◄الإحسان والعفو عند المقدرة، من الخلق الإسلامي الرفيع، إذ انّ الإسلام لم يترك مزية حسنة يمكن أن يتصف بها الإنسان إلا اتى بها، فإنّ الإحسان يستعبد الإنسان وليس هو بعبد، والعفو عند المقدرة أعظم منة يمن بها صاحب القدرة على المعفو عنه، فصنع الجميل، والخلق الطيب، والتخلق بالأخلاق الفاضلة كلّ هذه الأمور وما شاكلها تجعل من الإنسان إنساناً كاملاً حاز رضا الله سبحانه، وشكر عباده ومحبتهم. فالإحسان – والعفو عند المقدرة هما أمران عظيمان، إذ انّ الصفح والعفو سهل يسير، خصوصاً بعد أن يصبح المناوىء لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، وهو يرى أسباب الهلاك بعينه، وليس له وسيلة إلا استعطاف خصمه الظافر فإذا أحسن إليه وعفا عنه، يرى ذلك بدء حياة جديدة ويرى من فضل خصمه أنّه خاف الله، أو حاسب نفسه فأنقذه بعد أن كان معرضاً للهلاك، فيكون والحالة هذه حافظاً لمن صفح عنه، وحاملاً له لواء المدح والثناء ومخلصاً له بكلّ معاني الإخلاص، فهو مقيد بجميل صنع صاحب العفو والإحسان، وهذا لا يحتاج إلى بيان أو مزيد من البرهان. قال سبحانه وتعالى: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (المائدة/ 93). وقال سبحانه وتعالى: (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة/ 195). وقال سبحانه وتعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصّلت/ 34). وكان يقال: أحسن أفعال القادر... العفو، وأقبحها... الانتقام. وكان يقال: ظفر الكريم عفو، وعفو اللئيم عقوبة. كما قال رسول الله (ص): "إنّ العفو لا يزيد العبد إلا عزاً فاعفوا يعزكم الله، والصدقة لا تزيد المال إلا كثرة فتصدقوا يرحمكم الله". وقال (ص): "ألا أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة: العفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك، والإحسان إلى من أساء إليك، وإعطاء من حرمك". وعنه (ص) انّه قال: "من عفا عن مظلمة صغيرة أو كبيرة فاجره على الله ومن كان أجره على الله فهو من المقرّبين يوم القيامة". وقال رسول الله (ص): "إذا بعث الله الخلائق يوم القيامة نادى منادٍ من تحت العرش ثلاثة أصوات: يا معشر الموحدين إنّ الله قد عفا عنكم فليعفُ بعضكم عن بعض". وعن رسول الله (ص): "إذا وقف العباد نادى مناد ليقم من أجره على الله، فليدخل الجنة، قيل ومن ذا الذي له على الله أجر؟ قال: العافون عن الناس، فيقوم كذا ألفاً فيدخلونها بغير حساب". وعن أبي الحسن الرضا (ع) قال: "ما التقت فئتان قط إلا نُصر أعظمها عفواً". وما ورد عن النبيّ (ص) أنّه قال: "إذا كان يوم القيامة، وجمع الله الخلق في صعيد واحد، يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر ينادي مناد من تحت العرش، ألا من كان له على الله حقّ ليقم، فلا يقوم إلا من عفا عن مجرم". وفي لفظ "ينادي مناد يوم القيامة ألا من كان له أجر على الله فليقم، فيقوم العافون عن الناس". عن أبي حمزة الثمالي، عن عليّ بن الحسين (عليهما السلام) قال: سمعته يقول: إذا كان يوم القيامة جمع الله تبارك وتعالى الأوّلين والآخرين في صعيد واحد، فتلقاهم الملائكة فيقولون: وما كان فضلكم؟ فيقولون: كنا نصل من قطعنا، ونعطي من حرمنا، ونعفو عمن ظلمنا، قل: فيقال لهم: صدقتم ادخلوا الجنة". وقال رسول الله (ص): "ثلاث من جاء بهن مع إيمان دخل من أي أبواب الجنة شاء، وزوج من الحور العين حيث شاء ، من أدى ديناً خفياً، وقرأ في دبر كلّ صلاة (قل هو الله) عشر مرات، وعفا عن قاتله". وقال رجل لبعض الأمراء: أسألك بالذي أنت بين يديه أذل مني بين يديك، وهو على عقابك أقدر منك على عقابي، ألا نظرت في أمري نظر من برئي أحب إليه من سقمي، وبراءتي أحب إليه من جرمي. وقال آخر إن عاقبت جازيت، وإن عفوت أحسنت، والعفو أقرب للتقوى. وقيل: العفو زكاة النفس.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق