عرف العرب المراسم باسم رسوم المشتقة من كلمة رسم وتعني: الأمر المكتوب، وفي اللغة العربية تعني المراسم رسم أي: كتب وخط الكتاب ويعني الرسم: حسن المشي. المرسوم بمعنى: المكتوب، ويختص بما يكتبه الولاة والأمراء. والمراسم هي الإجراءات ونظام الأسبقية والتشريفات المعمول به في العمل الدبلوماسي.
مفهوم المراسم:
إنّ المفهوم العلمي للمراسم يعني: مجموع الإجراءات والتقاليد وقواعد اللياقة التي تقوم على قواعد دولية أو عامة أو بناء على العرف الدولي الاجتماعي وكلمة مراسم التي يتم التعامل بها في الحقل الدبلوماسي عادة تأتي مرادفة لكلمة بروتوكول وتعني: نظام التشريفات الدبلوماسية والعسكرية. بل هي البروتوكول: وكلمة بروتوكول لفظة لاتينية، مشتقة من الكلمة اليونانية، وتتألف من لفظين، هما: Protos ومعناها الأوّل، Kolla ومعناها لصق، وكانت تطلق على الورقة الأولى الملصقة على العهود والمواثيق. وبما ويطلق على المراسم بأنّها السلوك بالغ التهذيب، وهي إشارة إلى شدة التمسك بالتقاليد والأعراف في اتباع قواعد السلوك المهذب الصارمة. فيما تعني المراسم على الصعيد الإداري بأنها: علم تنظيم العلاقات الاجتماعية سواء في محيط العمل، أو داخل الأسرة، أو بين المجموعات الاجتماعية المختلفة الرسمية وشبه الرسمية. ومن أبرز وظائف المراسم إجراء عقد الاجتماعات، والمؤتمرات، والأنظمة، والأعراف والتقاليد الواجب مراعاتها والتقيد بها في المناسبات الرسمية التي تقام خلالها الاستقبالات والزيارات والحفلات والآداب داخل البلاد وخارجها في العلاقات الدولية والدبلوماسية. وتشمل إدارة المراسم التصرفات والمراسلات الرسمية والوثائق الخطية، وإجراءات المرافقة والدلالة والترجمة للوفود الأجنبية. ويمثل عمل مسؤول المراسم والملاك المرافق له أحد الفنون الذوقية والدبلوماسية المغرية للآخرين إن كانوا أفراداً أم جماعات.
تاريخ المراسم والتشريفات في العلاقات الاجتماعية والدولية:
نحتاج أن نعطي لمحة تاريخية عن البدايات الأولى التي ظهر فيها الموضوع لكي نتلمس مستويات النهوض الذي مرت به فنون البروتوكول والأتيكيت والذي يعكس طبيعة الحياة الإنسانية عبر أزمنة مختلفة، حيث كشفت طبيعة الحياة البشرية في العصور القديمة بأنّ مبدأ العلاقات الاجتماعية قائم بين الأقوام والشعوب وصولاً إلى العلاقات الدولية، وبحكم التطور في صيغ التواصل يفرض على الدول والجماعات التعامل بثقافة التشريفات والبروتوكول والأتيكيت بعيداً عن مستويات تطبيقها إن كانت بدائية أو متطورة بحكم النضوج الفكري والثقافي والذي تفرضه مسألة التطور في مستويات الحياة الأمر الذي فرض وجود علاقات كانت تنظمها مجموعة من القواعد والأصول والضوابط والتي هي نتاج للتفاوض عن طريق مبعوثين يتبادلون الرسائل الدبلوماسية واتسمت حياة الشعوب والبلدان التي تملك حضارة باتباع هذه القواعد البروتوكولية التي تنظِّم إجراءات العلاقات. وهنالك نماذج من قواعد المراسم والبروتوكول والإتيكيت:
1- ارتبطت حضارة بابل بمصر بدبلوماسية بدأت عام 1450 ق. م وطبقت في ذلك قواعد البروتوكول والمراسم والأتيكيت أثناء فعاليات الاستقبال للوفود والاحتفالات التي كانت تحصل آنذاك.
2- انتشار قواعد المراسم والبروتوكول والأتيكيت، وخاصة القواعد المتعلقة بحصانة السفراء وأصول معاملتهم واستقبالهم في عهد المدن اليونانية القديمة، ثم في عهد الرومان، سواء في عهد الإمبراطورية الرومانية الغربية في روما، أو الإمبراطورية الرومانية الشرقية في القسطنطينية والتي سميت بالدولة البيزنطية.
3- وتميزت المراسم عند العرب وخاصة في زمن الدولة الأموية وبعد ذلك بفاعلية لتنظيم صيغ التعامل بين الخلفاء والوزراء، وفي العصر العباسي وضع الجاحظ مؤلفه الشهير "التاج في أخلاق الملوك" وهو مكون من عدة فصول، تنظم الدخول على الملوك وتحيتهم وتناول الطعام معهم وكيفية الجلوس والتحدث معهم وآداب الرسل والمبعوثين واستقبال الخلفاء والولاة للشعب في الأعياد.
4- وتمسكت الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية بالتقاليد السابقة عندها في ما يتعلق بالمراسم والبروتوكول، حتى اتفقت دول العالم على عقد اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1815، وبروتوكول أكس لاشابيل عام 1818، والتي تضمنت كلّ القواعد التي جرى العمل عليها، ثمّ جاءت اتفاقية فيينا عام 1961، لتؤكد كلّ ما ورد في اتفاقية فيينا الأولى سنة 1815، ثم عقدت اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية 1963، لتنظيم تبادل العلاقات القنصلية بين الدول وبيان واجبات وحقوق المبعوثين القنصليين وأسبقياتهم ومزاياهم وحصاناتهم.
5- تميزت قواعد البروتوكول والأتيكيت في الوقت الراهن بطابع البساطة وعدم التكلف والتقيد المطلق بأنماطها السابقة، مع ثبات قواعدها الأساسية التي تهدف إلى الارتقاء بمستوى التعامل الدبلوماسي والاجتماعي، وازدادت ممارسات التعامل مع هذه القواعد مع مختلف المجتمعات دون الاقتصار على الدبلوماسيين.
الكاتب: د. فاضل البدراني
المصدر: كتاب فن الأتيكيت في بناء العلاقات الاجتماعية والدبلوماسية
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق