• ١٦ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٤ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

القرآن باعث على الهدوء النفسي

القرآن باعث على الهدوء النفسي

◄حتى وقت قريب لم يكن هناك اهتمام زائد بالقوة الشفائية للقرآن والتي وردت الإشارة إليها في القرآن وفي تعاليم الرسول (ص).

كيف يحقق القرآن تأثيره، وهل هذا التأثير عضوي أم روحي أم خليط من الاثنين معاً.

ولمحاولة الإجابة على هذا السؤال بدأنا في العام الأخير إجراء البحوث القرآنية في عيادات «أكبر» في مدينة بنما سيتي بولاية فلوريدا. وكان هدف المرحلة الأولى من البحث هو إثبات ما إذا كان للقرآن أي أثر على وظائف أعضاء الجسد وقياس هذا الأثر إن وجد. واستعملت أجهزة المراقبة الإلكترونية المزودة بالكمبيوتر لقياس أية تغيرات فسيولوجية عند عدد من المتطوعين الأصماء أثناء استماعهم لتلاوات قرآنية. وقد تم تسجيل وقياس أثر القرآن عند عدد من المسلمين المتحدثين بالعربية وغير العربية، وكذلك عند عدد من غير المسلمين. وبالنسبة للمتحدثين بغير العربية، مسلمات كانوا أو غير مسلمين، فقد تليت عليهم مقاطع من القرآن باللغة العربية ثم تليت عليهم ترجمة هذه المقاطع باللغة الإنجليزية.

وفي كلّ هذه المجموعات أثبتت التجارب المبدئية وجود أثر مهدىء مؤكد للقرآن في 97 % من التجارب المجراة.  وهذا الأثر ظهر في شكل تغيرات فسيولوجية تدل على تخفيف درجة توتر الجهاز العصبي التلقائي. وتفاصيل هذه النتائج المبدئية عرضت على المؤتمر السنوي السابع عشر للجمعية الطبية الإسلامية في أمريكا الشمالية والذي عقد في مدينة سانت لويس بولاية ميزوري في أغسطس (آب) 1984.

ولقد ظهر من الدراسات المبدئية أنّ تأثير القرآن المهدىء للتوتر يمكن أن يعزي إلى عاملين: العامل الأوّل هو صوت الكلمات القرآنية باللغة العربية بغض النظر عما إذا كان المستمع قد فهمها أو لم يفهمها وبغض النظر عن إيمان المستمع . أما العامل الثاني فهو معنى المقاطع القرآنية التي تليت حتى ولو كانت مقتصرة على الترجمة الإنجليزية بدون الاستماع إلى الكلمات القرآنية باللغة العربية.

أما المرحلة الثانية لبحوثنا القرآنية في عيادات «أكبر» فتضمنت دراسات مقارنة لمعرفة ما إذا كان أثر القرآن المهدىء للتوتر وما يصاحبه من تغيرات فسيولوجية عائداً فعلاً للتلاوة القرآنية وليس لعوامل أخرى غير قرآنية مثل صوت أو رنة القراءة القرآنية العربية أو لمعرفة السامع بأنّ ما يقرأ عليه هو جزء من كتاب مقدس. وبعبارة أخرى فإنّ هدف هذه الدراسة المقارنة هو تحقيق الافتراض القائل بأنّ الكلمات القرآنية في حدّ ذاتها لها تأثير فسيولوجي بغض النظر عما إذا كانت مفهومة لدى السامع. وهذا البحث يضم تفاصيل ونتائج هذه الدراسة.

المعدات:

استعمل جهاز قياس ومعالجة التوتر المزود بالكمبيوتر ونوعه ميداك 2002 (ميديكال داتا أكويزين) والذي ابتكره وطوّره المركز الطبي لجامعة بوسطن وشركة دافيكون في بوسطن. وهذا الجهاز يقيس ردود الفعل الدالة على التوتر بوسيلتين إحداهما الفحص النفسي المباشر عن طريق الكمبيوتر والأخرى بمراقبة وقياس التغيرات الفسيولوجية في الجسد. وهذا الجهاز متكامل ويضم المقومات التالية:

-  برنامج للكمبيوتر يشمل الفحص النفساني ومراقبة وقياس التغيرات الفسيولوجية وطباعة تقرير النتائج .

- كمبيوتر من نوع أبل 2 إي مزود بقرصين متحركين وشاشة عرض وطابع.

-  أجهزة مراقبة الكترونية مكونة من 4 قنوات، قناتان لقياس التيارات الكهربائية في العضلات معبرة عن ردود الفعل العصبية العضلية وقناة لقياس قابلية التوصيل الكهربائي للجلد. وقناة لقياس كمية الدورة الدموية في الجلد وعدد ضربات القلب ودرجة حرارة الجلد .

وبالنسبة للتيارات الكهربائية في العضلات فإنّها تزداد مع ازدياد التوتر والذي يسبب بدوره ازدياداً في انقباض العضلات. ولقياس، هذه التغيرات يستعمل موصل كهربائي سطحي يوضع فوق عضلة الجبهة.

أما قابلية التوصيل للجلد فإنّها تتأثر بدرجة إفراز العرق في الجلد فتزداد بازدياده وتقل بقلته، والتوتر يزيد من إفراز العرق في الجلد، وأما الهدوء وإزالة التوتر فيؤديان إلى نقصان الرطوبة في الجلد وبالتالي نقصان قابليته للتوصيل الكهربائي. ولقياس هذه التغيرات يستعمل موصل كهربائي حول طرف أحد الأصابع.

أما قياس كمية الدم التي تمر في الجلد إضافة إلى قياس درجة حرارة الجلد فيدل على مدى توسّع شرايين الجلد أو انقباضها ويستعمل لقياس هذه التغيرات موصل كهربائي حساس يربط حول طرف أحد الأصابع وأية تغيرات في كمية الدم الجاري في الجلد تظهر مباشرة على شاشة العرض إضافة إلى سرعة القلب. ومع زيادة التوتر تنقبض الشرايين فتنخفض كمية الدم الجاري في شرايين الجلد وتنخفض درجة حرارة الجلد وتسرع ضربات القلب.

ومع الهدوء أو نقصان التوتر تتسع الشرايين وتزداد كمية الدم الجاري في الجلد ويتبع ذلك ارتفاع في درجة حرارة الجلد ونقصان في ضربات القلب.

الطريقة والحالات المستعملة:

أجريت مائتان وعشرة تجارب على خمسة متطوعين صم ثلاثة ذكور واثنان من الإناث، تتراوح أعمارهم بين 17-40 سنة ومتوسط أعمارهم 22 سنة.

وكلّ المتطوعين كانوا من غير المسلمين ومن غير الناطقين بالعربية. وقد أجريت هذه التجارب خلاله 42 جلسة علاجية تضمنت كلّ جلسة خمس تجارب وبذلك كان المجموع الكلي للتجارب 210. وتليت على المتطوعين قراءات قرآنية باللغة العربية الموجودة خلال 85 تجربة، وتليت عليهم قراءات عربية غير قرآنية خلال 85 تجربة أخرى، وقد روعي في هذه القراءات، غير القرآنية أن تكون باللغة العربية المجودة بحيث تكون مطابقة للقراءات القرآنية من حيث الصوت واللفظ والوقع عام الأذن ولم يستمع المتطوعون لأية قراءة خلال 40 تجربة أخرى، وخلال تجارب الصمت كان المتطوعون جالسين جلسة مريحة وأعينهم مغمضة، وهي نفس الحالة التي كانوا عليها أثناء المائة وسبعين تجربة الأخرى التي استمعوا فيها للقراءات العربية غير القرآنية.

ولقد استعملت القراءات العربية غير القرآنية كدواء خال من المادة العلاجية (بلاسيبو) مشابه للقرآن حيث أنّه لم يكن في استطاعه المتطوعين المستمعين أن يميزوا بين القرآن وبين القراءات غير القرآنية، وكان الهدف من ذلك هو معرفة ما إذا كان للفظ القرآن أي أثر فسيولوجي على مَن لا يفهم معناه وإذا كان هذا الأثر موجوداً فهو فعلاً أثر لفظ القرآن وليس أثراً لوقع اللغة العربية المرتلة وهي غريبة على أذن السامع .

أما التجارب التي لم يستمع فيها المتطوعون لأية قراءة فكانت لمعرفة ما إذا كان الأثر الفسيولوجي نتيجة للوضع الجسدي المسترخي أثناء الجلسة المريحة والأعين مغمضة.

ولقد ظهر بوضوح منذ التجارب الأولى أنّ الجلسات الصامتة التي لم يستمع فيها المتطوع لأية قراءات لم يكن لها أي تأثير مهدىء للتوتر، ولذلك اقتصرت التجارب في المرحلة المتأخرة من الدراسة على القراءات القرآنية وغير القرآنية للمقارنة.

ولقد روعي تغيير ترتيب القراءات القرآنية بالنسبة للقراءات الأخرى باستمرار فمرة تكون القراءة القرآنية سابقة للقراءة الأخرى، ثم تكون تالية لها في الجلسة التالية أو العكس.

وكان المتطوعون على علم بأنّ إحدى القراءات قرآنية والأخرى غير قرآنية ولكنّهم لم يتمكنوا من التعرف على نوعية أية من القراءات في أية تجربة.

أما طريقة المراقبة في كلّ تجارب هذه الدراسة فاقتصرت على استعمال قناة قياس التيارات الكهربائية في العضلات وهي جزء من جهاز «ميداك» الموصوف أعلاه، مستخدمين في ذلك موصلاً كهربائياً سطحياً مثبتاً فوق عضلة الجبهة.

والمعايير التي تم قياسها وتسجيلها خلال هذه التجارب تضمنت متوسط الجهد الكهربائي في العضلة إضافة إلى درجة التذبذب في التيار الكهربائي في أي وقت أثناء القياس، ومدى حساسية العضلة للإنارة والنسبة المئوية للجهد الكهربائي في نهاية كلّ تجربة بالنسبة إلى أوّلها. وقد تم قياس وتسجيل كلّ هذه المعايير إلكترونياً بواسطة الكمبيوتر.

والسبب في تفضيل هذه الطريقة للمراقبة هو أنّها تنتج أرقاماً فعلية دقيقة تصلح للمقارنة وللتقويم الكمي للنتائج.

وفي أية تجربة وأية مجموعة من التجارب المقارنة اعتبرت النتيجة إيجابية لنوع العلاج الذي أدى إلى أقل جهد كهربائي للعضلة، لأنّ هذا اعتبر مؤشراً لفعالية أفضل في تهدئة التوتر أو إنقاصه مقارناً بأنواع العلاج الأخرى المستعملة مع نفس المتطوع في نفس الجلسة.

النتائج:

كانت النتائج إيجابية في 65% من تجارب القراءات القرآنية. وهذا يعني أنّ الجهد الكهربائي للعضلات كان أكثر انخفاضاً في هذه التجارب مما يدل على أثر مهدىء للتوتر، بينما ظهر هذا الأثر في 33% فقط من تجارب القراءات غير القرآنية.

وفي عدد من المتطوعين أمكن تكرار هذه النتائج كالإيجابية للقراءات القرآنية بالرغم من إعادة تغيير ترتيبها بالنسبة للقراءات الأخرى مما أكد الثقة في هذه النتائج.

مناقشة النتائج والاستنتاج من الدراسة:

لقد أظهرت النتائج المبدئية لبحوثنا القرآنية في دراسة سابقة أنّ للقرآن أثراً إيجابياً مؤكداً لتهدئة التوتر، وأمكن تسجيل هذا الأثر نوعاً وكماً. وظهر هذا الأثر على شكل تغيرات في التيار الكهربائي في العضلات، وتغيرات في قابلية الجلد للتوصيل الكهربائي، وتغيرات في الدورة الدموية وما يصحب ذلك من تغير في عدد ضربات القلب وكمية الدم الجاري في الجلد ودرجة حرارة الجلد.

وكلّ هذه التغيرات تدل على تغير في وظائف الجهاز العصبي التلقائي والذي بدوره يؤثر على أعضاء الجسد الأخرى ووظائفها. ولذلك فإنّه توجد احتمالات لا نهاية لها للتأثيرات الفسيولوجية التي يمكن أن يحدثها القرآن.

وكذلك فإنّ من المعروف أنّ التوتر يؤدي إلى نقص المناعة في الجسم واحتمال أن يكون ذلك عن طريق إفراز الكورتيزول أو غير ذلك من ردود الفعل بين الجهاز العصبي وجهاز الغدد الصماء ولذلك فإنّه ومن المنطق افتراض أنّ الأثر القرآني المهدىء للتوتر يمكن أن يؤدي إلى تنشيط وظائف المناعة في الجسم، والتي بدورها ستحسن من قابلية الجسم على مقاومة الأمراض أو الشفاء منها وهذا ينطبق على الأمراض المعدية والأورام السرطانية وغيرها.

كما أنّ نتائج هذه التجارب المقارنة تشير إلى أنّ كلمات القرآن بذاتها وبغض النظر عن مفهوم معناها، لها أثر فسيولوجي مهدىء للتوتر في الجسم البشري.

ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أنّ هذه النتائج المذكورة هي النتائج المبدئية لعدد محدود من التجارب المجراة على عدد صغير من المتطوعين .

وبرنامج البحوث القرآنية مازال مستمراً لتحقيق عدد من الأهداف نذكر منها التالي:

1-    إجراء عدد أكبر من التجارب على عدد أكبر من المتطوعين لتأكيد النتائج الحالية.

2-    مقارنة أثر الكلمات لقرآنية بأثر المعاني القرآنية سواء باللغة العربية أو المترجمة.

3-    مقارنة تأثير الآيات المختلفة من القرآن مثل آيات الترغيب وآيات الترهيب.

4-    مقارنة تأثير القرآن بتأثير الوسائل العلاجية الأخرى المستعملة حالياً لتهدئة التوتر.

5-    اختبار أثر القرآن العلاجي الطويل المدى على وظائف المناعة في الجسم سواء منها المتعلق بالخلايا أو الأجسام المضادة في الدم.

6-    اختبار أثر القرآن العلاجي في حالات مرضية معينة وخاصّة الحالات البدنية منها، وتمحيص هذا الأثر بالطرق العلمية الدقيقة.

ويتضح من المذكور أعلاه أنّ هذا البرنامج للبحوث القرآنية برنامج طويل ومعقد وسيتطلب عدداً من الدراسات المستقلة وسيستغرق عدداً من السنين لإتمامه. ولكنّه كذلك موضوع في غاية من الأهمية ويبشّر بنتائج طيبة نرجو أن تكون لها فائدة عملية مجزية. ►

 

ارسال التعليق

Top