لو كان حجم ووزن وثمن المنتجات الطبيعية معايير لقيمتها الغذائية، لاحتلت البذور مرتبة متدنية جدّاً على لائحة أكثرها فائدة لنا. والحقيقة، أنّ هذه البذور الصغيرة، الخفيفة، ورخيصة الثمن، تُعتبر كنزاً زاخراً بالفوائد الصحية.
تأخذ النباتات وقتاً طويلاً لإنتاج كلّ بذرة من بذورها، وتملؤها بنسب مركزة جدّاً من الفيتامينات، المعادن، البروتينات، الزيوت الأساسية والأنزيمات الكامنة. ومن شأن ذلك أن يجعل من كلّ بذرة نبتة جنينية قائمة في حد ذاتها، ومصدراً لا مثيل له للعناصر الحيوية. فالبذرة هي الحياة، وهي تمنحنا سلسلة واسعة من الفوائد الصحية. وبذور النباتات متوافرة بأنواع وألوان وأشكال وأحجام مختلفة، والعديد من المشروبات والبهارات وغيرها. وإذا كنّا نبحث عن وجبة خفيفة من نوعية جيدة ومغذية ومشبعة، فلا يوجد أمامنا خيار أفضل من حفنة من البذور.
- كيف نأكل البذور؟
هناك طريقة واحدة للحصول على التغذية المثلى من البذور، وهي تناولها نيئة. فعندما تتعرض للحرارة تفرز مواد ضارة، وتتغير طبيعة الفيتامينات والمعادن والزيوت الأساسية الموجودة فيها. وعند تحميص البذور يتحول تصنيفها من طعام حيّ إلى طعام ميّت. لذلك، علينا دائماً أن نأكلها نيئة، أو منقوعة في الماء، أو مطحونة أو مهروسة كما هي الحال في تحضير الطحينة. ونستعرض هنا فوائد 5 من أكثر أنواع البذور انتشاراً، وهي:
1- بذور الكتان:
تتميز بذور الكتان بغناها بحامض ألفا - لينولينيك الدهني، الذي يتمتع بخصائص مضادة للالتهابات. وقد أظهرت التجارب أنّه يعمل مع الليغنانز (أستروجينات نباتية تتمتع بخصائص مشابهة للأستروجين وموجودة في بذور الكتان) على كبح نمو الأورام لدى الحيوانات، ويمكن أن يخفف من خطر الإصابة بالسرطان لدى البشر. وتساعد الليغنانز، التي تتمتع بقدرات مضادة للأكسدة على استقرار وتنظيم مستويات الهرمونات في الجسم، كما أنّها تخفف من أعراض ما قبل الحيض وانقطاع الطمث، ما قد يخفف، بالتالي، من خطر الإصابة بسرطان الثدي والبروستاتا.
وتساعد الألياف الغذائية الموجودة في بذور الكتان على تعزيز صحة الأمعاء. وتحتوي ملعقة طعام واحدة من هذه البذور على كمية الألياف الغذائية نفسها الموجودة في نصف كوب من الشوفان المطبوخ. وتساعد الألياف القابلة للذوبان في الماء، الموجودة في بذور الكتان، على التخفيف من خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية.
كذلك تبيَّن أنّ الألياف بذور الكتان تكبح ارتفاع مستويات الدهون في الدم بعد تناول الطعام. كما أظهر البحّاثة في "جامعة كوبنهاغن" الدنماركية، أنّ هذه الألياف تخفف من حدة الشهية إلى الأكل، وتساعد على تخفيف الوزن.
وتجدر الإشارة إلى أن بذور الكتان المسحوقة تمنحنا فوائد غذائية أكثر من البذور الكاملة. ويمكن سحق البذور في مطحنة القهوة أو الخلاط الكهربائي، ويمكن إضافتها إلى رقائق الحبوب أو مزيج الحليب والفواكه أو الأطعمة المخبوزة.
2- بذور اليقطين:
تُعتبر بذور اليقطين الوحيدة من نوعها التي يسهم تناولها في خلق بيئة قلوية في الجسم في عالم مليء بالأطعمة التي تسبب بيئة حمضية في الجسم. والمعروف أنّ البيئة الحمضية تزيد من إمكانية الإصابة بالأمراض المختلفة. وبذور اليقطين غنية بالبروتينات، إذ يحتوي 30 غراماً منها على 9.35 غرام من البروتينات. ويؤدي تناول 100 غرام منها إلى تأمين 45 في المئة من احتياجاتنا اليومية من البروتينات.
