبغي له أن يسكت عن ظلم ولا ينام على باطل، لأنّه يعلم أنّ الله جعل مصارع الظالمين على يد المظلومين... وأنّه كتب على نفسه أن يكون ناصراً لمن ينصره وينصر قانونه... فهو في كفاح دائم، ولكنه كفاح مختلف في روحه ودوافعه عن كفاح الرجل الأعزل الذي لا يؤمن بشيء غير نفسه، ولا يدعى لله وجودا – وهو ما ينطبق على المؤمن. بالكوزمولوجيا العلمانية بصفة عامة – فهو ساكن النفس رابط الجأش مطمئن القلب، وقد اكتفى من حصته بأن يعمل وفوض النتيجة لله وأسقط حظوظه وأغراضه من الحساب، ووطد نفسه على القبول بالغنم والغرم، مؤمناً بأنّ لله حكمته التي تغيب عن الأفهام وبذلك أسقط عن نفسه القلق والهم والطمع والغرض، وأصبح خالصاً وحماساً ملتهباً لنصرة الحق بلا خوف ولا تردد ولا مطمع.. بينما الرجل الآخر الذي لا يؤمن إلا بنفسه قد حمل هموم تلك النفس وقلقها وأطماعها ومخاوفها إلى المعركة، وهو في حالة هزيمته لا يبقى له أمل يعيش من أجله. فهو لا يرى في العالم حكمة ولا معنى ولا غاية غير ما يكسب لنفسه، فإذا مات أمله مات معه كل شيء.[22] وسائل الإلزام الأخرى: إذا ما حدث ولم يلتزم القائم بالاتصال أو مالك الوسيلة المسلم التزاماً ذاتياً بما عليه من مسؤوليات، وسعى لاستغلال عمله أو وسيلته لتحقيق أهدافه الذاتية، سواء تمثلت هذه الأهداف في تحقيق أرباح أو نفوذ أو غيره، فإنّ الإنسان يطالب هنا الأفراد المحيطين به.. بل والمجتمع بأسره إذا ما كان التقصير واضحاً – ممثلاً في قادة رأيه ومؤسساته انطلاقاً من واجب الأمر بالمعروف[23] بتنبيه هذا الفرد الذي لم يلتزم بالمسؤوليات الملقاة على عاتقه، إلى تقصيره فيها وحثه على تحملها. وبالإضافة لذلك يمكن الاستفادة من الوسائل التي ابتكرتها فلسفة المسؤولية الاجتماعية لإلزام وسائل الإعلام بتحمل مسؤولياتها مثل الاتحادات الإعلامية ومجالس الصحافة وذلك من خلال إعطائها الصلاحيات اللازمة لها لإلزام وسائل الإعلام بمسؤولياتها، بشرط ألا تكون هذه الوسائل منفذاً للتدخل الحكومي.. كما يمكن الاستفادة من فكرة تعيين ناقدين داخليين في كل وسيلة يرصدون جوانب القصور في معالجة الموضوعات التي تقدمها ويعملون على تلافيها بالسبل المناسبة، كذلك يمكن الاستفادة من فكرة الناقدين الخارجيين الذين يتناولون المواد التي تبثها وسائل الإعلام بالدراسة والنقد وينشرون آراءهم في هذه المواد ويحددون نقاط القوة فيها لتدعيمها ونقاط الضعف لتلافيها، كما يمكن الاستفادة من فكرة إقامة إدارة خاصة بالدعاية والتحريك التي ابتكرها الفكر الإعلامي الاشتراكي وإنشاء إدارة للدعوة على غرارها تضع خطة موحدة للكيفية التي يمكن خلالها أن تحقق صحف الدعوة المهام المنوطة بها وتتابع تنفيذ هذه الصحف لهذه الخطة وتحاسبها على أي تقصير يبدر منها. وبالإضافة لكل ما سبق فإنّ العاملين بوسائل الإعلام العامة أو المملوكة للدولة ملتزمون بالإضطلاع بالمهام المنوطة بهم التزاماً قائماً على التخصص بحكم عملهم في هذه الوسائل، وأي تقصير من أحدهم في الاضطلاع بهذه المسؤوليات يعرضه للمساءلة وربما للعقاب المقرر من قبل القائمين على أمر هذه الوسيلة. وهكذا وكما تمتلك فلسفة الإعلام الإسلامي سياجاً متيناً من آليات إلزام وسائل الإعلام بعدم تجاوز الحدود المسموح بها، فإنّها تمتلك أيضاً سياجاً متيناً يضمن – إلى حد كبير – اضطلاع وسائل الإعلام بالمهام المنوطة بها على الوجه الأمثل. من خلال استعراضنا السالف لأهم طروحات فلسفات الإعلام الوضعية حول وظائف وسائل الإعلام والطروحات المناظرة لها في فلسفة الإعلام الإسلامي، يمكن أن نخلص إلى عدة نتائج أهمها: - انّ الاختلاف بين فلسفات الإعلام الوضعية وبين فلسفة الإعلام الإسلامي لا يقف عند حدود الإطار الذي ينبغي لوسائل الإعلام أن تضطلع خلاله بالوظائف المنوط بها وإنما يمتد إلى الاختلاف حول طبيعة الوظائف نفسها. وذلك نتيجة طبيعية لاختلاف الغايات التي تنظر فلسفات الإعلام الوضعية لكيفية الاضطلاع بها – والتي لا تخرج في مجملها عن غايات الكوزمولوجيا العلمانية – عن الغايات التي تسعى فلسفة الإعلام الإسلامي للتنظير لكيفية إسهام وسائل الإعلام في تحقيقها. - إنّ قصور أداء وسائل الإعلام لمهام في ظل فلسفات الإعلام الوضعية هو نتيجة طبيعية للقصور الذي يشوب الكثير من طروحات هذه الفلسفات التي تنظر لكيفية هذه الأداء، وهو ما ليس له وجود في فلسفة الإعلام الإسلامي على الإطلاق. - إن طبيعة الغايات العلمانية – التي تنحصر في حيز هذه الدنيا – والتي تسعى وسائل الإعلام في ظل فلسفات الإعلام الوضعية للمساهمة في تحقيقها، تحمل في طياتها علة مهمة من علل إخفاق هذه الوسائل في الاضطلاع بهذه الغايات على النحو المرجو. وذلك من خلال انعكاس هذه الغايات على العاملين بهذه الوسائل وعلى مالكيها أو المتحكمين في تصريف شؤونها، فقد يحدث أن يقع تعارض بين إخلاصهم لمصالحهم الخاصة التي تدفعهم للعمل في هذه الوسائل أو تملكها، والتي يرون أنها تصب في تحقيق غايتهم في هذا الوجود، وبين مصالح المجتمع التي يفترض أن يساهموا في تحقيقها من خلال عملهم في هذه الوسائل أو تملكهم لها، والواقع.. أن تغليب الصالح الشخصي على الصالح العام هو الأمر الأكثر احتمالاً. أمّا الغايات الإسلامية فأنّها – على العكس من ذلك – تحمل في طياتها المقوم الأساسي من مقومات نجاح فلسفة الإعلام الإسلامي.. ذلك لأنّ القائمين على الاضطلاع بالمهام الإعلامية التي تنظر لها هذه الفلسفة – للإسهام في التحقيق غايات المجتمع المسلم – يعلمون علم اليقين أن أقصى قدر من تحقيق المصالح الخاصة بهم يكمن في أقصى التزام بأداء هذه المهام على النحو الأمثل. - إنّ الاختلاف بين وظائف وسائل الإعلام في فلسفات الإعلام الوضعية والإطار الذي رسمته لكيفية تحقيقها، وبين ما يناظر ذلك في فلسفة الإعلام الإسلامي لا يعني عدم إمكانية الاستفادة من الوسائل التي ابتكرتها هذه الفلسفات لتحسين أداء وسائل الإعلام فيها من قبل فلسفة الإعلام الإسلامي لأنّه لا يوجد تعارض بين هذه الوسائل وبين طروحات فلسفة الإعلام الإسلامي.   - الخلاصة: طروحات فلسفات الإعلام الوضعية والنتائج التي ترتبت على تبنيها في أرض الواقع، ومن خلال مقارنة هذه الطروحات بطروحات فلسفة الإعلام الإسلامي المناظرة لها يمكن القول إنّه ليست هناك إمكانية لنقل أي تصور من التصورات التي طرحتها هذه الفلسفات حول حرية الممارسة الإعلامية أو حرِّية التملك، أو الوظائف التي ينبغي لوسائل الإعلام أن تضطلع بها بشكل كامل إلى الأرضية الإسلامية بحيث تصبح جزءاً من فلسفة الإعلام التي ينبغي أن يتبناها المجتمع المسلم، وأن أقصى ما يمكن السماح بالاستفادة منه من طروحات هذه الفلسفات لا يعدو أن يكون بعض السبل التي نظرت لها هذه الفلسفات لتحسين الأداء الإعلامي، وذلك لسببين أساسيين هما: أ- قصور طروحات فلسفات الإعلام الوضعية، وهذا نتيجة طبيعية لقيامها على مقدمات قاصرة، وقد بدا هذا القصور جليا في التطبيقات التي تمت لهذه الفلسفات، بشكل دلل وبوضوح على فشل هذه الفلسفات في تحقيق كثير من النتائج المرجوة منها في الأرضية الفكرية والمجتمعية التي أفرزتها، ولاشك أنّ هذا يجعل تعرضها للفشل في أرضيّة فكرية ومجتمعية مغايرة للأرضية التي أفرزتها أمراً بديهياً. ب- حتى لو افترضنا جدلاً سلامة طروحات فلسفات الإعلام الوضعية، وأنها قد حققت الأهداف المرجوة منها عند التطبيق، فإن مغايرة الأرضية المعرفية المراد نقل هذه الفلسفات إليها، وهي الأرضية المعرفية الإسلامية، يجعل نقل أي طرح من طروحات هذه الفلسفات، يتنافي مع هذه الأرضية ولن يثمر في أرض الواقع الإعلامي إلا ثماراً مرّة. يمكن القول أن أقصى ما يمكن الاستفادة منه من طروحات هذه الفلسفات من قبل فلسفة الإعلام الإسلامي، لا يعدو أن يكون بعض السبل التي ابتكرتها هذه الفلسفات لتحسين أداء وسائل الإعلام بالصورة التي تمكنها من الاضطلاع بالمهام المنوطة بها على النحو المرجو ومن هذه السبل: - النمط الجديد من أنماط ملكية وسائل الإعلام الذي ابتكرته فلسفة المسؤولية الاجتماعية، وهو نمط الملكية العامة غير الحكومية لاسيما فيما يخص وسائل الإعلام الإلكترونية. - آليات الإلزام التي ابتكرتها فلسفة المسؤولية الاجتماعية مثل: مجالس الصحافة، الاتحادات الإعلامية، دساتير العمل، الناقدين الداخليين، الناقدين الخارجيين. - آلية الإلزام التي ابتكرتها فلسفة الإعلام الاشتراكي وهي "إدارة الدعاية والتحريك"، وذلك من خلال إنشاء إدارة شبيهة بها تهتم بوسائل الإعلام المتخصصة في الدعوة الإسلامية سواء أكانت حكومية أم خاصة، داخلية أم خارجية. - بعض السبل التي ابتكرتها فلسفة الإعلام التنموي، والتي أثبت فاعليتها في نشر الأفكار المستحدثة ومحاربة الأفكار البالية، وكذلك السبل المثلى التي ابتكرتها للقضاء على مشكلة الأمية ونشر الوعي التنموي والإسهام في العمليات التنموية. هذا بالإضافة إلى إمكانية الاستفادة من جوانب النجاح التي حققتها هذه الفلسفات في أرض الواقع، والتعرف على جوانب فشل هذه الفلسفات ومحاولة تلافي أسبابها.   الهوامش:
[1]- امام، إبراهيم. أصول الإعلام الإسلامي، ص34. [2]- حول سبل مقومة هذه الأفكار انظر: كحيل، عبدالوهاب. الأسس العلمية والتطبيقية للإعلام الإسلامي، القاهرة: عالم الكتب، 1985، ص85-87. [3]- عرفة. "الإعلام الإسلامي في ضوء نظرية النظم"، ص87. [4]- إمام. أصول الإعلام الإسلامي، ص313. [5]- ابن ثابت. "الحرية الإعلامية في ضوء الإسلام"، ص121. [6]- الدميري، مصطفى. الصحافة في ضوء الإسلام، مكة المكرمة: مكتبة الطالب الجامعي، 1987، ص83. [7]- مصطفى. يحيي بسيونين والصيرفي، عادل. التليفزيون الإسلامي ودوره في التنمية، الرياض: عالم الكتب، 1985 ص47-48. [8]- الدميري. الصحافة في ضوء الإسلام، ص83. [9]- حجاب. نظريات الإعلام الإسلامي، ص34. [10]- انظر في ذلك: حجاب. مبادئ الإعلام الإسلامي، ص89-90. [11]- وهي آيات 104، 110، 114 آل عمران، آية 157 الأعراف وآيتا 71، 112 التوبة، آية 41 الحج، أية 17 لقمان؛ ومن آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: 1- العلم والتأكد من أنّه منكر أو معروف نزل. 2- أن يكون ورعاً لا يأتي ما نهي عنه. 3- أن يكون حسن الخلق حليماً يأمر بالرفق. 4- ألا يتعرف إلى المنكر بواسطة التجسس. 5- أن يأمر وينهي بالمعروف؛ الجزائري. منهاج المسلم، ص57. [12]- ذكره السيوطي في الجامع الصغير، ورمز له بالصحة، الجزء الرابع، 410. وذكره المتقي الهندي في كنز العمال حديث (11172)، وعزاه لابن عساكر عن علي. انظر: الهندي، علي المتقي. كنز العمال، تحقيق: بكر صباني، وصفوة السقا، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1989. [13]- مسلم. صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب كون النهي عن المنكر من الإيمان، الحديث 80 (50). [14]- الغزالي، محمد. الاستبداد السياسي، ط3، القاهرة: دار الكتب الإسلامية، 1984، ص146. [15]- حماد. حرية الرأي في الميدان السياسي في ظل مبدأ المشروعية، ص255. [16]- من حديث جابر، عزاه المناوي في فيض القدير، حديث (3757) للشيرازي في الألقاب، وزاده في حديث (4747) عزوه للحاكم في مناقب الصحابة والديلمي والضياء المقدسي، وعزا نحوه لابن عباس عن الطبراني. انظر: محمد عبدالرءوف المناوي. وعزاه المتقي الهندي في كنز العمال حديث (33260) للشيرازي في الألقاب، وعزاه للطبراني والضياء، وعزا نحوه في حديث (33263) للطبراني. أنظر: الهندي. كنز العمال. وتعد رقابة وسائل الإعلام على تصرفات الحاكم انعكاساً طبيعياً للحق الذي أعطته الشريعة علامة في الرقابة على تصرفات حكامها والتي تندرج من الوعظ بالحسنى حتى عزل الحاكم الجائر. انظر: سعيد. السلطة في المجتمع الاشتراكي ، ص257. [17]- حول ضرورة تجرد الإعلامي المسلم في عمله وإخلاصه لوجه الله تعالى انظر: حجاب، محمد منير. "ضوابط الممارسة الإعلامية للقائم بالاتصال في الإعلام الإسلامي" في ندوة الإعلام الإسلامي بين تحديات الواقع وطموحات المستقبل، القاهرة: مركز صالح عبدالله كامل بجامعة الأزهر، في الفترة من 3 إلى 5 مايو 1992، ص96-97. [18]- الخطيب. الخلافة والإمامة: ديانة وسياسة، دراسة مقارنة للحكم والحكومة في الإسلام، ص210. [19]- مدكور، إبراهيم. الإعلام الإسلامي الطباعي في الدول غير الإسلامية، القاهرة: دار المعارف، د. ت، ص30-96. [20]- انظر: عبدالحليم، محيي الدين. "الإعلام الإسلامي: الأصول، الأهداف في ندوة الإعلام الإسلامي بين تحديات الواقع وطموحات المستقبل"، ص61-62؛ وللمزيد انظر: عبدالحليم، محيي الدين. الدعوة الإسلامية والإعلام الدولي، ص151-183. [21]- انظر: حجاب. مبادئ الإعلام الإسلامي، ص79. [22]- محمود، مصطفى. الله، ط8، القاهرة: دار المعارف، د. ت، ص34-35.

[23]- المعروف هو "ما عرفه الناس بأنّه محبوب للشارع مفروضاً كان أو مسنوناً أو مستحباً"؛ عمير، محمد مصطفى. المؤمنون كما وصفهم القرآن، القاهرة: دار التوزيع والنشر الإسلامية، د. ت، ص90.

المصدر: كتاب فلسفات الإعلام المعاصرة.. في ضوء المنظور الإسلامي

ارسال التعليق

Top