• ٢٤ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

واجب الإصلاح بين المؤمنين

العلامة الراحل السيد محمّد حسين فضل الله

واجب الإصلاح بين المؤمنين

◄(وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات/ 9-10).

 

معاني المفردات:

(بَغَتْ): البغي: الظلم والتعدي بغير حق.

(تَفيءَ): ترجع.

(وَأقْسِطُوا): اعدلوا.

 

واجب الإصلاح بين المؤمنين:

للمجتمع الإسلامي أخلاقيات تحكم علاقات الناس فيه، هدفها المحافظة على وحدته وسلامته، ومنها الإصلاح في ما يتنازع فيه الناس ويتقاتلون عليه، والوقوف ضد الباغي عندما يتمرد البعض فيه على الآخرين، والحكم بينهم بالعدل في مجال الصلح والحسم، واعتبار الأُخوَّة علاقة أساسية بين المؤمنين، بحيث يتحملون مسؤولية الإصلاح على خط التقوى الذي يشمل كلّ أوضاعهم وعلاقاتهم.

(وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) كما يفعل الناس عادة جرّاء خلافهم حول القضايا الخاصة أو قضايا المال أو الرأي أو العرض أو العصبية أو نحو ذلك، عندما يدخل الشيطان بينهم ويثير العداوة والبغضاء ويؤدِّي بهم ذلك إلى حمل السلاح ضد بعضهم البعض، (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) بالوسائل التي تملكون تحريكها في جمع الشمل ولمّ الشعت وتأليف القلوب وتقريب المواقف أو توحيدها، وقد وضع الإسلام الإصلاح بين المؤمنين في مرتبة عليا تتقدم على المستحب من الصلاة والصيام، وقد بلغ الاهتمام به حدّاً  كبيراً بحيث أجاز للمصلحين الكذب إذا توقف الإصلاح عليه.

(فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى) وامتدّت بالعدوان، فلم تقبل بالصلح ولم ترجع إلى ما تملكه من مواقع الحق (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) من الوقوف عند الحق أو القبول بالصلح، لأن إبقاء الأمور معلّقة في المجتمع، وعدم اللجوء إلى ما يلغي الخلافات من موقف حاسم تتخذه القوّة الاجتماعية على مستوى القيادة أو القاعدة، قد يهدِّم قواعد المجتمع، ويدفع به إلى الانهيار، ويجعل الإسلام في موقع الخطر. وهذا ما جعل الأمر بالقتال موجهاً إلى أفراد المجتمع كله على نحو الوجوب الكفائي الذي إذا قام به البعض سقط عن الكل، وإذا تركوه أثِموا جميعاً

(فَإِنْ فَاءَت) ورجعت الطائفة المعتدية إلى أمر الله، (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ) وذلك بالرجوع إلى الأحكام الشرعية المجعولة في موارد الخلاف (وَأَقْسِطُوا) بينهما ليأخذ كلّ فريقٍ منهما ما يملكه من حق، أو ما يفرضه الصلح في ما يتراضيان به، (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الحجرات/ 9)، الذين يعملون على أساس تحقيق التوازن بين أفراد المجتمع، وإرجاع القضايا إلى نصابها الطبيعي، وإعطاء كلّ شخص ما يستحقه، لأن ذلك هو ما يجعل الناس خاضعين لأوامر الله ونواهيه، وهو ما يمنحهم محبته ورضوانه ويقربهم إليه.

 

إنما المؤمنون إخوة:

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) فقد جعل الله الإيمان من أسس الأخوّة، تدخل في إطاره الحقوق التي فرضها للأخ عن أخيه، فإنّ الإيمان لحمةٌ  كلحمة النسب، وقد كثرت الأحاديث التي تؤكد على أنّ "المؤمن أخو المؤمن عينه ودليله، لا يخونه ولا يظلمه ولا يغشه، ولا يعده عدةً فيخلفه"، وأنّ "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يغشه ولا يخذله ولا يغتابه ولا يخونه ولا يحرمه".

والمراد بالمؤمن في كلّ موارد القرآن، المسلم الذي عاش الإيمان عقيدةً في قلبه والتزم بالإسلام في حياته، مما يجعل الوحدة بين المسلمين تترسخ عبر الأخوّة الإسلامية الإيمانية التي جعلها الله قاعدةً للعلاقة فيما بينهم.

وإذا كان المؤمنون إخوة، فإنّ النداء الإلهي يتوجه إليهم جميعاً ليصلحوا (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) باعتبار أنّ الإصلاح من حقوق المؤمنين على بعضهم البعض، ومسؤوليتهم في الحياة الاجتماعية الإسلامية، التي يعتبر الجميع معنيين بتوازنها وتماسكها واستقامتها في خط الصلاح والإصلاح والوحدة، (وَاتَّقُوا اللَّهَ) في كلّ أموركم وعلى مستوى العلاقات كي لا تختلفوا بالباطل، وفي خلافاتكم لتحلّوها على قاعدة التقوى المرتكزة على شريعة الله في ما جعله الله من الحقوق في الحياة العامة والخاصة للناس، (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) لأنّ الله جعل رحمته للمتقين والملتزمين بالسير على خط رضاه، ولمن يلتزمون شريعته في أوضاعهم الفردية والاجتماعية، لأن ذلك سبيل الوصول إلى النتائج الإيجابية على مستوى السلامة العامة للحياة، الأمر الذي يربط الناس بالإسلام من خلال الرحمة الإلهية في شريعته، واللطف الإلهي في رحمته ورضوانه. ►

 

المصدر: كتاب تفسير من وحي القرآن/ ج (21)

ارسال التعليق

Top