• ٢٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مبادىء الأخوة الإسلامية/ج1

أحمد الكاتب

مبادىء الأخوة الإسلامية/ج1

إنّ مبادىء الإخوة الإيمانية الكفيلة بإقامة الوحدة.. وتعزيز أواصر المحبّة، وامتصاص عوامل الخلاف والقضاء عليها هي:

1- التواضع:

وإذا كان التكبُّر عاملاً من عوامل الصراع، فإنّ التواضع لابدّ أن يكون عاملاً من عوامل الوحدة، ولكن مَن يمتلك القدرة على التواضع؟ وكيف؟ ولماذا لا يتواضع كلّ الناس؟

إنّ المتكبِّر يشعر بحقارة نفسه، ولذلك يحاول أن يسد هذا الفراغ بالتعالي على إخوانه وبواسطة الدنيا وعن طريق المال والقوّة، أمّا المؤمن الذي يشعر بقيمة الإيمان وبارتباطه بخالق السماوات والأرض، فإنّه يشعر بالعزّة في نفسه ولا يجد داعياً للتكبُّر، إنّ الإيمان بالله هو الخطوة الأولى نحو التواضع.

ولعلّ الإمام الصادق (ع) يشير إلى هذه الحقيقة عندما يقول: "ما من رجل تكبّر وتجبر إلّا لذلة وجدها في نفسه"[1].  ولأنّ المؤمن يؤمن بألوهية الله عزّوجلّ، فإنّه يحافظ على ميزان علاقاته الأخوية المتساوية مع سائر البشر، فلا يخضع لعبادة أي احد سوى الله، كما لا يحاول أن يستعلي ويفرض عبادة شخصه على أي أحد من الخلق، ولذلك يتوجّه إلى الله تعالى طالباً منه تصحيح العلاقة بينه وبين سائر إخوانه، والمحافظة على الميزان العادل في نفسه.

يقول الإمام زين العابدين (ع) في دعاء مكارم الأخلاق: "اللَّهُمَّ وصلِّ على محمد وآله، ولا ترفعني في الناس درجة إلّا حططتني عند نفسي مثلها، ولا تحدث لي عزّاً ظاهراً إلّا أحدثت لي ذلة باطنة عند نفسي مثلها". حتى لا يشعر الإنسان المؤمن بأنّه أفضل من غيره وأحق بالعزّ والاحترام والتقدير، أو إنّه من طينة أشرف وأسمى.

وينهى الإمام أبو عبدالله الصادق أصحابه من الشعور بالتعالي حتى بسبب الإيمان والعمل الصالح، فيقول: "إنّ الله تعالى رفع بالإيمان مَن كان الناس يسمونه وضيعاً، إذا كان مؤمناً، ووضع بالكفر مَن كان الناس يسمونه شريفاً إذا كان كافراً، فليس لأحد فضل على أحد إلّا بالتقوى"[2]. ومن هنا كان الإمام الصادق (ع) يوصي أصحابه بالتوجّه إلى العمل الصالح وتوثيق العلاقات مع الله، ويقول:"إن قدرتم أن لا تُعرفوا فافعلوا، وما عليك إن لم يثنِ عليك الناس؟ وما عليك أن تكون مذموماً عند الناس إذا كنت عند الله محموداً؟"[3].

وهكذا كان الإمام موسى الكاظم (ع) يوصي بالتواضع ويحذّر من التكبُّر: "ما من عبد إلّا ومَلَك آخذ بناصيته فلا يتواضع إلّا رفعه الله ولا يتعاظم إلى وضعه الله".

ويتوجه الإمام الصادق بقوّة لمعالجة مشكلة التكبُّر في صفوف الحركة العلمية والثورية التي نشطت في عهده وعلى يديه، فيحذّر من اتخاذ العلم والثورة وسيلة للتكبُّر، ويدعو إلى التواضع، فيقول: "العزّ رداء الله والكبر إزاره فمَن تناول شيئاً منه أكبه الله في جهنّم"[4]. ويقول: "مَن طلب الرئاسة لنفسه هلك، فإنّ الرياسة لا تُصلح إلّا لأهلها". وكذلك يقول (ع): "إذا أردت أن تقرّ عينك وتنال خير الدنيا والآخرة، فاقطع الطمع عما في أيدي الناس وعد نفسك في الموتى، ولا تحدّثنّ نفسك أنّك فوق أحد من الناس واخزن لسانك كما تخزن مالك"[5]. ويحذّر بشدة: "إياكم وهؤلاء الرؤساء الذين يترأسون فوالله ما خفقت النعال خلف رجل إلّا هلك وأهلك"[6].

هؤلاء الذين يحذّر الإمام زين العابدين (ع) منهم، ويقول: "انظروا إلى محبّتهم للرئاسات الباطلة وزهدهم فيها، فإنّ في الناس مَن خسر الدنيا والآخرة، يترك الدنيا للدنيا ويرى أنّ لذة الرئاسة الباطلة أفضل من لذة الأموال والنِّعم المباحة المحللة فيترك ذلك أجمع طلباً للرئاسة، ويحرم من أجلها ما أحل الله ويحل ما حرم الله لا يبالي لما فات من دينه إذا سلمت له رياسته التي قد شقي من أجلها"[7].

إنّ رسول الله يقول: "إنّ مَن تعلّم العلم ليماري به السفهاء أو يباهي به العلماء أو يصرف وجوه الناس إليه ليعظّموه فليتبوأ مقعده من النار، فإنّ الرئاسة لا تُصلح إلّا لله ولأهلها، ومَن وضع نفسه في غير الموضع الذي وضعه الله فيه مقته الله ومَن دعا إلى نفسه فقال: "أنا رئيسكم" وليس هو كذلك لم ينظر الله إليه حتى يرجع عما قال ويتوب إلى الله مما ادّعى"[8].

ويصف الإمام عليّ (ع) المؤمن فيقول: "المؤمن.. أذل شيء نفساً يكره الرفعة ويشنأ السمعة"[9].

وهكذا يربي الإمام الصادق (ع) تلاميذه على التواضع وخاصّة أبناء الحركة الإسلامية، وطلائع الأُمّة وقادتها من العلماء والمجاهدين، سواءاً التواضع فيما بينهم أو بين بقية الأُمّة، وذلك من أجل تمتين العلاقات الوحدوية الداخلية بين صفوف الحركة الإسلامية أو بين الطلائع المجاهدة وبين الأُمّة، فما أن يدبّ التكبُّر بين مؤمنين اثنين حتى ينسف العلاقات الأخوية بينهما ويفجّر الصراع والتناحر بينهما، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأُمّة كلّها.

وغني عن القول إنّ مبدء التواضع يترك بصماته في كثير من الأمور بحيث يقلب حياة الإنسان أو الحركة بصورة كلّية ويجعلها أكثر ليونة وتألفاً واتحاداً مع الآخرين إذ أنّ التواضع نقيض الأنانية، ذلك المرض الذي يُنبت التكبُّر، ويسمّم كافة العلاقات الأخوية.

ومن الأمور المهمّة التي تتأثّر بالتواضع أو التكبُّر السياسة الإعلامية للشخص أو الحركة، فإذا كان متواضعاً اتّسمت السياسة الإعلامية بحبّ الآخرين والخجل من مدح الذات، والابتعاد عن الرياء والتفاخر والمباهاة وتضخيم الأعمال، في حين تسارع إلى تغطية نشاطات الأخوة المؤمنين الآخرين وتكيل لهم المديح وتعظم صغائر أعمالهم الطيِّبة.

يقول الإمام الصادق (ع): "لا يصير العبد عبداً خالصاً لله عزّوجلّ؛ حتى يصير المدح والذم عنده سواء، لأنّ الممدوح عند الله عزّوجلّ لا يصير مذموماً بذمهم وكذلك المذموم، فلا تفرح بمدح أحد فإنّه لا يزيد في منزلتك عند الله ولا يُغنيك عن المحكوم والمقدور عليك ولا تحزن أيضاً بذم أحد فأنّه لا ينقصك عنك به ذرة، ولا يحط عن درجة خيرك شيئاً، واكتف بشهادة الله تعالى لك وعليك، قال الله عزّوجلّ: (وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)".

وقال (ع): "ومَن لا يقدر على صرف الذم عن نفسه ولا يستطيع على تحقيق المدح له، كيف يرجى مدحه؟ ويخشى ذمه؟، واجعل وجه مدحك وذمك واحداً، وقف في مقام تغتنم به مدح الله عزّوجلّ لك ورضاه، فإنّ الخلق خُلقوا من العجين من ماء مهين، فليس لهم إلّا ما سعوا، قال الله عزّوجلّ: (وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلا مَا سَعَى) (النجم/ 39). وقال عزّوجلّ: (وَلا يَمْلِكُونَ لأنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا) (الفرقان/ 3)"[10].

ويعلّمنا الإمام أمير المؤمنين عليّ (ع) أن لا نغتر بالدعاية الكاذبة، فيقول: "ربَّ مفتون بحُسن القول فيه"[11].

ويعلّمنا تذكُّر عيوبنا التي يجهلها المادحون والخوف من الله: "اللَّهُمَّ أنّك أعلم من نفسي وأنا أعلم بنفسي منهم، اللَّهُمَّ اجعلنا خيراً مما يظنون، واغفر لنا ما لا يعلمون، ولا تُحاسبنا بما يقولون"[12].

هذا هو المتواضع، أمّا المتكبِّر فإنّه يفرح بالمدح ويُسر ويُطالب بالمزيد وقد يعتبُ إذا قصّر المادح عن بعض ألقابه، أو غفل عن ذكر بعض بطولاته.

ويمكّننا اكتشاف الفرق بين المتواضع والمتكبِّر بسهولة من خلال ذكر اسمه مقروناً بصفة العلم والثورية والجهاد، فإذا رحّب بذلك فإنّ ذلك يعني انطواءه على شيء من التكبّر، وإذا امتعض واستحيى ولم يبالِ سواءاً ذكرنا اسمه مجرّداً أو مبجّلاً، فإنّه يدلّ على مدى التواضع والإخلاص في قلبه.

إنّ الإعلان عن النفس وطرح الذات من أجل الله، ومن أجل نشر الدِّين وقيادة المسلمين أمر جائز ومشروع ولكن التنافس الإعلامي مع المؤمنين ومحاولة طمس ذكرهم والتعميم على نشاطاتهم، لا يدل إلّا على روح التكبّر والاستعلاء، وهو كفيل بإثارة حسدهم وغيظهم ودفعهم إلى القيام برد الفعل والدخول في معارك إعلامية تجرّ وراءها معارك يدوية ومسلحة، أليس كذلك؟.

هذا إذا لم يتحوّل الإعلام إلى سياسة الهجوم وتتبع عيوب الآخرين وفضحهم وإسقاطهم من المجتمع، من أجل الفوز بالزعامة والسلطة وما يترك ذلك من آثار وخيمة على الوحدة الإسلامية بين العاملين، ودفعهم لانتهاش لحوم إخوانهم والتورط في معارك جانبية خطيرة.

ومن هنا كان ضرورياً بالنسبة لسياسة التواضع والكف الإعلامي الالتفات إلى عيوب الذات، والغض عن عيوب الآخرين، واحترام أعراض وحُرمات المؤمنين.. "فكلّ سعي أخلص عنده من سعيه وكلّ نفس أصلح عنده من نفسه".

يقول الرسول الأعظم محمّد (ص): "كفى بالمرء عيباً أن يبصر من الناس ما يعمى عنه من عيوب نفسه، وأن يعير الناس بما لا يستطيع تركه"[13]. 

وفي مقابل ذلك يدعو الإيمان بالإنسان المؤمن المتواضع إلى الدفاع عن حُرمة إخوانه المؤمنين، والذبّ عن كرامتهم وأعراضهم.

يقول الإمام الصادق (ع): "مَن اُغتيب عنده أخوه المؤمن فنصره وأعانه، نصره الله في الدنيا والآخرة، ومن لم ينصره ولم يدفع عنه وهو يقدر، خذله الله وحقّره في الدنيا والآخرة"[14].

لا للعصبية:

وهناك جانب آخر للتواضع هو التمسك المتين بقيمة الإيمان، وعدم تفضيل أية رابطة عائلية أو قومية أو طائفية أو حزبية عليها.. ونبذ أية حمية جاهلية.. ذلك لأنّ المتكبِّر عادة ما يلجأ إلى قيمه الجاهلية ويتمسك بشرف قبيلته أو قومه أو فئته.. ويتعصّب لهم ويتفاخر بهم في محاولة للاستعلاء على الآخرين.. ويخلق بالتالي بذلك الصراعات القبلية أو القومية أو الحزبية في المجتمع ويهدد وحدة المؤمنين.

