- امتحان المؤمنات المهاجرات:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) هذا نداءٌ للمؤمنين، باعتبارهم يمثلون القوة الضاغطة التي تملك أمر الحماية الواقعية بقيادة الرسول (ص)، ليواجهوا القوم الذين يأتون إلى المدينة للمطالبة بإرجاع هؤلاء النسوة إلى الكفار، فلا يستطيعون إلى ذلك.
(إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ) (الممتحنة/ 10) معلناتٍ إيمانهنّ على خطّ الإسلام وفرارهنّ بدينهنّ من ضغط الكفار الذين يعملون لفتنتهنّ عن ذلك، ولمنعهنّ عن ممارسة الالتزامات الدينية، (فَامْتَحِنُوهُنَّ) (الممتحنة/ 10) لتتعرفوا طبيعة الموقف الحقيقي لهنّ، إذا ما كان وليد بعض مشاكل شخصية في نطاق العلاقات الزوجية أو الأبوية، أو نحو ذلك مما قد يستسلمن فيه لانحرافاتٍ أخلاقيةٍ يخشين من نتائجها، أو لسرقةٍ ماليةٍ، أو لأوضاع نفسيةٍ قلقةٍ، أو أنّه وليد اللتزام ديني عميق لم يكن يملكن الامتداد فيه ولا الثبات عليه هناك، وكنّ يُستحلفن "ما خرجت من بغض ولا رغبة عن أرض إلى أرض ولا التماس دنيا وما خرجت إلا حباً لله ولرسوله".
(اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ) (الممتحنة/ 10) فهو الذي يعرف عمق الفكرة الإيمانية لدى المؤمن، فلا يحتاج إلى اختباره وامتحانه من أجل المعرفة، بل إنّ المسألة هي إيكال أمر المعرفة إلى المجتمع المسلم ليحدد موقفه على ذلك الأساس، في ما يريد أن يتحمله من المسؤولية. وهكذا نلاحظ أنّ الله لم يجر الحركة الإسلامية في موقف المجتمع المسلم من الأحداث الخفية على أساس الغيب، في ما يوحي به إلى نبيّه، بل ترك الأمر للوسائل المألوفة للمعرفة، لأنّه يريد من المسلمين أن يعيشوا التجربة الحية، في ما يملكون من الوسائل العملية، (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ) (الممتحنة/ 10) في ما يظهر من الدراسة التفصيلية لأوضاعهنّ الواقعية، ولأفكارهنّ الإيمانية، ولاعترافاتهنّ الإسلامية، ولإعلانهنّ الاستعداد للسير على خط الإستقامة في العقيدة والعمل (فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) (الممتحنة/ 10) فقد قطع الله العلاقة الزوجية بينهنّ وبين الكافرين، سواء كانت العلاقة الزوجية سابقةً على الإيمان أو كانت لاحقةً له، في ما يريد الكافرون إجبارها عليها، لأنّ الكافر لا يجوز له الزواج من المسلمة، كما لا يجز للمسلمة الزواج من الكافر أو المشرك، (وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا) (الممتحنة/ 10) من المال الذي دفعوه مهراً لهنّ، وذلك من أجل الحفاظ على طبيعة المعاهدة المعقودة بين المسلمين والكافرين التي تعمل على الإبقاء على الجو السلمي فيما بينهم، ما يجعل الامتناع عن إرجاع زوجات الكافرين المؤمنات، خاضعاً للتعويض المالي على الأزواج، مما يخفف من سلبياتها النفسية من خلال النظرة المادية التي تحكم الذهنية الموجودة في ذلك المجتمع في علاقة الرجل بالمرأة. (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) (الممتحنة/ 10) لأنهنّ يملكن الارتباط بعلاقة زوجيةٍ جديدة بعد انفساخ الزواج السابق بالإسلام، ضمن الشروط الشرعية المعتبرة، ومن بينها المهر الذي يدفعه المسلمون لهنّ ضمن عقد الزواج.
(وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) (الممتحنة/ 10) بالاستمرار على زوجيتكم لهنّ، إذا أسلمتم وبقين على الكفر، أو إذا كفرن بعد الإسلام، فإنّ الله لا يحل للمسلم الزواج من كافرةٍ بمعنى الإلحاد أو الشرك، فإنّ الظاهر من السياق إرادة ذلك من هذه الفقرة في الآية، فلا يشمل أهل الكتاب، لأنّ القرآن لا يستعمل هذا المصطلح في الحديث عنهم، مع ملاحظة أن إطلاق الكافرين عليهم ممكن من جهة الكفر برسالة الرسول، وقد عبر عن ذلك في سورة البينة في قوله تعالى: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) (البينة/ 1)، ولكنه أطلق ذلك مع ذكر كلمة "أهل الكتاب".
وقد جاء في بعض الأحاديث المأثورة عن أهل البيت – عليهم السلام – ما يوحي بشمولها لأهل الكتاب، مما جعلها ناسخةً للآية الكريمة التي تبيح نكاح أهل الكتاب، فقد جاء في الكافي بإسناده إلى زرارة عن أبي جعفر "محمد الباقر (ع) عن قول الله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) (المائدة/ 5)، فقال: هذه منسوخة بقوله: (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) (الممتحنة/ 10).
ولكننا نلاحظ على هذا الحديث ما لاحظه العلماء، بأنّ النسخ غير واردٍ، لأن آية الممتحنة سابقة على آية المائدة نزولاً، فكيف يمكن للسابق أن ينسخ اللاحق، فلابدّ من تأويل الحديث أو طرحه.
(وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ) (الممتحنة/ 10) إذا لحقت المرأة بالكفار، (وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا) (الممتحنة/ 10) من مهر نسائهم اللاتي هاجرن إلى المسلمين. (ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) (الممتحنة/ 10) على أساس التوازن في المعاملة المتبادلة بالمثل. (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (الممتحنة/ 10) فهو الذي يعلم صلاح عباده، يجري تشريعاته على أساس الحكمة في ما يأخذون به أو في ما يتركونه.
(وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ) (الممتحنة/ 11) أي إذا لحقت بعض زوجات المؤمنين بالكفار، ولم يتمكن أزواجهنّ من استرجاع المهر، (فَعاقَبْتُمْ) بأن نال الكفار منكم عقوبة بالغلبة عليهم والحصول على الغنيمة منهم، (فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا) (الممتحنة/ 11)، من صلب الغنيمة عوضاً عما فاتهم من المهر الذي خسوه بذهاب زوجاتهم مما يضطرون معه للزواج من أخرى. وهناك وجوه أخرى لتفسير الآية مجال لذكرها، (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) (الممتحنة/ 11) في الوقوف عند حدوده في ذلك كله.
- المرأة في مستوى المَثَل للآخرين:
(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) (التحريم/ 10-12).
- معاني المفردات:
(فَخَانَتَاهُمَا): الخيانة: قال الراغب: الخيانة والنفاق واحد، إلا أنّ الخيانة تقال اعتباراً بالعهد والأمانة، والنفاق يقال اعتباراً بالدين ثمّ يتداخلان، فالخيانة مخالفة الحق بنقض العهد في السر، ونقيض الخيانة: الأمانة، يقال: خنت فلاناً وخنت أمانة فلان.
في هذه الآيات نلتقي بالمرأة لتكون مثلاً حيّاً للخط السلبي والخط الإيجابي في سلوك الإنسان، والرجل والمرأة، فكانت الكافرة في نموذجين مثلاً للذين كفروا، وكانت المرأة المؤمنة في نموذجين، مثلاً للذين آمنوا، لنأخذ من ذلك الفكرة الإسلامية التي تتحدث عن المرأة من موقع القيمة التي تصلح عنواناً للضعف البشري، أو تكون وجهاً من وجوه القوّة الإنسانية، لتوحي بأنّ الضعف الأنثوي لا يمثل الحتمية الخالدة في شخصية المرأة، بل يمكن لها أن تنمي عناصر القوّة في شخصيتها، لتحصل على الشخصية القوية التي تكون قدوةً ومثلاً حيّاً إيجابياً للرجل والمرأة معاً، ما يلغي الفكرة التي تنظر إلى المرأة من موقع الضعف الذي لا مجال فيه لأيّة قوةٍ.
- امرأتا نوح ولوط مثلٌ للكافرين:
(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ) فكانتا زوجتين لنبيين من أنبياء الله هما نوح ولوط، (فَخَانَتَاهُمَا) في موقفهما المضاد للرسالة، حيث اتبعتا قومهما في الكفر، ولم تنسجما مع طبيعة موقعهما الزوجي الذي يفرض عليهما أن تكونا من أوائل المؤمنين بالرسالة، لأنّهما تعرفان من استقامة زوجيهما وأمانتهما وصدقهما وجدّيتهما ما لا يعرفه الآخرون، فلا يبقى لهما أيّ عذرٍ في الانحراف عن خط الرسالة والرسول، ولكن المشكلة أنهما كانتا غير جادّتين في مسألة الانتماء الإيماني والالتزام العملي، فلم تنظرا إلى المسألة نظرةً مسؤولةً، بل عاشتا الجو العصبي الذي يربطهما بتقاليد قومهما، فكانتا تفشيان أسرار النبيين في ما قد يسيء إلى مصلحة الرسالة والرسول، وكانتا تبتعدان في سلوكهما عن منطق القيم الروحية الإيمانية لتبقيا مع منطق الوثنية، ما يجعل البيت الزوجي النبوي يتحرك في ائرة الجاهلية إلى جانب دائرة الإيمان، ولعل ضلال ابن نوح كان خاضعاً لتأثير والدته، ويقال: إن امرأة لوط كانت تخبر قومها بالضيوف الذين يزورون زوجها، ليقوموا بالاعتداء عليهم، فكانت خيانتهما للموقف وللموقع.
(فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا) ولم تنفعهما صلتهما الزوجية بالنبيّين في إنقاذهما من المصير المحتوم، لأنّ المسؤولية لدى الله تبقى في النطاق الفردي الذي يتحمل فيه كل إنسان مسؤولية عمله، من خير أو شرّ، فلا قيمة للعلاقات بالخيّرين إذا كان المتصل بهم كافراً شريراً، كما لا قيمة للعلاقات بالأشرار إذا كان المتصل بهم مؤمناً خيِّراً. وهكذا واجها الموقف الحاسم الذي يفرضه كفرهما وخيانتاهما العملية للنبيّين، (وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) لأنّ القاعدة التي فرضت دخولهم في النار هي التي تفرض دخولكما فيها.
- امرأة فرعون ومريم مثلٌ للمؤمنين:
(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ) التي كانت في موقع السلطة العليا التي يملكها زوجها، فكانت في مقام الملكة لشعبها، وكانت الدنيا بكل زخارفها وزينتها وشهواتها ولذاتها، تحت قدميها، ولكنّها رفضت ذلك كله عندما اكتشفت الإيمان بالله، وعاشت في خط العبودية له، وذاقت طعم مناجاته في حالة الخشوع الروحي والخضوع الجسدي في لحظات السجود الذي كان يرتفع بروحها إلى الدرجات العليا الروحانية في رحاب الله، فاحتقرت زوجها وملكه، وكل هؤلاء الخاضعين له، المتزلفين له، اللاهثين وراء ماله وسلطانه، ليحصلوا على شيء منهما، ورأت نفسها غريبةً بينهم، لأنّها تعيش غربة الروح والفكر والشعور عن كل أوضاعهم وعاداتهم ومنطقهم الكافر، ونظرت إلى الدار الواسعة التي هي في رحابة القصور الملكية التي تحيط بها الجنائن النضرة وتجري الأنهار من تحتها، فشعرت بالاختناق الروحي فيها، فصرخت في ما يشبه الاستغاثة في خلوتها الروحية بين يدي الله الذي كانت تراه بعين إيمانها القلبي، (إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ)، لأنّها البيت الذي أعيش فيه في جنة رضوانك، وأحسُّ فيه بسعادة الروح إلى جانب نعيم الجسد، فلا أحس بأيّ حزنٍ مما يحسّ به الناس في الدنيا، لأنني لا أجد هناك أيّ حرمان يوحي بالألم أو بالحزن الداخلي، فهذا هو الحلم الكبير الذي أتطلع من خلاله إلى السعادة المطلقة، فأنا الإنسانة التي أشعر بالتعاسة القاسية، في ما يشعر به الناس بالسعادة التي تلتقي عندها أحلامهم، وأشعر بالسعادة في ما لا يبالي فيه الناس في أفكارهم.
(وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ) في علوّه الاستكباري، وفي ظلمه للمستضعفين من الناس، وفي طغيانه على الحياة والحقيقة، وفي تمرّده على الله، فإني لا أطيق الحياة معه، لأني أتصوره كما يتصور الإنسان الوحش إذا أقبل عليه أو عاش معه. ولذا، فإنّ نجاتي منه هي حلم حياتي الكبير.
(وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الذين يمثلون المجتمع الفرعوني الذين يزينون له طغيانه وجبروته، ويضخمون له شخصيّته، ويدعمون ظلمه واستكباره، ليكونوا قاعدة الظلم الذي يمارسه في ما يشرّعون له من قوانين، وفي ما ينفذونه من خططه ومشاريعه.
وهكذا نجد في هذه المرأة المؤمنة التي عاشت في أعلى درجات السلم الاجتماعي، التي يضعف الأقوياء أمامها فيسقطون وتسقط معهم مبادئهم، المثال الحيّ للمرأة القويّة التي تجمعت فيها كل عناصر القوّة، من الروحية العالية، والإرادة الحديدية، والوعي العميق لكل خلفيات الواقع الفاسد الذي يحيط بها، لتعطي الدرس الكبير لكل الذين يتعلّلون في تبرير انحرافهم بالبيئة الفاسدة التي يعيشون فيها، فلا يملكون إلا الخضوع لضغوطها الشديدة، لتقول لهم بأنّهم لم يبلغوا في انحراف مجتمعهم ما بلغه مجتمعها الخاص والعام من خطورة الانحراف، ولم يعيشوا في قلب الإغراء كما عاشت فيه، ولكن الفرق بينها وبينهم، أنها عاشوا الانبهار بالواقع المحيط بهم، عندما استغرقوا فيه، فسقطوا في أوحاله، أمّا هي فقد ارتفعت بروحها وعقلها عنه، وحدّقت فيه تحديقة الإنسان الواعي الذي يريد أن يرى العمق الداخلي ليكتشف ما في داخله من أوساخٍ وأدران ونقاط ضعفٍ، ليتخذ موقفه من خلال وعي العمق، لا من خلال سذاجة السطح.
وبذلك استطاعت أن تتجاوز الضعف الأنثوي، لترتفع إلى درجة القوة الإنسانية الإيمانية التي تتقدم فيها على الرجال في إرادتها القوية وقرارها الحاسم، لتكون أمثولةً للرجال والنساء من المؤمنين، ليرتفعوا إلى مواقع السموّ التي بلغتها من خلال الوعي الإيماني في شخصيتها الإنسانية.
(وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا) في تعبير كنائي عن طهارتها وعفتها التي استطاعت أن تحافظ عليها من خلال قوَّتها الروحية الإيمانية، وأن تواجه قومها الذين أرادوا أن يتهموها في أخلاقها، بكل قوّةٍ وصلابةٍ وشموخٍ فلم تضعف أمامهم، فاستمدت القوّة من الله (فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا) فجعلناها وابنها آية للعالمين (وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ) التي أوحى بها إلى رسله كالتوراة والإنجيل، (وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) الذين خضعوا لله وأخلصوا له العمل، واستمروا عليه في الخط المستقيم.
وهكذا بقيت هذه الإنسانة الطاهرة مثلاً لكل الناس في الطهر والإيمان والتصديق برسالات الله، والسير على خط طاعته، لتكون النموذج الأمثل الذي يعبر عن قدرة المرأة التي تعيش القرب من الله، أن تنتصر على كل نوازع الضعف التي توحي لها بالانحراف، فتتمرد عليها بالإيمان الخالص والإرادة القويّة، ليقتدي بها الرجال والنساء، من المؤمنين والمؤمنات في كل زمان ومكان.
المصدر: كتاب مفاهيم حركية من وحي القرآن
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق