• ١٦ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٤ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

من طيِّبات الرزق

من طيِّبات الرزق
◄قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) (البقرة/ 172). لقد اهتدى العلم مؤخرً إلى الكشف عن فوائد كثيرة من الأطعمة، كان القرآن الكريم قد سبق في الإشارة إليها، والتنويه عنها، والتنبيه عليها، ومنها:   1- التمر: قال تعالى: (وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا) (النحل/ 67). ما هو التمر؟ التمر هو ثمرة النخيل، "وحتى يتم نضج هذه الثمرة، تمر بعدة أطوار، يكون أوّلها الطلع، ثمّ الخلال، ثمّ البُسْر، ثمّ الرطب، ثمّ التمر" واكتمال الشيء عند نهايته. فالتمر هو أجملها جميعاً. ويجاز أن يطلق لفظ "بلح" على تمر النخيل، "وهو "الرطب" إذا تم نضجه ولم يجف بعده، وهو التمر إذا جفف.   - الشجرة الكريمة: وصف بعض الناس النخلة بأنها شجرة كريمة. وقال الشاعر في هذا الكرم: كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعا *** تُرمى بصخر وتعطي يانع الثمر وقال "كمال الدين القاهري" من كتابه "النّبات والحيوان": "إنّ النخلة تشبه الإنسان، ومنها الذكر والأنثى، وأنها لا تثمر، إلا إذا لقحت، وإذا قطع رأسها ماتت، وهي ذات جذع منتصب كقامة الإنسان، وإذا تعرض قلبها لصدمة قوية هلكت، وإذا قطع سعفها لا تستطيع تعويضه من محله كما لا يستطيع الإنسان تعويض مفاصله، والنخلة مغطاة بالليف الشيبه بشعر الجسم من الإنسان، فهل لا تكون هذه الصفات شبيهة بصفات الإنسان"؟ ولكنها لا تحمل في قلبها شراً، ولا حقداً ولا ضغينة، ولا تعطي إلا الخير. "وسئل عربي من القدماء ذات يوم عن ثمار بلاده فقال: التمر، وسئل ثمّ ماذا؟ فأجاب: التمر ثمّ التمر!! ولما أبدى السائل دهشته قال: إننا نستظل بالنخيل من وهج الشمس، ونأكل من تمرها، ونعلف ما شيتنا بنواها، ونعلن عن أفراحنا بسعفها، ونتخذ من عصير تمرها عسلاً، ونصنع الأسرة والأبسطة من جريدها وخوصها، وأعمدة لبيوتنا، ووقوداً لأفراننا".   - التمر في التاريخ: "لقد دلت الحفريات التي أجريت في مقابر الفراعنة، على شدة تقديرهم للبلح، حتى نقشوه على جدران معابدهم، وأشادوا بفوائده غضا وجافا وتمرا، وفي كثير من الأديرة القبطية كتابات ومذكرات تدل على مدى ما كان للتمر من قيمة غذائية بالنسبة للقساوسة والرهبان، ولعل ذلك يرجع إلى أنّه كان طعام السيدة "مريم" العذراء أيام حملها بالسيد المسيح (ع)". "وفي تاريخ العرب وقصص حياتهم وحروبهم، دور كبير للتمر كغذاء رئيس من أغذيتهم بصورة تفسر لنا كيف استطاعوا أن يجدوا القدرة على أن يقاتلوا الدول والجيوش، ويفتحوا البلاد والأمصار، وليس في بطونهم سوى بضع تمرات، وقد عثر على نوى البلح بمصر، من العصر الحجري". "والعرب قديماً كانوا يحملون تمورهم معهم أينما ذهبوا، في التجارة والرعى والحرب، وكانوا يزرعون أشجار النخيل في كل مكان يقيمون فيه".   - التمر في القرآن والسنة: أ- في القرآن الكريم: ذكر القرآن الكريم لفظة النخل والنخيل والنخلة عشرين مرة، والنخل والنخيل والنخلة: هي الشجرة التي تثمر التمر. قال تعالى: (وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ) (يس/ 34). وقال تعالى: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا) (مريم/ 25-26). وقال تعالى: (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ) (النحل/ 11). وقال تعالى: (وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ) (الرعد/ 4). وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ) (الأنعام/ 141). وقال تعالى: (وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا) (النحل/ 67). وغير ذلك من الآيات البينات، ولم يأت ذكر القرآن الكريم للنخل هباءً، ولكن لما لثمره من فوائد عديدة كغذاء ودواء. ب- في السنة المباركة: وكان للتمر نصيب في السنة المباركة أيضاً، فعن سليمان بن عامر الضّبّي الصحابي (رض) عن النبي (ص) قال: "إذا أفطر أحدكم، فليفطر على تمر، فإن لم يجد على ماء، فإنّه طهور"، (رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح). وعن أنس (رض) قال: كان رسول الله (ص) يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتميرات، فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من ماء"، (رواه أبو داود والترمذي وقال حديثُ حسن). "وثبت في الصحيح: أن أبا الهيثم بن التيهان لما ضافه النبي (ص) وأبو بكر وعمر جاءهم بعذق – وهو من النخلة كالعنقود من العنب – فقال له: هلا انتقيت لنا من رطبه؟. فقال: أحببت أن تنتقوا من بُسْره ورطبه"، (صحيح مسلم بشرح النووي 4- 721) وثبت عنه أنّه قال: "بيت لا تمر فيه جياع أهله" (رواه أحمد ومسلم في صحيحه، وأبو داود والترمذي وابن ماجة. كلهم في الأطعمة عن عائشة). "وروى أبو داود والترمذي عن النبي (ص): أنّه كان يأكل البطيخ بالرطب، يقول: "يدفع حر هذا برد هذا" (أخرجه النسائي مختصراً ومرسلا، وقال الترمذي: حسن غريب).   - أنواعه: "قال قدماء أطباء العرب في التمر: كثير الأنواع، حتى أنّه يزيد على خمسين صنفاً، وأجوده العراقي رقيق القشرة، كثير الشحم، حلو النضيج، ألذي إذا مضغ كان كالكعك – اللبان – وأكثر ما ينشأ بالبلاد الحارة اليابسة التي يغلب عليها الرمل، كالمدينة المنورة والعراق وأطراف مصر". "وأهم أنواع التمور: البرحي، والصفاوي، والربيعة، والحلوة، والسكري، وأبو سيف، الروثانة، والسويدة، والبري، والشلبي، والبيض، والخلاص، الرزيزا، والشيش، والخنيزي، والشبيبي، والمكتوم، والشقراء، ثم أم الخشب، وأم الحمام، والصفاوي، والبري، والعجوة". ومعظم هذه الأنواع في المملكة العربية السعودية وتمتاز المدينة المنورة بنوعين جيدين هما: العنبرة، والشلبي.   - مكونات التمر ومحتوياته: "يحتوي التمر على مواد سكرية تبلغ نسبتها 7%، ومن هذه المواد السكرية سكر العنب وسكر الفواكه وسكر القصب". ويحتوي البلح على نسبة من السكر تتراوح بين (20-30%). والتمر أفضل من البلح، إذ يتركّز فيه السكر حتى يصل إلى حوالي (70-80%) ولذلك فهو أفضل الفواكه من الناحية الغذائية لقيمته، وإن كان ينقصه فيتامين (ج)". "وقد أطلق عليه بعض العلماء "المنجم" لأنّه غني بالمعادن المختلفة، وكذلك يحتوي على نسب عالية من الفيتامينات، وهناك حقيقة علمية تقول إنّ التمور لا تنقل الجراثيم المرضية". والمعادن التي يحتوي عليها التمر كثيرة وهامة منها: "البوتاسيوم والصوديوم، والكالسيوم، والمغنسيوم، والفسفور" (3% من المواد الدهنية) ويحتوي على نسبة عالية من الأملاح المعدنية القلوية، ولهذا فهو من الأدوية المعادلة لحموضة الدم، كما يحتوي على نسبة عالية من الفسفور"، "ويحتوى على فيتامين (أ)، (ب1)، (ب2). "ويحتوي على نسبة من البروتينات، كما يحتوي على ألياف سيلولوزية، ويقول الدكتور "عز الدين فراج" عن القيمة الغذائية للبلح إنّه: "يحتوي على نسبة عالية من المركبات النشوية والسكرية المولدة للحرارة والنشاط والقدرة على الحركة والعمل، فكل كيلوجرام من البلح الطازج يعطى 1750 سعراً حرارياً، ويعطى الكيلوجرام من البلح الجاف 3500 سعر حراري، وهذا يعنى أنّ الكيلوجرام الواحد من التمر يعطي نفس القيمة الحرارية التي يعطيها الكيلوجرام من اللحم، كما يحتوى على مقادير معتدلة من الحديد والتي تدخل في تكوين الدم ومركبات الجير التي تدخل في تكوين العظام والأسنان".   - قيمة التمر الغذائية: يقول الدكتور محمد محمد هاشم: "إنّ البلح هذه الفاكهة الصحراوية الممتازة، لهو الغذاء الرئيسي الذي يتناوله سكان الصحراء، وله الفضل في منحهم القوة والرشاقة والطول والمناعة ضد الأمراض، وذلك لأنّه يعتبر غذاء كاملاً بكل ما في الكلمة من معنى، وللبلح قيمة غذائي مرتفعة لا تقل عن اللحوم، إذ البلح يحوي ميزاتها كلها ولكنه ليس له شيء من أضرارها التي قد تحدث نتيجة للإكثار منها، ولذلك كان البلح فاكهة غذائية مفيدة وطعاماً شعبياً هاماً، وهو كذلك دواء صالح للأمراض، نافع لكثير من العلل". كما يؤكد هذا الأستاذ عبدالرزاق نوفل بقوله: "لقد أثبتت الدراسات العلمية والفحوص العملية والتحاليل الكيماوية أنّ للبلح قيمة غذائية تماثل قيمة اللحوم ولكنه ليس له شيء من أضرارها، وأنّه أفضل الفاكهة من هذه الناحية، إذ يحتوي على العناصر اللازمة، وكذلك على الفيتامينات، فهو غذاء صحي".     - أثر التمر على الصحة الجسدية: البلح يحتوي على البروتينات، التي تركز أهميتها في أنها تقوم بعملية البناء، فهي تبني خلايا الجسم، وتجدد ما يبلي منها. كما يحتوي على نسبة عالية من السكريات، وهذه معظمها من سكر العنب وسكر الفواكه، وهي سريعة الامتصاص، سريعة التمثيل، لا تحتاج إلى عمليات هضم، ولا عمليات كيمائية معقدة، مثل الدهون ولذا فالتمر أفضل الأغذية التي تمد الجسم بالطاقة التي تبعث النشاط في خلايا الجسم. "ويحتوي التمر على معادن كثيرة هامة، وهذه المعادن لها أهيمتها فيما يتعلق بالعمليات الكيماوية في جسم الإنسان وتدخل في تركيب أنسجته، ونقص إحداها يكون له أثر ضار على الجسم، فمثلاً الفسفور: كل 100 جرام من التمر يحتوي على 40 مليجرام من الفسفور، بينما لا تزيد كمية الفسفور الموجودة في فاكهة ما، عن 20 مليجرام من نفس الكمية، والفسفور يدخل في تركيب العظام والأسنان، وهو الغذاء للحجيرات النبيلة للإنسان وهي حجيرات التفكير والتناسل". والبلح "يحتوي على فيتامين (أ) وهو موجود بنسبة عالية تعادل نسبته في أعظم مصادره – أي تعادل نسبته في زيت السمك وفي الزبدة، ومن فوائده أنّه يحفظ رطوبة العين وبريقها ويقوي الأعصاب البصرية ويساعد على النمو والرشاقة ويجعل البصر نافذاً في الليل والنهار". ويضيف إلى ذلك الدكتور محمد محمد هاشم قوله: "إنّ البلح يحتوي على فيتامين (أ) ولذلك فهو يحفظ رطوبة العين وبريقها، ويمنع جفاف الملتحمة والعشى الليلي وجفاف الجلد، ويفيد البلح الشيوخ الذين بدأوا يعانون من قلة السمع أو ضعف الأعصاب السمعية". والبلح يحتوي على فيتامين ب1، ب2، وهذه الفيتامينات تساعد على تقوية الأعصاب وتلين الأوعية الدموية، كما أنّ الألياف السيلولوزية التي يحتويها البلح تساعد على تنشيط حركة الأمعاء ومرونتها ويستطيع من اعتاد تناولها أن ينجو من حالات الإمساك المزمن". وللبلح أهمية خاصة لتكوين جسم الأطفال – وخاصة العظام – لما يحتويه من فسفور، وهو في البلح ذو نسبة عالية، ويحافظ على النمو الطبيعي لعظامهم.   - أثر التمر على الصحة النفسية: يقول الأستاذ "عبدالرزاق نوفل": "إنّ الدراسات العلمية قد أثبتت أنّ البلح يضفي السكينة والهدوء على النفوس القلقة والمضطربة". ويؤكد الدكتور "محمد محمد هاشم" على هذا بقوله: "وهناك صفة نفسية هامة للتمر، فهو يضفي السكينة والدعة على النفوس القلقة، المضطربة، وكذلك المزاج العصبي، الناجم عن نشاط الغدة الدرقية الرابضة في مقدم العنق، والذي يؤدي إلى ازدياد إفرازاتها. وقد عرف أخيراً أنّ بعض النباتات والثمار لها خاصية الحد من نشاط الغدة الدرقية، نذكر منها الجزر والسبانخ واللوز والمشمش، وفي طليعة هذه النباتات التمر". ثمّ يستمر قائلاً: لذلك فإننا ننصح بإعطاء كل طفل ثائر عصبي المزاج بضع تمرات في صباح كل يوم لتضفي السكينة والهدوء على نفسه، فتحد من تصرفاته واضطرابه.. بل إني أنصح كل إنسان لا يستسيغ تناول الإفطار أن يأخذ بضع تمرات مع كوب من اللبن أو الحليب صباح كل يوم فتزوده بالوقود اللازمة لفكره وجسده طول النهار، بخلاف تهدئة أعصابه".   - أثر التمر على الصحة العقلية والجنسية: "التمر غني بالفسفور، وهو الغذاء المفضل للحجيرات النبيلة في جسم الإنسان، وهي حجيرات الدماغ – أي التفكير – والتناسل. ولذا كان للتمر أهمية كبرى في تعويض ما يفقده أرباب الفكر والقلم، وما يصيب الشباب من انهاك تناسلي عندما يندفعون وراء شهواتهم". ويؤكد الأستاذ نوفل تلك المعلومة بقوله: "لاحتواء التمر على الفسفور فإنّه يقوي العظام، ويرفع معدلات التفكير". ولهذا ينصح العلماء والأطباء المفكرين بجعله في طعامهم للمحافظة على معدلات التفكير وحتى لا يصاب العقل بالإجهاد المبكر.   - الأثر العلاجي والوقائي للتمر: "يثبت التاريخ القديم أنّ البابليين والآشوريين قد أدخلوا التمر في بعض الوصفات الطبية كاستخدام نوع من أنواع التمر يسمى "تلمون" لعلاج البثور والقروح على شكل لصقة، ويوصف ماء التمر مع ماء الورد لآلام المعدة وعسر البول على أن يمزج مع الحليب. كذلك وصف مسحوق النوى وماء الورد لمداواة العيون". ويؤكّد الدكتور عزّ الدين فراج على أنّ البلح يعتبر من الفواكه التي تحتوي على قدر كبير وملحوظ من الفيتامين الواقي من مرض البلاجرا. – والبلاجرا كلمتان إيطاليتان معناهما "الجلد الخشن"، بسبب ما يحدثه نقص هذا الفيتامين من خشونة الجلد في المواضع العارية – وأعراض هذا المرض غير منتشرة في المناطق التي تأكل البلح أو التمر بكثرة"، "ويعتقد العلماء أنّ وجود الأملاح المعدنية القلوية في التمر تسبب تعادل حموضة الدم المتأتية عن تناول النشويات بكثرة، والمعروف أنّ حموضة الدم هي السبب في عدد غير قليل من الأمراض العائلية الوراثية كحصيات الكلى والمرارة، والنقرس، وارتفاع ضغط الدم والبواسير وغيرها" ويضيف الدكتور "سمير شفيق محمد" انّ ما سبق قوله: "إذن الأبحاث أثبتت أنّ البلح يفيد في وقاية الجسم من أمراض العيون وضعف البصر. كما أنّه علاج للأمراض الجلدية، وأمراض الأنيميا ولين العظام. وأنّ التمر يحتوي على كمية من الألياف السيلولوزية التي تساعد الكتلة الغذائية على مرورها بسهولة من الأمعاء فتسهل عملية الهضم وبذلك يعتبر التمر مليناً طبيعياً. والبلح الطازج يحتوي على نخبة ممتازة من الفيتامينات فهو يحوي 165 وحدة من فيتامين (أ)، و72 وحدة من الثيامين، 45 وحدة من الريبو فلافين، علاوة على 2.18 مليجرام من اليناسين لكل مائة جرام من البلح. وهذه جميعاً تدفع عن الجسم غائلة