ولذلك تعتبر مكافحة العصبية خطوة على طريق التواضع والسلام الاجتماعي والوحدة.. ويعتبر المتواضع مبرءاً من أي نوع من العصبية الجاهلية.

وإذا حلّ الإيمان.. ظهر التواضع وارتحل التعصّب..

يقول الرسول الأكرم: "مَن كان في قلبه حبة من خردل من عصبية بعثه الله تعالى يوم القيامة مع أعراب الجاهلية"[15]. 

ويفسّر الإمام زين العابدين معنى العصبية فيقول: "العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس العصبية أن يحبّ الرجل قومه ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم"[16].

وكثيراً مَن نشاهد في المجتمع وربما في داخل صفوف الحركة الإسلامية، تعصّب البعض لأفكار مختلفة أو رجال معينين، تختلف عليها وعليهم الأُمّة.. ويكون التعصّب لها ولهم سبباً من أسباب الصراع والتناحر وتمزيق أواصر الأخوة، والإيمان تبعاً لذلك، بحيث يؤدي بأصحابه إلى الخروج عن إطار الإسلام.

الاستشارة:

وإذا كانت الفردية والديكتاتورية والعجب من سمات التكبّر، فإنّ الاستشارة وقبول النصح والشورى من سمات التواضع، وعلامة من علائم الإيمان، وإذا كانت الديكتاتورية سبباً في تمزيق أوصال المجتمع وإثارة الاضطرابات، فإنّ الاستشارة والشورى تزيد في تقوية أواصر الوحدة.

ومن هنا يعالج أئمة أهل البيت (ع) مشكلة العجب والديكتاتورية، كخطوة على طريق معالجة مشكلة التكبّر الكبرى، وتعبيد طريق التواضع. يقول الإمام الصادق: "مَن دخله العجب هلك"[17]. ويقول الإمام الهادي: "مَن رضي عن نفسه كثر الساخطون عليه"[18].

وبعد أن يحطم أهل البيت (ع) الغرور والعجب في نفس الإنسان المؤمن يدعونه إلى المرحلة الثانية وهي الاستشارة واحترام آراء الآخرين وقبول النصح. يقول الإمام أمير المؤمنين (ع): "مَن استبد برأيه هلك". و"مَن شاور الرجال شاركها في عقولها، ومَن استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ".

إنّ الترحيب بالنقد من كلّ أحد حسن، ولكن من الحاكم أحسن، وإنّ الاستشارة من كلّ أحد جميلة، ولكنّها من الخليفة أجمل، وعندما يقوم بها من يجمع العلم والقوّة، فإنّها تعتبر قمة في التواضع واللين أمام الشعب، ومن النادر أن يفتح الحاكم صدره لتقبّل النقد والتوجيه، ومن الأندر أن يدعو الناس بنفسه للقيام بذلك، ولكن هذا ما صنعه الإمام أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب (ع) لكي يعلّم تلامذته على مدى التاريخ أن يتواضعوا، ويتواضعوا بالرغم من معادلات القوّة والمال، يقول:

"إنّ من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يظن بهم حبّ الفخر، ويوضع أمرهم على الكبر وقد كرهت أن يكون جال في ظنّكم أنّي أحبّ الإطراء واستماع الثناء ولست بحمد الله كذلك، ولو كنتُ أحبّ أن يقال ذلك لتركته انحطاطاً لله سبحانه، عن تناول ما هو أحق به من العظمة والكبرياء، وربما استحلى الناس الثناء بعد البلاء فلا تثنوا عليَّ بجميل ثناء لإخراجي نفسي إلى الله وإليكم، من البقية في حقوق لم أفرغ من أدائها وفرائض لابدّ من إمضائها فلا تكلّموني بما تكلّم به الجبابرة ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنّوا بي استقالاً في حقّ قيل لي ولا التماس إعظام لنفسي فإنّه من استثقل الحقّ أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفوا عن مقالة بحقّ أو مشورة بعدل، فإنّي لست في نفسي بفوق أن أُخطىء ولا آمن ذلك من فعلي ولست بفوق أن أؤمر بالمعروف أو أنهى عن المنكر، إلّا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني فإنّما أنا وأنتم عبيد مملوكون لربّ لا ربّ غيره يملك منّا ما لا نملك من أنفسنا وأخرجنا مما كنّا فيه إلى ما صلحنا عليه، فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى، وأعطانا البصيرة بعد العمى"[19]. 

