السيد عادل العلوي
قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه ومبرم خطابه: (.. فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ...) (المائدة/ 54). لغة الحب من أجمل وأروع اللغات في قاموس القرآن الكريم والسنّة النبوية المقدسة والأحاديث الشريفة المروية عن أهل بيت العصمة (ع)، فهناك المئات من الآيات الكريمة والأخبار الشريفة تحدّثنا عن الحبّ بصوره ونماذجه المختلفة والرائعة. وسوف نستعرض هنا بعض المفاهيم عن الحب.
- الحب أقسامه وأبعاده:
في روايات النبي الأكرم (ص) وأهل بيته الأطهار (ع) أبواب عديدة في الحب وأقسامه وأبعاده، وفي كل باب مفاهيم قيّمة ومطالب متنوّعة سامية لا يستغني عنها الباحث الإسلامي، وسوف نشير إلى بعض هذه الأبواب في نبذة يسيرة جدّاً من الروايات الواردة في كلّ باب.
1- باب "أحبّ الناس إلى الله"
عن الإمام الصادق (ع): "ألا وإن أحبّ المؤمنين إلى الله من أعان المؤمن الفقير من الفقر في دنياه ومعاشه، ومن أعان ونفع ودفع المكروه عن المؤمنين".
قال رسول الله (ص): "أحبّ عباد الله إلى الله جلّ جلاله أنفعهم لعباده، وأقومهم بحقّه، الذين يحبّب إليهم المعروف وفعّاله".
يقول الله تعالى: (إنّ أحب العباد إليّ المتحابّون بجلالي، المتعلّقة قلوبهم بالمساجد، المستغفرون بالأسحار، أولئك إذا أردت بأهل الأرض عقوبة ذكرتهم فصرفت العقوبة عنهم).
أحبّ المؤمنين إلى الله من نصب نفسه في طاعة الله، ونصح لأمّة نبيّه، وتفكّر في عيوبه، وأبصر وعقل وعمل.
قال الإمام الصادق (ع): "أحب العباد إلى الله عزّ وجلّ رجل صدوق في حديثه، محافظ على صلواته وما افترض الله عليه مع أدائه الأمانة".
2- باب "أحب الأعمال إلى الله"
سئل رسول الله (ص): أي الأعمال أحبّ إلى الله؟ قال (ص): اتّباع سرور المسلم". قيل يا رسول الله: وما اتّباع سرور المسلم؟ قال (ص): "شبعة جوعه، وتنفيس كُربته، وقضاء دينه".
أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ في الأرض الدعاء.
قال الإمام الصادق (ع): "من أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ زيارة قبر الحسين (ع)".
الذكر أحبّ الأعمال إلى الله سبحانه.
قال رسول الله (ص): "ثلاثة يحبّها الله: قلّة الكلام، وقلّة المنام، وقلّة الطعام. ثلاثة يبغضها الله: كثرة الكلام وكثرة المنام وكثرة الطعام".
ثلاثة يحبّها الله سبحانه: "القيام بحقّه، والتواضع لخلقه، والإحسان إلى عباده".
إنّ الله جميل ويحبّ الجمال. إنّ الله يحبّ الرفق. إن الله يحبّ إطعام الطعام.
3- باب "عبادة المحبّين"
عن رسول الله (ص): "بكى شعيب (ع) من حبّ الله عزّ وجلّ حتى عمي، فردّ الله عزّ وجلّ عليه بصره، ثمّ بكى حتى عمي فردّ الله عليه بصره، ثمّ بكى حتى عمي فردّ الله عليه بصره، فلمّا كانت الرابعة أوحى الله إليه: (يا شعيب، إلى متى يكون هذا أبداً منك؟ إن يكن هذا خوفاً من النار فقد أجرتك، وإن يكن شوقاً إلى الجنّة فقد أبحتك). فقال (ع): "إلهي وسيدي أنت تعلم أني ما بكيت خوفاً من نارك، ولا شوقاً إلى جنّتك، ولكن عقد حبّك على قلبي فلست أصبر أو أراك". فأوحى الله جلّ جلاله إليه: (أمّا إذا كان هذا هكذا فمن أجل هذا سأخدمك كليمي موسى بن عمران)".
وفيما أوحى الله تعالى إلى داوود (ع): (ياداوود: أبلغ أهل أرضي أني حبيب من أحبّني، وجليس من جالسني، ومؤنس لمن أنس بذكري، وصاحب لمن صاحبني، ومختار لمن اختارني، ومطيع لمن أطاعني. وما احبّني أحد أعلم ذلك يقيناً من قلبه إلا قبلته لنفسي، وأحببته حباً لا يتقدّمه أحد من خلقي، من طلبني بالحقّ وجدني، ومن طلب غيري لم يجدني. فارفضوا يا أهل الأرض ما أنتم عليه من غرورها، وهلمّوا إلى كرامتي ومصاحبتي ومجالستي ومؤانستي، وآنسوني أونسكم وأسارع إلى محبتكم).
4- باب "إذا أحبّ الله عبداً"
عن النبي (ص) أنّه قال: "يا ربّ وددت أن أعلم من تحبّ من عبادك فأحبّه؟ فقال عزّ وجلّ: (إذا رأيت عبدي يكثر ذكري فأنا أذنت له في ذلك وأنا أحبّه، وإذا رأيت عبدي لا يذكرني فأنا حجبته وأنا أبغضته)".
وقال أمير المؤمنين علي (ع): "إذا أحبّ الله عبداً ألهمه حسن العبادة... حبّب إليه الأمانة... زيّنه بالسكينة والحلم... ألهمه الصدق... ألهمه رشده ووفقّه لطاعته... خطر عليه العلم... بغّض إليه المال وقصّر منه الآمال... رزقه قلباً سليماً وخلقاً قويماً... ابتلاه فإذا أحبه الحب البالغ افتناه"، قالوا: وما افتناؤه؟ قال (ع): "لا يترك له مالاً ولا ولدا، إذا أكرم الله عبداً أشغله بمحبّته".
وقال الإمام الصادق (ع): "من سرّه أن يعلم أن الله يحبّه فليعمل بطاعة الله وليتّبعنا، ألم يستمع قول الله عزّ وجلّ لنبيه (ص): (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي) (آل عمران/ 31).
وقال (ع): "إذا أحبّ الله عبداً ألهمه الطاعة، وألزمه القناعة، وفقّهه في الدين، وقوّاه باليقين، فاكتفى بالكفاف واكتسى بالعفاف. وإذا أبغض الله عبداً حبّب إليه المال، وبسط له، وألهمه دنياه، ووكله إلى هواه، فركب العناد، وبسط الفساد، وظلم العباد".
5- باب "علامة حبّ الله"
لكل شيء علامة، ومحبّ الله له علامات، وإنما يقف عليها ويعلمها من كان منهم، ورسول الله (ص) وأهل بيته الأطهار (ع) هم سادة المحبّين وأسوتهم، ومن إمامة أئمة الهدى (ع) أنهم أشاروا إلى علامات كل طائفة، كعلامات المؤمنين والمتقين والمنافقين والمخلصين والمحبّين حتى لا يُلتبس ويشتبه الأمر على من يبحث عنهم ليقتدي بهم كالمتقين، أو ليتجنّبهم ويحذرهم كالمنافقين.
فمن علامات المحبين:
عن رسول الله (ص): "علامة حبّ الله تعالى حُب ذكر الله، وعلامة بغض الله تعالى بغض ذكر الله عزّ وجلّ".
وعن أمير المؤمنين علي (ع): "القلب المحبّ لله يحبّ كثيراً النصب لله، والقلب اللاهي عن الله يحبّ الراحة، فلا تظن يا ابن آدم أنك تدرك رفعة البر بغير مشقة، فإنّ الحق ثقيل مرّ... حبّ الله نار لا يمر على شيء إلا احترق، ونور الله لا يطّلع على شيء إلا أضاء".
وعن الإمام الصادق (ع): "حب الله إذا أضاء على سرّ عبدٍ أخلاه عن كل شاغل وكل ذكر سوى الله عند ظلمة، والمحبّ أخلص الناس سرّاً لله، وأصدقهم قولاً، وأوفاهم عهداً..".
وفيما أوحى الله تعالى إلى موسى (ع): (كذب من زعم أنّه يحبّني فإذا جنّه الليل نام عني، أليس كل محبّ يحبّ خلوة حبيبه؟! ها أنا ذا يا ابن عمران مطلع على أحبائي، إذا جنّهم الليل حُوّلت أبصارهم من قلوبهم، ومُثّلت عقوبتي بين أعينهم، يخاطبوني عن المشاهدة، ويكلّموني عن الحضور).
وفيما أوحى الله تعالى إلى داوود (ع): (يا داوود من أحبّ حبيباً صدّق قوله، ومن رضي بحبيب رضي بفعله، ومن وثق بحبيب اعتمد عليه، ومن اشتاق إلى حبيب جدّ في السير إليه..).
سأل أعرابي أمير المؤمنين (ع) عن درجات المحبين ما هي؟ قال (ع): "أدنى درجاتهم من استصغر طاعته، واستعظم ذنبه، وهو يظنّ أن ليس في الدارَين مأخوذ غيره" فغشي على الأعرابي، فلمّا أفاق قال: هل هناك درجة أعلى منها؟ قال (ع): "نعم سبعون درجة..".
وقال الإمام الصادق (ع): "أُجري القلم في محبّة الله فمن أصفاه الله بالرضا فقد أكرمه، ومن ابتلاه بالسخط فقد أهانه، والرضا والسخط خَلْقَان من خَلْق الله، والله يزيد في الخَلْق ما يشاء".
وقال (ع): "إنّ أولي الألباب الذين عملوا بالفكرة حتى ورثوا منه حبّ الله – إلى أن قال – فإذا بلغ هذه المنزلة جعل شهوته ومحبته في خالقه، فإذا فعل ذلك نزل المنزلة الكبرى فعاين ربّه في قلبه، وورث الحكمة بغير ما ورثه الحكماء، وورث العلم بغير ما ورثه العلماء، وورث الصدق بغير ما ورثه الصدّيقون، إنّ الحكماء ورثوا الحكمة بالصمت، وإنّ العلماء ورثوا العلم بالطّلب، وإنّ الصديقين ورثوا الصدق بالخشوع وطول العبادة".
أوحى الله إلى بعض الصديقين: (إنّ لي عباداً من عبيدي يحبوني وأحبّهم، ويشتاقون إليّ وأشتاق إليهم، ويذكروني وأذكرهم، أول ما أعطيهم ثلاثاً:
الأوّل: أقذف من نوري في قلوبهم فيخبرون عني كما أخبر عنهم.
والثاني: لو كانت السماوات والأرضون وما فيها من مواريثهم لاستقللتها لهم.
والثالث: أقبل بوجهي عليهم، أفترى من أقبلتُ عليه بوجهي يعلم أحدٌ ما أريد أن أعطيه؟)!
عن النبي (ص): قال الله: ما تحبّب إليّ عبدي بشيءٍ أحبُ إلىّ مما افترضته عليه، وإنّه ليتحبّب إليّ بالنافلة حتى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، إذا دعاني أجبته، وإذا سألني أعطيته".
6- باب "حبّ الله وحبّ الدنيا لا يجتمعان"
تُرى أوتدري أن حبّ الدنيا وحبّ الله لا يجتمعان في قلب عبد؟ حبّ الدنيا رأس كل خطيئة، وحبّ الله رأس كل طاعة، ويستحيل اجتماعهما في جوف واحد في آن واحد، فهما متضادّان ومتناقضان، فالقلب إمّا أن يكون حَرَمَ الله وعرشه، ولا يدخل الحَرَمَ إلا من كان طاهراً متطهراً تقياً نقياً كالملائكة، وإما أن يكون عشّ الشيطان قد عشعش فيه وباض وفرّخ – كما ورد في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (ع) – فيكون القلب دار سلطنة الشيطان – والعياذ بالله – وإذا كان الشيطان سلطان القلب فإنّه يأمر بالفحشاء والمنكر، وبداية دخوله إلى القلب تكون بالوسوسة – (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) – (الناس/ 5)، ونهايته السلطنة والحكومة وحينئذٍ يأمر عبيده – جوارح الإنسان وجوانحه – بالفحشاء والمنكر والفساد في الأرض، وأمّا إذا كان الحاكم في القلب هو الله سبحانه، فإنّه يأمر بالعدل والإحسان والخير، وهذا يعني أنّ الإنسان لابدّ أن يكون على حذر تام، وإنما يستجيب لدعوة ربّه الكريم الحكيم، فإنّه بين دعوتَين: دعوة ربّانية إلهية نورانية كالدعوة إلى الخير والصلح والوحدة والإيمان والعمل الصالح، ودعوة شيطانية رذيلة ناريّة، كالدعوة إلى الشر والفسق والفجور والظلم والكفر والفرقة والتخاصم. والله سبحانه قد خلق الإنسان مختاراً ليكون مظهراً لاختياره وهداه النجدَين: نجد الخير ونجد الشر، وعلامة نجد وطريق الخير حبّ الله، وعلامة نجد وطريق الشر حبّ الدنيا، وهذان لا يجتمعان في قلب أبداً.
قال رسول الله (ص): "حبّ الدنيا وحبّ الله لا يجتمعان في قلب أبداً".
وقال أمير المؤمنين (ع): "كيف يدّعي حبّ الله من سكن قلبه حبّ الدنيا".
وقال (ع): "كما أنّ الشمس والليل لا يجتمعان كذلك حبّ الله وحبّ الدنيا لا يجتمعان".
وقال الإمام الصادق (ع): "والله ما أحبّ الله من أحبّ الدنيا ووالى غيرنا".
7- باب "كيف تدعو الناس إلى حبّ الله"
إنّ معرفة أسلوب الدعوة إلى الله سبحانه وإلى حبّه، لها تأثير بالغ في نجاح العمل وسلامته وديموميته. والله سبحانه هو المعلم الأوّل يهدينا من خلال أنبيائه الكرام وأوصيائهم الأطهار والعلماء الأبرار. فعن رسول الله (ص): "قال الله عزّ وجلّ، لداوود (ع): (أحبّني وحبّبني إلى خلقي، قال (ع): يا ربّ نعم أنا أحبّك، فكيف أحبّبك إلى خلقك؟ قال: اذكر أيادي – أي نعمي وآلائي وفضلي – عندهم، فإنك إذا ذكرت ذلك لهم أحبوني)".
وعن الإمام الباقر (ع): "أوحى الله تعالى إلى موسى (ع): (أحببني وحبّبني إلى خلقي)، قال موسى (ع): يا ربّ إنك تعلم أنّه ليس أحد أحبّ إليّ منك، فكيف لي بقلوب العباد؟ فأوحى الله إليه: (فذكّرهم نعمتي وآلائي، فإنّهم لا يذكرون مني إلا خيراً)".
ثم إنّ العلماء ورثة الأنبياء، ومن مسؤولياتهم الخطيرة دعوة الناس إلى حبّ الله سبحانه وتعالى وطاعته وطاعة أنبيائه وأوصيائهم الأطهار (ع)، وإلا فكما جاء في دعاء عرفة عن الإمام الحسين (ع): "عميت عين لا تراك عليها رقيباً، خسرت صفقة عبدٍ لم تجعل له من حبّك نصيبا...".
8- باب "الحبّ في الله"
حبّ الله له جلوات ومظاهر، ومن أعظمها وأجلاها الحبّ في الله سبحانه وتعالى، وهو من روح الدين، ومن أوثق عرى الإسلام كما ورد في الروايات الشريفة.
عن رسول الله (ص): "أوثق عُرى الإسلام أن تحبّ في الله، وتبغض في الله".
وعنه (ص): "أفضل الأعمال الحبّ في الله، والبغض في الله تعالى".
"الحبّ في الله فريضة، والبغض في الله فريضة".
وبمثل هذه الروايات القدسية الشريفة يكون التولي والتبري من فروع الدين.
قال الإمام الباقر (ع): "إذا أردت أن تعلم أن فيك خيراً، فانظر إلى قلبك فإن كان يحبّ أهل طاعة الله عزّ وجلّ، ويبغض أهل معصيته، ففيك خير والله يحبّك، وإذا كان يبغض أهل طاعة الله، ويحبّ أهل معصيته، فليس فيك خير والله يبغضك والمرء مع من أحبّ".
قال الإمام الصادق (ع): "إنّ المتحابّين في الله يوم القيامة على منابر من نور، قد أضاء نور أجسادهم ونور منابرهم كل شيء، حتى يُعرفوا به فيقال: هؤلاء المتحابّون في الله".
وعن الإمام الجواد (ع): "أوحى الله إلى بعض الأنبياء: (أما زهدك في الدنيا فتعجّلك الراحة، وأمّا انقطاعك إليّ فيعزّزك بي، ولكن هل عاديت لي عدواً أو واليت لي وليّاً)".
إنّ الله تعالى قال لموسى (ع): (هل عملت لي عملاً؟ قال صلّيت لك، وصمت لك، وتصدّقت، وذكرت لك، قال الله تبارك وتعالى: أمّا الصلاة فلك برهان، والصوم جُنّة، والصدقة ظلّ، والذكر نور، فأي عمل عملت لي؟ قال موسى (ع): دُلّني على العمل الذي هو لك، قال: يا موسى هل واليت لي وليّاً وهل عاديت لي عدواً قطّ؟) فعلم موسى (ع) أن أفضل الأعمال الحبّ في الله والبغض في الله.
قال رسول الله (ص): "ودّ المؤمن للمؤمن في الله من أعظم شعب الإيمان، ألا ومن أحبّ في الله وأبغض في الله وأعطى في الله ومنع في الله، فهو من أصفياء الله".
وقال (ص) لبعض أصحابه: "يا عبد الله: أحبّ في الله وأبغض في الله، والِ في الله، فإنّه لا ينال ولاية الله إلّا بذلك، ولا يجد الرجل طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه، حتى يكون كذلك، وقد صارت مؤاخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا، عليها يتوادّون وعليها يتباغضون".
وقال الإمام الصادق (ع): "كل من لم يحبّ على الدين ولم يبغض على الدين، فلا دين له".
وقال أمير المؤمنين علي (ع): "المحبّة لله أقرب نسب. المحبّة في الله آكد من وشيج الرحم".
قال رجل لعلي بن الحسين (ع): "إني لأحبّك في الله حبّاً شديداً، فنكس (ع) رأسه، ثمّ قال: "اللّهمّ إني أعوذ بك أن أحبّ فيك وأنت لي مبغض، ثمّ قال له: أحبّك للذي تحبّني فيه".
9- باب "حبّ النبي المصطفى وأهل بيته الأطهار"
ومن مظاهر حب الله حبُّ حبيبه النبي الأعظم محمد (ص) وعترته الطاهرين (ع)، وذريته الأبرار.
فعنه (ص): "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين".
"لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من نفسه، وأهلي أحبّ إليه من أهله، وعترتي أحبّ إليه من عترته، وذريتي أحبّ إليه من ذريته".
"أحبّوا الله لما يغدوكم به من نعمةٍ، وأحبّوني لحبّ الله عزّ وجلّ، وأحبّوا أهل بيتي لحبي".
وقال الإمام الباقر (ع): "من أحبّنا أهل البيت فليحمد الله على أوّل النعم. قيل: وما أوّل النعم؟ قال (ع): طيب الولادة، لا يحبّنا إلا من طابت ولادته".
وقال رسول الله (ص): "حبي وحب أهل بيتي نافع في سبعة مواطن أهوالهنّ عظيمة: عند الوفاة، وفي القبر، وعند النشور، وعند الكتاب، وعند الحساب، وعند الميزان، وعند الصراط".
وقال (ص): "من لم يحبّ عترتي فهو لإحدى ثلاث: إمّا منافق، وإمّا لزنية، وإما امرؤ حملت به أمّه في غير طهر".
وقال (ص): "الأئمة من ولد الحسين هم العروة الوثقى، وهم الوسيلة إلى الله تعالى".
وقال (ص): "من أحبّ أن يركب سفينة النجاة، ويستمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل الله المتين، فيلوالِ عليّاً بعدي، وليعادِ عدوّه، وليأتمّ بالأئمة الهداة من ولده".
وعن أصبغ بن نباتة أنّه قال: "كنت مع أمير المؤمنين (ع) فأتاه رجل فسلّم عليه ثمّ قال: يا أمير المؤمنين، إني والله لأحبّك في الله، وأحبّك في السرّ كما أحبّك في العلانية، وأدين بولايتك في السرّ كما أدين بها في العلانية – وبيد أمير المؤمنين (ع) عود – فطأطأ رأسه ثمّ نكس بالعود ساعة في الأرض ثمّ رفع رأسه إليه فقال (ع): إن رسول الله (ص) حدّثني بألف حديث، لكل حديث ألف باب، وإنّ أرواح المؤمنين تلتقي فتشمّ وتتعارف، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، وبحق الله لقد كذبت، فما أعرف في الوجوه وجهك ولا اسمك في الأسماء".
ثمّ دخل عليه رجل آخر فقال: "يا أمير المؤمنين، إني لأحبّك في الله وأحبّك في السر كما أحبّك في العلانية. قال: فنكث (ع) الثانية بعوده في الأرض، ثمّ رفع رأسه فقال له: صدقت، إذهب فاتخذ للفقر جلباباً فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: يا علي ابن أبي طالب: الفقر أسرع إلى محبّينا من السيل إلى بطن الوادي".
قال الإمام الصادق (ع) في صفة محبّيهم: ".. وطبقة يحبّونا في السر والعلانية، هم النمط الأعلى، شربوا من العذب الفرات، وعلموا بأوائل الكتاب، وفصل الخطاب، وسبب الأسباب، فهم النمط الأعلى، الفقر وأنواع البلاء أسرع إليهم من ركض الخيل، مسّتهم البأساء والضرّاء وزلزلوا وفتنوا، فمن بين مجروح ومذبوح متفرّقين في كل بلاد قاصية...".
وقال أمير المؤمنين علي (ع): "أنا مع رسول الله (ص) ومعي عترتي على الحوض، فمن أرادنا فليأخذ بقولنا وليعمل بعملنا".
قال رسول الله (ص): "من رزقه الله حبّ الأئمة من أهل بيتي فقد أصاب خير الدنيا والآخرة، فلا يشكن أنّه في الجنة، وإن في حبّ أهل بيتي عشرين خصلة، عشر في الدنيا، وعشر في الآخرة، أمّا في الدنيا: فالزهد، والحرص على العلم والعمل، والورع في الدين، والرغبة في العبادة، والتوبة قبل الموت، والنشأة في قيام الليل، واليأس مما في أيدي الناس، والحفظ لأمر الله ونهيه عزّ وجلّ، والتاسعة بغض الدنيا والعاشرة السخاء. وأما في الآخرة: فلا ينشر له ديوان، ولا يُنصب له ميزان، ويُعطى كتابه بيمينه، ويُكتب له براءة من النار، ويُبيّض وجهه، ويُكسى من حلل الجنّة، ويُشفع في مائة من أهل بيته، وينظر الله عزّ وجل إليه بالرحمة، ويُتوّج من تيجان الجنّة، والعاشرة يدخل الجنّة بغير حساب". فطوبى لمحبي أهل بيته (ص).
10- باب "المرء مع من أحبّ"
وأخيراً يحشر الإنسان مع من أحبّ وهذه بشرى عظيمة للمتحابّين في الله ولله.
قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) (النساء/ 69).
جاء رجل إلى النبي (ص) فقال: "يا رسول الله، إنك لأحبّ من نفسي وإنك لأحبّ من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنّة رفعت مع النبيين، وأني إذا دخلت الجنّة خشيت أن لا أراك. فلم يزد عليه النبي (ص) شيئاً حتى نزل جبرائيل بهذه الآية (ومن يطع الله والرسول...)".
وأتى رجل النبي (ص) فقال: "يا رسول الله رجل يحبّ من يصلّي ولا يصلّي إلّا الفريضة، ويحبّ أن يتصدّق ولا يتصدّق إلا بالواجب، ويحبّ أن يصوم ولا يصوم إلا شهر رمضان. فقال رسول الله (ص): المرء مع من أحبّ".
وعن أنس قال: جاء رجل من أهل البادية – وكان يعجبنا أن يأتي الرجل من أهل البادية يسأل النبي (ص) – فقال: يا رسول الله، متى قيام الساعة؟ فحضرت الصلاة، فلمّا قضى صلاته (ص) قال: أين السائل عن الساعة؟ قال: أنا يا رسول الله، قال (ص): فما أعددت لها؟ قال: والله ما أعددت لها من كثير عمل صلاة ولا صوم، إلا أني أحبّ الله ورسوله، فقال له النبي (ص): المرء مع من أحبّ. قال أنس: فما رأيت المسلمين فرحوا بعد الإسلام بشيء أشدّ من فرحهم بهذا.
المصدر: مجلة نور الإسلام/ العددان 55 و56 لسنة 1995م
ارسال التعليق