• ٢٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الفطرة تمهد السبيل إلى الله

محمد علي التسخيري

الفطرة تمهد السبيل إلى الله
  سبق وان قلنا إنّ مسألة المعرفة الإنسانية هي أهم الأُسس التمهيدية للبحوث العقائدية، وإنّ النظرية الإسلامية في المعرفة ترتكز على نظرية أهم وأشمل وهي نظرية الفطرة الإنسانية الأصيلة التي منحت الإنسان دوافع سيره نحو الكمال، وجهزته بالأضواء الكاشفة لعقبات الطريق، زودته بالمركز المفكر والقوة الضابطة التي تعمل بتوجيه من المركز المفكر الذي يستمد الهدى بدوره من تعليمات السماء، والمتتبع ينتهي للحقيقة التي تقول: إنّ السير الطبيعي الفطري يوصل إلى الإيمان بالحقيقة المطلقة الكاملة وهي الله تعالى، فإذا طُرح سؤال في البين عن السر في تشكُّل هذا التيار الإلحادي القوي بعد القول بفطرية الإيمان فإنّه يجاب عليه بأنّ هناك عوامل كثيرة دفعت الكثيرين إلى الإلحاد، وكلها ناتجة من الجهل بكل أنواعه، وحتى جهل العلماء، ونعني به القصور الفلسفي الاجتماعي الذي يصاب به العلماء أحياناً مما يجرُّ أتباعهم نحو الانحراف المادي. كما انّ للإستغلال والاستعمار دورهما الكبير في خلق الموجة الإلحادية. وبعد هذا علينا أن نعود إلى القرآن الكريم وننعم بتصوراته عن الفطرة لننتقل إلى البناء العقائدي الإسلامي بالتفصيل.   - الفطرة الإنسانية في النصوص القرآنية: وعندما نعيش في ظلال القرآن العظيم نجده يؤكد أنّ الفطرة حقيقة قائمة في النفس الإنسانية، وأنها مستودع الدوافع الإنسانية نحو الكمال، نجد أن كل آية تستدل على عقيدة إنما تتوجه للفطرة الإنسانية، تستثير كوامنها وتجلو الغبش عنها لتدرك بوضوح الحقيقة المغروزة فيها، كما أننا نلاحظ أنّ القرآن حتى في مجال عرضه لبعض نواحي الأنظمة الإسلامية الحياتية يؤكد على أن يدرك الإنسان – بفطرته – الطيبات التي ترضاها الفطرة ويحلها الشارع (الإسلام) والخبائث التي يأباها الإنسان بفطرته ويرفضها الشارع وكأنّ الشارع يوكل أمر المحلّلات إجمالاً إلى الطبع الفطري حين يقول في سورة المائدة الآية الرابعة "يسألونك ماذا حلّ لهمم قل أُحلَّ لكم الطيبات" وتبدو الروح الفطرية في التشريعات عندما نجد القرآن يعترض على التحريم المتزمت لبعض الأمور التي تدرك الفطرة طيبها حين يقول: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (الأعراف/ 31-33). هذا في الجانب التشريعي وفطريته. والأهم من هذا؛ هو التركيز القرآني المباشر على الفطرة حين يقول: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم/ 30)، ومن الواضح تأكيد القرآن في هذه الآية الكريمة على أنّ الدين أمر فطري، وأنّ الفطرة عُبئت بما يقودها نحو أصوله الكبرى، وأنّ الفطرة أمر ثابت لا يمكن تغييره. والجميل الرائع أن نجد هذه الآية تأتي بعد آيتين أخريين يستدل بهما القرآن على عقيدة المعاد يوم القيامة، وعلى استحالة ان يكون المخلوق شريكاً لخالقه سواء في الخلق أو التدبير، يستدل بهذا ولكن استدلالاً فطرياً يقبله المنطق غير الملوث، المنطق السليم الفطري الساذج، والمنطق الفكري السليم المعمّق أيضاً مع اختلاف في مستوى التلقّي فيقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (الروم/ 27-28)، والتأكيد هنا على العقل إرجاع للواقع الفطري الأصيل. وهناك آيات أُخر تركز على أنّ الفطرة تتنبَّه عند الشدائد من مثل الآية (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) (الروم/ 33).   - الفطرة الإنسانية في الأحاديث الشريفة: وهنا لابدّ أن نذكر بعض الروايات الشريفة التي تؤكد هذا الذي ذكرناه، فقد جاء في كتاب الكافي باسناده عن أبي بصير عن الصادق (ع) قال قلت: "فطرة الله التي فطر الناس عليها قال: التوحيد. وعن اسماعيل الجعفي عن أبي جعفر الباقر (ع) قال: "كانت شريعة نوح (ع) ان يعبد الله بالتوحيد والإخلاص وخلع الأنداد وهي الفطرة التي فطر الناس عليها". وجاء في الكافي أيضاً: "كل مولود يولد على الفطرة" يعني على المعرفة بأنّ الله خالقه. وقد يبلغ الصفاء الفطري إلى حدٍّ يقول معه الإمام الحسين في دعاء يوم عرفة: "كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟! أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك؟! متى غبت حتى تحتاج إلى دليل؟!" إنّه أوضح – إذن – من كل موجود لدى الفطرة النقية الصافية. وفي ختام حديثنا عن الفطرة نودُّ أن نُذَكِّر بالأهمية القصوى التي يمتلكها هذا البحث باعتباره يشكل أساساً للعقيدة الإسلامية راجياً من الله تعالى أن يمنّ على البشرية الضالّة بالعودة إلى رحاب فطرتها النقيّة، السير على خط الإسلام الحنيف دين القطرة.   - في الطريق إلى الله: نحاول منذ الآن توضيح الصورة الفطرية العقلية، والأدلة المقنعة لهذه العقيدة، متجنبين – غاية الإمكان – التعقيد، ومركِّزين على تنبيه الفِطَر الغافية. كل ذلك لكي تتوضح معالم أُسسها العقائدية وبالتالي أيديولوجيتنا. فالأيدلوجية في تصورنا هي إشعاع وبناء فوقي للتصور عن الكون، ولا معنى لتصورها ومعرفة تفاصيلها إلا عبر معرفة تفاصيل العقيدة التي تحدِّد موقف صاحبها من الكون والإنسان تاريخاً وحضارة. أوّل قضية عقائدية تطرح في الأساس العقائدي هي قضية وجود الحقيقة المطلقة الكاملة التي منها ينطلق الكون، وبها يستمر وجوده، ومنها تفيض على الكون ديم الرحمة والهداية. نعم بعد أن نعيش معاً هذه القضية واقعاً مجسّداً أمامنا لا مجرّد قضية وراثية لا بأس بالإيمان بها... ولا يمكن أن تعاش هذه القضية واقعاً حيّاً إلا إذا توضّحت مبرراتها وأدلتها المنطقية القاطعة التي لا تترك أيّ مجال للشك والريب... ولحسن الحظ فإن مسألة وجود الله تعالى تمتلك أوضح الأدلة وأكثرها إقناعاً، حتى لقد عبّر البعض عن هذا المعنى بقوله: "إنّ الأدلة على وجود الله هي بعدد مخلوقاته فما أكثر من وصلوا إليه تعالى عن طريق تأمل بسيط في وردة أو ورقة أو فراشة، وما أكثر ما أقام الناس من أدلة تتفاوت بساطة وتعقيداً على وجوده..".   - الأدلة الفلسفية: ولست الآن في صدد أن أسرد – هنا – الأدلة الفلسفية. فرغم تقديري البالغ لجهود الفلاسفة في هذا المضمار وخصوصاً الفلاسفة المسلمين أخص منهم بالذكر فيلسوف الأُمّة الإسلامية الكبير، وعقل البشرية المفكر الملا صدر الدين الشيرازي الذي أبدع أيّما إبداع في هذا المجال في كتابه القيم (الأسفار الأربعة) وكتابه الآخر (المبدأ والمعاد) نعم رغم تقديري لهذه الجهود الجبّارة واعتقادي بأنها كافية لدعوة كل الملحدين على الأقل لإعادة النظر في مواقفهم السطحية فإني أفضِّل هنا سلوك الطريق القرآني الأوسع، وأعني به طريق التنبيه على الظواهر الحسية في الحياة الإنسانية، ومن ثمّ الوصول إلى الإيمان الجازم بالوجود الإلهي. والظاهرة التي نركز عليها في هذا الحديث هي ظاهرة العلِّية التي تستوعب مختلف أرجاء الكون... فالعِلّية العامة أمر ندركه بِفطَرِنا، وأمر لا تحيد عنه تجربة من تجاربنا، ومن هنا وقف الفكر الفلسفي موقف الإنكار من فكرة (هيوم) المادي القائلة بإنكار العلية كحقيقة قائمة في الواقع الخارجي أي القائم خارج تصور الإنسان.   - دليل العلّيّة: إنّ المعلولية موقف نتخذه مسبقاً من كل موجود محسوس على الأقل، بل هو في الواقع موقف نتخذه من كل موجود ناقص يمكن أن يعدم ويفنى؛ حِسّياً كان أو غير حسِّيٍّ، ولا نستثنى منه عقلاً إلا الموجود المطلق الكامل، لأنّ احتياجه للعلة خلاف فرض كونه كاملاً مطلقاً. وعلى هذا فإنّ هذا المبدأ يجرُّنا إلى البحث عن علَّة وجود هذا الكون ظواهره ولا معنى لأن ننتهي إلى علّةٍ هي ناقصة بدورها ومحتاجة إلى علة أخرى، كما أنّه لا معنى لتصوير سلسلة علل ناقصة غير متناهية لأن ذلك يخالف الوجدان والحكم الفطري إذا أننا بفطرتنا ندرك أنّ مجموع السلسلة مهما كانت هو ناقص محتاج إلى من يكمل هذا النقص... وهكذا نجد الفطرة والعقل يتلاحمان في سَوق الإنسان نحو الإيمان بالله المطلق الكامل علة هذا الكون التي لا معنى للتساؤل عن علتها لأنّها كاملة مطلقة غير محتاجة. ولعله لمثل هذا السبيل إلى الله يشير القرآن الكريم حين يطرح هذا التساؤل السريع والعميق المفعول فيقول: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) (الطور/ 35)، والجواب واضح: فجواب (أم خُلقوا من غير شيءٍ) هو (كلاّ) لأن ذلك ينافي تركيز الفطرة على العلية، وجواب (أم هم الخالقون) هو كلا أيضاً لأنّه يستحيل أن يخلق الشيءُ نفسه استحالة واضحة فطرية فكيف يمنح الشيءُ المعدوم – فَرَضاً – نفسه الوجود؟! هكذا إذن وبكل بساطة يقود القرآن الكريم الإنسان إلى الله تعالى. فليس أمامه – وهو يؤمن بمبدأ العلية – إلا أن يسير نحو المطلق الكامل، والواقع أنّ الإنسان لن يهدأ ولن يستقر ولن يلقى راحته إلا إذا بلغالحقيقة المطلقة. فإذا عمي عنها أوضل عاش قلقاً فاقداً لرواء روحه الحقيقي. ومن هنا يصح لنا أن تقول إنّ الإيمان بالله يستمدُّ جذوره الحقيقية من الفطرة النقية.   - التناسق الكوني يقود إلى الله: إنّ أوسع الظواهر وأوضحها في هذا الكون الواسع هي ظاهرة النظام الدقيق، والتناسق العجيب الذي حيَّر ألباب فطاحل العلماء كما حير أبصار الأُناس السذَّج البسطاء على السواء، بل إنّ العالم يقف أمام نسيج بشري محكم مكون من ملايين القطع المتناسقة فيفقد نفسه أمام روعته وتكنيكه، وإن عملية كيمياوية معقدة جدّاً تجريها الورقة بكل بساطة – وهي عملية التمثيل الضوئي – قد تركت العلماء في حيرة من أمرها وتركيباتها فهذا (فابر) يقول: "إنّ التدبُّر في بناء حيوان صغير كالنملة، والتشكيلات الحياتية المنظمة لها، يعيد آلاف الملايين من الناس إلى الله". ولعلنا لا نرى حاجة في هذا المجال لاستعراض جوانب التنسيق الكوني لوضوحه، ولتوفر الكتب العلمية التي تتناول مثل هذا الموضوع، ولكن الذي نحاول توضيحه هنا هو بعض النقاط. النقطة الأولى: إنّ النظام الدقيق لا يمكن تصوره في أيّة مجموعة إلا إذا تصورنا: أ- وجود أجزاء عديدة. ب- وجود هدف تعمل له جميع الأجزاء. جـ- وجود نظرة علمية حكيمة تلاحظ إمكانيات كل جزء ووظائفه، وتضعه في محله اللائق به لتتنسق فعاليات كل الأجزاء وتنسجم مع هدفها. د- وجود دوافع تحرك الأجزاء وتضمن