لقد ربط الإمام هنا في هذه الرائعة بين منطلق التواضع الذي هو العبودية لله، ورفض التجاوز في الاستيلاء، على حقوق الله من التعظيم والتجليل، وبين دعوة الأُمّة إلى ممارسة دورها السياسي في مواجهة الحاكم، وإبداء النصح والمشورة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبين خشيته من نفسه وبين أن يُخطىء، وحاشاه من ذلك وعلى أي حال، فإنّ تواضع الحاكم يضفي على الدولة طابع الاستقرار السياسي ويمتص غضب الأُمّة، ويفتح أمامها قناة للتصحيح والتعبير عن آرائها، وإلّاإاذا كبت الحاكم حرّية النقد والتوجيه، استعلاءاً وتكبّراً، ورفض تصحيح أي خطأ أو انحراف، بل وأصر عليه، فإنّ ذلك يفجّر الصراع ويمزّق الوحدة الإسلامية.

 

2- الكرم والإيثار:

وينطلق من معنيين الإيمان، والثقة بالله، فيزرع في قلوب المؤمنين الود والمحبّة، ويقتلع في طريقه أشواك الحسد والبغضاء من القلب.

وذلك لأنّ المؤمن يزهد في الدنيا ولا يقيم لها وزن جناح بعوضة، ثمّ هو يؤمن أنّ إيمانه يتناقض مع الشح والحسد.

"إنّ أصول الكفر ثلاثة: الحرص والاستكبار والحسد، وإياكم والبخل، ولا تحاسدوا"[20].

ولا يكتفي أهل البيت (ع) باقتلاع الشّح والحسد من قلوب المؤمنين بل يحضّونهم على العطاء والإيثار والمواساة، يقول رسول الله (ص): "لا تزال أُمّتي بخير ما تحابوا وتهادوا وأدوا الأمانة واجتنبوا الحرام وقروا الضيف وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإذا لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالقحط والسنين"[21]. 

إذن فإنّ الإنفاق والإيثار شرط رئيسي من شروط الانتماء للحركة الرسالية الثورية، وهو كفيل بتعزيز الروابط الأخوية وترسيخ الوحدة.

ولا يقتصر الإنفاق على الأموال الشخصية، وإنما يعمّ أية حاجة مادّية ولذلك كان موضوع قضاء الحوائج للإخوان موضوعاً يركّز عليه أهل البيت (ع) بشدة.

يقول الإمام الحسين (ع): "إنّ حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم فلا تملوا النعم"[22].  ويقول الإمام الصادق (ع): "إنّ لله عباداً في الأرض يسعون في حوائج الناس وهم الآمنون يوم القيامة"[23].

أمّا الإمام زين العابدين فيسأل الله تعالى في دعائه إذا دخل شهر رمضان: "اللَّهُمَّ وفقنا فيه لأن نصل أرحامنا بالبرّ والصلة، وأن نتعاهد جيراننا بالأفضال والعطية، وأن نخلص أموالنا من التبعات وأن نطهرها بإخراج الزكوات".

يتبع...

الهوامش


[1]- بحار الأنوار، 225/70.

[2] - بحار الأنوار، 299/70.

[3] - بحار الأنوار، 121/70.

[4] - بحار الأنوار، 213/70.

[5] - بحار الأنوار، 168/70.

[6] - بحار الأنوار، 150/70.

[7]- بحار الأنوار، 185/71.

[8]- بحار الأنوار، 147/74.

[9]- بحار الأنوار، 304/64.

[10] - بحار الأنوار 294/70.

[11] - بحار الأنوار، 295/70.

[12] - بحار الأنوار، 294/70.

[13] - بحار الأنوار، 386/70.

[14] - بحار الأنوار، 262/72.

[15] - بحار الأنوار، 284/70.

[16] - بحار الأنوار، 288/70.

[17] - بحار الأنوار، 209/69.

[18] - بحار الأنوار، 316/69.

[19] - بحار الأنوار، 309/74.

[20]- بحار الأنوار، 254/71.

[21] - بحار الأنوار، 206/68.

[22] - بحار الأنوار، 318/71.

[23] - بحار الأنوار، 319/71.

ارسال التعليق

Top