من جهة ثانية، يؤمّن ربع كوب من بذور اليقطين نحو نصف كمية المغنيزيوم التي نحتاج إليها يومياً. والمغنيزيوم ضروري لخفض ارتفاع ضغط الدم، والوقاية من النوبة القلبية، السكتة الدماغية، وإراحة الأوعية الدموية. كذلك تعتبر بذور اليقطين مصدراً مهماً للزنك الضروري لتعزيز قوة الجهاز المناعي، ونمو الخلايا، وتحسين نوعية النوم والمزاج، والحفاظ على صحة العينين والجلد، ومقاومة هشاشة لعظام. والزنك ضروري بشكل خاص لصحة البروستاتا. وقد أظهرت التجارب التي أجريت على الحيوانات أن بذور اليقطين يمكن أن تساعد على تحسين عملية تنظيم مستويات الأنسولين في الجسم، وتساعد على الوقاية من مضاعفات السكري عن طريق التخفيف من الإجهاد الناتج عن التأكسد.
وعوضاً عن اللجوء إلى ابتلاع أقراص مكمّلة للتعويض عن أي نقص في مجموعة فيتامينات (B)، يمكننا بكل بساطة أن نتناول حفنة من هذه البذور، فهي غنية بمعظم فيتامينات هذه المجموعة.
وتعتبر بذور اليقطين مفيدة بشكل خاص لمن يعاني هبوطاً في المعنويات والاكتئاب، فهي تحتوي على التريبتوفان، وهو حامض أميني يستخدمه الجسم لإنتاج السيروتونين أو هرمون السعادة، ولإنتاج الميلاتونين أو هرمون النوم. وتناول حفنة من بذور اليقطين قبل بضع ساعات من موعد النوم مع قطعة صغيرة من الفاكهة (كربوهيدرات) يمكن أن يكون مفيداً لتأمين الهرمونات اللازمة للتمتع بنوم مريح. كذلك تبيّن أن بذور اليقطين تسهم في الوقاية من تشكل بعض أنواع الحصى في الكليتين، كما انها تقاوم الطفيليات، وخاصة الدودة الشريطية. وتحتوي بذور اليقطين على نسبة عالية من الحديد، ما يجعل منها الوجبة الخفيفة المثالية للتزوّد بالطاقة عند الإحساس بالتعب.
3- بذور السمسم:
من أقدم البذور التي استخدمها الإنسان في غذائه، وهي تلقَى اهتماماً كبيراً، لأن زيتها لا يفسد بالسرعة نفسها لفساد بقية الزيوت.
وبذور السمسم غنية جدّاً بالمنغنيز والنحاس، الكالسيوم، المغنيزيوم، الحديد، الفوسفور وفيتامين (B1)، والزنك والسيلينيم. وتلعب كلّ هذه المعادن دوراً بارزاً في تنظيم عمل عضلات القلب، وتقويتها وتنظيم إيقاع ضربات القلب. ويساعد وجود الزنك والكالسيوم في هذه البذو على الوقاية من مرض هشاشة العظام. فالمعادن والفيتامينات المتوافرة في السمسم تُسهم في تعزيز عملية امتصاص الجسم للكالسيوم، بينما يساعد الزنك على التخفيف من ظاهرة تسرّب الكالسيوم من الجسم وخسارته. وتشير الدراسات إلى أن ارتفاع نسبة المغنيزيوم والزنك في بذور السمسم يساعد على تقوية وتنشيط الدورة الدموية وعلى الوقاية من السكتة الدماغية.
وإضافة إلى كلّ هذه العناصر المفيدة المهمة، تحتوي بذور السمسم على مادتين فريدتين، هما: سيسامين وسيسامولين. وكلتاهما تنتميان إلى فئة خاصة مفيدة من الألياف الغذائية المعروفة بفاعليتها في خفض مستويات الكوليسترول، وفي الوقاية من ارتفاع ضغط الدم، ووقاية الكبد من أضرار الأكسدة. كذلك أظهرت الدراسات أنّ السيسامين المضاد للأكسدة يكبح ويخفف سرعة تكاثر الخلايا السرطانية، ويحبط عملية إنتاج المواد الكيميائية التي تُسهم في بقاء هذه الخلايا على قيد الحياة. كذلك يحتوي السمسم على حامض الأولييك، هو حامض دهني أحادي غير مشبع يساعد على خفض مستويات الكوليسترول الضار، ويرفع مستويات الكوليسترول الجيد في الدم، ما يسهم في الوقاية من مرض القلب والسكتة الدماغية وتصلب الشرايين.
وبذور السمسم غنية بالنياسين أو فيتامين (B3). فمقدار 100 غرام من بذور السمسم يؤمّن للجسم نحو 28 في المئة من حاجته اليومية من النياسين، الذي يُسهم في تعزيز نشاط الدماغ وفي مكافحة القلق.
من جهة ثانية تساعد البروتينات والأحماض الأمينية، الموجودة في بذور السمسم، على تعزيز نمو العظام لدى الأطفال واليافعين. ويحتوي 100 غرام من بذور السمسم على 18 غراماً من البروتينات، كذلك يعتبر السمسم مفيداً جدّاً للنساء الحوامل، نظراً إلى ارتفاع نسبة حامض الفوليك فيه. ويلعب هذا الأأخير دوراً أساسياً في ضمان تطور نمو الجنين بشكل طبيعي، وفي الوقاية من التشوهات الخلقية لديه، كما أنّه يحسّن الحالة الصحية العامة للأُمّ.
