• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أين مشروعنا الإعلامي لشهر رمضان؟

أسرة البلاغ

أين مشروعنا الإعلامي لشهر رمضان؟

لازالت الحالة النقدية لمجريات الواقع على الساحة الفكرية والاجتماعية في مجتمعاتنا تندرج تحت ديدن الرفض والشذب لعادات وأفكار محلية ووافدة لاتنسجم مع طبيعة قيمنا الدينية والتربوية التي نطمح إليها في ظل إغفال ونسيان واضحين لتيار منفتح قوي يجرف معه أي عائق يريد إيقافه.
• الموقف المتزن من موسم رمضان الإعلامي
أصبح شهر رمضان موسماً إعلامياً للقنوات الفضائية العربية وهي سياسة باتت واقعاً لايمكن نكرانه أو تجاهله، فما إن يحل شهر رمضان حتى تستعد القنوات الفضائية بكوادرها وطواقمها الفنية والإعلامية لبث أكبر موسوعة فنية تشهدها الساحة الإعلامية في العالم العربي طيلة العام تتنوع فيها الدراما بين المشهد الفكاهي والتشويقي والتاريخي، وتُروج لها عبر أكبر حملة إعلامية لاستقطاب أكبر شريحة من المشاهدين في ظل تنافس إعلامي تجاري محتدم بين القنوات الفضائية.
وأمام هذا التيار الجارف يقف الأغلب ليشجب هذه البرامج بكلمة في مقال هنا وكلمة تحريم على منبر هناك، وتحذير من حملة تستهدف شبابنا وفتياتنا لتجريدهم من أخلاقهم ومبادئهم وإضعاف وازعهم الديني وتوجيهم لتقديس القيم المادية التي ينادي بها الغرب.
لكننا في هذا الموضع بحاجة لوقفة جادة وعقلائية نكون فيها في مستوى المسؤول والمدرك، لا في مستوى المنتقد فقط، فهذه الحملة -كما يحلو للبعض أن يصفها- لم تأتي من فراغ أو مصادفة إنما بمنهج مدروس ومرتب له، آخذ في عين الاعتبار التغير الجذري الطارئ على الساحة الفكرية والإعلامية لتلك المجتمعات.
وقد يظن البعض أن منتجي تلك البرامج سيتراجعوا لأجل كلمة انتقاد كُتبت في مقال صحفي أو أُلقيت في خطبة جماهيرية!!، فالحملة الإعلامية لن تقف عند هذا الحد بل ستصل لذروتها المتقدمة مع كل شهر رمضان يحل علينا مستقبلاً، والدليل ما إن ينتهي شهر رمضان هذا العام حتى يبدأ الترويج الإعلامي إلى دراما جديدة تعرض في رمضان العام القادم!!.
وبغض النظر عن محتويات المواد الإعلامية التي تعرضها هذه القنوات والموقف المتخذ منها إلا أنّها بالفعل مادة إعلامية قوية تحمل في طياتها مادة مشوقة وسيناريو قادر على جذب المشاهدين وسلب حواسهم وهي حقيقة لايمكن نكرانها أو تجاهلها، فما أن يبدأ عرض مسلسل حتى يترك الأغلب موائدهم وأعمالهم ليتسمروا أمام الشاشة الصغيرة!!.
• المادة الإعلامية المتكافئة
إنّ السياسة الإعلامية التي قامت عليها معظم البرامج الرمضانية سياسة أُعدت وسُخرت لها أفضل الكوادر والتقنيات الإعلامية المتطورة استطاعت من خلالها جذب الرجل والمرأة والطفل والطفلة وحتى العجوز وزوجها الطاعن في السن الذي لم يكن في مخيلته أن سيترك مجلس القرآن في شهر رمضان لكي يشاهد مسلسل معين!!.
إنّ المشكل الحقيقي يكمن في اختلاف قراءتنا وتعاطينا مع المواد الإعلامية ويعود في الأصل لسببين رئيسين، الأول: إلى مستوى الثقافة والاهتمام الفكري ومدى انسجام المادة الإعلامية مع واقع المجتمعات الذي يحدد بدوره الموقف المتخذ من هذه البرامج.
فمعظم هذه البرامج منحلة وبعضها لا هدف لها، أما البعض الآخر فتحمل في طياتها فكرة ومادة إعلامية مقبولة قد تثري حالة الوعي والثقافة لدى المشاهد، بل بمقدور شخص أن يخلق منها جانباً إيجابياً كل حسب اهتمامه سواء كان منتجاً أو إعلامياً أو ممثلاً أو غير ذلك، فالمسألة تعتمد بشكل أساسي على المتلقي وقراءته السليمة، حينئذ يكون قادراً على فرز إيجابيتها عن سلبياتها ومعرفة مخرجاتها الأساسية، أما السبب الثاني والأهم : أنّنا وحتى الآن لانملك سلاحاً إعلامياً قوياً نواجه به هذا التيار الإعلامي الجارف، وبلغة أدق إنّنا نقف في زاوية المنتقد لا في زاوية المبادر والمحفز.
• أين مشروعنا الإعلامي لشهر رمضان؟
قد يقول قائل: إنّنا لانستطيع أن ننتج مادة إعلامية نواجه بها هذا التيار الإعلامي القوي، لكنها كلمة المتخاذل والمتقاعس، فمعظم المشاريع تواجه معوقات وصعاب لكن المهم أن يتصف روادها بصفة الصمود والتفاؤل لخلق جو إعلامي مميز نصبو إليه جميعاً، ولعل عمل إعلامي صغير يصنع إبداعاً وتأثيراً قوياً في نفوس متابعيه إذا ما وِجد العمل الصادق الملامس للواقع والحقيقة، والشواهد في هذا الجانب عن كوادر وفرق فنية ومسرحية حصدت جوائز وشهادات على مستوى محلي وعربي وصنعت إبداعات منقطعة النظير وهي لاتملك إلا تقنيات إعلامية محدودة.
فالأهم أن نمتلك الإرادة لخلق شيء من لا شيء، ونسعى لتنويع برامجنا وندرب كوادرنا الفنية لخلق جو إعلامي مميز وجاذب، فمجتمعاتنا تزخر بالطاقات والإبداعات لكنها جواهر مدفونة تحت التراب تحتاج لمن يبحث عنها ويقدم لها الدعم المعنوي والمادي.
إنّنا في الجانب الإعلامي بحاجة إلى الانتقال من حالة الرفض والاستنكار إلى حالة العمل والمثابرة لمواجهة أي مشروع يهدد الأمن الاجتماعي والفكري عبر خلق جو إعلامي هادف يجذب إليه جميع شرائح المجتمع.
كذلك نوجه رسالة للقائمين على قنواتنا الفضائية بالعمل على تطويرها وتغيير سياستها الإعلامية المقتصرة على عالم دين يرشد هنا وخطيب يخطب هناك، فهذه حلقة من مجموعة حلقات لمنظومة إعلامية متكاملة، لأنّنا في حرب عالمية سلاحها الأول الأعلام، فلا يعقل أن تدخل هذه الحرب لتواجه دبابة فتاكة ببندقية صيد صغيرة!! لأنّ المنتصر فيها لابدّ أن يمتلك سلاحاً يجذب المشاهدين ويكون قادراً على تثبيت أو تغيير أفكارهم ومعتقداتهم.
أتذكر أن أبنيي الصغيرين طلباً مني في وقت سابق أن أُؤجل الخروج من المنزل كل ليلة سبت لأبقى معهما لمشاهدة مسلسل النبي يوسف (ع)، أو (يوزرسيف) كما ينطقه لسانهما، فلم يكن لدي خيار إلا الرضوخ لرغبتهما لأرى ما يحمله هذا المسلسل من دراما، وبالفعل وجدت دراما هادفة في جو أُسري مليء بالألفة والمحبة، وكانت فرصة سانحة لهما لمناقشتي عن أحداث المسلسل وشخصياته، وبذلك استطعت أن أوصل فكراًً نظيفاً لعقل هذين الصغيرين.
إنّ المسلسلات وغيرها من البرامج الرمضانية لايفرق من ناحية فنية ودرامية عن مسلسل النبي يوسف (ع)، وإن اختلفت التوجهات والقيم التي يحملها كل منهما، فهما مادتان إعلاميتان استطاعتا أن تجذب الملايين من البشر لمتابعتها، فإذا كانت تلك المسلسلات جزءاً من مشروعهم الإعلامي، فأين مشروعنا الإعلامي لشهر رمضان؟!.

ارسال التعليق

Top