• ٤ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أول الدعاء المعرفة

مركز نون للتأليف والترجمة

أول الدعاء المعرفة

اَللّـهُمَّ اِنّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء، وَبِقُوَّتِكَ الَّتي قَهَرْتَ بِها كُلَّ شَيْء، وَخَضَعَ لَها كُلُّ شَيء، وَذَلَّ لَها كُلُّ شَيء، وَبِجَبَرُوتِكَ الَّتي غَلَبْتَ بِها كُلَّ شَيء، وَبِعِزَّتِكَ الَّتي لا يَقُومُ لَها شَيءٌ، وَبِعَظَمَتِكَ الَّتي مَلأَتْ كُلَّ شَيء، وَبِسُلْطانِكَ الَّذي عَلا كُلَّ شَيء، وَبِوَجْهِكَ الْباقي بَعْدَ فَناءِ كُلِّ شَيء، وَبِأَسْمائِكَ الَّتي مَلأَتْ اَرْكانَ كُلِّ شَيء، وَبِعِلْمِكَ الَّذي اَحاطَ بِكُلِّ شَيء، وَبِنُورِ وَجْهِكَ الَّذي اَضاءَ لَهُ كُلُّ شيء.

المفاهيم المحوريّة:

1-     معرفة المدعو شرط في الاستجابة.

2-     من صفات المدعوّ:

•       الرحمة الواسعة.

•       القوّة القاهرة.

•       الجبروت.

•       العلم المحيط.

 

شرح المفردات:

اللهُمّ: أصلها أَلِه: "الهمزة واللام والهاء أصل واحد؛ وهو: التعبّد . فالإله الله تعالى، وسُمِّيَ بذلك؛ لأنّه معبود". قال أَبو إسحق: وقال الخليل وسيبويه وجميع النحويين الموثوق بعلمهم: اللهمّ؛ بمعنى: يا أَلله، وإنّ الميم المشدّدة عوض مِن يا...

أسألك: أصلها سَأَلَ: "السين والهمزة واللام: كلمة واحدة. يقال: سأل يسأل سؤالاً ومسألة". و"السُّؤَالُ: استدعاء معرفة، أو ما يؤدّي إلى المعرفة.. والسُّؤَالُ للمعرفة: يكون تارة للاستعلام، وتارة للتّبكيت، مثال الأوّل قوله تعالى: (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ) (التكوير/8) مثال الثاني، قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) (الإسراء/85)".

رحمتك: أصلها رَحِمَ: "الراء والحاء والميم: أصل واحد يدلّ على الرقّة، والعطف، والرأفة". والرَّحْمَةُ: رقّة تقتضي الإحسان إلى الْمَرْحُومِ، وقد تستعمل تارة في الرّقّة المجرّدة، وتارة في الإحسان المجرّد عن الرّقّة، نحو: رَحِمَ الله فلاناً. وإذا وصف به الباري فليس يراد به إلَّا الإحسان المجرّد دون الرّقّة... ولا يطلق الرَّحْمَنُ إلَّا على الله تعالى من حيث إنّ معناه لا يصحّ إلَّا له؛ إذ هو الذي وسع كلّ شيء رَحْمَةً، والرَّحِيمُ يستعمل في غيره؛ وهو الذي كثرت رحمته، قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (البقرة/182)، وقال في صفة النبيّ (ص): (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (التوبة/128).

قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) (الأعراف/156)؛ تنبيهاً أنّها في الدّنيا عامّة للمؤمنين والكافرين، وفي الآخرة مختصّة بالمؤمنين.

قهرت: أصلها قَهَرَ: "القاف والهاء والراء: كلمة صحيحة تدلّ على غلبة وعلو. يقال: قهره يقهره قهراً. والقاهر الغالب والقَهْرُ: الغلبة والتّذليل معاً، ويستعمل في كلّ واحد منهما. قال تعالى: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ) (الأنعام: /18)، وقال: (وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (الرعد/16)، (فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ) (الأعراف/127).

خضع: أصلها خَضَعَ: "الخاء والضاد والعين: أصلان، أحدهما: تطامن في الشيء. والآخر: جنس من الصوت. فالأوّل: الخضوع. قال الخليل: خضع خضوعاً؛ وهو الذلّ والاستخذاء. واختضع فلان؛ أي تذلّل وتقاصر".

ذلّ: أصلها ذلّ: "الذال واللام في التضعيف والمطابقة: أصل واحد يدلّ على الخضوع والاستكانة واللين. فالذل: ضدّ العزّ". و"الذُّلُّ: ما كان عن قهر... وقوله تعالى: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) (الإسراء/24)؛ أي: كن كالمقهور لهما... والذُّلُّ متى كان من جهة الإنسان نفسه لنفسه؛ فمحمود، نحو قوله تعالى: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (المائدة/54)".

جبروتك: أصلها جَبَرَ: "الجيم والباء والراء: أصل واحد؛ وهو: جنس من العظمة والعلو والاستقامة... وذو الجبروت: الله جلّ ثناؤه". والجبّار في صفة الإنسان، يقال: لمن يجبر نقيصته بادّعاء منزلة من التعالي لا يستحقها".

عزّتك: أصلها عزّ: "العين والزاء: أصل صحيح واحد يدلّ على شدّة وقوّة وما ضاهاهما من غلبة وقهر. قال الخليل: العزة لله جلّ ثناؤه؛ وهو من العزيز".  و"العِزَّةُ: حالةٌ مانعة للإنسان من أن يغلب. من قولهم: أرضٌ عَزَازٌ؛ أي: صُلْبةٌ. قال تعالى: (أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا)  (النساء: /139)... والعَزيزُ: الذي يقهُر ولا يُقهَر. قال تعالى: (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (العنكبوت/26).

سلطانك: أصلها سَلَطَ: "السين واللام والطاء: أصل واحد؛ وهو: القوّة والقهر، من ذلك: السلاطة؛ من التسلّط؛ وهو القهر. ولذلك سمّي السلطان سلطاناً. والسلطان الحجّة".

أحاط: أصلها حوط: "الحاء والواو والطاء: كلمة واحدة؛ وهي الشيء يطيف بالشيء" ... والإحاطة بالشيء علماً؛ هي: أن تعلم وجوده وجنسه وقدره وكيفيّته، وغرضه المقصود به وبإيجاده، وما يكون به ومنه؛ وذلك ليس إلَّا للَّه تعالى، وقال عزّ وجلّ: (بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ) (يونس/39)، فنفى ذلك عنهم... وقوله عزّ وجلّ: (وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ) (يونس/22)، فذلك إحاطة بالقدرة".

دلالة المقطع:

1-     معرفة المدعوّ شرط في الاستجابة:

إنّ أوّل شرط للداعي إذا أراد أن يُستجاب دعائه يكمن في معرفته بمن يدعوه؛ ولذا، ابتدأت فقرات دعاء كميل ببيان الصفات الإلهيّة التي تشرّع للداعي باب المعرفة بعظمة من يدعوه، وتجذبه نحو الطلب من الله تعالى؛ لما أُلهِم قلبه من حتمية الإجابة؛ بفعل تعرّضه لنفحات هذه الصفات الكمالية الكاشفة عن عظمة المتّصف بها وقدرته وقوّته. وهذا هو حال مَنْ يطلب حاجة من أحد من الناس؛ فإنّه لا يلجأ إلى الطلب إلا ممَّن يعرفه، ويدرك أنّه القادر على استجابة طلبه، وقضاء حاجته.

عن الإمام الصادق (ع): "قال رسول الله (ص): قال الله عزّ وجلّ: من سألني؛ وهو يعلم أنّي أضرّ وأنفع؛ استجبت له".

وعن الإمام موسى الكاظم (ع)، قال: "قال قوم للصادق (ع): ندعو فلا يُستجاب لنا، قال: لأنّكم تدعون من لا تعرفونه".

ومعرفة الله تكمن في معرفة صفاته؛ وهي حقائق كماليّة تتجلّى في ساحات الكون، ويدركها الإنسان بحسب قابليّته واستعداده ومرتبته الوجوديّة؛ وهي المذكورة في فقرات هذا الدعاء: الرحمة الواسعة، والقوّة، والقدرة الشاملة، والجبروت، والعزّة، والعظمة، والسلطان، والذات الباقية التي لا تُصاب بالفناء.

2-     من صفات المدعوّ:

أ- الرحمة الواسعة:

إنّ الدعاء باب من أبواب رحمة الله. والإنسان يتوسَّل بصفة الرحمة الإلهيّة؛ لتشمله؛ فتكتب له النجاة. ولذا، كان السؤال الأوّل توسّلاً بالرحمة الإلهيّة. والرحمة الإلهيّة هي كلّ فيض يفيضه الله تعالى لسدّ حاجات الموجودات، واستكمال نواقصها، حيث إنّها بحسب ذاتها فقيرة ومحتاجة إلى الكامل المطلق.

فالرحمة تشمل حياة الإنسان في عالم الدنيا؛ من الولادة إلى آخر لحظات عمره، وكذلك في عالم الآخرة، حيث يُكتَب له النجاة والفوز بالجنّة: عن الإمام زين العابدين (ع) - لمّا قيل له: إنّ الحسن البصري قال: ليس العجب ممَّن هلك كيف هلك، وإنّما العجب ممَّن نجى كيف نجى!. "أنا أقول: ليس العجب ممَّن نجى كيف نجى، وأمّا العجب ممَّن هلك كيف هلك مع سعة رحمة الله".

وبما أنّ لكلِّ شيء في هذا الكون سبب مُوصِل إليه، فإنّ الوصول إلى رحمة الله يتوقَّف على عدد من الأمور تُعدّ بمثابة مُوجبات لشمول الرحمة الإلهيّة، وهي:

•       عدم الإفساد في الأرض.

•       الدعاء عن خوف أو عن طمع.

•       الإيمان بالله والاعتصام به.

وهذه الثلاثة وردت في آيات كتاب الله:

قال تعالى: (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ)  (الأعراف/56).

وقال تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا) (النساء/175).

الصبر: قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة/155-157).

 

ب- القوّة القاهرة:

إنّ سعة القدرة الإلهيّة جعلت كلّ شيء مقهوراً لها؛ أي لا يملك أمامها حول أو قوّة. ويترتّب على هذا القهر: الخضوع والذلّ.

والخضوع؛ هو: التسليم، وعدم مقاومة سعة القدرة الإلهيّة. ويكمن ذلك من خلال الإيمان بأنّ القدرة الإلهيّة شاملة لكلِّ شيء، ولا يمكن الخروج عنها. وهذا التسليم قد يكون عملاً، وقد يكون مع اليقين والطمأنينة بهذه السعة؛ أي عن اعتقاد وإيمان صحيحين.

وهذا يعني أنّ هذا الخضوع قد لا يكون عن اختيار، وقد يكون عن اختيار؛ فكلّ شيء خاضع له. وفي اختيار طاعة الله عزّ وجلّ خضوع اختياري؛ لأنّ الله لم يُجبِر أحداً على طاعته. وفي الرضا والتسليم بقضاء الله خضوع اختياري؛ لأنّه لا اعتراض، بل تسليم.

وأمّا الذلّ فلا يكون عن قهر؛ لأنّ الذي لا يعيش حالة التسليم الاختياري؛ فإنّه -أيضاً- خاضع للقوّة الإلهيّة، ولكنّه مُجبَر عليها؛ فيكون ذليلاً.

 

ج- الجبروت:

ورد في القرآن الكريم أنّ من الأسماء الإلهيّة هو: اسم الجبّار. والجبّار مبالغة في الذي تنفذ إرادته، ويَجْبِر على ما يشاء. وهذه الصفة تختصّ بالله عزّ وجلّ. ولذا، ورد عن الإمام علي (ع) - في كتابه لمالك الأشتر حين ولّاه على مصر-: "إيّاك ومساماة الله في عظمته، والتشبّه به في جبروته؛ فإنّ الله يذلّ كلّ جبّار، ويهين كلّ مختال".

ويترتّب على الإيمان بأنّ الجبروت لله فقط؛ عدّة فوائد، منها:

•       الجبروت: هو صاحب الإرادة الغالبة؛ لأنّ الإرادة الإلهيّة تغلب إرادة كلّ مُرِيد؛ فهو يتمكَّن في أيّ لحظة أن يمنع الإنسان من أن يتصرّف تصرّفاً في أيّ أمر من الأمور؛ حتى تلك الأمور الخاضعة له، والتي تقع تحت سيطرته.

•       يعني: أنّ الإنسان قد يشذّ به الحال، فيريد الخروج عن الإرادة الإلهيّة، ولكنّ الإرادة الإلهيّة غالبة على كلِّ شيء. وهذا حقّ إلهي؛ لأنّ العباد مملوكون لله عزّ وجلّ، والمالك له حقّ التصرّف في ملكه بما يشاء.

•       وصف الله عزّ وجلّ نفسه بهذا الاسم في القرآن، كما نلجأ في الدعاء إلى التوسّل بهذا الاسم الإلهي؛ لأنّ ذلك يُشعِر الإنسان في نفسه الذلّ والمسكنة لربّ العزّة والجلال. فمعرفة الله بصفاته تجعل الإنسان يُحسن اتّخاذ الموقف في هذه الدنيا.

•       من الآثار التربوية المترتّبة على التوسّل بهذه الأسماء: حصول الإيمان الثابت في القلب؛ لأنّ الإنسان يعلم من خلالها أنّ الإرادة الإلهية غالبة على كلِّ شيء؛ فإذا استشعر الخطر، أو جاءه عدوّ، أو أراد به أحد سوءاً؛ يعلم حينها أنّ جبروت الله غالب على كلِّ شيء.

 

د - العلم المحيط:

العلم يعني المعرفة؛ وهو: ضدّ الجهل. ودليل سعة العلم الإلهي: أنّ الله هو الخالق؛ فلا بدّ وأن يكون عالماً بكلّ شيء: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)  (الملك/14).

وفي القرآن الكريم آيتان تتحدّثان عن سعة العلم الإلهي، هما: قوله تعالى:

(وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ * وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (الأنعام/59-60).

والعلم الإلهي: هو علم إحاطة؛ أي أنّه يُدرِك الأشياء بتمامها، وبكافّة وجوهها وجزئيّاتها، بل وبما ستصير إليه.

والاعتقاد بسعة العلم الإلهي له آثاره على الإنسان في هذه الدنيا، ومن هذه الفوائد:

•       الامتناع عن الذنب: إنّ الإيمان بالعلم الإلهي المطلق يُولِّد الشعور بالرقابة الدائمة.

حُكِيَ أنّ بعض الشيوخ كان كثير الميل إلى واحد من جملة المريدين؛ فشقّ على الآخرين ذلك، فأراد أن يُظهر لهم فضيلة ذلك المريد، فأعطى كلّ واحد منهم طائراً، وقال له: اذبح هذا حيث لا يراك أحد، فذهبوا، ثمّ جاؤوا قد ذبح كلّ واحد منهم طائره إلا ذلك المريد؛ فإنّه ردّ طائره حيّاً، فقال الشيخ: ما لك لم تذبح كما ذبح أصحابك؟ فقال: لم أجد موضعاً لا يراني فيه أحد؛ فإنّ الله تعالى يراني في كلّ موضع، فقال الشيخ: لهذا أميل إليه؛ لأنّه لا يلتفت إلى غير الله عزّ وجلّ.

•       الابتعاد عن التفكير بالمعصية: مع اشتداد الإيمان بالعلم الإلهي يحدث تعظيم هيبة الله تعالى في قلب الإنسان، فيصرفه ذلك عن التفكّر بالعصيان: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (غافر/19)، (وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْتُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ) (البقرة/284)، (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) (فاطلر/28).

•       إدراك المظلوم أنّ حقّه لا يضيع: فإنّه، وإن كان قد لا يتمكّن من إثبات حقّه، ولكنّ الله عزّ وجلّ عالم بحقّه؛ فيأخذه له.

•       إدراك الظالم أنّه إن أخفى حقّ غيره في هذه الدنيا؛ فإنّه لن يخفى على الله عزّ وجلّ، وسيأخذه منه في الدنيا أو في الآخرة.

موعظة وعبرة

موانع استجابة الدعاء:

لقد ذكرت بعض الروايات ذنوباً متعدّدة، إن ارتكبها الإنسان تحول بينه وبين إجابة دعائه، مثل سوء النية، النفاق، تأخير الصلاة عن وقتها، اللسان البذيء الذي يخشاه الناس، الطعام الحرام، وترك الصدقة والإنفاق في سبيل الله تعالى. وفي الاحتجاج، عن الإمام الصادق (ع) أنّه سُئل: أليس يقول الله: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)؟ وقد نرى المضطّر يدعوه ولا يجاب له، والمظلوم يستنصره على عدوّه فلا ينصره! قال: "ويحك! ما يدعوه أحدٌ إلّا استجاب له، أمّا الظالم فدعاؤه مردود إلى أن يتوب، وأمّا المحقّ فإذا دعا استجاب له وصرف عنه البلايا من حيث لا يعلمه، أو ادّخر له ثواباً جزيلاً ليوم حاجته إليه، وإن لم يكن الأمر الذي سأل العبد خيراً له إن أعطاه، أمسك عنه".

 

ما معنى الآيتين؟

ورد عن الإمام الصادق (ع) حينما سأله أحدهم، قال: قلت: آيتان في كتاب الله عزّ وجلّ أطلبهما فلا أجدهما!

قال عليه السلام: "وما هما"؟

قلت: قول الله عزّ وجلّ: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)، فندعوه ولا نرى إجابة.

قال (ع): "أفترى الله عزّ وجلّ أخلف وعده"؟

قلت: لا.

قال: "فممّ ذلك"؟

قلت: لا أدري.

قال (ع): "لكنّي أخبرك، من أطاع الله عزّ وجلّ فيما أمره من دعائه من جهة الدعاء أجابه".

قلت: وما جهة الدعاء؟

قال: "تبدأ فتحمد الله وتذكر نِعمه عندك، ثمّ تشكره، ثمّ تصلّي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ثمّ تذكر ذنوبك فتُقِرّ بها، ثمّ تستعيذ منها، فهذا جهة الدعاء".

ارسال التعليق

Top