• ٢٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشريعة

جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشريعة
◄مقدمة:

لابدّ من الحديث بشيء من البسط عن الأحكام الشرعية المتعلقة بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بدءاً بالحديث عن مراحل تشريع فريضتي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 

- مراحل تشريع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

يعتبر بعض أهل التحقيق أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأحكام التي جرى تشريعها بشكل تدريجي وعلى أربع مراحل بالاستناد إلى آيات القرآن الكريم، وهذه المراحل هي:

المرحلة الأولى:

الإشارة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترغيب الناس بالعمل بهما: ومن آيات هذه المرحلة:

1- (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (سورة العصر).

في مجمع البيان للطبرسي: (وتواصلوا بالحق) إشارة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

2- (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ) (لقمان/ 17).

والسورتان العصر ولقمان مكيتان وهما في إطار الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في سياق يوحي بالترغيب دون أن يظهر منهما ما يدل على الإلزام والوجوب.

المرحلة الثانية:

بيان العواقب والآثار السلبية المترتبة على عدم العمل بهما، ومن آيات هذه المرحلة. قوله تعالى: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ 8 فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) (الأعراف/ 163-166).

وهذه الآيات مكية تتحدث عن صيد السمك يوم السبت ونهي الله عنه وعدم امتثال فئة لهذا النهي من جهة، وتقصير فئة أخرى من جهة عدم قيامهم بالنهي لتكون النتيجة نجاة الذين نهوا، ووقوع العذاب على فاعلي الصيد والمقصرين في النهي.

المرحلة الثالثة:

إعلان وجوب الأمر والنهي على المسلمين:

ومن آياتها قوله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران/ 104).

وواضح وجوب الأمر والنهي كفاية لقوله: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ).

المرحلة الرابعة:

جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الصفات اللازمة للمسلمين افراداً ومجتمعاً: ويدل على ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى:

(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ...) (التوبة/ 71)، هذه الآية نزلت في أوائل الهجرة وقد عددت جملة من مواصفات مجتمع المؤمنين وطبيعة العلاقة بين أفراده من الإيمان عقائدياً إلى الصفات العبادية (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) إلى التكافل الاجتماعي اقتصادياً (وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) وكذلك ذكرت الآية حركة الصلاح والإصلاح الدائم داخل المجتمع بالالتزام بتكليف هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ). ولم تغفل الآية الحديث عن نظم المجتمع عبر طاعة الله ورسوله.

وبناءً على ما سبق يتضح أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد اعتمد الله تشريعهما بشكل تدريجي ليسهل تقبلهما من المسلمين.

 

- نوعية حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

والمقصود هو المواصفات اللاحقة بالوجوب المحددة لنوعيته من حيث من هم الموجه إليهم هذا التكليف من حيث السعة والضيق، فهل يعم كل الأفراد أم لا، ومن حيث اشتراط صفة في الفاعل يصدر عنها الفعل كنية القربة أو لا، ومن حيث اشتراط صيغة محددة فيه لإبراء ذمة المكلف كإلتزام صيغة الأمر والنهي أو لا وغير ذلك. ولنبدأ ببيان هذه الصفات اللاحقة بحكم الأمر والنهي.

 

- حكم الأمر والنهي:

بداية، الأمر بما هو أمر والنهي بما هو نهي بغض النظر على المأمور به والمنهي عنه، لا يتعلق به حكم إلزامي ولا استحبابي إنما يلحق الحكم الشرعي بأي منهما من حيثية ما يتعلقان به فيحسن الأمر لحسن المأمور به ويحسن النهي لسوء وقبح المنهي عنه، أو يقبح الأمر لقبح المأمور ويقبح النهي لحسن المنهي عنه. وعن ذلك يقول الخميني في تحرير الوسيلة:

"ينقسم كل من الأمر والنهي إلى واجب ومندوب، فما وجب عقلاً أو شرعاً وجب الأمر به، وما قبح عقلاً أم حرم شرعاً وجب النهي عنه، وما ندب واستحب فالأمر به كذلك (مستحب) وما كره فالنهي عنه كذلك (مستحب)".

ومفاد ذلك أنّ الأمر والنهي إنما يشكلان طريقاً موصلاً لتحقيق المأمور به وايجاده من المأمور أو إزالة وقلع أو منع إيجاد المنهي عنه من قبل المتوجه إليه النهي. فالصفة الأولى إذن للأمر والنهي هي أن وجوبهما غيري فليسا مطلوبين بنفسيهما بغض النظر عما يوصلان إليه وإنما لحقهما حكم يناسب ما أوصلا إليه.

 

- الأمر والنهي وجوبهما كفائي:

من المعلوم أن بعض التكاليف التكليف بها عيني بمعنى أنها مطلوبة من كل إنسان تحققت فيه الشرائط العامة للتكليف من البلوغ إلى العقل إلى غير ذلك من الشروط الخاصة لنفس الواجب ولا تبرأ ذمة المكلف إذا قام غيره بها بل إن إرادة المولى تعلقت بحصول هذا الفعل من كل مكلف بعينه كالصلاة، أو تعلقت بعدم إيجاد هذا الفعل من كل فرد كالكذب أو السرقة أو القتل أو غير ذلك.

ولكنّ هناك أموراً تعلقت إرادة المولى بحصولها بغض النظر عن الفرد أو الجماعة أو المجموع، فلم يشترط في ذلك قيام كل المكلفين بها فرداً فرداً لا بشكل فردي ولا جماعي بل هو يريدها فقط فإذا احتاجت فرداً كفى ذلك بتحقق الغرض ولو احتاجت جماعة لم يكف الفرد وتوجه التكليف إلى الجماعة ولو لم يكف إلا أن يقوم بها الجميع توجه التكليف إلى الجميع.

وهذا ما يسمى بالوجوب الكفائي ومعناه قيام من به الكفاية من حيث العدد والمواصفات بالتكليف ليسقط عن الجميع.

1- الأقوى أن وجوبهما كفائي فلو قام به من به الكفاية سقط عن الآخرين وإلا كان الكل مع اجتماع الشرائط تاركين للواجب (اجتماع الشرائط التي ستبين لاحقاً عند الحديث عن شرائط الوجوب).

2- لو توقف إقامة فريضة أو إقلاع منكر على اجتماع عدة في الأمر أو النهي، لا يسقط الوجوب بقيام بعضهم، ويجب الاجتماع في ذلك بقدر الكفاية.

* لو قام عدة دون مقدار الكفاية ولم يجتمع البقية ولم يمكن للقائم جمعهم سقط عنه الوجوب وبقي الإثم على المتخلف.

لو قام شخص أو أشخاص بوظيفتهم ولم يؤثر لكن احتمل آخر أو آخرون التأثير وجب عليهم مع اجتماع الشرائط.

هذه الفتوى تلفت إلى صورة من صور انقلاب الوجوب الكفائي إلى العيني فيما إذا انحصر التأثير بالفرد أو الجماعة المعينين.

 

- تنبيهات:

1- مع القطع بقيام الغير بالمهمة يسقط الوجوب إلا إذا انكشف الخطأ.

2- لا يكفي الظن أو الاحتمال بقيام الغير بذلك، وعليه مع الظن أو الاحتمال يبقى التكليف متوجهاً مع اجتماع الشرائط.

3- لا فرق في الوجوب بين الصغائر والكبائر بالنسبة إلى النهي.

4- كما يسقط التكليف بقيام الغير بالوظيفة، كذلك يسقط بانتفاء أو اعدام الموضوع كما إذا أريق الماء الوحيد المتبقي للوضوء، أو كان هناك تكليف آخر يرفع موضوع الحكم ويغيره كأن يكون هناك نفس يجب حفظها وتوقف حفظها على هذا الماء.

 

- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجوبهما توصلي:

هناك نوعان من الواجبات الأولى واجبات تعبدية ومعنى ذلك أنّ الله اشترط لإبراء ذمة المكلف من التكليف بها أن يأتي بها بقصد القربة. والثانية توصلية وهي التي تعلقت إرادة الله بإيجادها بغض النظر عن قصد القربة أو غيرها من صفات التعبد.

وعن نوعية وجوب الأمر والنهي يقول الخميني في تحرير الوسيلة: لا يعتبر فيهما قصد القربة والإخلاص، بل هما توصليان لقطع الفساد وإقامة الفرائض نعم لو قصدهما (القربة والإخلاص) يؤجر عليهما.

 

- الأمر والنهي وجوبهما مولوي:

ومعنى أن وجوبهما مولوي أنّه لا تبرأ ذمة المكلف إلا بالأمر بصيغة الأمر بمعنى استعمال ما يفيد الأمر، وكذلك لا تبرأ الذمة في النهي إلا باستعمال الناهي صيغة النهي أي ما يفيد النهي. لكن لابدّ من الإشارة هنا إلى أنّه لو انصاع التارك أو انتهى الفاعل وحصل الغرض بدون استعمال هاتين الصيغتين يسقط التكليف، بمعنى أن ابراء ذمة المكلف مشروطة باستعمال الصيغة المفيدة للأمر والنهي لهما إذا لم يتحقق التأثير مطلقاً أو توقف تحصيل التأثير على هذا الاستعمال.

وعن ذلك الخميني في تحرير الوسيلة:

الأمر والنهي في هذا الباب مولوي من قبل الآمر والناهي.. فلا يكفي فيهما أن يقول: إنّ الله أمرك بالصلاة أو نهاك عن شرب الخمر إلا أن يحصل المطلوب منهما (التأثير) بل لابدّ وأن يقول: صل مثلاً أو لا تشرب الخمر ونحوهما مما يفيد الأمر والنهي من قبله[1].

 

- خلاصة الدرس:

إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأحكام التي جرى تشريعها بشكل تدريجي وعلى أربع مراحل بالاستناد إلى آيات القرآن الكريم، وهذه المراحل هي:

المرحلة الأولى: الإشارة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترغيب الناس بالعمل بهما.

المرحلة الثانية: بيان العواقب والآثار السلبية المترتبة على عدم العمل بهما.

المرحلة الثالثة: اعلان وجوب الأمر والنهي عن المسلمين.

المرحلة الرابعة: جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الصفات اللازمة للمسلمين افراداً ومجتمعاً.

ينقسم كل من الأمر والنهي إلى واجب ومندوب فما وجب عقلاً أو شرعاً وجب الأمر به، وما قبح عقلاً أو حرم شرعاً وجب النهي عه، وما ندب واستحب فالأمر به مستحب، وما كره فالنهي عن مستحب.

لا يعتبر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قصد القربة والإخلاص.

 الهوامش

[1] راجع تحرير الوسيلة من صفحة 362 إلى صفحة 479.

 

المصدر: كتاب حياة المجتمع (سلسلة الدروس الثقافية 15)

   

ارسال التعليق

Top