• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

نِعمة البيئة

عمار كاظم

نِعمة البيئة

إنّ البيئة خُلقت مهيأة لتحقيق مصلحة الإنسان وتوفير حاجاته، وإنّ الله تعالى خلقها بطريقة تفرض عليها أن تتكامل وتتعاون مع بعضها بعضاً، ومن ثمّ فالحفاظ على مكونات البيئة يعتبر أمراً شرعياً، وذلك حتى لا يحدث خلل في الكون .ويبدو أن ّثمة علاقة وثيقة تربط بين البيئة والتنمية، تثبتها نظرة الإسلام الشاملة والمتكاملة إلى قضية البيئة ودعوته إلى الاهتمام بها.. في مجال الاهتمام بالإنسان عقلاً وروحاً يقول تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء/ 70) .وفي الاعتدال وعدم الإسراف: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) (البقرة/ 143)، و(يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف/ 31)، وفي النهي عن الإفساد: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ) (البقرة/ 204-205) .

إنّ الحضارة في عصر تطوّر التكنولوجيا، وثورة البيولوجيا، وغزو الفضاء، وثورة الاتصالات والمعلومات، قد جنت على العمران، كما جنت على الإنسان، وأساءت إلى الجمادات من المخلوقات، كما أساءت إلى الأحياء والكائنات، والمتبصر في دنيا الطبيعة وقوانينها ليقف مذهولاً مسبّحاً لله تبارك وتعالى إزاء ذلك التنظيم والتصميم الراقي عالي الدقة والمقدرة الذي تسير عليه شتّى الخلائق في عالمنا هذا .

لقد فطر الله سبحانه وتعالى سائر مخلوقاته على قوانين وسلوكيات تعينها على البقاء، وقد تبدو لنا أحياناً بمنظار تفكيرنا عجيبة غريبة، ولكنّها بالنسبة إلى تلك المخلوقات مجرد عادات فطرية طبيعية جُبلت عليها مذ خرجت للدُّنيا أو اكتسبتها تدريجياً بعدما أخضعها الانتقاء الطبيعي لأطوار التكيّف البيئي .وقد شكت الكائنات كلّها من عبث الحضارة بها، وقسوتها عليها، حيث جلبت الفساد على الإنسان، وعلى الحيوان، وعلى الجماد، فأفسدت التربة، وأفسدت الهواء، وأفسدت الماء، وأفسدت الغذاء والدواء، وأفسدت الأرض وجو السماء، وأمسى الإنسان يخشى أن تكون هذه الحضارة هي القاضية عليه، وأن يهلكها الغرور والطغيان، كما أهلك أُمماً قبلها من الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) (الفجر/ 13-14) .

لقد كان لرغبة الإنسان الجامحة في التوسع والسيطرة على الأرض وما تحويه من خيرات وثروات منذ سنين خلت، الأثر البالغ في تطوير طُرُق استغلالها وبسط النفوذ، وتطوّر الصراع عليها، ويحدث ذلك، رغم أنّ هذه الأرض التي أحكم الله صُنعها خلقت للإنسان ومن أجله، ليعمرها ويعمل فيها صالحاً وليعبد الله فيها مصداقاً لقوله تعالى: (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) (النمل/ 88)، لا من أجل أن يفسد فيها أو يدمّرها (وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ) (البقرة/ 60).. إنّ البيئة الطبيعية في حالتها العادية ومن دون تدخل مدمّر للإنسان على قدر كبير من التوازن على أساس أنّ كلّ عنصر من عناصرها قد خُلِق بصفات محدَّدة وبحجم معيّن بما يضمن توازن هذه البيئة مصداقاً لقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك/ 15). بل إنّ الإسلام نظر إلى الأُمور البيئية نظر ودّ وحبّ، فجعل القرآن الكريم الحيوانات والطيور أُمماً مثل أُمّة الإنسان، وجاء في القرآن الكريم أنّ الشجر والدواب والجبال والنجوم تسجد لله تعالى مثل الإنسان المؤمن وأنّها تسبّح ربّها .ويرى علماء الأخلاق الكون على أنّه آية من آيات الله تستوجب من الإنسان التفكّر فيها، وأنّه نِعمة تستوجب الشُّكر والمحافظة عليه والاستمتاع بعناصر الجمال فيه وتنمية هذا الجمال، لأنّ كلّ شيء في البيئة من الضروري أن يظهر فيه بديع صُنع الخالق سبحانه .

ارسال التعليق

Top