وأظهرت الأبحاث أنّ السمسم يساعد على التخفيف من ارتفاع مستويات الغلوكوز (سكر الدم) بنسبة 36 في المئة، عندما يؤخذ مع أحد أدوية السكري الشائعة. ويقول البحّاثة إنّ إدخال السمسم إلى النظام الغذائي وسيلة جيدة لمكافحة السكري بشكل طبيعي.
4- بذور دوار الشمس:
تُعتبر هذه البذور مصدراً ممتازاً لفيتامين (E)، وهو مضاد الأكسدة الأساسي القابل للذوبان في الدهون. ويعمل هذا الفيتامين، في أنحاء الجسم كافة، على كبح نشاط الجزيئات الحرّ الضارة، التي لولاها لألحقت الضرر بالخلايا والبنى التي تحتوي على الدهون، مثل أغلفة الخلايا وخلايا الدماغ والكوليسترول. ويساعد هذا الفيتامين أيضاً على الحفاظ على نشاط الدورة الدموية، وإنتاج خلايا الدم الحمراء، والوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية. وهو مضاد للالتهابات، ويخفف من حدة أعراض الربو، والتهاب المفاصل العظمي وبقية الأمراض التي تُسهم الالتهابات والجزيئات الحرة في تسببها. كذلك تَبيّن أنّ هذا الفيتامين يمكن أن يخفف من خطر الإصابة بسرطان القولون، المثانة، والبروستاتا.. ويحتوي 30 غراماً من بذور دوّار الشمس على 10 ملغ من هذا الفيتامين، أيّ ما يعادل 35 في المئة من حاجة الجسم اليومية منه.
وبذور دوّار الشمس تحتوي على أعلى نسبة من الستيرولات النباتية بين البذور كافة. وهي مواد موجودة بشكل طبيعي في النباتات وتتميّز بتركيبة مشابهة جدّاً لتركيبة الكوليسترول، وعندما تتوافر بكمية كافية في النظام الغذائي، فإنّها تسهم في تخفيف مستويات الكوليسترول في الدم، وتقوّي الجهاز المناعي وتخفف من خطر الإصابة ببعض أشكال السرطان.
وبذور دوّار الشمس غنية بالمغنيزيوم، الذي أظهر العديد من الدراسات أنّه يساعد على التخفيف من حدة أعراض الربو، ويخفف من ارتفاع ضغط الدم، ويقي آلام الرأس النصفية، كما أنّه يخفف من خطر الإصابة بالنوبة القلبية والسكتة الدماغية.
وتحتوي هذه البذور أيضاً على الثيامين أو فتيامين (B1) الضروري لتحفيز الأنزيمات وقيام الخلايا بوظائفها بشكل فاعل. وهي تحتوي أيضاً على النحاس الممتاز للحفاظ على صحة الشعر والجلد. ويحتوي 30 غراماً من بذور دوار الشمس على 512 ملليغراماً من النحاس، أي أكثر من 50 فس المئة من حاجتنا اليومية منه.
وتعتبر هذه البذور مصدراً جيِّداً للسيلينيوم، الذي أظهرت الأبحاث أنّه يلعب دوراً في الوقاية من بعض أشكال السرطان. ويوفر ربع كوب من البذور نحو 30 في المئة من حاجة الجسم اليومية من السيلينيوم.
وبذور دوّار الشمس غنية بشكل خاص بالمغنيزيوم، الذي لا يقل أهمية عن الكالسيوم، في ما يخص الحفاظ على صحة العظام. أما النحاس، الموجود في هذه البذور أيضاً، فهو يلعب دوراً أساسياً في إنتاج الكولاجين والإيلاستين، اللذين يؤمّنان مرونة وقوة العظام والمفاصل.
5- بذور الكمُّون:
تُستخدم هذه البذور منذ قرون لفوائدها الصحّية الكثيرة، وهي مفيدة جدّاً لعلاج الاضطرابات الهضمية، كما أنّها تُستخدم كمعقم قوي ضد الجراثيم. وهي غنية بالحديد، وتساعد على تعزيز صحة ونشاط الكبد.
كذلك تساعد بذور الكمّون على التخفيف من حدة أعراض الرشح، ويمكن إضافة القليل من الزنجبيل إلى نقيع الكمّون للحصول على علاج ممتاز للتخفيف من آلام الحنجرة وأعراض الرشح الأخرى.
وبذور الكمّون مفيدة لرفع حرارة الجسم وتنشيط الأيض. وهي مفيدة أيضاً لتحسين صحة الكليتين والكبد، كما أنّها تعزز قوة الجهاز المناعي، وتُسهم في التخفيف من أعراض الربو والتهاب المفاصل.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق