• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مستحبات أعمال شهر رمضان المبارك

السيد حسين الصدر

مستحبات أعمال شهر رمضان المبارك

ركَّز الإسلام في هذا الشهر المبارك إلى جانب الفريضة على كثير من المستحبات التي تساهم مساهمة فاعلة كبيرة في تغذية الشعور بالصورة الحيّة المعطاءة، والتي تخلق جوّاً روحياً عالياً يؤدي دوراً مهماً في مجال رفع مستوى العمل العبادي وإنتاجه المرجو.. والمستحبات في هذا الشهر كثيرة سنتناول منها ما يلي:

أ) قراءة القرآن الكريم: فهي من المستحبات المؤكدة جعلت في مقابلة الثواب الكثير.. وكلما كانت القراءة مستوفية لشروطها من الوعي والإدراك والعزم على العمل والتطبيق، والتفاعل الروحي والوجداني كانت أكثر ثواباً وأقرب مغفرة، يقول الرسول الأعظم (ص) في خطبته: "ومَن تلا فيه آية من القرآن، كان له أجر مَن ختم القرآن في غيره من الشهور".

وقد وَرَدَ في العديد من الروايات من الفضل والثواب لذلك الشيء الكثير، وقد عيّنت بعض الروايات قراءة سور معيّنة في ليالٍ معيّنة.. يقول أحد العلماء المحدِّثين: واعلم بأنّ أفضل الأعمال في شهر رمضان المبارك قراءة القرآن، والقراءة يجب أن تكون كثيرة لأنّ القرآن نزل في هذا الشهر، وورد أنّه لكل شيء ربيع، وربيع القرآن شهر رمضان، وفي الأشهر الأخرى تستحب ختمة واحدة وأقلّها ستة أيام، وفي شهر رمضان تستحب ختمة في كلّ ثلاثة أيام.

ونرى أنّ لقراءة القرآن بالإضافة إلى ما فيها من الأجر والثواب، فإنها تخلق في النفس معطيات كثيرة منها:

1-    التطهير النفسي بسبب التأثير بإرشاداته المطهرة المحببة.

2-    التفاعل الروحي والوجداني مع تعاليمه الخالدة مما يوجد جواً من الصفاء والنقاء، فيؤدي فيه الصوم وظيفته خير أداء.

3-    تغذية الشعور، إذ يشعر الإنسان وخصوصاً الصائم بأعظم الشرف ولسانه يُرتِّل كلام الله العظيم.

ب) الدُّعاء: وعندما نلتفت إلى الدعاء نرى حشداً  كبيراً من الأدعية القصيرة والطويلة حسب ما يقتضيه المقام،  والإيحاءات التربوية العالية، وتلك المفاهيم الكثيرة الصحيحة وذلك لتهيئة ذهنية الإنسان المؤمن الصائم أن يدرك بوضوح أنّ الشريعة كل لا يتجزأ، كل لا تنفصل أجزاؤه عن بعضها، وهذا الكل الذي لا يتجزأ يساهم مساهمة فعالة في عملية تنمية الشعور وتأكيد العلاقة مع الله.

ويمكننا أن نستعرض بإيجازة نوعية المساهمة التي يقوم بها الدعاء في رفد وتنمية شعور الصائم فيما يلي من نقاط:

1-    تهيئة الجو الروحي، والصفاء القلبي الذي يجعل النفس الإنسانية مستعدة دائماً لتقبُّل عطاء الصوم، وهذا يحصل:

أ) بتوفير الجوِّ الذي تعود فيه الروح إلى براءتها الصافية فتبكي وتتضرّع وتشكو تُغفِّر الخدّين وتتململ وتستعطف.. وهي في هذه الحالة تُعبِّر عن ضعفها أمام الجبّار الخالق، وهو الضعف الوحيد الذي يشعر معه المرء بالإعتزاز، فنرى الدعاء هو الذي يقوم بتوفير مهمة التعبير عن هذا الشعور وهذه الحالة.

"سيدي، أنا الصغير الذي ربّيته، وأنا الجاهل الذي علّمته، وأنا الطفل الذي هديته، وأنا الوضيع الذي رفعته، وأنا الخائف الذي أمَّنته".

"إلهي، لم أعصك حين عصيتك وأنا بربويتك جاحد ولا بأمرك مستخف، ولا لقوبتك متعرِّض، ولا لوعيدك متهاون، لكن خطيئة عرضت، وسوّلت لي نفسي وغلبني هواي، أعانتني عليها شقوتي".

ب) بالحثِّ على التوبة وتطهير النفس:

"أدعوك يا سيدي بلسانٍ قد أخرسه ذنبه، ربِّ أناجيك بقلب أوبقه جرمه، أدعوك يا ربِّ راهباً راغباً راجياً خائفاً، إذا رأيتُ مولاي ذنوبي فزعتُ، وإذا رأيتُ كرمك طمعتُ، فإن عفوتَ فخير راحم، وإن عذّبتَ فغير ظالم".

"وما أنا يا ربِّ، وما خطري، هَبني بفضلك، وتصدّق عليَّ بعفوك".

ويمكن أن تصل لحظات التوجه والعروج النفسي إلى درجات رفيعة، فلا يمكن للحرف أو الكلمة أن يُعبِّران عنها بشيء، وذلك في سكنات الليل البهيم، والسَحَر الهادئ الصامت، حيث تنهال الدموع وتتكسر الكلمات على الشفاه وتتصاعد الآهات والإعترافات للخالق المنعم، إنها قمّة الإستعطاف من العبد في جوٍّ هو القمّة من القرب الإلهي.

"أللهمّ إنِّي كلما قلتُ قد تهيأتُ وتعبأتُ وقمتُ للصلاة بين يديك وناجيتك، ألقيتَ عليَّ نعاساً إذا أنا صليتُ، وسَلَبتني مناجاتك إذا أنا ناجيتُ، مالي كلما قلتُ قد صلُحت سريرتي وقَرُب من مجالس التوابين مجلسي عرضت لي بلية أزالت قدمي وحالت بيني وبين خدمتك، سيدي لعلك عن بابك طردتني وعن خدمتك نحيتني، أو لعلك رأيتني مستخفاً بحقك فأقصيتني أو رأيتني معرضاً عن فقليتني، أو لعلك وجدتني في مقام الكاذبين فرفضتني، أو لعلك رأيتني غير شاكر لنعمائك فحرمتني".

2-    تغذية وتنمية الشعور بكل الأحاسيس والإشارات التي من شأنها رفع المستوى النفسي إلى درجات القرب من الله.. فهي تُربِّي في الإنسان الإرادة وتدفعه لطلب العون على النفس دائماً.

"وأعنِّي على نفسي بما أعنت به الصالحين على أنفسهم واختم عملي بأحسنه".

وهي تُذكِّره بالنعمة، وتدفعه لحمد الله وشكره عليها:

"إلهي، ربّيتني في نعمك وإحسانك صغيراً، ونوّهت بإسمي كبيراً، فيا مَن ربّاني في الدنيا بإحسانه وفضله ونعمه، وأشار لي في الآخرة إلى عفوه وكرمه، معرفتي يا مولاي دليلي عليك، وحبّي لك شفيعي إليك".

وهي تُنمِّي لديه الحسّ الأخلاقي بالمواساة والتعاطف ومشاركة الآخرين من الأحياء والأموات في عواطفهم ومشاعرهم.

"أللهمّ أدخل على أهل القبور السرور.. أللهمّ أغنِ كلّ فقير.. أللهمّ أشبع كلّ جائع.. أللهمّ اكسُ كلّ عريان.. أللهمّ اقضِ دين كلّ مدين.. أللهمّ فرِّج عن كلّ مكروب".

وتجعله يستعيذ بالله من النواقص:

"أللهمّ إنِّي أعوذ بك من الكسل والفشل والهمِّ والجبن والبخل والغفلة والقسوة والمسكنة والفقر والفاقة وكّل بليةٍ".

وهي تذكر الإنسان بيوم القيامة وأهله، بتصوير رائع مؤثِّر في دعاء السَحَر:

"فما لي لا أبكي، أبكي لخروج نفسي، أبكي لظلمة قبري، أبكي لضيق لحدي، أبكي لسؤال منكرٍ ونكير إياي، أبكي لخروجي من قبري عُرياناً ذليلاً حاملاً ثقلي على ظهري، أنظر مرةً عن يميني وأخرى عن شِمالي، إذ الخلائق في شأنٍ غير شأني، لكل امرئ يومئذٍ شأن يُغنيه، وجوهٌ يومئذٍ مُسفرةٌ ضاحكةٌ مستبشرةٌ، ووجوه يومئذٍ عليها غَبَرَةٌ تَرهَقُها قترةٌ".

"أللهمّ إنِّي أسألك خشوع الإيمان قبل خشوع الذُّل في النار".

وهي تؤكِّد في النفس الإخلاص التام:

"وأُبَرِّئُ قلبي من الرِّياء والشكِّ والسمعة في دينك حتى يكون عملي خالصاً لك".

وهي بتربيتها العقائدية تُركِّز معنى العبودية المطلقة له تعالى: "الحمد لله الذي لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً، ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له وليٌّ من الذل وكبِّرهُ تكبيراً.. الحمد لله بجميع محامده كلها على جميع نعمه كلها.. الحمد لله الذي لا مضادّ له في ملكه ولا منازع له في أمره.. الحمد لله الذي لا شريك له في خلقه ولا شبيه له في عظمته.. الحمد لله الفاشي في الخلق أمره وحمده الظاهر بالكرم مجده".

 

المصدر: كتاب في رحاب الصوم

ارسال التعليق

Top