• ٢٠ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

النماذج السيكولوجية للشخصية السياسية

النماذج السيكولوجية للشخصية السياسية

◄الصفات العامة للشخصية السياسية:

قبل التركيز على الجوانب السيكولوجية لقضية الشخصية السياسية بذاتها، نلفت الانتباه إلى المفاهيم والصفات الأساسية. وسنعرض بصورة خاصة إلى الفوارق الجوهرية بين المفاهيم الأساسية، وهي مفاهيم تتعلق بالشخصية السياسية وبالشخصية عموماً. الشخصية السياسية (من الكلمة الإنكليزية Image)، وهي صورة الزعيم السياسي المحدد والمنظمة السياسية المتكونة في الوعي العام، ولها صفات القالب (الصورة الذهنية). ويربطون الشخصية السياسية في الواقع بشخصية الزعيم السياسي قبل كل شيء. يصف الخبراء الشخصية بصورة مبسطة بعض الشيء، أي "كانطباع قوي ينشأ في عقول الناخبين عندما يفكرون بسياسي محدد". والانطباع أيضاً يعتبر نوعاً من أنواع الصورة السيكولوجية، إلا أنّ المضمون يختلف بعض الشيء. والشخصية السياسية هي أيضاً واقع "المجال الوهمي"، والمجال السياسي، كما يقال، هو الأكثر وهماً من المجالات الأخرى. وانطلاقاً من هذا الفهم للجوهر السيكولوجي للشخصية السياسية يمكن تحديد خصائصها المميزة والمهمة التي من الضروري أخذها بعين الاعتبار عند تكوينها. أوّلاً: تتكون الشخصية السياسية حتماً لتنفيذ مهمة معيّنة. ومن البديهي أن تكون هذه المهمة هي الفوز في الانتخابات، في الدرجة الأولى. ولكن، يمكن بالطبع أن تكون المهمة مغايرة، كالانضمام إلى النخبة السياسية، والمستقبل السياسي، والشهرة، .. إلخ. وينصح بعدم وضع عدة مهمات على الفور، بل العمل بمتابعة ومثابرة بدلالة الأهداف المستقبلية، التي يجب أخذها في الحسبان عند تصويب الشخصية. ثانياً: لقد أشير في الدراسات العلمية مراراً إلى أنّ الشخصية السياسية، في أكثر الحالات، يجب أن تتطابق مع التطلعات الاجتماعية للجماهير.. فنظام الآمال والتوقعات والمطالب الخاصة هو ما يعين معايير قيام الزعيم بالوظائف الاجتماعية المنوطة به، وتحقيق الآمال المعقودة عليه، ومدى اتساق عمله مع هذه المعايير. إنها نوع من أنواع العقوبات الاجتماعية التي تحدد نظام العلاقات. وتتجلى في شكلين هما: حق الجماهير في انتظار السلوك المناسب، والتزام الزعيم التصرف بما يتناسب مع الآمال الاجتماعية. والآمال الاجتماعية تتشكل على قاعدة عدم "التطابق مع ما هو مؤمَّل". وعدم التطابق هذا يمس عادة عمل الزعماء والقادة. وكلما كان عدم التطابق أكبر كانت الرغبة أقوى في اختيار زعيم آخر. وهكذا، فإنّ قُيّم نشاط الزعيم سلباً، يجب تقديم زعيم آخر يتمتع بصفات يمكنه، من خلالها، توفير النشاط الذي يلبي الرغبات (تكون هذه الصفات عادة متناقضة مع صفات الزعيم السابق). وعلى هذا النحو يجب أن تقع الشخصية السياسية في الوسط بين الآمال الاجتماعية وبين شخصية الزعيم الجديد. ومن ثمّ، يصبح من الضروري أن تتناسب صفات السياسي أو الزعيم مع الآمال الاجتماعية. لكن لابدّ من التذكر أن "تحرك" الشخصية في هذا الاتجاه أو ذاك مرتبط إما بقوة ظهور الشخصية وإما بالآمال الاجتماعية. ويؤكد الخبراء الأمريكيون أنّ المهم في الشخصية السياسية لا ما يعلن عنها فقط، بل لمصلحة من يتجه الإعلان والدعاية. لذلك لابدّ من التمتع بالقدرة على تحديد الآمال الاجتماعية بدقة. والاعتماد على الاستطلاعات الاجتماعية المتعلقة بتحديد "القيم الأساسية". إذا اتخذ السياسي أفعالاً تتناسب مع الآمال الاجتماعية للجماهير، تكون الشخصية السياسية مطابقة لهذه الآمال ومن ثم، سيكون الناخبون مستعدين للتصويت له. لكن الشخصية السياسية يجب أن تعكس آمال الفئات الاجتماعية الكبرى المستقرة، عندئذ ستكون هذه الشخصية ثابتة وجذابة. وينتج من هذا أنّه من الضروري إجراء تحريض اجتماعي – سيكولوجي دائماً "للمجال السيكولوجي" (الود، الكراهية، الآمال، الرعب، الخوف والمثل) للمدينة، أو المنطقة أو البلاد، التي ستجري فيها الانتخابات. وتمتاز الشخصية السياسية بالنموذجية (القولبة)، فهي لا تتضمن العديد من الصفات والمؤشرات أو المقاييس ولا يفترض أن تكون معقد ومتعددة الوجوه والمستويات. بل يفترض أن تكون بسيطة، معبرة، اجتماعية ومتناسبة مع التصورات الإيجابية المتكونة لدى أكثرية السكان عن الزعيم. وهذا هو الشرط المهم للقبول بها. أي أن تكون "قوية"، "إدارية" و"ذكية"، هذه هي صفات الشخصية السياسية المقدرة والنموذجية. أمّا "التعقيد" و"الإبهام" و"اللاعقلانية"، فليست من صفات الشخصية السياسية. إنّ أثر النموذجية (القولبة)، أي إلصاق الصفات المطلوبة بالزعماء السياسيين من دون أسس كافية لذلك، أي أعطاء صفة مميزة جدّاً للشخصية السياسية، ولو لم تكن كاملة هنا يقوم الناس بإكمال بناء نموذج الشخصية، التي يفضلونها، انطلاقاً من آمالهم الاجتماعية. والجدير ذكره أنّ هذا النموذج يستخدم في كثير من الأحيان في عمل العلاقات العامة السياسي. مما تقدم يمكن الإشارة إلى بعض نقاط الارتكاز في عملية تكوين الشخصية السياسية الجذابة؛ وهكذا فإنّ الشخصية السياسية يجب أن تتكون بصورة هادفة حتماً، في حين يمكن للعملية العفوية أن تجعلها لا قليلة الفاعلية فقط، بل مغايرة تماماً لما يجب أن تكونه. وأن تتضمن العديد من الصفات المقدرة لدى الشعب، وينبغي تهيئة الظروف المناسبة لإلصاق هذه الصفات بهذا السياسي أو ذاك (الناس ميالون، بوجه عام، إلى إضفاء الصفات والميزات الجيِّدة بالشخصيات المشهورة). كما ينبغي أن تتناسب مع الآمال الاجتماعية السائدة. لذلك لابدّ من معرفة البنية الاجتماعية جيِّداً (أو بالدائرة الانتخابية)ومعرفة الاهتمامات والاحتياجات والآمال الاجتماعية لدى الناس وشرائح السكان، ومصادر قلقهم والأمزجة السائدة والنماذج والأهداف الاجتماعية. إنّ هذا سيسمح "بحساب" أهم صفات الشخصية التي ستكون كافية للقبول بالسياسي كزعيم حقيقي قادر على التعامل مع المشكلات القائمة. وعلى هذه الصفات أن تصبح أساساً لنموذج (قالب) الشخصية، من حيث الجوهر، وإكمال بنائها في وعي الناس. ولكي تكون الشخصية السياسية إيجابية عليها أن تلبي حتماً بعض المتطلبات العامة وهي: المطلب الأوّل: يجب أن تتوفر في الشخصية السياسية صفات الفائز. ويجب أن يظهر هذا قبل كل شيء، في تقديرات الشخصية، في أفعالها. ويجب ربط الصفة الساطعة للمنتصر مع طبيعة النشاط الذي سبق الانتصار، إلى "الإنجاز"، "النصر". لا أنّ التذكير بالإنجازات فقط غير كافٍ لتكوين صفات المنتصر. لابدّ أيضاً من جعله بطلاً. وهنا يصبح من الممكن استخدام أساليب جعل البطل أسطورياً، وقد عرضت هذه الأساليب بالتفصيل في التحليل النفسي: 1- إنّ الأسلوب الكلاسيكي – السيناريو، أو تصميم الصفات. في الحالة الأولى ترسم السيرة الذاتية والبطولات. وفي الحالة الثانية تصمم كل المعلومات وتركز حول الصفات الآتية: "الرواية الناقصة" للشخصية ذاتها (يجب أن يكون هناك لغز ما؛ فعندما يصبح كل شيء معرفاً تسقط هالة البطولة، ومن ثمّ، يمكن العثور على عدم التطابق والتناقضات وغيرها). 2- وجود شيء ما خاص ومميزة لا يتصف به "الأشخاص العاديون" (الإدارة الفولاذية، التمسك بالمبادئ، السعي الحثيث إلى الهدف، الثقة بالذات وغيرها). عدا ذلك إليكم الطرق المفضلة: ·       "طيب لكنه صارم". ·       الإشباع الانفعالي (يجب أن تكون الصفات الشخصية ساطعة وواضحة تفوق الخيال). ·       الاعتماد على التجويف الأسطوري في الوعي العام (أي معرفة البطل الذي يريدون رؤيته). المطلب الثاني: لابدّ من أن تتمتع الشخصية السياسية بـ"صفات الأب". إنّ هذا المطلب يعد انعكاساً لأفكار فرويد بخصوص قضية الزعامة التي من الصعب تجاهلها. فحسب فرويد "الجمهور ببساطة يحتاج إلى الزعيم، كالأسرة التي تحتاج إلى أب ذي هيبة". "الأب هو الضمانة للحماية والاستقرار. ويستطيع أن يتحمل المسؤولية. ولا يسمح بالظلم. إنّه صارم، ويستطيع المعاقبة، لكنه يدافع ويحمي" إنّ منطق المحاكمات العقلية هكذا تقريباً. إنّ هذه الآمال الاجتماعية الدائمة أضحت أساساً لهذا المطلب في الشخصية. المطلب الثالث: تعددية الجوانب النموذجية للشخصية. لقد تحدثنا عن أنّ الشخصية يجب أن لا تكون معقدة، وأنّ قوتها في نموذجيتها (شكلها)؛ لكن هذه النموذجية يجب أن تكون متنوعة ومتعددة الجوانب (المواضيع)، أي أن تكون هادفة وموجهة إلى بعض الفئات الاجتماعية أو إلى البلاد كلها، ذلك لأنّ لديها قوالبها الخاصة بها. لذلك فإنّ هذا المطلب غير متناقض. ولابدّ من معرفة ما هي القوالب الثابتة والدائمة عند بعض الفئات الاجتماعية والبدء في "بناء" الشخصية على أساسها. المطلب الرابع: الانفتاح (سهولة المقابلة) لقاء المرشح. يمكن اعتبار هذا المطلب نتيجة للمطلبين الثاني والثالث. إنّ الناخبين يثقون، حسب رأيهم، بذاك الرجل القادر على حل مشكلاتهم، ولهذا الهدف يجب عليه أن يسمح بمقابلته بسهولة، أي يمكن التوجه واللجوء إليه والكتابة له والتحدث معه عن المشكلات والآمال. ونشير إلى أنّ رد الفعل من جانب المرشح يجب أن يكون أيضاً له مدلول واحد، أي، استمع، ساعد، قرر، قدم العون... لا للجميع بالطبع، بل لبعضهم؛ ويعرض هذا عادة عبر وسائل الإعلام الجماهيري على نطاق واسع جدّاً. وينظر إلى الانفتاح كعلاقة عكسية فعالة بين السكان والزعيم، والكثيرون ميالون إلى اعتبار أنّ هذا فقط هو الذي يساعد السياسي على الاستدلال الصحيح في كل حالة. إضافة إلى أنّ الناس ميالون إلى الإيمان "بأنّهم يكتبون... وتقدم المساعدة لهم، أو أنّ الكثير سيتغيّر". المطلب الخامس: المحيط. هناك عبارة دارجة: "الملك تصنعه حاشيته". إنّ المحيط عادل بكامله. كذلك في حالة تكوين الشخصية السياسية، خاصة في أثناء الحملات الانتخابية. إذا كانت الشخصيات المرموقة والمعروفة جيِّداً والتي لها مكانة اجتماعية أو تحتل مناسب رفيعة تقف إلى جانب المرشح، فإنّ الموقف الإيجابي منها ينتقل إلى المرشح نفسه. وتفعل فعلها الظاهرة النفسانية للعلاقات الشخصية، التي تقود إلى العبارة الدارجة الأخرى: "قل لي من ترافق أقل لك من أنت". إنّ السياسيين ميالون عادة إلى جذب قادة الرأي العام إلى محيطهم، كالمرجعيات الدينية والرياضيين والفنانين المشهورين. والآن ننتقل إلى المسألة التالية، المهمة جدّاً، مسألة الشخصية السياسية الفعالة، فما العوامل الرئيسة التي تؤثر أكثر من غيرها في تكوين الشخصية الإيجابية للسياسي؟ إنّ الخبراء الأمريكيين، الذين يتمتعون بخبرة وتجربة هائلتين في هذا المجال، يعتقدون أنّ الشخصية السياسية من الدرجة العالية (يستندون في هذه الحالة على ممارسة الحملات الانتخابية الرئاسية) تحددها ثلاث فئات من العوامل الأساسية: ·       شخصية المرشح. ·       الكيفية التي تقدمه بها وسائل الإعلام الجماهيري. ·       الأحداث التاريخية أو الصعوبات التي تواجه رجل السياسة في هذه الفترة من الزمن.   ونتوقف عند هذه العوامل بتفصيل أكثر: شخصية المرشح: كانت هذه المسألة تظهر في العالم العربي بوجه خاص أكثر من غيره، ومرة أخرى، بخلاف العادة، فالشعب لم يعرف عملياً شيئاً عن الصفات الشخصية لقادته ومرشحيه. فكانت هناك ببساطة صور ونماذج مقولبة (نموذجية) مثل، الزعيم، الملك، القائد، الأمير، الشيخ، الذي قدم ويقدم كل شيء في سبيل الوطن والقضية، وهو "ثابت"، طلب"، "مخلص للقضية" و... إلخ. ويكتشف هذا المواطن الحقيقة فيما بعد، حين تظهر الشخصية مناقضة تماماً لكل ما سبق. لكن الوضع قد تغير اليوم جذرياً. لقد أصبح هؤلاء معروفين، إذ لا يستطيعون الهرب من وسائل الإعلام وتقنيات الاتصال، التي ترصد كل سكنات هذا السياسي أو ذاك. والتي تمثل عين المعارضة المفتوحة وعيون المنافسين التي لا تنام. وبالنتيجة لقد أصبح واضحاً للكثيرين أنّه في أثناء الانتخابات لابدّ من الاعتماد على الصفات الشخصية، ولا سيما الأخلاقية منها، لا على الوعود والبرنامج السياسي. وإنّ الاعتماد عليها يسمح بتنبؤ موثوق بمستقبل نشاط هذه الشخصية في موقع المسؤولية بعد الانتخاب. وهكذا، فإنّ الصفات الشخصية للفرد تكتسي أهمية قصوى. ويستند الخبراء الغربيون على هذه الفكرة ويعبرون عنها بقولهم: "... عند الانتخابات الديمقراطية لرئيس الدولة، تزداد أهمية الصفات الشخصية – أي أهمية الذكاء والفطنة والبلاغة والحكمة والقدرة على المواجهة والتواصل مع المحيطين والأناقة وحسن المظهر، أي جميع عناصر الصورة التي يستحسن أن يظهر بها الإنسان". ·       ونشير إلى أنّ الناخبين يميلون إلى معرفة كل شيء عن نمط حياة السياسيين "بدءاً من نجاح السياسي في نشاطه الرياضي وانتهاء بهندام زوجته في أثناء العطل الرسمية، إضافة إلى معطيات عن أسلوب القيادة والإدارة". هذا صحيح عموماً، لأنّه في هذه الظروف فقط يتكون التصور الكامل عن شخصية السياسي. إنّ هذه المعلومات المفصلة يمكن في الحقيقة تجرح أحداً ما جرحاً مؤثراً، لنتذكر على الأقل سمعة الرئيس بيل كلينتون التي تشوهت كثيراً بعد تناول وسائل الإعلام قصة علاقته بـ"مونيكا لوينسكي". ·       وتنشأ حالة تلاعب ما، إذا يسعى الناس إلى معرفة المزيد عن الزعماء وعن الشخصيات، ولكنهم يقدمونهم بصورة بعيدة كل البعد عن الواقع. وهذا يفرض على السياسيين مزيداً من الحزم في مراقبة أقوالهم وأفعالهم وسلوكهم. ولذلك فإنّ التصور الجيِّد عن الصفات الشخصية للسياسي يساعد الناخبين لا على التفكير في أنّ كل واحد منهم يستطيع التنبؤ بعمل المرشح بعد تسلمه مهام منصبه فقط، بل يساعد على تلبية الرغبة الطبيعة في حب الإطلاع أيضاً، الأمر الذي لا يقل أهمية عن سابقه. وإنّ السياسيين في الوقت ذاته، مثل كل الناس، لديهم نقاط ضعفهم ولديهم أيضاً نواقصهم، لذلك تبدو القدرة على إسدال النقاب على هذه السلبيات، وتركيز اهتمام الناخبين على الجوانب القوية لدى السياسي وعلى كفاءاته قبل كل شيء، هي الوظيفة المهمة الأخرى لذين يعملون على بناء الشخصية (العالمين في العلاقات العامة السياسية). أي إنّ الشيء الرئيس هو القدرة على تصميم الصفات الخاصة وتقديمها. وذلك من خلال الاتصال بالسياسي والاستعانة بوسائل الإعلام الجماهيري. والمهمة التالية، التي لا تقل أهمية، هي إقامة علاقات عمل مع وسائل الإعلام الجماهيري، الأمر الذي يهيئ فرصاً مفيدة لإلقاء الضوء على عمل السياسي ونشاطه.   المصدر: كتاب الأسس السيكولوجية للعلاقات العامة

ارسال التعليق

Top