• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أبناؤنا.. محبة ومسؤولية

أبناؤنا.. محبة ومسؤولية

يقول الله سبحانه تعالى في محكم كتابه:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم/ 6).

لقد حثّ الله تعالى ورسوله (ص) على الزواج والإنجاب لأنّ هذا يشكِّل ضمانةً واستمراريّة للبشريّة. وقد ورد أنّه من سعادة المرء أن يكون له ولد صالح يبقى بعده، يفي عنه الدين ويقضي عنه الصلاة والحجّ، ويهدي إليه ثواب الأعمال.

فالولدُ الصالح هو ضمانة للمرء بعد موته. فالمسؤولية تجاه الأولاد كبيرة على صعيد الدنيا والآخرة، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ). فالإنسان مسؤول عن دنيا أولاده وآخرتهم.

 

حبّ الأطفال أفضل الأعمال:

لقد أكّد الإسلام على قواميّة الحبّ في العلاقة بين الأهل والأولاد بحيث يبرز الوالدان المودّة والرحمة نحو أبنائهما، إلى حدّ التصابي، فقد ورد عن النبيّ (ص): "من كان له صبي فَلْيَتصابَ له".

وفي الحديث: "قال موسى به عمران (ع): يا ربّ، أيّ الأعمال أفضل عندك؟ فقال: حبّ الأطفال". مع أنّ هذا شيء فطريّ لكنّ الله تعالى يصبغه بصبغة دينيّة، ويُعطي عليه أجراً، وهذا من كرم الله عزّ وجلّ.

وروي أيضاً أنّ النبي (ص) كان يقبّل الحسن والحسين (عليهما السلام)، فاستغرب أحدُ الأشخاص تصرُّف النبيّ قائلاً: إنّ لي عشرة أبناء ما قبَّلتُ واحداً منهم قَطّ. فغضب الرسول (ص) حتى التمع (تغيَّر) لونُه، وقال للرجل: "إن كان الله قد نزع الرحمة من قلبك فما أصنع بك؟ من لم يرحم صغيرنا ويعزِّز كبيرنا ليس منّا". هذا هو دينُنا دين الرحمة بالصغار، والتكريم وتقدير الكبار.

وعن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: دخلت على النبيّ (ع) والحسن والحسين (ع) على ظهره، وهو يجثو لهما ويقول: "نِعمَ الجملُ جملكما، ونِعمَ العِدلانِ أنتما!". وقد تكرّرت هذه الحادثة أمام الصحابة الآخرين، فقال أحد الصحابة: رأيتُ الحسن والحسين (عليهما السلام) على عاتقي رسول الله (ص)، فقلت: نعمَ الفرس لكما! فقال رسول الله (ص): "ونِعمَ الفارسان هما".

 

عدم التمييز بين الأبناء والبنات:

كانت فكرة وأد البنات منتشرة قبل الإسلام، وكان وجه الجاهليّ يسودّ إذا بُشِّر بالأنثى، يقول تعالى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) (النحل/ 58-59). فأتى الإسلام وحرَّم هذا الأمر، وأظهر حقوقاً للمرأة طالما كانت محرومة منها، ودعا إلى احترامها كأمّ وأخت وبنت، فعن الرسول (ص): "لا تكْرَهوا البنات، إنّهنَّ المؤنسات الغاليات". والتجربة تقول إنّه عندما يكبر الوالدان غالباً ما تكون الفتيات أكثر عطفاً واهتماماً وبرّاً بهما. وفي الحديث عن الرسول (ص): "من وُلدت له ابنة فلم يؤذها ولم يُهنها ولم يُؤثر ولده عليها أدخله الله بها الجنّة". وعنه (ص): "نِعمَ الوِلدُ البنات المخدّرات! من كان عنده واحدة جعلها الله له ستراً من النار". وعن الإمام الصادق (ع): "البنات حسنات، والبنون نعمة، فالحسنات يُثاب عليها، والنِّعَم مسؤول عنها".

 

مسؤولية التربية والعناية:

ومن الأمور الهامّة مسؤولية تربية الأولاد وتعليمهم وإصلاح اعوجاجهم إذا اعوجُّوا، وذلك بمحادثتهم وإقناعهم وليس بالضرب، بل بالإفهام، وكذلك بالقدوة الحسنة؛ أي أن يكون الأب والأُمّ قدوة في البيت، فيتأثّر الولد بسلوك أهله وعاداتهم، وكذلك بأخذ الأولاد إلى المساجد وتعليمهم الصلاة وتعويدهم على الصيام منذ صغرهم، وتعليمهم القرآن واصطحابهم إلى مجالس العزاء؛ فإنّ لهذا كلّه تأثيراً كبيراً في تنشئة الأولاد ومستقبلهم.

ثمّ لابدّ من العناية بالأولاد صحياً وجسدياً، فضلاً عن إطعامهم وإكسائهم، فيوم القيامة سنُسألُ عن هذه الأمور كما نُسأل عن صلاتنا وصيامنا.

 

اعدلوا بين أولادكم:

لابدّ من العدل بين الأولاد، فلا يجوز تفضيل ولد على ولد في المعاملة، فعن الرسول (ص): "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم". ستُسألون عن التمييز بين أولادكم، وقد يؤدّي ذلك إلى معاصٍ وانحرافات وأحياناً إلى جرائم، ويمكن أن يتحوّل ذلك إلى حسد بين الإخوة فيكيد بعضهم لبعض فعن النبيّ (ص): "ساوُوا بين أولادكم في العطية، فلو كنتُ مفضلاً أحداً لفضَّلت النساء". وعنه (ص): "إنّ الله تعالى يحب أن تعدلوا بين أولادكم حتّى في القُبَل".

هكذا نتصرّف إذا أردنا أن يكون لنا أولاد صالحون ليكونوا عوناً لنا في الدنيا وذخراً في الآخرة.

وهناك أولادهم ذُخر لأهلهم في الآخرة حتى قبل موت الأبوين، وهم الشهداء. فمن المعروف عندنا أنّ الشهداء يُرزقون حقّ الشفاعة، فعندما يُوتَى بالشهيد إلى باب الجنّة يقف ويقول: لا أدخلها إلّا وأبواي معي. فالشهداء في ثقافتنا هم ذُخر لآبائهم يوم القيامة، وعزٌّ وكرامة لهم في الدنيا، فطوبى لرحم حمل بهؤلاء العظماء وهنيئاً لأصل تفرّع منه هذا الغصن المثمر إيماناً وتضحيةً وعزّاً وشفاعة.

 

المصدر: كتاب مواعظُ شافية/ سلسلة الدروس الثقافية (37)

ارسال التعليق

Top