استطاع المسلمون بالرحمة التي تشدهم إلى بعضهم والتي تعلموها من القرآن الكريم ومن سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله استطاعوا ان يكونوا قوة تهزم القوى التي كانت مسيطرة على الساحة كلها لأنهم استطاعوا بصفة « أشداء على الكفار « ان يقضوا على مجتمع الكفر والاستكبار فوظفوا كل عناصر القوة والشدة وكل عناصر العنف في مواجهة الذين يريدون ان يفرضوا عليهم سيطرتهم من مواقع الشدة والعنف والقوة فكانوا الأقوياء في هذا المجال وهذا ما كان يميز المجتمع المسلم الذي كان يقوده رسول الله صلى الله عليه وآله. كانوا لا يضعفون أمام قوة الآخرين من الكافرين والمستكبرين كانوا لا يسقطون امام تحديات الآخرين وضغوطهم لأن القـرآن كان يحشد القوة في نفوسهم والشدة في كل مواقعهم «ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلــــون إن كنتم مؤمنين * إن يمسسكم قرح فقــــد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس» (آل عمران: 139و140) وهذا ما نحتاج أن نعيشه إلى جانب أن نكون الرحماء فيما بيننا والأشداء على كل الذين يريدون أن يحاربونا في ديننا وحريتنا أو يحاربونا في عزتنا أو في كل مواقع العدالة في مجتمعنا ألا نستسلم لهم ولا نضعف أمامهم ألا نسترخي عندما يواجهوننا بالتحديات ولا نعاونهم وألا نتجسس لصالحهم ولا نكون الجنود الذين يحاربون معهم أو الأصوات التي تؤيدهم وتبرر ظلمهم ومن يفعل ذلك فهو خارج عن خط رسول الله صلى الله عليه وآله ودائرة رسول الله صلى الله عليه وآله.
المسؤولية في خط الرسالة
إذا أردتم أن تحملوا المسؤولية في خط رسول الله صلى الله عليه وآله فكونوا في قلب الأمة في قلب آلامها وأحلامها وفي قلب طموحاتها وقضاياها وخطواتها ولا تكونوا كاللذين يجلسون على الشاطئ ليتأملوا الأمواج كيف تتحرك لتقلب سفينة من هنا أو تهز أخرى من هناك، كونوا الذين يتحملون مسؤولية الاسلام في الأمة كما يتحملون حركة الأمة في الاسلام إنه كلام يوجه لكل القادة ولكل المسلمين ليعيشوا هذه الروح وهذا الجو في حركتهم فينفتحون بها على الله والناس وليتعلموا من رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك. لقد أراد الله لنا ان نجعل رسوله القدوة لنا: {وإنك لعلى خلق عظيم» (القلم:4) الخلق المنفتح على الناس، الخلق الذي يستمد معانيه من خلال أخلاق الله «تخلقوا بأخلاق الله» فإذا قلتم إن الله هو الرحمن الرحيم ففكروا أن تكون لكم أخلاق الرحمة وإذا قلتم إن الله هو العفو الغفور ففكروا أن تكون لكم أخلاق العفو والمغفرة وإذا قلتم إن الله هو العزيز القوي ففكروا أن تكون لكم طاقة العلم في حياتكم «تخلقوا بأخلاق الله» فقد كان الأنبياء يستهدون هدى الله في أخلاقهم فكونوا كذلك «وإنك لعلى خلق عظيم» (القلم:4) ولا بد للذين يتبعونك أن يكونوا على خلق عظيم، لأن أخلاق الرسالة تفرض على الانسان أن يعيش معها ولا يعيش بمزاجه الذاتي في الحياة.
صدق الرسول وأمانة المسؤولية
من الطبيعي ان كل انسان يراد له أن يتحمل مسؤولية الأمة كلها في خط الرسالة ان يكون الصادق الأمين في كلمته وتبليغه والأمين على مسؤوليته ودوره ورسالته، وهكذا صدع رسول الله صلى الله عليه وآله بالرسالة وواجه الشرك كله والمشركين كلهم، وعاش مع المستضعفين يستقبلهم بكل رحابة صدر وبكل حنان وعاطفة اتباعا لقوله تعالى: «واصبـــر نفسك مـــع الذين يــــدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع مــــن أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا» (الكهف: 28) و {واخفض جناحك للمؤمنين» (الحجر: 88) . وكان رسول الله صلى الله عليه وآله في مكة ينتقل من جماعة إلى جماعة ممن كانوا يقصدون مكة للتجارة أو الحج أو الثقافة أو غير ذلك داعيا ومبلغا وهاجر إلى المدينة وواجه المشركون بالحروب المتنوعة حتى نصره الله تعالى عليهم ونزلت هذه الآية: «إذا جاء نصر الله والفتح» ورأيت الناس يدخولون في دين الله أفواجا «فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا» ( النصر: 1ـ3) لقد أراد النبي صلى الله عليه وآله بأمر من الله تعالى أن يضيء عقول الناس حتى لا تنفتح إلا على العقل وقلوبهم حتى لا تنفتح إلا بالمحبة وحركتهم حتى لا تنفتح إلا على الرحمة أراد أن يصنع أمة جديدة تؤمن بالإسلام كله وتستهدي القرآن كله وترى في النبي صلى الله عليه وآله القدوة كل القدوة فقد خاطب الله تعالى الناس بقوله: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة» (الأحزاب: 21).
الرحمة الرسالية الإنسانية
استطاع النبي صلى الله عليه وآله ان يرتفع بالأمة لتتوحد وتنتصر وتقوى في مواجهة الشرك كله وذلك قوله تعالى: «محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضر من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل» (الفتح:29) فقد أراد للأمة أن تكون القوية ضد الذين يتحدونا من الكافرين والمشركين وأراد لأفرادها ان يرحم بعضهم بعضا، وهكذا استطاع المسلمون ان ينتصروا من خلال هذا التراحم في ما بينهم كما أراد الله لهذه الأمة المتراحمة ان تكون الأمة التي تتواصى بالحق عندما يواجهها الآخرون بالباطل ضد الحق وأن يوصي كل واحد منهم الآخر بالثبات على الحق وبالدفاع عنه والدعوة إليه وأراد للأمة ان تتواصى بالصبر لأن اتباع الحق في مواجهة التحديات قد يكلف الناس الكثير من الجهد والمشقة والتعب كما أراد لها التواصي بالمرحمة أن تكون الرحمة هي طابع الأمة لأن الرحمة هي العنوان الكبير للإسلام ولحركة الرسول صلى الله عليه وآله «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» (الأنبياء:107) «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك» (آل عمران:159). ان نعيش الرحمة في كل مواقعنا وأن لا يحمل المؤمن على المؤمن حقدا أو بغضاء أو عداوة فرسول الله صلى الله عليه وآله أراد للمؤمنين في توادهم وتراحمهم أن يكونوا كالجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر وأراد الله تعالى ورسوله لنا أن نعمل على أساس توحيد الأمة: «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون» (آل عمران: 103).
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق