إنّ كل إعلام يصل إلى جماهير واسعة من العالم سواء بواسطة الصحف أو المجلات أو الاذاعة والتلفزيون أو الانترنت والهاتف أو بواسطة بث الفضائيات هو إعلام دولي.
ولكن التقدم الهائل الذي حصل في دول غرب أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية جعل من اعلامها الدولي أكثر قدرة وأكبر كفاءة بسبب الصناعة والتكنولوجيا الهائلة، والتقدم الكبير في مجال المعلوماتية. وبات الغرب هو المسيطر على الإعلام في العالم.
وأصبح الإعلام الدولي يقترن بدول الغرب، رغم ظهور قنوات في دول العالم الثالث تبث عبر الفضاء إلى أنحاء العالم. الا أنها ما زالت قاصرة أمام الاعلام الغربي.
ومن هنا جاءت سيطرة الغرب على الاعلام الدولي والهيمنة على الأخبار ونقل المعلومات والتأثير في الرأي العام للعالم. وكذلك التأثير داخلياً على شعوب تلك الدول حيال الأحداث العالمية. خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار أن أجهزة الاعلام وتكنولوجيا الاعلام يتم استيرادها من أمريكا وأوروبا واليابان، هذه الدول المتقدمة. مما يجعل أجهزة الاعلام في دول العالم النامي تحت رحمة العالم المتقدم.
ونتيجة الهوة بين الغرب المتقدم، والعالم النامي، انعكس ذلك على الاعلام كأجهزة ووسائل وخبرة وقدرة على الاعلام الدولي. وظهر ما يسمى باختلال التوازن في الاعلام[1]. وبرز هذا الاختلال في التوازن في الاعلام والتدفق الاخباري في أشكال منها:
1- الاختلال في التوازن الكمي بين الشمال والجنوب:
حيث تبين أن حوالي 80% من أنباء العالم يتم نقلها بواسطة وكالات الأنباء العالمية الكبرى التي تنتمي إلى الدول المتقدمة. وهذه الوكالات لا تخصص إلا حوالي 20% من الأنباء التي تتحدث عن الدول النامية.
هذه الدول التي تشكل شعوبها بالنسبة لعدد سكان العالم حوالي 75% من اجمالي سكان العالم.
2- هيمنة الدول المتقدمة على محتوى الرسائل الاعلامية:
حيث أنّ الدول المتقدمة وبواسطة وسائلها الإعلامية الدولية تملك زمام أدوات الهيمنة الثقافية من وكالات أنباء ومراكز انتاج برامج تلفزيونية وأفلام سينمائية وأخبار صحافية عالمية.
وبالتالي فإنّ الكثير من الرسائل الإعلامية التي تنقلها الدول المتقدمة إلى الدول النامية فيها من المحتوى ما يضر بقيم وثقافة الشعوب النامية، وهو ما يمكن تسميته بالغزو الثقافي.
3- الخلل الحاصل في الإطار القانوني الدولي المتصل بالاعلام:
حيث أنّ التشريعات الدولية السائدة وتطبيقاتها تعطي النصيب الأكبر لقليل من الدول المتقدمة على حساب أغلبية دول العالم، وبالتالي لابدّ من تصحيح مسارات ضرورية في التشريعات الدولية، والرجوع إلى دساتير ومواثيق الشرف وأخلاقيات تنظيم سلوك المهنة الصحفية، وبيان حقوق الأفراد في الوصول إلى الحقيقة، ومعرفة مصادر الأخبار. وضرورة اجراء تعديلات على قوانين مهنة الإعلام، والتركيز على وجود قانون أخلاقي دولي يقرّه ويعمل به جميع العاملين في مجال الإعلام. وحل مسألة الخلل في التوازن الإعلامي، وتدفق المعلومات والبيانات والأخبار، والعمل على التعاون الدولي والعدالة في كتابة الخبر والتعليق عليه، وطريقة بثه، وتوزيع التكنولوجيا والمتعلقة بالأجهزة والوسائل، واستخدام الأقمار الصناعية والذبذبات الإذاعية بين دول العالم بعدالة، وتحمل مسؤولية التعاون الدولي، واحترام حقوق الإنسان، وحقوق الفرد، وحقوق الجماعة، وحرية الإعلام والمسؤولية.
وكنتيجة لهيمنة وسائل الإعلام العالمي الغربي، وانفرادها في شعوب دول الغرب بنقل الأخبار عن العالم الثالث، وبخروج بعض وسائل الإعلام عن قواعد سلوك مهنة الصحافة العالمية. روجت هذه الوسائل ما يشوه صورة دول وشعوب العالم الثالث، مثل العرب والمسلمين أمام جماهير الغرب، فأكثرت من الحديث عن الأصولية الإسلامية وإلصاق الإرهاب بالعرب والمسلمين.
وبفعل تأثير اللوبي الصهيوني في غرب أوروبا وأمريكا تم تشويه صورة المقاومة الفلسطينية والتشويش على حقوق الفلسطينيين والقرارات الدولية الشرعية ولا سيما اللاجئين. وأظهرت اليهود بأنهم يعيشون في محيط إرهابي، وأنهم يتعرضون للظلم والوحشية. كما حاربوا النقاب والحجاب، وأظهروا المرأة العربية والإسلامية بالتخلف، وعدم الاندماج في الحياة الاجتماعية.
ولعلنا نذكر للحقيقة أن هناك ممارسات إعلامية في دول العالم الثالث والبلاد العربية ساعدت هذا الإعلام بالسكوت أحياناً، وأحياناً ببث ما يدعيه، وعدم التعليق عليه. وعدم وضع استراتيجية إعلامية عربية إسلامية في دول العالم الثالث والعالم الغربي والإسلامي، بحيث تحسن صورة العربي والمسلم في الغرب.
فهناك قصور في دول العالم الثالث من الناحية الإعلامية. كما أن عدداً كبيراً من المثقفين والإعلاميين في هذه الدول لا يحسن استخدام الصحافة الغربية، ووسائل الإعلام الغربية عن طريق الاتصال بها والكتابة بها، والنشر بواسطتها وبواسطة فضائياتها عن حال العرب والعالم الثالث. مما جعل الإعلام الغربي المنحاز ينفرد لوحده في تشويه صورة العالم الثالث، وعدم نقل الإيجابيات، وعدم تطبيق معايير العدالة واحترام الصحافة وحقوق الإنسان.
بالرغم من أنّ الغرب يروج لحقوق الإنسان، وحقوق المرأة والمساواة والديموقراطية، ويغمض عينيه عن بوادر الأمل في الشرق. ويغفل روح التعاون، ويبالغ في الانحياز، وينسى الحيادية الصحفية المهنية.
وفي موضوع الهيمنة الإعلامية يشار إلى ظاهرة عولمة البرامج، وتدويل القنوات التلفزيونية. فالمحطات التلفزيونية بدأت تعمل بطريقة وطنية، وكل دولة تشتهر بأسلوبها البرامجي في حقل التلفزيون، واتخذت تلفزيونات الدولة أنماطاً ثقافية تميزها عن غيرها.
فبريطانيا مثلاً تتقن صناعة التلفزيون الدرامي، والأشرطة الوثائقية، والحصص العلمية[2]. وألمانيا عرفت بالمسلسلات العائلية. والبرتغال بالمسلسلات الطويلة والبرازيلية. وفرنسا بالحصص الأدبية والأفلام.
لكن مع ظهور العولمة والنظام العالمي الجديد، أخذت العولمة تتسلل إلى هذه القنوات التلفزيونية التابعة للقطاع العالم من خلال البرامج الجديدة ذات الطابع الأمريكي، بسبب ازدهار المسلسلات والأفلام الأمريكية، وغزوها لتلفزيونات دول العالم.
وظهر التأثير الأمريكي في طرق تقديم البرامج في تلفزيونات تلك الدول، خاصة برامج الألعاب. وكذلك في أسلوب الحياة، وطريقة وبناء الديكور التلفزيوني.
ومع ظهور ظاهرة الخصخصة في أوروبا التي شملت محطات التلفزيون، ازداد تغلغل العولمة، وزاد اللجوء إلى مسلسلات وأفلام أمريكا وبرامجها في تلك الدول. ويمثل هذا الإعلام من قبل أمريكا الذي اجتاح أوروبا بإعلام دولي طابعه الهيمنة.
ومن خلال العولمة التي أخذت تغزو العالم في إيطاليا مثلاً، استطاع S. Berlesconi ربح معركة التلفزيونات التجارية دون نشرات أخبار. حيث اعتمد على برامج ومسلسلات أمريكية منوعة مثل مسلسلات دالاس، ودانينا سيتي، وستاروور وانتقلت هذه أيضاً إلى دول مثل فرنسا وبلجيكا وألمانيا واسبانيا ودول أوروبية أخرى غرّتها الأمركة.
وتحاول دول المجموعة الأوروبية أن تحد من هذه الظاهرة لانقاذ البرامج الأوروبية أمام غزو البرامج الأمريكية واليابانية، وظهر في أوروبا قانون عرف باسم "تلفزيون بدون حدود" طبق 1991، بحيث يفرض هذا القانون على قنوات تلفزيونات أوروبا بأن تكون أغلبية البرامج أو أكثر من 60% منها التي تبثها القنوات التلفزيونية الأوروبية أن تكون هذه البرامج من أصل أوروبي.
وقد قامت بعض الدول بتطوير برمجة ذات قياسات موحدة تتلاءم مع ثقافات دول أوروبا. مثال على ذلك SLT وقناتها RTL وفي اللوران. وRTL.TV في بلجيكا. وM6 في فرنسا وRTL Plus في ألمانيا. وعملت على برمجة متنوعة وثابتة خلال الأسبوع.
وضمن محاولاتها لمواجهة العولمة والأمركة الإعلامية، قامت دول أوروبا بإيجاد قناة اخبارية تدعى يورو نيوز Euro News وتستقي هذه القناة الاخبارية معلوماتها من مجموعة بنوك التبادل المعلوماتي لقنوات الدول المشتركة في اليورونيوز لكن يورونيوز لم ترقَ إلى مستوى BBC وCNN وقناة SKY News.
وتجربة أخرى في هذا المجال ما قامت به Canal Plus في فرنسا، إذ أنّ هذه القناة حققت أرباحاً جيِّدة منذ نشأتها عام 1984 بسبب عدم وجود منافسين لها. لكنها أخذت في التراجع مع ظهور الكابل والأقمار الصناعية والهيمنة على الإعلام من الدول الأخرى.
لذا قامت هذه القناة بتطوير نفسها بالامتداد خارج فرنسا، حيث سعت إلى إيجاد شركاء لها في ألمانيا عن طريق Bertelsmann وشركاء في بلجيكا (RTBF) وفي اسبانيا مع (Prisa) ومع بولونيا وايطاليا (Teleo).
كذلك قامت الإذاعات الأوروبية في نشر ثقافتها من خلال قنوات تلفزيونية تبث برامجها عبر العالم.
فأنشأت فرنسا TV5 سنة 1984مشاركة مع سويسرا والكيباك وبلجيكا، حيث تقوم هذه القناة بطرح عدد من البرامج والحصص المأخوذة من القنوات العامة للدول المساهمة وتبثها عبر الأقمار الصناعية، وشبكات الكابل الأوروبية والأمريكية.
كما تسعى فرنسا إلى إيجاد CNN فرنسية على غرار CNN الأمريكية لتحاول أن تكون منافسة لها عن طريق دمج TV5 مع CFI وبالتالي فإنّ هذا المشروع المنوي ايجاده وبفضل دعم التلفزيون الفرنسي له بقنواته المختلفة سوف يتمكن من انتاج برامج واعادة بث برامج القنوات المحلية الفرنسية بعد جعلها ملائمة مع الجمهور المستهدف المطلوب الوصول إليه بهذه البرامج المنتظرة.
وهكذا نجد أن هناك صراعاً دولياً في هذه الأيام في عصر العولمة، وعصر القفزات الإعلامية الهائلة، مما يجعل الإعلام الدولي خاضعاً لسيطرة الأقوى والأكفأ والأقدر مالياً وخبرة. مما يستوجب إعادة النظر في هيمنة أمريكا وبعض الدول على الإعلام الدولي.
إنّ دراسات الإعلام تحقق منذ عام 1976 في الولايات المتحدة الأمريكية أرقاماً قياسية في معدلات التوسّع[3] على حساب دراسات الفنون والآداب والعلوم الإنسانية. وهذا يفسر الهجمات الاحتكارية الامبريالية للإعلام التي تقودها أمريكا كسلاح بديل للعمل العسكري المسلح أو إلى جانبه.
ومما يشار إليه في هذا الصدد أيضاً أنّ ثلاثة أرباع العالم تدار إعلامياً بطريقة مغرضة وغير صحيحة، حيث أنّ الاحتكارات الإعلامية العالمية تسيطر على أكثر من 80% من الأخبار المتداولة في ميدان الصحافة والأخبار في العالم. وأنّ كل نبأ من أنباء العالم الثالث يقابله ألف نبأ من أنباء الدول الرأسمالية المتقدمة، بسبب تحكم وكالات الأنباء العالمية الرئيسية في مجال الإعلام الدولي، وهي رويترز البريطانية، ووكالة الصحافة الفرنسية، ووكالة الاسوشيتدبرس الأمريكية، ووكالة اليونايتدبرس انترناشيونال الأمريكية. وان أربعة أخماس الصحف اليومية المطبوعة في العالم هي ملك هذه الاحتكارات.
كذلك فإن حوالي 90% من البث التلفزيوني العالمي، وأكثر من 60% من الأفلام السينمائية في العالم، وأكثر من 90% من شركات الانتاج الإذاعي والتلفزيوني والسينمائي، وتسعة أعشار محطات الإذاعة ذات الإرسال البعيد، ترتبط ارتباطاً وثيقاً ومباشراً بالاحتكارات الرأسمالية العالمية الغربية.
وتقوم وسائل الإعلام في الدول الغربية المهيمنة في توجيه برامج إذاعية وتلفزيونية تركز على كتاب وأدباء ونجوم غربيين، وعلى إنجازات رجال فكر وسياسة وأعمال واقتصاد غربيين، وعلى شركات تكنولوجيا غربية. في الوقت الذي تهتم فيه على أخبار مثل هؤلاء في العالم الثالث بفضل الهيمنة الأمريكية والأوروبية على وسائل الإعلام الدولي. وذلك يرجع إلى الاحتكارات الدولية بسبب تركز المال والخبرة والتكنولوجيا في تلك الدول – ونقصد الغربية الرأسمالية –.
بينما تقبع دول العالم الثالث في التخلف في جميع المجالات وخاصة الإعلام، وأكثر خصوصية الإعلام الدولي، وإن بدأت بعض المؤسسات الخاصة في محاولة سد الثغرات الموجودة، ومحاولة تقليد الإعلام الغربي واللحاق بالإعلام الدولي.
الهوامش:
[1]- الرسالة والصورة/ قضايا معاصرة في الاعلام. فاروق أنيس جرار – وزارة الثقافة/ عمان – الأردن. ص8.
[2]- الإعلام والتكنولوجيا الحديثة: د. الصادق الرابح. دار الكتاب الجامعي/ العين – الإمارات العربية. ص72.
[3]- نحو مفهوم إعلامي صحيح. عصام حماد. الدار الأردنية للثقافة والإعلام، ص25.
المصدر: كتاب (الإعلام الدولي والعولمة الجديدة)
ارسال التعليق