• ٢٣ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مجالات التوعية وأهميتها

أسرة البلاغ

مجالات التوعية وأهميتها

◄التوعيةُ مصدرٌ من (وعّى)، يُقال وعّى فلاناً: نصحه، وحمله على إدراك موضوع من المواضيع، ولذا يُقال: الإعلامُ يعمل على توعية الجماهير. وتعدّ توعية الناس من أُسس المواطنة الحقّة، أي جعلهم يدركون حقائق الأُمور. وفلان واعٍ بحقائق الأمور: مُدركٌ لها، منتبه لأسبابها، ومظاهرها، ومراميها.

هذا في المعنى العام أو اللغوي للتوعية.. أمّا في المعنى الحياتي التطبيقي لها، أي مجالات استخدامها اليوم، فليس الإعلام وحده منبراً للتوعية، كما سيأتي، وإنما كلّ مكان مدرسةٌ للتوعية، أي إنّه منبرٌ لـ(الإيقاظ) و(التحريك) و(التنبيه) و(التحذير) و(التثقيف) و(التربية).

عندما نقول بأنّ كلَّ مكان مدرسة للتوعية، نعني أنّ كلّ مجتمع إنساني ولو كان مُصغّراً هو مجال من مجالات التوعية، بحيث يستطيع الأكثر وعياً أن يُعلِّم الأقل وعياً، أو الذي اتّضحت لديه الرؤية بشكل جليّ، يسري ذلك إلى مَن غامت أو تشوَّشت الرؤية عنده، أو التفّت الشبهات حول ذهنه ولم يجد مَن يدلّه على طريق الهداية والصواب، يقول تبارك وتعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (النساء/ 83)، وقال جلّ جلاله: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (النحل/ 43).

وكما لا يمكن حصرُ رُسُل التوعية في نماذج معدودات، كذلك لا يمكن تحديد مجالات أو أماكن التوعية بحدود؛ لكنّنا من باب التنبيه والإشارة نذكر الآتي:

1- البيت: حيث يتولّى الوالدان توعية الأبناء في مرحلة مبكرة من العمر، ثمّ لا تقتصرُ التوعية عليهما وعلى الجدّين ـ إنْ كانا حيّين -، بل على الأبناء أنفسهم عندما تنمو مداركهم، وتنضج عقولهم، وتستقيم ثقافتهم، ويشتدّ عود تجربتهم، وعندها يصبح البيت بكلّ أفراد أُسرته مكاناً أو مدرسة للتوعية.

2- المدرسة: ولا نعني بها (المُعلِّمين) و(الأساتذة) فقط، بل المحيط المدرسي كلّه ساحة توعية، ابتداءً من إدارة المعهد أو المدرسة وانتهاءً بالتلاميذ أنفسهم، ذلك أنّ صحبة التلاميذ بعضهم لبعض يمكن أن تكون مجالاً للتوعية، خاصّة إذا أحسن التلميذ صحبةَ صاحبه، كما أنّ المناهج التعليمية والمقررات الدراسية تلعب دوراً في التوعية لاسيما الاجتماعي منها.

3- الشارع: وقد يبدو مستغرباً أن نضع الشارع ضمن لائحة أماكن التوعية ومجالاتها؛ لكنّه المساحة الأوسع من دائرتي المنزل والمدرسة، ولا يُراد بالشارع المفهوم المادّي الضيّق، وإنما هو الجماهير التي تتحرّك فيه، والذي يمكن التقاط إشاراته الإيجابية من احترام الناس بعضهم بعضاً، أو احترامهم لنظام الدور (الطابور)، أو من خلال إعانة بعضهم بعضاً، أو من خلال (النقد المجتمعي) فيما نصطلح عليه بالشريعة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، أو عبر لافتات مكتوبة ومعلّقة في أماكن بارزة تُعلِّمنا أسلوب أو ثقافة التعاطي مع (النظافة)، أو (احترام الملكية العامّة)، أو (الالتزام بتعليمات المرور) وما إلى ذلك، بل إنّ هندسة وتنظيم المدن عامل توعية في السير على الأرصفة، وفي عدم مزاحمة المشاة، فضلاً عن إيذائهم والتحرُّش بهم، كما أنّ الشارع اليوم قد اتّخذ في المفهوم السياسي بُعداً لافتاً، وهو التعبير عن (الجماهير) التي تخرج غاضبة مستنكرة لأعمال وممارسات جائرة أو مرفوضة، أو مؤيدة ومساندة لأعمال وقرارات تصب في خدمة الشعب واستقلاله ورفاهيته وكرامته، سواء أكان الشارع تظاهرة أم اعتصاماً، أم انتفاضة، أم حركة استنهاض.

4- في السفر: حيث لفت القرآن عنايتنا إلى الاهتمام بـ(الصاحب) الذي هو الزميل في الدراسة والعمل، أو الرفيق في السفر، كما دعا الإمام عليّ 7 في بعض ما روي عنه: «سلْ عن الرفيق قبل الطريق» لأنّه الأنيس في رحلة السفر، ولأنّه إنْ كان رفيقاً صالحاً اتّخذ من سفرته معك فرصة ومجالاً للتوعية، بما تلاحظه من حُسن تصرُّفه ودماثة أخلاقه، ولطف تعامله معك، أو من خلال لغته المهذّبة، أو ثقافته الرشيدة في الحياة.. وكم من الناس الهادفين مَن استثمر رحلة أو سفرة له مع شخص لم تستغرق وقتاً طويلاً؛ لكنّه استطاع أن يترك أثره عليه، ويُغيِّر وجهة نظره حول بعض الأُمور والمسائل التي ربما تكون قد التبست عليه.