بقاء فاعليتها لتحقيق الهدف. النقطة الثانية: إنّ المبادئ العلمية الفلسفية اليوم تكاد تشترك في تصور العالم على أساس الترابط القوي بين أجزائه، وإن كل حركة من حركات هذا العالم متأثرة تمام التأثر بحركات الأجزاء الأخرى، حتى لترى علماء الطبيعة يؤكدون على أنّ حركة ورقة على سطح الأرض لتؤثر – بنحومّا – على حركة أبعد الكواكب والمجموعات الشمسية بالنحو الذي لم نتوصل بعدُ إلى قياسه. فالترابط الكوني حقيقة قائمة سواء أخذنا بالتجارب العلمية أو الديالكتيكية التي تعتبر الترابط القوي والتأثير المتبادل أساسين من أسسها، أو اتبعنا النظرة الإلهية للعالم وقيامها على نظام العلل والمعلومات. النقطة الثالثة: إنّنا نطمئن إلى وجود تناسق هادف في بعض ما توصلنا إلى معرفته وما نتعامل معه من الموجودات الكونية... ولكن لماذا الابتعاد إلى خارج النفس؟ ألسنا نؤمن ونطمئن تماماً إلى جود تنسيق غريب بين أجزاء الجهاز الإنساني نفسه...؟ إنّ هذه حقيقة لا ينكرها إلا مجنون أو مكابر. بعد ملاحظة النقاط الثلاث الماضية أي ملاحظة مقومات التنظيم كذلك أخذ الترابط الكوني العام بعين الاعتبار فإن مجرد معرفتنا لجزء متناسق منظم في الكون يعني لزوج أن ننظر للكون كله على أساس أنّه وحدة متناسقة لها هدفها، وتشرف عليها حكمة وشعور ينظمان ترتيب أجزاء هذه الوحدة. إذ لولم يكن يشكل وحدة لما كان يعني إلا الفوضى لا غير. هذا بالضبط ما يتوصل إليه كل ناظر إلى جمال هذا الكون الرحيب وتناسقه فينتقل منه بوضوح إلى الله تعالى خالق الكون ومنسقه، وتطمئن إليه نفسه، ويستريح إليه ضميره، ثمّ يتوجه إلى الله تعالى متديِّنا. وإنّ التناسق الكوني أمر واضح تؤمن به الفطرة. ولذا يركز القرآن في كثير من آياته على هذا التناسق فيقول مثلاً في سورة النبأ: (أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا * وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا * وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا * وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) (النبأ/ 6-16). ويقول تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا) (الفرقان/ 61).

والآيات الكريمة في هذا المجال كثيرة، وكذا نجد الحديث الشريف يؤكد على مظاهر التناسق هذه. ونحن نكتفي بالإشارة هنا إلى ديث المفضل ابن عمرو وملخصه انّ المفضل يجد جماعة يخوضون في آيات الله تعالى ويستهزئون بها فيغضب ويواجههم بكلام قاس، ثمّ يعود إلى الامام الصادق (ع) فيطلب إليه أن يلقي عليه من حكمة الله في الكون ما يستطيع به أن يدافع عن دين الله فيبدأ الامام بإلقاء بعض الدروس في حكمة الله وإتقان الكون ويقول: - "يا مفضل: أول العبر والأدلة على الباري جل قدسه تهيئة هذا العالم، وتأليف أزائه، ونظمها على ما هي عليه، فإنك إذا تأملت العالم بفكرك، وميّزته بعقلك؛ وجدته كالبيت المبني المُعَدِّ فيه جميع ما يحتاج إليه عباده. فالسماء مرفوعة كالسقف، والأرض ممدودة كالبساط، والنجوم منضودة كالمصابيح، والجواهر مخزونة كالذخائر، وكل شيء فيها لشأنه معدٌّ، والإنسان كالملك في ذلك البيت، والمخول على جميع ما فيه، وضروب النبات مهيّأة لمآربه، وصنوف الحيوان مصروفة في مصالحه ومنافعه ففي هذا دلالة واضحة على أنّ العالم مخلوق بتقدير وحكمة".

المصدر: كتاب في الطريق إلى التوحيد الإلهي

ارسال التعليق

Top