القصّة الخامسة
"عرفَ فانتهى!!"
كان (عُمر بن عبدالعزيز) في شبابه كبقيّة آلِ بني أميّة، يتحدّث بسوءٍ عن الإمام علي بن أبي طالب (ع)، وذات يوم، وبينما كان معلِّمه يمرّ بالقُربِ منه، سمعهُ يتحدّث بصوتٍ عالٍ مُسيئاً لعلي (ع)، فلم يقل له شيئاً، بل ذهبَ إلى المسجد بانتظار مجيء عُمر إلى درسه.
في الدرس تحدّث الأستاذ عن سيرة علي (ع)، وأنّه بطلٌ اشتركَ في بدرٍ وأُحدٍ والأحزاب وحنين، وأنّ الله تعالى أعلنَ رضاهُ عن التابعين له، فكيف تجسرُ يا عُمر على الإساءة إليه؟!
ولأنّ (عُمر) كان يثقُ بمُعلِّمه ويُصدِّقه، أظهرَ جهله بعلي (ع)، واعترف له بأنّه لن يعود لمثلها، قائلاً: لم أكن أعرف شيئاً عن مقامِ علي في الإسلام، وإنِّي لأعلنُ توبتي على يديك عن عملي هذا!!
فلم يُرَ بعدها يسبُّ أو يُسيء لشخصِ الإمام علي (ع)!!
- الدروس المُستخلَصة:
1- من مسؤوليّة المُعلِّم أن يُصحِّح لتلميذه أخطاءه، ومن حقِّ التلميذ على مُعلِّمه أن يُلفِتَ نظرَهُ لتلك الأخطاء حتى لا يسترسل في اقترافها، والتمادي فيها.
2- المُعلِّم الصادقُ والصالح والمُخلصُ هو الذي لا يتردّد في كشف الحقائق لتلاميذه، والتلاميذُ الأبرار هم الذين إذا سمعوا نصيحةً من مُعلِّمٍ أخذوا بها.
3- إنّ دورَ المُعلِّم أوسع من تلقين المعلومات، ودورَ التلميذ أكبرُ من تلقِّي المعلومات.. دورُ المعلِّم دورُ المُوجِّه، ودورُ التلميذ المُهتدي بتوجيهات وإرشادات أستاذه، ولذلك اقترنت (التربيةُ) بـ(التعليم)، فلا تعليم صالح بدون تربية صالحة، ولا تربية صالحة بدون تعليم صالح.
القصّة السادسة
"يُوسف عَرَضَ علمهُ ولم يَعرِضْ جمالَه!!"
دخل أحدُ العلماء على (هارون الرشيد)، وكان قبيحَ الصورة، دميمَ المنظَر، قصير القامة، فاستحقره هارونُ، قائلاً: ما أقبحَ هذا الوجه!!
فقال العالِم: يا أمير المؤمنين! إنّ حُسنَ الوجهِ ليس ممّا يتوسّل به (الرجالُ) إلى الملوك، هذا يوسف (ع) أحينُ الناس وجهاً، قال لربِّه: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (يوسف/ 55)، ولم يقُل: إنِّي حَسِن الوجه جميل!!
قال هارون: صدقتْ. إرتفع، فرفعَ قدرَه وقرّبهُ من مجلسه!!
- الدروس المُستخلَصة:
1- لو كانَ الحكمُ على صور الناس وألوانهم وأشكالهم هو الفيصل، لكانَ حقّ دميمي الخلقة الإحتجاجُ على اللهِ في مسألةٍ لا دخل لهم بها، فهي ليست من صنع أيديهم حتى يُحاسبهم عليها، ولذلك ورد في الحديث: إنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم وألوانكم، بل ينظر إلى قلوبكم، أي إلى أعمالكم!!
2- قبل أن تحكمَ على شخصٍ قبيحِ الهيئة، حادِثهُ، حاوِرْهُ، ناقِشْهُ، فقد تجدُه طيَّ لسانه لا في (طيلسانه) كما يُقال، أي قد تتعرّف على شخصيّته الغنيّة من خلال كلامه، وقد تندم إذا تسرّعت في تعميم القُبح على شخصيّته كلّها؛ فضلاً عن أنّ التعميم خلافُ الموضوعيّة!!
3- كان يمكن ليوسف (ع) أن يعرض جماله فيبهرُ الأبصار، ويدخل القلوب التي تميل بطبيعتها إلى حِسانِ الوجوه، لكنّه لم يُرَقطُّ قد حسبَ لجمالِه حساباً، فعندما قدّمَ نفسه للملك.. قدّمها عارضاً علمه في خزائن الأرض والخبرة الماليّة. أو القدرة على إدارة الوضع الإقتصاديّ في المملكة، أي أنّه عرضَ قيمة الجوهر ولم يعرض جمالَ المظهر.
4- الإحتجاجُ بالقرآن وبالسُّنّة المُطهّرة أبلغُ الإحتجاجات وأقواها وأرقاها، فما أحرانا أن ننكبّ عليها لنقوِّي بهما (حُجّتنا)، كما نُقوِّي بهما (إيماننا)؟!
ارسال التعليق