5- مؤسسات الدولة: قد لا تبدو مؤسسات الدولة ودوائرها الرسمية والحكومية مجالاً للتوعية بالمعنى الحركيّ للتوعية؛ لكنّنا نجد أنّها من أفضل أماكن التوعية، خاصّة في إرشاداتها وتعاليمها التي تُثقِّف المواطن على الالتزام بالنظام، والتي يُقدِّم موظّفوها الصالحون من أنفسهم نموذجاً لخدمة واحترام المواطن، ذلك أنّ التوعية ليست (كلمات) أو (شعارات) أو (لافتات) فقط، بل هي منهج حياة وأسلوب تعاطي وتفاعل وتعامل.

6- أجهزة الإعلام: وهي الأخطر والأكثر تأثيراً بين مجالات التوعية الأخرى، لاسيما وأنّها اليوم قد احتّلت مساحة واسعة من وعي المواطنين بأساليبها وقنواتها المتعدِّدة التي تُخاطب العين والأذن والعقل والمشاعر.. وكلّما كانت الوسيلة الإعلامية نظيفة وهادفة، أسهمت في مشروع التوعية إسهامات بليغة، مما يستدعي حُسن اختيار القنوات الإعلامية التي تطلّ عليها، إذ أنّ من نعمة (التعدُّد) فضيلة (الاختيار).

7- المساجد و(خُطب الجُمعة) والحسينيات: تُعدّ المساجد - في المفهوم الإسلامي الأوسع - جوامع (تجمع العلم والعبادة)، وما زالت حتى اليوم تُقدِّم الزادين معاً، وإنْ كانت المعاهد الدينية والشرعية والمختصة بالدراسات القرآنية قد استقلت بذاتها بعد أن شاع التخصّص في حقول العلم والمعرفة والدعوة.

وتلعب المساجد، سواء في الأحاديث التي يُقدِّمها أئمّتها بين الصلوات أم بعدها، أم في المناسبات الدينية المختلفة، أم في (خُطب الجمعة)، دوراً توعوياً بالغ الأهمية والأثر خاصّة وأنّ الذين يُؤمّون هذه المساجد، يأتونها طواعية، وأنّ أجواءها الروحانية تساعد كثيراً على تفتح المشاعر لاستقبال كلمات الوعظ وقصص الاعتبار، وأحداث التاريخ، وأخلاق السيرة النبويّة والأئمّة :.. ومن هنا كان لزاماً على خُطباء المساجد إيلاء مسألة التوعية الأهمية المطلوبة، باعتماد الأساليب العصرية في التبليغ، وفتح المجال للمحاورات والمحاضرات والمداخلات والمناظرات، واستقبال أسئلة المصلّين أو رُوّاد المسجد لإيجاد أجواء تفاعلية تلغي المسافة الحاجبة بين عالم الدِّين وبين الشباب.

وتبقى لخُطب الجمعة كونها تجمُّع (الديني) و(السياسي) و(الحياتي) و(العبادي) مساحة التأثير الأكبر في الوعي والتوعية، نظراً لأنّها تشمل أعداداً أكبر من المصلين، وتأتي في وقت لا تنصرف فيه أذهان المصلين إلى التجارة والأعمال الحرّة، حيث الجمعة عطلة عند المسلمين.

ويلحق بالمساجد أيضاً (الحسينيات) التي تقام فيها مجالس ومآتم الحسين (ع)، والتي تمارسُ دوراً توعوياً شديد الوقع والتأثير والأهمية، كونها مدارس توعية تبث شحنات الوعي، وزخم الرفض للظلم، وحبّ الدفاع عن القِيَم والأخلاق.

واختزان مواقف الخير والمروءة والشهامة والشجاعة والتضحية، لا من خلال واقعة الطف فقط، بل من خلال سِيَر وتراجم الأئمّة : في مناسبات ولاداتهم ووفياتهم، الأمر الذي يقتضي من خُطباء المنبر التعريج على قضايا (الواقع) من خلال استعراض مواقف (الواقعة)، لأنّ غاية المنبر أو رسالته ليست (تعريفية) فقط، وإنما (تثقيفية) و(تربوية) أيضاً، وهو الأهم.

8- انسجام الشعائر مع الخطّ التوعوي: الشعيرةُ: هي ما ندب الشرعُ إليه، وأمر القيام به، وهذا هو المراد من قوله تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج/ 32). وشعائر الحج: مناسكه وعلاماته وأعماله.. أمّا إذا تحدّثنا عن (الشعائر الدينية)، فالمراد حينئد هو ممارسات الدِّين وطقوسه، أو طُرق العبادة، وبالتالي فالشعيرة هي (العبادة الحركية).►

تعليقات

  • 2022-05-07

    الطيب عبدالله حسن عبدالله

    سررت بمعرفه الكثير عن التوعية

ارسال التعليق

Top