• ١٦ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٤ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

لماذا تطلب المرأة المساواة بالرجل ؟

أ.رشيدة سراج الدين

لماذا تطلب المرأة المساواة بالرجل ؟

إنني إذ أبدأ حديثي بالتكلم عن الدواعي التي دفعتني لأن أقول بمساواة بين الرجال والنساء، لا أقصد من كلمة مساواة أن أدفع بالمرأة لتكون مساوية للرجل في قوته العضلية وما ينتج عنها من أعمال فظة كالمصارعات والملاكمات وحمل الأثقال وقطع الأحطاب، فأنا لا أريدها أن تخطو هذه الخطوة المباركة وأن تتحلى بهذه الصفات التي نبارك للرجل بها ونسأل الله أن لا يحرمه إياها.
فالمرأة لا تريد ولا يمكن أن تتحلى بصفات الرجولة، فهي تحب وتفخر بأنوثتها التي لا تقل قيمة عن رجولته، فأنا إذن إذ أبحث المساواة فإنما أعني مساواة بين قيم مميزاتها وقيم مميزاته، لا بين أنواعها وكمياتها وأوزانها وحجومها، مع العلم أن اختلاف هذه المميزات في النوع لا ينتج عنه ضرورة رفع بعضها من حيث القيمة فوق بعضها الآخر.
فيما أن قيمة شيء ما تعرف بما يستطيع إنتاجه من الأعمال فإنني أريد أن أبرهن ـ متبعة هذه الطريق ـ على أن هناك حقوقاً مسلوبة تستطيع المرأة أن تتمتع بها من حيث الأعمال التي تقوم على رأس الشخص الإنساني دون عضلاته، ثم استناداً على ذلك أريد أن يفسح لها المجال وتفتح أمامها الأبواب كي تقدم من عندها كل إنتاج يتلاءم في سموه وقيمته مع هذه الحقوق التي تريدها مساوية لحقوق الرجل كي يستطيعا معاً تحقيق المثل الاجتماعية المنشودة.
فالتفاوت العظيم الذي نراه في حياتنا الاجتماعية المتأخرة بين قيمة المرأة وقيمة الرجل تفاوت اعتباري لا حقيقي فلا الرجل أشرف ولا أرقى من المرأة ولا المرأة كذلك، كما أنه لا فرق بين مقام القلب والدماغ بالنسبة لحياة البدن.
فأنا حين أعتبر هذه المساواة وهذا التعاون في القيم أمراً صحيحاً حقيقياً يجب أن يصبح واقعياً، لا أطلب للمرأة إلا ما تؤهلها له غرائزها وصفاتها العقلية والجسمية والعاطفية وأدلل على ضرورة وجودها بالأدلة الآتية:
أولاً: إن الوظيفة الطبيعية للمرأة أن تكون أماً، ووظيفتها هذه تعادل وظيفة الرجل الطبيعية كمحصل للقوت وكلكم يعلم أهمية تلك الوظيفة التي جعلتها الطبيعة في يد الأم، فهي وحدها القادرة على أن تأتي بالمعجزات السامية أو المنحطة بالنسبة لطفلها، فقد برهن على ذلك علماء النفس منكم فقالوا: إن هيكل نمو الطفل العام ولاسيما نفسيته يتحدد في الحداثة الأولى التي يكون فيها الطفل في سن الرابعة أو حولها، ففي هذه الفترة من نموه تتكون مثله التي يمكن أن نعتبرها كتصميم أساسي لحياته المستقبلية وهي ستبقى أساسية رغم ما يمكن أن تدخله عليها التربية المقبلة من تعديل قد لا يكون من الأهمية بشيء بالنسبة إليها.
ويحدثنا علماء النفس والأطباء النفسانيون أن كثيراً من الأزمات المستعصية التي يصادفونها عند بعض المصابين بالعقد النفسية، سواء أكانت عقد نقص أم تفوق إنما يرجع تاريخها إلى هذه السن المذكورة ولذلك يعمدون في معالجة هؤلاء المصابين بطريقة الرجوع بذكرياتهم إلى تلك المرحلة الخطيرة، فيتفحصونها ثم يصفون العلاج وكثيراً ما استعصى عليهم هذا العلاج. فإذا علمنا أن الوقاية من الشيء خير من علاجه، وإن هذه الوقاية من خصائص المرأة وحدها دون سواها عرفنا أهمية الدور الذي تلعبه الأم في شخصية ابنها ومستقبله وبالتالي في شخصية الأمة مستقبلها.
ولكن هل تعرف المرأة عندنا وسيلة هذه الوقاية، وهل تملك الأدوات التي تساعدها على تحقيقها؟ فالوسيلة الكبرى التي تؤهلها لهذه الوظيفة هي الانطلاق والحرية، وهذا هو أحد الحقوق المسلوبة التي تطالب بها لا لتكون رجلاً كما يدعى الرجل بل تكون امرأة بكل معنى الكلمة امرأة قيمتها الإنتاجية كقيمة الرجل الإنتاجية، وأما الأدوات التي تحتاج إليها في العلوم والثقافة الاجتماعية الواسعة والتجارب العملية في جميع نواحي الحياة وإلا فكيف يطلب منها أن تنشئ رجلاً قوي النفس والجسم والعقل وهي لا تفقه من هذه المعاني شيئاً؟ وكيف تخلق في هذا الجسم وهذا العقل وهذه النفس ميولاً صحيحة ملائمة لمحيطه ما دامت لم تتصل قط بهذا المحيط وحجزت عنه حجزاً تاماً؟
ثانياً: إن قوة المرأة العقلية وإنتاجها الفكري يعادل قوة الرجل العقلية وإنتاجه الفكري، فقد قال العلماء أن دماغ الرجل أثقل من دماغ المرأة وإن حجم جمجمته أكبر من حجم جمجمتها، وقد يمكن أن يكون هذا البحث العلمي موضع نقاش لو كان جسمه بقوة جسمها ولكن العلم عاد فأثبت أيضاً أن نسبة دماغ الرجل إلى جسمه يعادل نسبة دماغ المرأة إلى جسمها، وهذا يفسر تساويهما من القوى الفكرية المدخرة وبالتالي بالقوى الفكرية المنتجة.
وأما الفرق الذي نشاهده اليوم كثيراً في بلادنا وقليلاً في بلاد الغرب بين إنتاج المرأة والرجل هو ناتج عن بقاء هذه القوى مدخرة كلها عند نسائنا وبعضها عند نسائهم. فلدى المرأة الاستعداد ولكن هذا الاستعداد يحتاج إلى انطلاق فقط كالذي يتمتع فيه الرجل وبعد ذلك تستطيع إنتاج أجود أنواع الخدمات الاجتماعية والإنسانية التي أعتقد الرجل لغروره أنه يستطيع القيام بها لوحده فغض الطرف عنها وعن نفسه وأمته في سبيل المحافظة على هذا النوع من الكبرياء القاتل.
قد يجيبني أحدكم إن عدد النابغات من النساء قليل جداً بالنسبة لعدد النابغين من الرجال فأقول له:
ما عدد النابغين العباقرة من الرجال الذين يموتون دون أن يشعر بعبقريتهم لأنهم فقراء، سدّ الرأسماليون الأغنياء والمحتكرون والحكومات المؤازرة لهم أبواب السمو والارتقاء في وجوههم فقتلوا باستبدادهم كل ما كان ينتظر منهم من الأعمال الفكرية والعلمية والاختراعية. أن عدد هؤلاء ولاشك يزيد على عدد النابغين الذين أتيحت لهم الفرص وساعدتهم الحظوظ وفتحت أمامهم الأبواب فظهروا واشتهر فما مثل هؤلاء المساكين إلا كمثل ملايين من النساء عشن ثم متن دون أن يظهر لهن أي أثر لانتشار ذلك النظام الرأسمالي الذي أدعوه تحكماً رجالياً، تساعده على ذلك حكومات رأسمالية من الرجال أيضاً فقد احتكر الرجل العلوم العالية والأعمال العظيمة السياسية وغير السياسية واستأثر بالسلطات والحكومات والقوات فوضع القوانين لصالحه، ومنع عن المرأة تخطي عتبتها القديمة وحصرها في ذلك المستوى الفكري الفقير الذي أبقاها فيه سلفه ولذلك بقي هو دائماً ظاهراً، وبقيت هي دائماً في تأخر فهوت به وبنفسها إلى ما نحن فيه اليوم، ولكن لا زالت نفسها في تحفز. فالمرأة إذن في واقعها لا تزال متأخرة عن الرجل في إنتاجه وسيطرته ولكنها تحمل معها الكفاءة وكل الشروط الضرورية لتنادي بضرورة المساواة في الحقوق المدنية التي تعطي لكل فرد من أفراد المجتمع الواحد. وهي في تأخر أمتها تضع المسؤولية عليه، وهي في صرختها تعبر عن شعورها وتشرح أمراضها للطبيب الأول للمجتمع وهو الحكومة وهي تبحث لتكون عامل قيادة وسلام ومدنية في مجتمعها. وكل تأخير في إعطائها حقوقها يعود بالضرورة إلى تأخير في مدنية المجتمع وسلامته وقيادته.
والحق الذي أرجو أن يكون واضحاً أمام الجميع. الواعي وغير الواعي، أمام الحاكم والمحكوم، المثقف وغير المثقف، أمام المتمدن بلسانه دون قلبه والمدفوع بلسانه وقلبه هو أننا نعيش في مجتمع في التأخر نفسه والانحطاط نفسه. وإن السير والاندفاع نحو الأمام إنما يتم بسرعة وبصحة عندما تساير المرأة الرجل في ما يتمتع به من حقوق وفي ما تقوده إليه هذه الحقوق من واجبات ومسؤوليات... .
المصدر: مجلة المرأة ـ دمشق ـ العدد9 ـ كانون الأول 1947

ارسال التعليق

Top