كلّ شيء في هذه الحياة (درس) و(ممارسة).. الدرس يتولّى مهمة التعليم النظري، و(الممارسة) تعتني بالجانب التطبيقي لما تعلّمناه، وأكثر الأشياء تأثيراً في حياتنا هو الشق الثاني للعملية التربوية، أي الممارسة التي تعني أيضاً (احتمال الوقوع في الخطأ ومحاولة تجاوز أو تصحيح الخطأ).
والأسرة ليست بالقائمين عليها (رؤوسها) أي الوالدين وما علوا (الجدّ والجدّة) وإنما بكامل طاقمها المؤلّف من الأبوين زائداً أعضاء الأسرة الآخرين مهما صغروا، بمعنى أن أي شيء متعلّق ببعض أفراد الأسرة يهمّ الأسرة كلّها (هذه بالطبع نظرة إسلامية للمفهوم الشامل للأسرة). وبالتالي فمثل الأسرة كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وفي الاتجاه الآخر، فإنّ أيّة فرحة تدخل إلى قلب أحدهم تتسرّب وتتشرّب بها قلوب الأسرة كلّها من منطلق كونها وحدة واحدة.
من هذا الاعتبار أو المفهوم الكلّي للأسرة تصبح عملية اتخاذ أو صناعة القرارات داخل الأسرة المسلمة مهمة جماعية، أي يأخذ كلّ طرف دوره فيها لأنّه – في النهاية – معنيّ بدرجة أو بأخرى بما يجري داخل أسرته حتى ولو بشكل غير مباشر.
هنا تأخذ صيغة (الشورى العائلية) موقعها الملائم في الإستنارة بعقول أبناء وبنات الأسرة ومشاركتهم الرأي في المسائل المطروحة على البساط العائلي أو ذات الاهتمام المشترك، فقرار الانتقال من بيت إلى آخر حتى إذا كان لظروف مالية صعبة، أو لأسباب أخرى، يفترض أن يفهمه الجميع في جلسة عائلية مفتوحة تناقش فيها الظروف التي تمرّ بها العائلة، هكذا يكون طاقم الأسرة قد تثقّف بالمشكلة وتفّهم أسبابها، وقد تكون لبعض أطرافها وجهة نظر معيّنة ربّما لم يأخذها الوالدان بالحسبان، وقرار تزويج أحد أعضاء الأسرة وإن كان يعنيه بالذات؛ ولكن الإستئناس بالرأي سواء في دراسة القرار أو المشاطرة في السكن أو المتعلّقات الأخرى، سوف يزيد من قوة الترابط العائلي لشعور الجميع إنّهم على سطح مركب واحد وربّما تكون مشكلة أحدهم ذاتية تخصّه شخصياً؛ ولكن ما المانع من التداول الأسري في كيفية حلّها، أو على الأقل إبداء وجهات نظر بشأنها أو مقاربتها، ويبقى القرار النهائي بيد صاحب المشكلة نفسه.
بل حتى في المسائل البسيطة أو الأمور الفنّية كاستبدال أثاث قديم، أو شراء سيارة جديدة، أو وضع لائحة بالأطعمة التي يفضِّلها الجميع، لا بأس في المشاورة واستحصال رأي جماعي أو بالأكثرية النسبية أو المطلقة.
إنّنا كمربين نحقق من خلال التشاور مع أبنائنا التالي من الأهداف:
- نعدّهم ونؤهلهم ليكونوا على أهبة الاستعداد للمشاركة في أي نشاط اجتماعي يتطلب التوافق في الرأي، أو الاختلاف فيه بودّ.
- نشعرهم أنّ البيت مسؤولية الجميع، وبالتالي فسعادته وتعاسته – لا سمح الله – هي بيد أفراده مجتمعين، وإن بناءه الداخلي مهمة مشتركة.
- نقلِّص – ما أمكن – من حالات الإحتكاك والمماحكة والحساسية الناجمة عن استبعاد البعض أو التقليل من شأن البعض بذريعة السن أو الجنس.
- وحتى مع عدم مشاركة البعض بشيء نافع أو الإدلاء برأي ما، فإن مجرد الإستماع إلى المداولة هو تنشيط لقوة الحوار البنّاء والمناقشة الودّية.
- نقاشات أسريّة كهذه تعدُّ من أنجح سبل خلق أجواء التفاهم والانسجام والاقتراب من الآخر، والشعور بأهميته والحاجة إليه.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق