• ٢٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الطف.. واقعة خلّدها التاريخ

الطف.. واقعة خلّدها التاريخ

◄إنّ يوم عاشوراء وإن كان في حساب الأيام يوم واحد لا أكثر لكنّه في حساب التاريخ يرمز إلى التأريخ برمته. ثورة الحسين (ع) أعادت إلى الأذهان المستنيرة نورها فذكّرتها بقيم وخطوط المدرسة المحمّدية بكلّ قيمها ورموزها بما فيها حقّ آل محمّدٍ وحقيقتهم ومكانتهم في الإسلام، فكان أن أعادَ بذلك تشكيل الخطّ الإسلامي الرسالي السليم، هذا الخطّ الذي بقي أميناً على الرسالة بقيمها وأهدافها وأصالتها كسيفٍ مُصلَت على أعناق الحاكمين.

ثورة الإمام الحسين (ع) حدث فريد في التاريخ، هزَّ الضمير الإنساني وأحدث دوياً هائلاً في دنيا المسلمين، ليترك آثاره وبصماته المشرقة وانعكاساته الإيجابية على واقعهم السياسي والاجتماعي. شغل مساحةً كبيرةً من تاريخ البشرية، ليشكّل ملفاً ضخماً ستبقى فصوله تُتلى وصفحاته تدوّن بأحرف من نور وتعطّر بأريج الشهادة وعبق الدماء الزكية.

كان الإمام الحسين (ع) يرى أنّ المجتمع الإسلامي يحتاج إلى ثورة ولكنّها ليست ثورة من أجل إسقاط حكم واستلام سلطة ولكنّها ثورة في النفوس ثورة في الضمائر، ثورة في المفاهيم، ثورة في مشاعر الناس وقلوبهم وقد نجح في ذلك أيّما نجاح ذلك هو النصر.

ثورة الحسين (ع)، هي ثورة الإنسان بكلّ ما فيه من سُمُو وإباء، والمؤمن بكلّ ما تحتوي عليه كلمة الإيمان من صدق وثناء، والمصلح بكلّ ما تستلزمه أبعاد الحروف من حقّ ونجدة ومروءة ووفاء. ثورة الحسين (ع) ثورة إنسان كمل في إهابه معنى الرشد، وحقيقة الوعي، وروح الإيمان، وسرّ العلو المطلق، فتشكّل في حياته دليلاً أميناً لطلاب الحقّ، وبعد مماته أمثولة رائعة حازت شرف الأسوة في خطٍّ مشروعٍ نقلاً وعقلاً.

الحسين (ع) في حياته، وبعد استشهاده، إنسان عظيم تهواه الصدور، وشخصيته الكبيرة هي السدرة التي ينتهي التاريخ إليها مفاخراً بحقّ. ولمَ لا يكون الحسين (ع) كذلك، وهو مَن انبثق من عظمة النبوّة محمّد (ص) فكان السبط الحبيب، ومن عظمة الرجولة عليّ (ع) فكان الابن الأريب، ومن عظمة الفضيلة فاطمة (ع) فكان البضعة التي تعني في الصلة والوصال أكثر مما يعنيه القريب.

هكذا كانت حياته (ع) زاخرة بالفيض والعطاء، وكانت حياته شعلة فرشت النور في درب الحياة، وشحنة غرست الدفق في قلب الوجود. كان هدف الحسين (ع) أن يعيد إلى الحياة سيرة جدّه، التي قامت على العدل والمساواة ومحاربة الفقر والظلم والفساد، مقاومة التمييز العنصري ووحدة الأُمّة ونشر الغِنى والرفاه وإقامة العدل وإحياء الدين بكلّ أهدافه الاجتماعية ورسالته الإنسانية.

إنّها كربلاء، وكربلاء استطاعت أن تصنع جمهوراً للحسين (ع) يتحرّك في كلّ زمان ومكان، ليصنع لنا أكثر من كربلاء وأكثر من موقع في خطّ الإمام الحسين (ع). 

إنّ ثورة الحسين (ع) كانت ناجحة وفاتحة ورابحة، ولكن نجاحاً معنوياً وفتحاً فكرياً على الصعيد العالمي وربحاً عاطفياً ووجدانياً عمَّ النوع الإنساني بكلّ شعوبه وطوائفه وقومياته. وأمّا النصر العسكري والنجاح المسلح فليس دائماً دليلاً على النجاح الحقيقي على حدّ الكلمة المأثورة: «جولة الباطل ساعة وجولة الحقّ إلى قيام الساعة والعاقبة للتقوى».►

ارسال التعليق

Top