الأمراض.. كما أنّ البلح المجفف – التمر – غنى بقيمته الغذائية، فالكيلوجرام منه يعطي الجسم حرارة غذائية قد تصل إلى 3480 سعراً، وهي طاقة تمكن الإنسان من أداء عمله أربعاً وعشرين ساعة إذا اعتمد على البلح وحده". كما أن منقوع البلح المجفف – التمر – مفيد في الإنفلونزا والتهاب القصبة الهوائية، والحنجرة والنزلات الصدرية الخفيفة. ويقال إن تعاطي مسحوق نواة البلح، بعد تجفيفها، سحقها – سحقا ناعماً – وبمعدل أربعة (جرامات) يومياً، يحرك شهوة الطعام عند المرضى بأمراض صدرية، ويخفف الإسهال والعرق". ويقول الطبيب العربي البارع ابن قيم الجوزية: "وهو أكثر الثمار تغذية للبدن بما فيه من الجوهر الحار الرطب، وأكله على الريق يقتل الدود، فإنّه مع حرارته – فيه قوة ترياقية، فإذا أديم استعماله على الريق جفف مادة الدود وأضعفه وقلله أو قتله، كما أنّه مقوٍّ للكبد ملين للطبع، يزيد في الباه ولاسيما مع حب الصنوبر". مع العلم أنّ البلح "يفيد في حالات إضطراب المجاري البولية ويدر البول ويساعد الجهاز الهضمي وينبه حركته، ويسبب في الأمعاء لينا لطرد البقايا الغذائية فيزيل الإمساك. وإذا ما أكل قبل نضجه فإنّه يوقف الإسهال ويسبب الإمساك، ويستعمل مغليا في الالتهابات ويوقف النزيف الدموي الذي يتسبب عن البواسير والتهاب اللثة".   - الرطب وأثره في الحمل والولادات والرضاعة: الرطب هو مرحلة النضج – أو الطور الأخير في مرحلة النضج قبل أن يجف التمر. قال الدكتور "محمد محمد هاشم": "وتبين من البحوث التي أجريت أنّ البلح منبه لحركة الرحم وزيادة قوة انقباضاته، أي أنّه يقوي العضلات الرحمية والانقباضات العضلية في الحمل المتقدم فقط، مما قد يجعله مساعداً للوضع أثناء الولادة". "والرطب غني جدّاً بعنصري الحديد والكالسيوم، ولذلك فضله الله سبحانه وتعالى للنفساء، وأمر السيدة العذراء مريم أن تتناوله في فترة النفاس. وكمية عنصري الحديد والكالسيوم الموجودة بالرطب كافية جدّاً وهامة لتكوين لبن الرضاعة وتعويض الأم عما ينقص منها بسبب الولادة أو بسبب الرضاعة، والحديد والكالسيوم أيضاً عنصران حيويان هامان في نمو الطفل الرضيع، حيث يعتبران من أهم العناصر الداخلة في تكوين الدم ونخاع العظام. وقال الأستاذ عبدالرزاق نوفل: "وقد قرر العلم أخيراً أنّ بالرطب هرموناً اسموه "البيتوسين" يقوي العضلات الرحمية، وينظم الإنضباطات العضلية، ومن عجب أنّ هذا الهرمون – البيتوسين – يقوم بعمل وعكسه في آن واحد، طبقاً لحاجة الجسم، فهو يزيد من الطلق في الحوال عند الولادة إذا كان الطلق بارداً، ويقلل منه إذا كان حامياً أكثر مما يجب، فهو ينظم الطلق ويجعله متوازناً مع درجات اكتمال الحمل وساعات الولادة، فهو أكبر مساعد دوائي للوضع، ويتداول هذا الهرمون طبياً الآن بعد استخلاصه من الرطب فعلاً. كما وجد أنّ لهذا الهرمون خاصية منع النزيف عقب الولادة، ووقاية السيدة من أمراض الولادة وعلى رأسها حمى النفاس. هكذا تقرر الآية الكريمة (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا)، أنّ مريم سيساعدها هرمون الرطب، وستكون هادئة النفس مستقرة الخاطرة.   - الحكمة النبوية في الإفطار على تمر: يقول ابن قيم الجوزية: "وفي فطر النبي (ص) من الصوم على التمر تدبير لطيف جدّاً، فإنّ الصوم يخلى المعدة من الغذاء، فلا تجد الكبد فيها ما تجذبه وترسله إلى القوى والأعضاء، والحلو أسرع شيء وصولاً إلى الكبد، وأحبه إليها ولا سيما إذا كان رطباً فيشتد قبولها له فتنتفع به هي والقوى". - التمر يحتوي على نسبة عالية من السكريات قد تصل إلى 78% في بعض الأنواع، والسكريات عبارة عن سكر العنب والفواكه، والمعروف علمياً أنّ هذه المواد السكرية سريعة الامتصاص، سريعة التمثيل الغذائي، ولا تحتاج إلى عمليات هضم معقدة لتتحول إلى مواد أخرى – دكسترين – ثمّ مواد سكرية قابلة الإمتصاص كما يحدث في هضم النشويات. - ولهذا فالمواد السكرية تمتص بسرعة وتعوض الجسم عن نقص السكر في الدم أثناء الصوم، وتزيل الأعراض الناتجة عن نقص السكر في الدم مثل: * عدم القدرة على الحركة المثلى والشعور بالضعف والكسل. * زوغان البصر وعدم القدرة على التفكير والتركيز. مع العلم أنّ الصائم يشعر بالشبع بعد أخذ المواد السكرية بفترة. - وهنا تظهر الحكمة النبوية الشريفة في البدء بتعاطي مادة سكرية كالتمر، ثمّ يقوم المسلم بعدها إلى الصلاة، وعندما ينتهي منها يتناول طعاماً خفيفاً يسد جوعه، ويفي بحاجة جسمه من الغذاء، دون شعور بالتخمة أو الإمتلاء، وهذا النمط من الإفطار له فوائد منها: أ- أنّ المعدة لا ترهق بما يقدم إليها من غذاء دسم وفير، بعد أن كانت هاجعة نائمة طول ثماني عشرة ساعة تقريباً، بل تبدأ عملها بالتدريج من هضم التمر السهل الإمتصاص، ثمّ بعد نصف ساعة يقدم إليها الإفطار المعتاد. ب- أن تناول التمر أوّلاً يحدّ من جشع الصائم فلا يقبل على الأكل بعجلة دون مضغ أو تذوق. جـ- هضم المواد السكرية في التمر يتم خلال نصف ساعة فإذا بالدم يترع بالوقود السكري الذي يزود أنحاء الجسم بالطاقة ويبعث في خلاياه النشاط فيزول الإحساس بالدوخة والتعب سريعاً. - ولو اتّبع الصائمون هذه السنة النبوية، لتخلوا عن الكثير من العادت غير الصحيحة في الإفطار – الفطور – والتي تسبب فوضى الطعام حين تناوله، فيملأون بطونهم ويصابون بالتخمة ويحدث في أعقاب الفطور ضيق في التنفس، وسرعة في ضربات القلب نتيجة لضغط المعدة الممتلئة على الحجاب الحاجز والقلب. - علاوة على الإصابة بعسر الهضم واضطرابات معدية، ويركنون إلى الكسل والدعة، وتكثر الغازات المعدية والمعوية، ويكثر التّجشؤ – التكرع – وبعد ذلك يلقى الصائمون التبعة على الصيام ويتهمونه، وهم في الحقيقة المتهمون. - فلو اتبع الصائمون سنة المصطفى (ص)، ما تعبوا، ولو اتبعوا أوامر الدستور السماوي الأسمى، القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف/ 31)، لجنوا أسمى الثمار من الصيام وتحقق له قوله تعالى: (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) (البقرة/ 184).   - مراجع موضوع التمر: * مختار الصحاح. * المجلة العربية العدد 94 إستطلاع للأستاذ محمد مبارك. * منهاج الصالحين – للأستاذ عزالدين بوليق. * الطب النبوي ابن قيم الجوزية. تعليق د. عبدالمعطى أمين قلعجي. * الأدوية والقرآن الكريم. د. محمد محمد هاشم. * مجلة الوعي الإسلامي العدد 225 مقال للأستاذ الدكتور هشام الخطيب. * القرآن دواء فيه وقاية وفيه شفاء للأستاذ عبدالرزاق نوفل. * الإعجاز الطبي في القرآن الكريم. د. السيد الجميلي. * جريدة الأهرام الصادرة في يوم الجمعة 7/6/1985 مقال للأستاذ تهاني حافظ. * لماذا حرم الله هذه الأشياء. د. محمد كمال عبدالعزيز. * المعجم المفهرس للألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبدالباقي. * الغذاء على ضوء العلم الحديث. طاهر حسن درّه.   المصدر: مجلة هدي الإسلام/ العددان الأوّل والثاني لسنة 1956م

ارسال التعليق

Top