اهتمّ الإنسان، منذ القدم، بالحكاية، فافتُتن بعالمها السحري الجذاب وبشخوصها الأبطال، ومن ثمّة أخذ يرويها للكبار والصغار في البيوت والساحات.
ومع اختراع الطباعة وانتشار الكُتُب ووسائل الاتصال الحديثة بشكل واسع، تعدّدت أشكال الحكاية وتنوّعت طُرُق إخراجها، فاقتحمت حياتنا المعاصرة بقوّة، حتى أصبحت ضرورة ملحة وحاجة نفسية تشبع رغباتنا وتُلهب خيالنا.
انكبّت البحوث السيكولوجية الحديثة على دراسة محتوى الحكاية ومدى تأثيرها النفسي وقدرتها على إنماء شخصية الطفل وتغذية مكتسباته الذهنية ومهاراته اللغوية. من أجل هذا صنّف علماء النفس مضامينها وأنواعها، ووضعوا لكلّ مرحلة عمرية قصّة تناسب نموّه العقلي وتطوره النفسي.
- مزايا قراءة الحكايات للأطفال:
عندما يحكي الأب أو الأُمّ قصّة لطفلهما، تغدو عملية التواصل بينهما قوية، فتتولد علاقات إيجابية تنعكس بصورة فعّالة على شخصية الطفل فيما بعد، ويمكن أن يغرسا فيه حبّ التلّعق بالكتاب مستقبلاً، ومن بين تلك الفوائد نذكر:
* تحفيز الحواسّ:
يجب على الوالدين أن يعوّدوا طفلهما منذ الصغر على ملامسة الكتاب وتقليب صفحاته، حتى وإن مزّقه، فهذا ضروري لتنمية قدراته الحسية والحركية. كما على الأبوين عند الشروع في القراءة أن يتفاعلا إيجابياً مع الحكاية من خلال تغيير نبرات الصوت أو محاكاة بعض الأحداث بالإشارات لإيقاظ حواسّ الطفل وجعله يتعايش فعلياً مع عالم الحكاية المثير.
* القدرة على الانتباه:
القارئ الذكي هو الذي يشدّ انتباه الطفل ويسلب عقله الصغير، فيتركه حالماً ومجنّحاً في عالم القصّة، فيستعمل تقاسيم وجهه ونبرات صوته لتمثيل بعض الأدوار، حتى يندمج الطفل ويغوص كلّياً في أحداث القصّة.
* مهارة التواصل مع الكبار:
يستطيع قارئ القصّة أن يشارك الطفل في تمثيل بعض المشاهد. كما يمكن أن يغني له بعض الأناشيد المتعلّقة بالحكاية.
* تعلُّم اللغة:
يمكن أن نلقي بعض الأسئلة على الطفل حتى نحفّزه على التفاعل مع القصّة، ونرسِّخ في ذهنه عبارات ومفردات تبقى عالقة في ذاكرته، ممّا يساعده على تقبُّل اللغة بسلاسة.
- أصناف الحكايات لكلّ مرحلة عمرية:
* من الولادة إلى 18 شهراً:
في هذه المرحلة، يوفّر الوالد لطفله كُتُباً مصنوعة من البلاستيك يستعملها وقت الاستحمام. كما توجد أنواع مختلفة من الكُتُب تساهم في إيقاظ أعضائه الحسية الحركية، مثل الكُتُب الكرتونية ذات الصور الجذابة، أو الكُتُب التي تصدر أصواتاً موسيقية، فتخلق في نفسيته جوّاً من المرح عند سماع تلك الأغاني.
* من سنة ونصف إلى 3 سنوات:
يرغب الطفل في تمثيل حكاية بسيطة عبر استنطاق صورها، فيُعبِّر عنها بصفة عفوية غير متسلسلة. ولكي نحفّزه على التعبير التلقائي، نلقي عليه بعض الأسئلة المتعلقة بالصور. ننصح الآباء بتقديم قصص ذات ورق عادي غير كرتوني، تحتوي على جمل قصيرة وصور جذابة كبيرة الحجم.
كما نركّز أيضاً على القصص ذات الإيقاع الموسيقي المتصلة بمحيطه الأُسري، وندرِّبه على أداء تلك الأغاني، مستعملاً اليدين «أغانٍ متصلة بالحيوانات الأليفة، بأعياد الميلاد».
* من 3 إلى 5 سنوات:
يُحبِّذ الطفل الحكايات الممتعة ذات الأحداث المشوقة، والتي لها نهاية سعيدة، حتى لا تشعره بالإحباط، مثل الحكايات الشعبية المحلية والعالمية (سندريلا، بياض الثلج...). كما ننصح الوالد بأن يحتضن ابنه ويقرأ له قصّة قصيرة، واضعاً إصبعه على المفردات، حتى يعي الطفل أنّ هناك تطابقاً بين الشفوي والكتابي. نوفّر له قصصاً ذات معانٍ مشوقة وطريفة، أو قصصاً تاريخية مصورة، كما يحب الطفل المجلات المصوّرة والحكايات الخرافية، أو القصص المتضمنة لحيوانات أو نباتات تتكلّم.
* من 5 إلى 7 سنوات:
في هذه المرحلة يتمكّن الطفل من قراءة قصّة قصيرة، أو إعادة بعض مقاطعها بصفة سليمة. ونهدي له حكاية ذات جمل قصيرة يمكن أن يطالعها بمفرده. ونشجّعه على الاطلاع على المجلات المصوّرة، ونكافئه إذا روى لنا حكاية بأسلوبه الخاصّ.
نقدّم له حكايات خرافية وخيالية، أو قصصاً تعرِّف ببعض الحيوانات أو بوسائل النقل.
* من 7 سنوات فأكثر:
يتمكّن الطفل من اكتساب مهارة القراءة عبر تعلُّمها في المدرسة، فيصبح قادراً على قراءة نصوص طويلة تتضمّن مفردات صعبة، ونلاحظ أن تفكيره الإحيائي (الاعتقاد بوجود أرواح في الأشياء الجامدة) بدأ يتلاشى، فيصبح أكثر قُرباً وتمثّلاً للواقع. ويرغب في الحكايات الخيالية ذات العام السحري المليء بالمفاجآت، كما يمكن أن نقدّم له قصصاً تُعرِّف بعالم المهن أو الحيوانات أو السيارات، أو كُتُباً تكشف حياة الأرض أو الإنسان عبر التاريخ.
ومع تقدّم الطفل في العمر وبالتحصيل الدراسي، يمكن أن يشغف أكثر بالكُتُب والحكايات فيتضاعف زاده اللغوي ويتنوّع منتوجه الأدبي، ويكون إتقانه لمهارة الكتابة أكثر نضجاً وتفتحاً فيصبح قادراً على تأليف بعض القصص بمفرده من خلال تخيُّل أحداثها وشخوصها، أو محاكاة بعض ما علق في ذاكرته، إلى أن تتفتق موهبته كلّياً في المستقبل، ممّا يخوّل له أن يكون قارئاً متميزاً أو كاتباً مرموقاً يوماً ما.
الكاتب: شاكر بن الهاشمي بنحمودة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق