• ٣ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مهارات الإتيكيت في التواصل

د. مأمون طربيه

مهارات الإتيكيت في التواصل

هل تسعى لأن تترك انطباعاً طيباً؟ هل تحرص على صيت حسن في أعمالك - حياتك - سائر أمورك؟ هل تحاول أن تستوعب من يختلف عنك حقاً؟ هل تتساءل وتتمنى أن تكون متفوقاً في أوضاع الحياة؟ هل فكرت في شيء اسمه التواصل؟ عندما تعرف كيف تكون مع الآخرين عن طريق تلبية توقعاتهم وجعلهم يشعرون بمزيد من الراحة يعني أنك في الطريق لتعلم كيف تكيف سلوكك مع الأساليب الاجتماعية؟ فما تريد أن يفعله الناس لك افعله أنت، وما لا تريد أن يفعله الناس بك لا تفعله أنت بهم.

يعتقد بعض الناس بأن أهم قاعدة للتعامل مع الآخرين هي التعامل مع الجميع بنفس الطريقة، وهذه القاعدة قد تبدو صحيحة للوهلة إلا أنها غير كافية أو ممكنة في أحوال كثيرة، لأن ما يناسب فئة منهم ويرضيها لا يناسب فئة أخرى ولا يرضيها. وهذا يعود إلى اختلاف المجتمعات وفق ما يعرف بالتنوع الثقافي؟ ولكن كيف يمكن لأفراد من جماعات مختلفة أن يتلاقوا - يتواصلوا – يتفاعلوا فيما بينهم؟ لمعرفة ذلك نطرح المثال التالي على سبيل التوضيح.

قرر أحد رجال الأعمال الأمريكيين الذهاب إلى برلين (ألمانيا) لإجراء عقود تفاوض مع شركاء محليين من أجل فتح فروع للشركة الأمريكية هناك، وكم كانت دهشته واضحة عندما وجد نفسه قد خرق نظام حياة الألمان في أربعة مواقف/ تصرفات غير مألوفة لديهم وهي:

1-    دقة المواعيد

2-    العلاقات الشخصية

3-    الخصوصية

4-    وإسباغ التقدير.

ذلك أنّ حياة الألمان صارمة وجدية، فالاجتماعات تعقد في وقتها ولا مجال للمزاح، الذي يعتبر في نظرهم "هدر للوقت الثمين في العمل" وإسباغ التقديرات على العاملين يكون بدوره رسمياً (لا يقال كيفما اتفق) حتى مناداة الشخص باسمه الأوّل غير واردة دون لقبه المهني. يختلف الأمر بالنسبة للفرنسيين إذ ليس هناك معايير محددة لاجتماعات العمل المنتظرة على نحو ما هو لدى اليابانيين الذين تكون إلى حد بعيد رصينة ودقيقة لدرجة لا تجد عندهم ما يعرف بالطاولة المستديرة في اجتماعات العمل بل يفضلون الجلوس وجهاً لوجه ورأس الطاولة هو للمقرر الذي يسجِّل محاضر الجلسات. كما يقضي بروتوكول التعامل في المؤسسات اليابانية: العمل أوّلاً، العلاقات الشخصية تالياً (أي لا يكون هناك علاقات شخصية على حساب العمل) وإن كان لابدّ من علاقات صحبة فإنّها تجري بعيداً عن العمل.

ماذا نتبين من هذه الأمثلة؟ يتوضح لنا جلياً تأثر نمط العمل وأنشطة الناس المختلفة بسياق الثقافة المحلية السائد. وكيف أنّ هذه السياقات الثقافية – الاجتماعية تتبدى صورها في مختلف وجوه الحياة وأخصها العلاقات الشخصية وطرق التعامل. وهذا ما يشير إليه الباحث في العلاقات الإنسانية "كريت هوفستد" بأن نمط التفكير والمشاعر والأعمال الخاصة بجماعة ما هو بمثابة برنامج ذهني (mental programs)، لهذا إذا أردت أن يكون عملك ناجحاً ورائداً فما عليك إلا أن تتمثّل شبكة العلاقات السائدة في محيط عملك، أن تنظر ملياً – وباحترام – فيما يعتقده الآخر من عادات وتقاليد وقيم اجتماعية خاصة.

ويوضح لنا – هذا الباحث – أن أكثر القواعد المطلوبة للتعامل الناجح وبناء علاقات قوية مبنية على الثقة مع الناس المهمين في حياتك المهنية والشخصية، هي مهارات التواصل البنّاء التي تتلخّص من حيث المبدأ (أشدد على كلمة "مبدأ" باعتبارها نقاط اتفاق مقبولة في كلّ الأوساط) على الأساسيات التالية:

·     ليس بالضرورة أن يتطابق ما يريحك مع ما يريح الآخرين الذين تلتقيهم، فالأشياء التي تبدو لهم مريحة قد لا تكون كذلك بالنسبة لك، هذا هو الأمر الذي يعيق من التواصل في بعض الأحيان، لذلك... أوجد مساحة التقاء.

·     تتطلب مهارة التواصل أن نعرف "أنماط الناس" الذين نتواصل وإياهم، فليسوا كلهم مجبولين من طينة واحدة، فتحت عنوان اختلاف الشخصية هناك أنماط متعددة من الأطباع: (العصبي – الانبساطي – المتمرد – المراوغ – المنظم – الفوضوي – إلخ...) حاول أن تعرف قدر الإمكان مزاج هذا الشخص أو ذاك.

·     تكمن وراء صعوبة الإدراك – عدم الانتباه – سوء الفهم – التقديرات الخاطئة – التخمينات معظم مشاكل التواصل، وتحدث عندها المشكلة على مستويين:

1-    أن ما نراه هو ما نصدقه، لكن ما نقوله في أنفسنا حول ما نراه لا يكون صحيحاً دائماً.

2-    لا تكون الطريقة التي نرى بها أنفسنا هي دائماً نفس الطريقة التي يرانا بها الآخرون، وعادة يكون ما نظن (ما نتوقعه) مختلفاً عن ما هو كائن (ما نصادفه). لذا لا يجب الحكم على الناس عند التواصل من خلال أحكام مسبقة لدينا أو خلال انطباعات الآخرين عنهم.

·     الثقة والارتياح شرطان مهمان لأخذ أي علاقة إلى ما هو أبعد من السطحية، كي تجعل علاقة ما تثمر، اجعل تواصلك مشوباً بالثقة والاحترام.

يرتكز التواصل الناجح على مفاهيم يسهل إدراكها، كلّ ما تحتاجه هو الاستعداد للنظر إلى العالم بشكل مختلف، لا أن تنظر إليه من زاوية أفكارك المسبقة والمنمطة فقط، كلّ ما هو مطلوب قليل من الممارسة لقواعد تجعلك أكثر تأثيراً في كلّ شيء تقريباً، فإتقان المرونة وتعوّد اللباقة هي مهارة القيام بتعديلات بسيطة في سلوكياتك الشخصية من أجل أن تجعل الآخرين أكثر راحة والمدخل إلى تحسين التواصل.

 

المصدر: كتاب الشخص المناسب/ هل تود أن تكون الشخص المناسب في المكان المناسب؟

ارسال التعليق

Top