كانت إحدى المهام الأساسية لرسول الله (ص) هي تعليم القرآن الكريم وبيانه للناس، قال تعالى: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (البقرة/ 151).
ومع ذلك فقد اختلف في حدود التفسير الذي مارسه الرسول (ص)، فهل شمل القرآن كلّه أم أنّه فسّر بعض الآيات التي صعب على الصحابة فهمها، أو سألوا عنها؟ وكانت الآراء في ذلك ما يلي:
الأوّل: نسبة إلى ما رُوي عن عائشة أنها قالت: "ما كان النبي (ص) يفسِّر شيئاً من القرآن إلا آياً بعدد علّمهنّ إيّاه جبريل".
فإنّه قد يُستفاد من ذلك أنّ رسول الله (ص) لم يبيِّن ويفسِّر جميع الآيات، وإنّما فسّر آيات معدودة.
وطعن ابن كثير في الحديث وقال إنّه منكر، وأوّله ابن جرير وغيره على أنّها إشارات إلى آيات مشكلات أشكلن عليه، فسأل الله علمهنّ فأنزل إليه على لسان جبريل.
وحمله القرطبي على مغيبات القرآن وتفسيره لمجمله ونحو ذلك مما لا سبيل إليه إلا بتوقيف من الله تعالى. على أنّ راوي الحديث: محمّد بن جعفر الزبيري مطعون فيه، فقد قال البخاري في حقِّه: لا يُتابع في حديثه، وقال عنه الطبري: إنّه ممّن لا يُعرف في أهل الآثار.
الثاني: أنّ رسول الله (ص) قد فسّر جميع القرآن.
قال ابن تيميّة: "يجب أن يُعلم أنّ النبي (ص) بيّن لأصحابه معاني القرآن، كما بيّن لهم ألفاظه؛ فقوله تعالى: (..لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ...) (النحل/ 44)، يتناول هذا وهذا، وقد قال أبو عبدالرحمن السلّمي: حدّثنا الذين كانوا يقرأون القرآن كعثمان بن عفّان وعبدالله بن مسعود وغيرهما: أنّهم كانوا إذا تعلّموا من النبي (ص) عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلّمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً، ولهذا كانوا يبقون مدّة في حفظ السورة".
وعقّب السيوطي قائلاً: "فالعادة تمنع أن يقرأ قوم كتاباً في فن من العلم كالطب والحساب ولا يستشرحونه، فكيف بكلام الله الذي هز عصمتهم وبه نجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم، ولهذا كان النزاع بين الصحابة في تفسير القرآن قليلاً جدّاً".
الثالث: أنّ النبي (ص) فسّر القرآن الكريم على مستويين: فقد كان يفسِّره على المستوى العام في حدود الحاجة ومتطلّبات الموقف الفعلي، ولهذا لم يستوعب القرآن كله.
وكان يفسِّره على مستوى خاص تفسيراً شاملاً كاملاً بقصد إيجاد من يحمل تراث القرآن ويندمج به إندماجاً مطلقاً بالدرجة التي تُتيح له أن يكون مرجعاً بعد ذلك في فهم الأُمّة للقرآن.
- علاقة السنة بالقرآن:
قد اتّضح أنّ العلاقة بين القرآن والسنّة – من حيث الأصل – علاقة بيان، لقوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (النحل/ 44)، فالقرآن هو بمثابة الدستور الذي يُحدِّد الخط العام للإسلام، ومسيرته في حياة الفرد والجماعة، والسنة إنّما تكون لتشرح أبعاد هذا الدين في حياة الناس جملة وتفصيلاً.
1- ولذا كان بيان السنة للقرآن قبل كلّ شيء، هو بيان مجمله، وتوضيح مشكله وتخصيص عامّه وتقييد مطلقه.
ومن ذلك بيانه (ص) لسائر الأحكام مما ورد عليها الإشارة مجملة، أو عامّة وكلِّيّة في القرآن، كأحكام الصلاة، والزكاة ومناسك الحج وغيرها.
2- وكان بيان الرسول (ص) لآي القرآن الكريم، بيان تفسير لمعاني ألفاظه وما يتعلّق بها من شروح، كبيان المغضوب عليهم باليهود والضالين بالنصارى، أو بيان ما ورد في القصص القرآني من تفاصيل تفسّر الآيات وتقرّبها إلى الناس.
3- وهذه من الأمور المتفق عليها – سنّة وشيعة – إلا أنّه اختلف في جواز نسخ الكتاب بالسنّة.
قال الزركشي: "اختلف في ذلك، قال ابن عطية: حُذّاق الأُمّة على الجواز، وذلك موجود في قوله (ص): (لا وصية لوارث) وأبى الشافعي ذلك. والحجة عليه من قوله في إسقاط الجلد في حدّ الزِّنا عن الثيّب الذي رجم، فإنّه لا مسقط لذلك إلا السنة فعل النبي (ص)".
وقال الذهبي بعد ذكر شواهد لذلك: "وغير ذلك كثير".
إلا أنّ الزركشي ناقش في ذلك بأن آية الوصية ناسخها القرآن...
واختلف الشيعة أيضاً في ذلك؛ فمنهم من يرى أنّ الحكم الثابت بالقرآن ينسخ بالسنة المتواترة، أو الإجماع القطعي الكاشف عن صدور النسخ عن المعصوم، فلا إشكال فيه عقلاً ونقلاً، فيما يذهب آخرون إلى عدم جواز نسخ الكتاب بالسنّة، إذ انّه مخالف للأخبار المتواترة الآمرة بعرض الأخبار على الكتاب وطرح ما خالفه والرجوع إلى الكتاب.
المصدر: كتاب التفسير بالمأثور وتطويره عند الشيعة الإمامية
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق