• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

لغة الجسد.. التواصل غير الكلامي

لغة الجسد.. التواصل غير الكلامي

◄بما أنّ لغة الجسد بطبيعتها لغةٌ غير كلامية – وقد تُرفق بالكلام غير الكلامي لتشمل أساليب التواصل البشري من خلال الإيماءات الجسدية بما فيها تعابير الوجه، وضعيات الجسم (الثابتة منها والمتغيرة) إضافةً إلى التلامس والاتصال الجسدي.

غالباً ما تكون لغة الجسد معبرةً أكثر من الكلام، إذ إنّها على الأرجح لا واعية أكثر منه بكثير، وبذلك يمكن تفسيرها والاعتماد عليها بوصفها مؤشراً أكثر صدقاً على الأفكار والمشاعر المتعلقة بالشخص الذي نحن بصدده. وكثيراً ما تتعارض الرسالة المنقولة عبر لغة الجسد مع تلك المنقولة عبر الكلمات، لأنّ الكثير من الناس أصبحوا معتادين على تصنّع مظهرٍ اجتماعي موشىّ بكلماتٍ جوفاء يخفون وراءه ووراءها ردود فعلهم الحقيقية، بينما يمكن للإيماءات والحركات التي تبدر عن أجسادهم أن تَشِي ببعضٍ من خبايا نفوسهم! لقد أصبح مثل هذا السيناريو مألوفاً في حياتنا اليومية، فقد يُحضِر فردٌ من عائلة أيٍّ منا وبشكل غير متوقع ضيفاً ما معه إلى المنزل حينئذٍ سيقع الشخص المعني بإعداد طعام المائدة في ورطةٍ كبيرة، وهذا الشخص هو غالباً الزوجة أو الأُم، أي المرأة والتي ستكون بحكم الممارسة اليومية لمهمة النساء الأزلية قد تكيّفت مع الظروف كافة بما فيها الظروف الطارئة، فتراها وقد راحت تتصرف بتهذيب بالغ مع الضيف غير المتوقع بحيث تشعره بالراحة معزّزةً محاولاتها الحثيثة لإراحته بقول الكثير من عبارات الترحيب مثل: "مرحباً بك.. ليس هنالك مشكلة بزيارتك المفاجئة هذه!" وتنبثق عبارات اجتماعية أخرى كثيرة من عقلها الذي سيكون معظم تركيزه قد تحول في تلك اللحظات إلى المطبخ وإلى ما يمكن أن يحويه الفرن أو البراد متسائلةً في صمتٍ: "هل يمكن لثلاث شرحات لحم أن تطعم أربعة أشخاص؟" "هل يمكنني أن أزيد كمية طبق اللحم بطهيه مع كثير من الخضروات؟" "وهل أزعم أنني قد أكلت قبل أن يحضروا أو أنني قد أصبحت نباتية؟".

 وهكذا، وعلى الرغم من المحاولات الكلامية الشجاعة للسيدة المضيفة بغية إخفاء مشاعرها الحقيقية فمن خلال انتباهه إلى لغة جسدها وحسب فقد ترسم تلك السيدة ابتسامة قسرية مشرقة على شفتيها، بينما تعجز عن التحكم بالتعبيرات المرتسمة في عينيها والتي تشكَّل آنئذٍ الدليل الأكثر وثوقية لمعرفة ردّ فعلها الحقيقي على قدومه المفاجئ، سواءٌ أكان الغضب ممن أحضره مسبّباً لها هذا الموقف العصيب أو ربما الحرج من صعوبة تأجيل موعد الوجبة ريثما تقوم بإعداد واحدةٍ أفضل. وإضافة إلى عينيها فإن بقية أعضاء جسد المضيفة المرتبكة ستكشف المكنونات الحقيقية لنفسها، فقد تُظهر غضَبها بشكل غير واعٍ من خلال نقر الأرض بقدمها أو طقطقة أصابع يديها في صمت، كما يمكن أن تخونها عصبيتها فتستمر في فَرك يديها أو لفّ خصلةٍ من شعرها، كما وقد تنظر من فوق كتفها بين الحين والآخر إلى حيث تجول أفكارها ويتموضع قلقها (إلى المطبخ!) وكلّ ذلك على مرأى من الضيف! تخيل قارئي الكريم كم تخلق أحداث حياتنا اليومية من سيناريوهات مشابهة لهذا الذي تأملناه معاً، تعطينا فيها لغة جسد كلّ إنسان معرفةً لا بأس بها حول ما يدور في ذهنه، بل واستشفافاً لجزءٍ مهمٍ من شخصيته ونواياه الخفية على غير ما قد يُظهره لنا عبر الكلام، ومن هنا يمكنك قارئي أن تتصور كم هو ممتعُ ومفيد أن تتعلم أكثر عن هذا الشكل المدهش من أشكال التواصل الإنساني... فهيّا بنا!

    

- التبصُّر من خلال لغة الجسد:

توجد في الحياة بعض الميادين التي تكتسب فيها معرفة لغة الجسد قيمةً أكبر مما هي عليه في ميادين أخرى ولنرَ معاً الأمثلة التالية:

* في مجال البيع:

إنّ التواصل عبر لغة الجسد أمرٌ مهمٌ ومفيدٌ للغاية بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعملون في مجال البيع والمبيعات، إذ يستطيع البائع أن يتعلم تحليل ردود الفعل لدى الزبون، أي المشتري المحتمل ليدير دفّة عملية البيع على الشكل الأمثل، فإذا أشارت لغة جسد الزبون مثلاً إلى ممانعةٍ للشراء أو نفورٍ منه أو حتى إلى ضجرٍ مفاجئ من عملية الشراء ككل يمكن للبائع أن يلجأ على الفور إلى تغيير أسلوبه في البيع. والعكس بالعكس. فإن أبدى الزبون عبر ملامح وجهه وإشارات لغة جسده توقاً شديداً لإتمام عملية الشراء فسيدرك البائع حينئذٍ أن تقنية البيع التي يتبّعها معه صحيحةً ومجدية بحيث يمكنه الاستمرار فيها لإنجاح عملية اقتناص الزبائن!

* في مجال الشراء:

نعلم أن عملية البيع عملية ثنائية الاتجاه، وبالتالي فإن معرفة لغة الجسد تفيد المشتري مثلما تفيد البالع، إذ يمكن للمشتري أن يستثمر فهمه لها في محاولاته لتخفيض السعر الذي يطلبه البائع للسلعة.

فإن كانت لغة جسد البائع تعطي إشاراتٍ سلبية بشأن قبوله مطلب الزبون حول تخفيض السعر، فعلى هذا أن يستدرك الأمر على الفور بتلطيف عناده في مطلبه بغية الحصول في النهاية على سعر معقول يريحهما كليهما، وإلا فإن إصراره على السعر الذي يرضيه تماماً للحصول على السلعة قد يؤدي إلى إلغاء عملية الشراء كليّاً!.

* لدى أرباب العمل:

في الحياة ميادين وحالات أخرى غير البيع والشراء قد تؤدي فيها معرفة لغة الجسد إلى زيادة في العائدات والأرباح، ومنها حالة أرباب العمل الذين يهمهم إلى حدّ كبير أن يوظّفوا المرشح الأكثر ملاءمةً لعملٍ ما من بين مجموعة كبيرة من المتقدمين إلى مسابقة للتوظيف. فمعرفة لغة الجسد تنفع كثراً في مساعدة الأشخاص القائمين على اختبارات المقابلة الشخصية، بل وتوفر عليهم أخطاء جسيمة محتملة حيث يكون المتقدمون للوظيفة المعنية متعطِّشين للحصول عليها، وبالتالي فسوف يحرصون على إظهار أفضل ما لديهم من إمكانات أمام مُختبريهم بحيث يصبح من الصعب جدّاً اختيار الشخص الأنسب لتلك الوظيفة، ولكن بفضل لغة الجسد، فإن كلّ مرشح سيقدّم حتماً لمختبريه مفاتيح شخصيته الحقيقة بعيداً عن تلك الشخصية المصقولة بعناية التي يحاول إبهارهم بها، اللّهمّ إلا إذا كان قد تعلّم لغة الجسد، على كلّ حال فالمعلومات التي تقدمها الحركات والوضعيات غير الواعية لأجساد المرشحين كافيةً للفصل بين أولئك المناسبين إلى حدٍ ما لمتطلبات الوظيفة المنشودة من غير المناسبين لها.

* حالة المرشحين للتوظيف:

مرة أخرى نحن أمام حالة ثنائية الجانب يمكن فيها لكلا الجانبين الانتفاع من معرفة لغة الجسد. فهذه المعرفة التي تفيد القائمين على مقابلة التوظيف تفيد المرشحين أنفسهم في الوقت ذاته وذلك بطريقتين:

الطريقة الأولى: إنّه يمكن للمرشحين ترجمة لغة جسد مختبريهم خلال المقابلة، إذ قد يرسم المختبر على وجهه ابتسامةً جامدةً لتشجيع المرشح، بينما تُبَدي لغة جسده إشارات سلبية واضحة المغزى، وحينئذٍ قد لا يملك المرشح أي وسيلة لتغيير الحال فيعرف النتيجة المؤسفة قبل إعلانها صراحةً، أو قد يفلح أحياناً في إنقاذ الموقف بتغييرٍ فوري ذكي للتكتيك الذي يستخدمه مع مختبريه.

الطريقة الثانية: أن يساعد بعض الإلمام بلغة الجسد مرشحنا الذكي في التزام الحذر من إشارات جسده التي قد تشي ببعض نقاط ضعفه أمام مختبريه، محاولاً التحكم بها إلى حد ما، ولا نقول بشكلٍ كامل لاستحالة ذلك الأمر بسبب ارتباط تلك الإشارات باللاوعي الكامن فينا. وعلى أي حال فإن تنبَّه المرشح إلى الإشارات التي تبدر عن جسده خلال فترة الاختبار قد يفيد في ضبطها أو احتجازها لوقتٍ قصير ريثما يمر هذا الاتبار بنجاح!

* تفسير لغة الجسد ليس دقيقاً على الدوام:

من الخطأ الاقتناع بإمكان التحكم المطلق بلغة الجسد ولو لأمرٍ قصير، لأن هنالك عاملاً رئيسياً يزيد تعقيد المسألة، فأنت عندما تحاول أن تمنع الآخرين من ترجمة شخصيتك، مواقفك، ومشاعرك لن تكون بصدد ضبط إيماءة أو حركةٍ واحدة من إيماءات وحركات جسدك، فإشارات الجسد لا تنبعث فرادى وإنّما كجزء من مجموعة إشارات مختلفة تضم فيها حركات الرأس، الأطراف، تعابير الوجه والعينين بالذات. وكما ذكرنا آنفاً فللغة الجسد ملامح كثيرة منها الواعية ومنها غير الواعية كما رأينا في حالات: المضيفة المضطربة، طرفا عملية البيع، طرفا المقابلة الشخصية للتوظيف.►

 

    المصدر: كتاب لغة الجسد/ سلسلة غودس وغروست العالمية

ارسال التعليق

Top