• ٤ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

المرأة.. صاحبة دور فعّال في المجتمع المسلم

أنعام الكاظمي

المرأة.. صاحبة دور فعّال في المجتمع المسلم
كان للمرأة دور مهم منذ بداية الدعوة الإسلامية، فلم تختبئ في البيت، أو تنسحب من الحياة العامة، بل كانت مشاركة للرجل في كل شيء، بل ربما أسهمت بفاعلية في صنع الأحداث، وكانت عنصراً أساسياً فيها، كما شاركت في بناء الأُمة وقت السلم، ومجاهدة أعداء الدين عند اللزوم، إذ كانت نصيراً ومعيناً على الإيمان والإسلام، وكان لها دور مهم في ثبات الرجال على الحق والصبر على أذى المشركين. فما أحوجنا أن تفهم المرأة المسلمة دورها ومكانها بجانب الرجل في بناء صرح المجتمع، وأن تكون حياتها صفحة مفتوحة، تنهل منها جميع النساء. والمرأة المسلمة صاحبة رسالة في الحياة، ولذا يجب أن تكون اجتماعية فعالة مؤثرة، تخالط النساء وتعاملهنّ بخلق الإسلام الذي يميزها عن غيرها من النساء، وهي التي تستنير بهدي القرآن الكريم وترتوي من منهل السنة المطهرة. والمرأة المسلمة ينبغي أن تكون شخصية اجتماعية مؤهلة لتقوم بواجبها الدعوي في المجتمعات النسائية، لتوجه الأبصار والأذهان إلى هدي هذا الدين العظيم الذي سما بالمرأة وزوّدها بمكارم الأخلاق. في هذا العصر المليء بالفتن والانحرافات للمرأة المسلمة دورها الكبير في الدعوة، فهي تسير بجوار الرجل لإصلاح المجتمع بتطبيق الإسلام وتفهمه فهماً صحيحاً على أنّه دين اعتدال ليس فيه افراط ولا تفريط، تكون قدوة في سلوكها وأخلاقها بين أخواتها في دعوته بإسلوب سهل جذاب، ليس فيه تعقيد ولا تنفير. تقول الدكتورة زينب رضوان في كتابها "الإسلام وقضايا المرأة": جاءت الشريعة الإسلامية لتضع الرجل والمرأة في إطار واحد، موضحة أنّ الطبيعة البشرية في الرجل والمرأة تكاد تكون على حد سواء، وأنّ الله قد وهب النساء كما وهب الرجال، ومنح كلاً من الرجل والمرأة، المواهب التي تكفي لتحمل المسؤوليات، والتي تؤهل كلاً من العنصرين للقيام بالتصرفات الإنسانية العامة والخاصة، وكان من ثمار هذا أن مارست المرأة المسلمة في أدوار التأريخ الإسلامي الذهبية الأولى – ما كان معروفاً وجارياً من وجوه النشاط السياسي والاجتماعي والعلمي والاقتصادي والجهادي، كما مارست جميع الحريات، واستمتعت بما أبيح لها من زينة الحياة الدنيا كالرجل دون منع أو إنكار، كما تشهد على ذلك صفحات التأريخ الإسلامي.   -       بين النظرة القرآنية والإنجيلية: إذاً لم يجعل الإسلام دور المرأة في الأرض مقتصراً على إنجاب الأطفال بل كلفها بالعبادات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما كلّف الرجل. والآيات القرآنية تتوجه إلى النساء والرجال على حد سواء: (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) (غافر/ 40). وفي الحقيقة أنّ الاختلاف بين النظرة القرآنية والإنجيلية للجنس الأنثوي، يبدأ لحظة ولادة الأنثى، والإنجيل الكاثوليكي يشير بصراحة إلى أنّ ولادة الأنثى خسارة وإلى أن الذكر يحصل على منزلة خاصة. وقد جعل أحبار اليهود انجاب الذرية من الواجبات لكي يزداد النسل، إلا أنهم لا يخفوا تفضيلهم للأطفال الذكور، كما اعتبروا البنت حملاً ثقيلاً ومدعاة للعار بالنسبة للأب. وربما تقترب هذه الأفكار من نظرة العرب قبل الإسلام للمرأة وتعاملهم معها الذي أدى في بعض حالاته إلى وأد البنات ودفنهن بعد ولادتهنّ مباشرة، وقد نهى القرآن بشدة عن هذا العمل. علاوة على ذلك، لم يفرّق القرآن الكريم بين الولد والبنت، التي اعتبر ولادتها هدية ورحمة من الله تعالى كما هو الحال عند ولادة الذكر، حتى إنّ القرآن ذكر ولادة البنت أوّلاً: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ) (الشورى/ 49). ولكي يتخلص المجتمع من آثار كراهية البنت ويتجاوز تلك المظاهر البشعة من قبيل الوأد وغيره، وعد الرسول الكريم (ص) الذين رزقهم الله تعالى بالبنات بالجنة إذا ما أحسنوا تربيتهنّ. ولا ننسى أنّ القرآن الكريم أثبت حق المرأة في مجادلة رسول الله نفسه ولم يكن لأحد الحق في منعها من الكلام، كانت تتمتع بالحرية الكاملة في عرض مشاكلها والمطالبة بحقها والدفاع عن نفسها، وليس هناك في أدبيات القرآن الكريم ما يشير إلى أنّ الزوج هو المصدر الوحيد للمعلومات بالنسبة لزوجته، بل على العكس فإنّ الحديث الشريف يؤكد على أهمية طلب العلم بصرف النظر عن الجنس: "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة".   -       موروثات من العصر الجاهلي: ما زال مجتمعنا الإسلامي يعاني أمراضاً اجتماعية موروثة لا تمت إلى الإسلام بصلة بل الإسلام يتبرأ منها ويقف منها موقف المعادي والمقاوم، محاولاً اجتثاثها من نفوس أبنائه بكل ما أوتي من قوة وثبات. ومن هذه الأمراض، كراهية الأنثى أو البنت ونظرة الازدراء إلى الأنثى دون الذكر، وإذا ما وجد في المجتمع أفراد من هذا النوع فالسبب قطعاً يعود إلى البيئات الجاهلية التي يعيشون أو عاشوا فيها ونهلوا منها، عادات وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان، وهي عادات جاهلية محضة وتقاليد مجافية للإسلام وتمتد أطراف خيوطها إلى العصر الجاهلي الأوّل والذي عبر عنه القرآن الكريم أصدق تعبير: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ...) (النحل/ 58-59). والسبب في نظرة هؤلاء وعقولهم التي ورثوها من العصر الجاهلي يعود إلى ضعف الإيمان وزعزعة اليقين لكونهم لم يرضوا بما قسم الله لهم من أناث.. وعدم رضى هؤلاء أو كراهيتهم للأنثى غير مبرر شرعي أو أخلاقي. وتنتج هذه الكراهية من جهل مركب بسبب تكريس معلومات خاطئة على مرّ السنين حول دور البنت في الحياة ولكونها ربما قد تكون في يوم ما عنصر فضيحة إن شذت عن الواقع العائلي، أو قد تجلب المتاعب والمشاكل للأسرة وغير ذلك من الأوهام الخرافية العارية عن الصحة أو الحقيقة والتي تطلقها العقول المتخلفة خلقاً وديناً. والذي ينظر بإمعان إلى الواقع، يرى أنّ الإناث لا يختلفن بشيء عن الذكور، فكل يؤدي دوره الطبيعي المرسوم له في هذه الحياة لاستمرارية التناسل البشري، فلو لا الأنثى لم يكن الرجل، ولو لا وجود الرجل لم يكن من مبرر لوجود الأنثى مطلقاً.. لأنهما يتقاسمان الأدوار لبقاء النوع الإنساني وهذه سنة الله في خلقه. وقد عبر الله تعالى أصدق تعبير في هذا المجال في قوله عزّ وجلّ: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (الشورى/ 49-50). كما إنّ وجود الذكر بين أفراد الأسرة لا يعني الإمساك بطائر السعادة ولا يعني ضمان المستقبل، فليس هناك قوة في الأرض تضمن المستقبل السعيد.. إنّ مصير الأيام وتقلبات الأحوال مرهونة بالغيب والقدر المقدر ولم يكن مرهوناً بكثرة المال والولد.. ولكم من شخص حضي بالأولاد الذكور وأنفق عليهم أموالهم وأسكنهم قصوره، ولكنه عندما كبر وهرم، رموه في دار المسنين وجرّدوه من أمواله، أو رموه بالجنون كما فعل الكثير من الأبناء، وقد تكون العاقبة أدهى من ذلك وهي انهاء الإبن لحياة أبيه أحياناً ليستولي على ماله أو ملكه أو لتحقيق نزواته التي حالت دون تحقيقها إرادة الأب. وهناك العكس من الأمثلة السابقة حيث نجد أن بنات أو فتيات حققن لآبائهنّ ما عجز عن تحقيقه هو بالذات خلال مسيرة حياته من المجد والرفعة. كما أنّ هناك من النساء من كنّ مثالاً في الشرف والفضيلة... وقد أشاد بهنّ الإسلام على لسان نبيه الكريم محمد (ص)، وإذا كنا نقتدي برسول الله (ص) في اتباع سنته الشريفة نرى أنّ النبي (ص) نفسه لم ينل ولداً ذكراً يعيش بعده حتى عيرته قريش بالأبتر، أي الذي لا ولد يرثه، فردّ التنزيل عليهم بقوله تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ) (سورة الكوثر). وبالفعل كان وجود فاطمة الزهراء (ع) هو أكبر امتداد للرسول (ص) نوعاً ومنهجاً فاستطاعت هي وأبناؤها الأطهار، الحفاظ على التشريع من الانحراف وبلورة الفكر الإسلامي في أذهان الأجيال القادمة وما تضحيات أبنائها (ع) وما أصابهم من قتل وتشريد إلا خير دليل على ذلك. وبإعطاء الأمثلة السابقة يمكن أن نعيد النظر في مسألة الفتاة ومدى تصوير حبها في صفحات القلب. ونحن نتساءل: أبعد كل ذلك يوجد من يجسر على محاربة الفتاة واضطهادها. المصدر: مجلة الطاهرة/ العدد 148 لسنة 2004م

ارسال التعليق

Top