في صباح العاشر من شهر محرم الحرام سنة 61 هجرية، قامت معركة ذات معالم متكاملة في ساحة كربلاء، بين جيشين: جيش بني هاشم وأصحابهم، بقيادة الإمام الحسين بن عليّ – عليهم السلام –، وأهل بيته وأصحابه، وعددهم السبعين.. في مقابل جيش بني أمية وبقيادة عمر بن سعد، وبعدد أقل الروايات تقول عشرة آلاف مقاتل. في نهار شديد الحرارة، في الوقت الذي يقف الجيش الأموي مانعاً وصول الماء إلى معسكر الإمام الحسين (ع) لأكثر من يوم، حتى بات جميع من في معسكر الإمام يعاني شدة العطش في حين سلطت أشعة الشمس حرارتها، فعانى الجميع هذا الإجراء القاسي والهادف إلى الضغط على الإمام الحسين (ع) بالتسليم، والطاعة للحكم الأموي، الذي فقد كلّ القيم الإنسانية، وفكره الشاغل ارغام الناس إلى طاعة حكمه، مهما كلف الأمر. الإمام الحسين (ع) يوضح هدفه من ثورته منذ لحظتها الأولى حين يودع فيها أهل بيته وعشيرته ليترك مدينة جده المصطفى (ص) متوجهاً إلى كربلاء حيث مكان استشهاده قائلاً: "أني لم أخرج أشراً، ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً، وانّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد، أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي محمد، وأبي عليّ بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحقّ، فالله أولى بالحقِّ، ومن رد عليَّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقِّ، وهو خير الحاكمين". هذا هو هدف الإمام الحسين (ع) من نهضته، أما العدو الأموي في الشام، يزيد بن معاوية، والذي أعلن هدفه منذ تسلط على السلطة التي تسلمها بعد التهديد رغم افتقاره التام إلى مقومات تلك السلطة، حيث وضع أمام عينيه، الحكم هو الغاية الأساسية في نهج الأمويين، وهذا ما وضح في رسالته إلى واليه في المدينة عندما طلب أن يأخذ البيعة من الحسين (ع) وبعض أتباعه من أصحاب الرسول (ص)، اخذاً شديداً ليس فيه رخصة، فمن يأبى عليك منهم فأضرب عنقه، وابعث إليّ برأسه. هدفان، عنف ولا عنف، سلم ولا سلم، خير وشر، انّه صراع بين توجهين: حياة وموت، ومبدأ الإمام الحسين (ع)، تخليص أمّة الإسلام من حاكم لا يعرف إلا نفسه ولعبه، ومصلح جُل تفكيره أن ينقذ الإنسان من الاستعباد والظلم، والعيش بكرامة. ساحة كربلاء يتنافس على أرضها فريقان.. فريق يدعو للحق وهم قلة في عددهم، وفريق يدعو للباطل وهم كثرة. يمثل الباطل جيش يزيد بن معاوية الأموي والذي يعلن عن مبادئه قطع المياه عن جيش الإمام الحسين ليموت وكل من معه عطشى، مبدأ الطغاة، وصوت الجاهلية البغيض، وبصوت عالٍ، اقتلوا الحسين وأهل بيته، وأصحابه، وأبيدوهم حتى الأطفال والنساء، واحرقوا عليهم خيامهم لتصهرهم رمضاء كربلاء، ولنشفي بهم صدورنا، ولنحصل على جائزة أميرنا الأموي. والإمام الحسين (ع) وهو الذي يدعو للحقّ، ويشهد قتل أهله وأصحابه، لم يبق له من تلك الصفوة إلا – طفل رضيع لم يتجاوز الأشهر الستة من طفولته – أخذ به الظمأ، وقد جف لبن أمه من العطش، حملته أمّه إلى ساحة الوغى، ووضعته في حضن أبيه الحسين، وهو يعاني سعير الموت من ظمأ، يخمد على شفاه ذابلة، وجذوة الطفولة البريئة، وبين أنين جراح الأب المظلوم، يرفع الإمام الحسين طفله على كفين مجهدتين أمام الجيش الأموي المقاتل، ويصيح بضعيف صوته، يا أعداء الله، با جيش بني أمية إن كان للكبار ذنب تقتلوهم، فما ذنب هذا الرضيع، خذوه واسقوه جرعة من الماء قبل أن يفارق الحياة! فيختلف الجيش الأموي فيما بينه، بعض يوافق وآخر يعترض قائلاً: إن كان الكبار لم يبايعوا يزيداً! فما ذنب هذا الرضيع؟ وآخر ينادي اقتلوا أهل هذا البيت كبيرهم وصغيرهم لتخلوا الأرض لبني عبد شمس. وينظر عمر بن سعد في جيشه واختلافهم فيما بينهم، وقبل أن يفقد سيطرته يشير إلى أحد قواد جيشه وهو حرملة بن كاهلة قائلاً له: حرملة اقطع نزاع القوم واقتل الرضيع، وعلى فوره سدّد سهماً إلى قربة الطفل، فذبحه من الوريد إلى الوريد، تاركاً الرضيع يرفرف بين يدي والده الإمام الحسين (ع) والدم منفجراً يشخب من وريده، وما هي الا لحظات وذبل، وتجمد، فيحمله الأب المظلوم إلى معسكره، لتراه أمه مذبوحاً، فتصاب بالذعر والذهول. إنّ هذه المأساة – مأساة الطفل الرضيع –، ومن هذا المنطلق تبقى ثورة الإمام الحسين (ع) – أبو الأحرار – مع التأريخ خالدة، وتتجدد كلما مرّ عليها الزمن. وستبقى تلك النهضة رمزاً للحركات التصحيحية، ورمزاً للحقِّ ضد الباطل.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق