• ١٦ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٤ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

دور الوجدان في الحياة الإنسانية

دور الوجدان في الحياة الإنسانية

للوجدان دور كبير في حياة الفرد البشري. فليس الإنسان مركّباً الياً يتحرك بسبب الإثارات أو بالأحرى الحركات الخارجية، كما هو شأن كلّ جسم مادّي لا يملك الحيوية الذاتية، والاندفاع الذاتي، وليس الإنسان كذلك كائناً عقلياً صرفاً يعقل، فيتحرك بسبب رؤيته العقلية فقط، ويتصرّف بإرادة محضة لا يشاركها حبّ، ولا بغض، ولا غضب، ولا سرور.. ليس الإنسان كذلك ولا يمكن أن يكون كذلك، وأن أصرت مجموعة من الفلاسفة على أن يكون الإنسان إرادة محضة، وعقلاً محضاً، وأن ينطلق من أفعاله، وتصرّفاته من الإحساس بالواجب الأخلاقي والشعور بالإلزام فقط.

وبسبب هذا الأمر..

وبسبب أنّ للوجدان - عاطفة وانفعالاً - أثراً كبيراً في الفكر، وفي السلوك إذ يدفع نحو بعض المواقف ويمنع من بعض، يقرّر بعض الأفكار، ويحول دون بعضها الآخر، بسبب هذين الأمرين (عدم انفكاك الإنسان عن العاطفة، والانفعال، وأثرهما الكبير في الفكر، والسلوك) أكّد الإسلام في مفاهيمه الأخلاقية ومناهجه التربوية على كلّ من الميول النفسية (العواطف)، وعلى الاستجابات النفسية الثائرة من غضب، وفرح، ومن خوف، ورجاء.

- مبدآن إسلاميان للحياة الوجدانية:

وكان التأكيد الإسلامي، والعمل الذي تقوم به التربية الإسلامية، باتجاه الحياة الوجدانية للإنسان، مرتكزاً على أساسين أو مبدأين:

* المبدأ الأوّل

تكوين وجدان إسلامي خاص بالإنسان المسلم. وقد أعد الإسلام بهذا الصدد قائمة طويلة للمعاني التي يجب أن يُبنى عليها الإنسان المسلم، وتقوم على أساسه الشخصية الإسلامية والتي تتألّف من عناصر عديدة كحبّ الله تعالى، والأنس به، والاشتياق إليه والخوف منه، ورجاؤه والرضا بقضائه وقدره، وحبّ المؤمنين، وحبّ الرسالة، وبغض الكافرين، والمنحرفين، والشريرين، والسرور بالحسنة والتضايق من المعصية والانفتاح النفسي على الحياة والابتهاج بها إلى غير ذلك من المعاني الإسلامية الكثيرة في هذا المجال.. وتوجد إلى جانب ذلك عناصر سلبية في الوجدان المسلم.. كالزهد الذي يعني تفريغ الإنسان المسلم لوجدانه من حبّ الدنيا.. والخوف عليها ورجائها.

لماذا يصرّ الإسلام على تكوين وجدان خاص بالإنسان المسلم، ولا يكتفي منه بالعمل؟ إنّ السبب في هذا الإصرار من قبل الإسلام يعود إلى أمرين:

1- إنّ هدف الإسلام ليس مجموعة من التصرّفات، والمواقف، والحركات يؤدّيها الإنسان المسلم، وإنّما هو بناء الإنسان الصالح بكلّ ما يعنيه الإنسان من الفكر، والروح والوجدان. والسلوك إنّ الإسلام يهدف إلى إيجاد صيغة جديدة للإنسان تختلف عن كلّ الصيغ المعروفة للإنسان في مختلف الحضارات، صيغة كاملة شاملة.. وليست محصورة ضمن نطاق الفعل، والسلوك الاجتماعي وبهذا يختلف الإسلام عن مجموعة من أنظمة الأرض التي لا تريد سوى أن تؤكّد سلطتها وسيطرتها السياسية، والاجتماعية على الناس..

2- ينظر الإسلام إلى الشخصية الإنسانية وحدة متكاملة يؤثّر كلّ جانب منها، وكلّ جزء في الجانب الآخر، والأجزاء الأُخرى، ومن هنا فهو يرى أنّ من غير الممكن أن نؤمّن جانباً من الشخصية الإنسانية دون تأمين كافة الجوانب الأخرى، ليس من الممكن للإسلام أن يحكم السلوك الاجتماعي، والسياسي للناس دون أن يغيّر من مضمونهم العاطفي، والانفعالي، والوجداني، ودون أن يغير من مفاهيمهم الحياتية ورؤاهم الفكرية حول الكون، والحياة كما لا يمكنه أن يؤكد على جوانب الفكر، والوجدان في شخصية الإنسان المسلم دون أن يؤكّد على جانب السلوك والنظام الاجتماعي، والسلطة الزمنية.

* المبدأ الثاني

تحكيم العقل والدِّين على العاطفة، والانفعال فمهما كانت العواطف، والانفعالات رسالية، وإنسانية عامّة أو منحرفة فهي - محكومة - في شخصية الإنسان المسلم - لإرادة الله تعالى التي يعرفها العقل.

وعلى هذا فالعاطفة والانفعال - ولو كانا مبدأين - يعتبرهما الإسلام (طاقة نفسية) لابدّ منها، أمّا الجهاز الحاكم في الشخصية فليس هو العاطفة، ولا الانفعال وإنّما العقل، والإرادة، أوّلهما: يوضح الصحيح من الخطأ والحلال من الحرام في ضوء المنطق الشرعي، وثانيهما ينفذ ويقرّر عملياً ويرتكز ذلك على ما يلي:

1- إنّ ارتباط الغريزة، والعاطفة، والانفعال الذي تقتضيه هذه الدوافع ليس ارتباطاً حتمياً، وإنّما هو ارتباط اقتضائي. إذ يمكن للإنسان أن يحول بين العاطفة والانفعال وبين نتائجهما العملية.

2- إنّ مقتضى العبودية لله تعالى هو، أن ينسجم الإنسان سلوكياً مع إرادته تعالى، سواء كانت مثبتة تشريعياً على شكل إلزام، أو على شكل ترجيح، أو كانت إرادته تعالى هي ترجيح أحد الأطراف المتزاحمة من وجهة نظر المصالح، والمفاسد.

3- إنّ العواطف ولو كانت دينية - لا تقتضي دائماً الفعل الذي ينسجم مع إرادة الله تعالى، بل قد تختلف مقتضياتها مع مقتضيات الإرادة الإلهية فقد يسبُّ المؤمن - لعاطفته الدينية - الذين كفروا فيسبّوا الله تعالى، وقد ينفعل - غاضباً لله فيتعجل بموقف يعود بالضرر على الدِّين وعلى هذا أناط الإسلام (الفعل) بالتدبّر، بالعاقبة والتعقّل كما جاء في حديث عن رسول الله (ص): "إذا هممت بأمر فتدبّ عاقبته فإن يك رشداً فامضه، وأن يكن غياً فدعه".

 

المصدر: كتاب نظرات حول الإعداد الروحي 

ارسال التعليق

Top