د. محمد ظفر االله خان
◄من أركان الإسلام التي بني عليها فريضة الصيام، وقد ذكرها الله تعالى في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 183)، هذه الفريضة لها أثرها القوي في تربية الإرادة القوية للإنسان فهي تفرض عليه أن يمسك عن الطعام والشراب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وقد يجوع والطعام الشهي بين يديه وقد يظمأ في النهار وحر الصيف والشراب الهني يترقرق أمام عينيه ولكنه يمسك عن كل ذلك إمتثالاً لأمر الله تعالى، والذي يقدر على التحكم في رغباته شهراً كاملاً تتربى عنده الإرادة القوية التي تعصمه من الزلل وتحميه شرور الإنحراف، ويمتاز الإنسان عن سائر المخلوقات بأنّ له عقلاً يفكر به وإرادة يختار بها الفعل الذي يؤديه فمن نما عقله وتثقف بمختلف العلوم والفنون كان إنساناً فاضلاً في هذه الحياة وحقق لنفسه قوله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) (فاطر/ 28)، وقوله: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ) (الزمر/ 9).
ومن قويت إرادته صار إنساناً لا يفعل إلا الخير ولا يسلك إلا الطريق المستقيم الذي ينفعه وينفع مجتمعه، انّه يجد في الصيام استعلاء على مطالب الجسد، ومقتضى ذلك أن يكون في إرادته شعور بالمقاومة المستمرة لكل إحساس بالضعف ولكل رغبة في الممنوع المحرم، ولهذا كانت نتيجة الصيام تحقيق التقوى التي تسلك بصاحبها طريق الخير والرشاد (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الألْبَابِ) (البقرة/ 197)، وقد أمرنا النبي (ص) أن نستخدم الصوم والجوع سلاحاً ضد الشيطان وحذر من الشبع وعواقبه. وسار على ذلك الصحابة من بعده.
ومن آثار الصيام التي ينتفع بها المسلم في سلوكه الاجتماعي حمله على الإتصاف بمكارم الأخلاق فالصيام ليس مجرد إمساك عن الطعام والشراب ولكنه فوق ذلك تطهير للجوارح فلسان الإنسان كثيراً ما يخوض في الباطل ويتكلم بما لا يفيد قد يغتاب غيره وقد يشيع شائعة ضارة بسلامة الوطن ويأتي الصيام فيطلب من الصائم أن ينظف لسانه فلا ينطق إلا بالكلمة الطيبة ولا يتحدث إلا بالحديث النافع يرطب هذا اللسان بقراءة القرآن وباستغفار الله وبإرشاد الناس إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم.
ومطلوب من الصائم أن يحافظ على بصره فلا ينظر به إلى محرم وإلا فقد الجزاء الجزيل الذي أعده الله للصائمين.
وكذلك الأيدي لا تمتد إلا إلى فعل الخير والأرجل لا تسير إلا إلى ما يفيد والأذن لا تسمع إلا إلى ما ينفع وبذلك يكون الصيام مقبولاً عند الله ويتحقق للصائم ما أعده الله له من الأجر الجزيل حسبما ورد في الحديث القدسي "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنّه لي وأنا أجزي به"، والإنسان الذي يصارع غرائزه وينتصر على شهواته يكون صاحب عزيمة صادقة فإذا ما وقع في شدة إستطاع أن يتغلب عليها وأن يخرج منها منتصراً قوياً.
والصيام الحق لا يدفع بالصائم إلى أن يكون سلبياً في حياته ولا يرضى منه بالكسل والراحة ولكنه يطلب منه أن يؤدي عمله خير أداء وأن يستمر في العمل من أجل زيادة الإنتاج والتنمية حتى يتكامل العمل الدنيوي لإصلاح الحياة، والصيام كذلك يخلق في المسلم رقابة داخلية على نفسه، هذه الرقابة لها أثرها القوي في سلوكه.
كما إنّ الإسلام يذم الذين يجاهرون بالإفطار في نهار رمضان لأنّهم يستهينون بشعيرة من شعائر الله ويؤذون المؤمنين الصائمين في مشاعرهم وسلوكهم.
والصيام يجعل المؤمن خفيف الجسم سريع الحركة، والمسلم الذي يعي جوهر الإسلام لا يتخذ من الصوم ذريعة إلى القعود عن العمل، بل يتخذه وسيلة إلى مواصلة السعي والدأب على العمل والكفاح من أجل زيادة الإنتاج وتجويده، وبذلك يرضى عنه ربه الذي يقول: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا) (الكهف/ 30)، ويرضى عنه رسول الله الذي يقول: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه".
- والصيام مفروض على كل بالغ ما عدا استثناءات معينة كالمريض والمسافر والأم التي ترضع ولدها والشخص المسن والشخص الغير قادر على مشقة الصيام بسبب الوهن أو الشيخوخة وهؤلاء جميعاً لا جناح عليهم في عدم الصيام على أن يكون ذلك بصفة مؤقتة. وشهر رمضان باعتباره شهر قمري يأتي كل عام مبكراً بعشرة أيام.
قال رسول الله (ص): "ليس الصيام من الأكل والشرب وإنما الصيام من اللغو والرفث".
المصدر: كتاب الإسلام والإنسان المعاصر
ارسال التعليق