قال تعالى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) (يوسف/ 3).
بهذه الآية الكريمة ندخل في قصة سيدنا يوسف (ع)، فما سبب نزول هذه الآية؟ جاء الصحابة إلى رسول الله (ص)، فقالوا: يا رسول الله، ألا تقص علينا قصة؟! انظر إلى فطرة الصحابة البسيطة، يريدون تغييراً من النبي، ليس الأمر كله ونواهي، فنزلت: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) (يوسف/ 1)، أترى! بمجرد أن يطلبوا من رسول الله أن يقص عليهم قصة يستجيب الله لدعائهم.
إنّها أوّل سورة تنزل كاملة.. أوّل قصة تُحْكَى بكاملها وبالتفصيل في سورة واحدة.. إنه لشيء عجيب! لو نظرنا إلى سورة أخرى لوجدنا فيها مقتطفات من القصص، هنا من قصة سيدنا إبراهيم (ع).. وهنا من قصة سيدنا هود (ع).. وهكذا، لكن لأوّل مرة تأتي قصة كاملة من أولها لآخرها، وكأنّ الله تعالى يقول: هذا هو قصص الأنبياء، أفضِّل أشياء.. وأكرر أشياء.. وأجمع أشياء، لكل معجزة..
- لماذا سُميَت بأحسن القصص؟
على الرغم من أن قصة سيدنا إبراهيم.. سيدنا إسماعيل.. سيدنا موسى مع فرعون، كل تلك القصص موجودة بالقرآن.. فلماذا هذه القصة بالذات؟
لأنها القصة الوحيدة في القرآن التي جمعت الحِكَمْ، العِبَرْ، والعِظَات التي يحتاجها المسلم في دنياه وأخراه، فلا توجد قصة في القرآن مثلها، ولذلك هي أحسن قصة في القرآن علىالإطلاق.
إنّ قصة سيدنا يوسف (ع)، هي القصة الوحيدة من بين القصص رغم اختلاف كلِّ شخوصها مع بعضهم البعض، التي انتهت بسعادتهم جميعاً، فنجد المسيء، والمتآمر، والمرأة التي.. كل هؤلاء أصبحوا سعداء!!.. كيف ذلك؟! كيف كانت نهاية سيدنا يوسف (ع)؟ أصبح عزيز مصر.. قاد الدنيا كلها.. جاء أبوه وإخوته وسجدوا له..
سيدنا يعقوب (ع) كيف كانت نهايته؟ وجد ابنه الفقيد.. رُدَّ إليه بصرُهُ.. رأى ابنه في أعلى المناصب.. جمع شمل الأسرة الكريمة.. امرأة العزيز كيف كانت نهايتها؟ لقد تابت ورجعت إلى الله.. قالت: (الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ) (يوسف/ 51).
نسوة المدينة كيف كانت نهايتهنّ؟ (قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) (يوسف/ 51).
إخوة يوسف ماذا كانت نهايتهم؟ (قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ) (يوسف/ 97).
ساقي الملك الذي أخرج سيدنا يوسف (ع) من السجن كيف كانت نهايته؟ آمن بسيدنا يوسف في نهاية القصة.. كل عناصر القصة كانت نهايتها سعيدة.
(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) (يوسف/ 3).
- مسرح الأحدايث:
هل تعلم أين جرت أحداث هذه القصة؟
لقد جرت الأحداث بين بلدين: فلسطين موطن سيدنا يعقوب وسيدنا يوسف (ع).. ومصر.
لكن في أي منطقة في فلسطين؟
هناك آية في القرآن تحدِّد لك بالضبط أين كانوا في فلسطين؟ كانوا في جنوب فلسطين..
ولكن لماذا؟ لأنها منطقة بدوية..وما علاقة المنطقة البدوية بفلسطين؟
اقرأ إن شئت قوله تعالى: (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ) (يوسف/ 100)، فأحداث القصة جرت بين جنوب فلسطين ومصر.. مصر التي عاش بها كثير من الأنبياء.
قصتنا مع هذا النبي قصة انهيارات أخلاقية، فعندما تقرأ هذه السورة تشعر بأنها تركز على الإنسان الذي جدَّ وثبت في الأخلاق، هي قصة مِحَنٍ متتالية، هي قصة توكل على الله سبحانه وتعالى.
- يوسف مع أهله وإخوته:
لقد بدأ سيدنا يوسف حياته برؤية رآها وهو صغير يقول لأبيه: (يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) (يوسف/ 4).
أنت تعلم أن سيدنا يعقوب (ع) كان له اثنا عشر ولداً، منهم: سيدنا يوسف، ومنهم أخو سيدنا يوسف: بنيامين من نفس الأُم، والباقي من أم أخرى، تقول الرؤيا: إنّ سيدنا يوسف رأى أحد عشر كوكباً، والشمس، والقمر ساجدين له.. بالطبع أنت تعلم تأويل الرؤيا: الأحد عشر كوكباً: هم إخوة سيدنا يوسف.. والشمس: أبوه.. والقمر: أمه.
من لطائف القرآن لقد عَبَّر يوسف (ع) عن أبيه بالشمس، وعن أمه بالقمر... لماذا؟ذلك، لأنّ القمر فيه الحنان والدفء.. فيه العاطفة.. فيه الضوء الخافت الرقيق في الليل المظلم... هذه هي الأُم.. فما أحبها!! وما أرقها!! وما أجملها!!
وأما الشمس فتعني: الوضوح والرؤية، فالأب هو الذي يعلمك.. يبصرك.. يرشدك إلى طريق الصواب.. هو الذي سيأخذ بيدك.
- هل علم سيدنا يعقوب (ع) تفسير الرؤيا أم لا؟
بالطبع كان يعلم تفسير الرؤيا، بدليل أنّه قال لابنه:
(يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (يوسف/ 5).
لماذا لم يخبر سيدنا يعقوب (ع) ابنه بتفسير رؤيته في حينها وفي وقتها؟ لماذا لم يقل له: يا بني ستقود الدنيا كلها وسنسجد لك؟ لماذا تركه لِقَدَرِ الله؟
انظر! إنّ هذا الأمر مهم جدّاً ويجب أن ينتبه إليه نساؤنا وأخواتنا. والسبب في ذلك كله خوف سيدنا يعقوب (ع) على ابنه، فلو قال له: ستقود الدنيا كلها وسيسجد لك إخوتك هؤلاء. لَشَبَّ الابن وهو متواكل على هذا الأمر يقضي حياته في انتظار تحقيقها ولن ينشأ بشكل جيِّد...
انظر إلى حكمة سيدنا يعقوب (ع)، إنّه لو قص على ابنه تفسير الرؤيا، لتَسَرَّبَ إليه شيء من التعالي والتكبر، وهو ما يزال صغيراً، فتركه يواجه قدر الله بنفس راضية واجتهاد دؤوب.
وانظر إلى فطنة يوسف الطفل كيف نادى أباه؟ لقد قال: يا أبت، مما يدل على فطنة الطفل في إبلاغ الرؤيا لأبيه، ونلمح هنا قوة العلاقة بين الابن وأبيه، لم يذهب سيدنا يوسف لأُمّه، لأنّه يحتاج إلى حكمة أبيه وبصيرته. وكثير من الشباب يفتقر إلى هذا الأمر.
مَنْ مِن الشباب إذا رأى رؤيا يذهب لوالده ويقصها عليه؟ أظن الإجابة ستكون مؤلمة، فالأب مشغول دائماً فهو يعمل أو مسافر إلى الخارج، ليؤمِّن المال لأولاده، وآخر شيء يفكر فيه الأب أولاده، وقد يكون الإبن سبباً في بعد والده، لأنّه لا يريد أن يعطي الفرصة لوالده كي يقترب منه، فالإبن لا يخبر أحداً بهذه الأشياء إلا أصحابه وأصدقاءه، أما الأب فلا يعلم شيئاً عن أحوال ابنه، فما أحوجنا في هذه الأيام دفء العلاقة بين الأب وابنه!
- حِرْصُ الأب على قلوب أبنائه:
أمر سيدنا يعقوب (ع) ابنه يوسف ألا يحكي رؤياه لإخوته لسبَبَيْن مهمَّيْن:
الأوّل: حذره من كيد إخوته له.
والثاني: غيرة إخوة يوسف منه.
فحرصاً على قلوب أبنائه منع ابنه من أن يقص رؤياه على إخوته.
فلقد شعر يعقوب (ع) بالخطر على ابنه يوسف إذا علم إخوته بالرؤيا، وشعر بالخطر عليهم وتغير قلوبهم نتيجة الحقد والغيرة، فخاف عليهم جميعاً فهم أبناؤه.
(قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (يوسف/ 5)، لماذا جاءت الآية بالشيطان بعد فيكيدوا لك كيداً؟
لأنّه من من حسد وحقد أو ضغينة إلا وكان الشيطان وراءها. هناك أشياء تكون النفس وراءها، مثل: شهوة أكل، شهوة فرج، ومن الممكن أن يكون الشيطان وراء ذلك أو النفس.
أمّا الغضب والحقد والحسد فإنّه من الشيطان، ولذلك فإذا وجدت نفسك غاضباً ولا تستطيع أن تسيطر على نفسك فاعلم أن هناك شيطاناً مسيطراً عليك، إذا وجدت حقداً في قلبك أو حسداً فاعلم أنّ الشيطان مسيطر عليك، ولذلك يقول النبي (ص): "إنَّ الغضبَ من الشيطان، وإنّ الشيطانَ خُلِقَ من النارِ، وإنما تُطفَاُ النارُ بالماءِ، فإذا غَضِبَ أحدُكُمْ فليتوَضَّأ".
ويقول أيضاً: "إيّاكم والحسَدَ، فإنّ الحسد يأكُلُ الحسنات كما تأكُلُ النار الحَطَبْ". فاحذر أخي من هذا الأمر، لأنّه مع كل لحظة حسد ستؤكل حسناتك وتضيع أعمالك...
والحسد كان سبباً في ضياع إخوة يوسف أربعين سنة.- ما سبب حسد إخوة يوسف له؟
قال تعالى: (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (يوسف/ 8).
من خلال هذه الآية نلاحظ أن إخوة يوسف ربما لهم الحق في حسد سيدنا يوسف (ع)، لأن أباه يعامله معاملة طيبة، ويميزه عن باقي إخوته. لكن هذا مستحيل... لماذا؟ لأن سيدنا يعقوب (ع) نبي، والأنبياء معصومون.
لقد كان حريصاً على قلوبهم ومشاعرهم في قوله لإبنه: (لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ)، ولكن من المؤكد أنّ الأبناء أحسوا بهذا الفارق في المعاملة، إذ إن يوسف طفل صغير، وأمر طبيعي أن ينال الصغير قسطاً وافياً من الرعاية والحنان، فالأبناء جميعهم عصبة واحدة، ويوسف وأخوه أضعف اثنين، وما زالا في حاجة إلى رعاية أبيهما وعنايته. انظر أخي المؤمن الحقد والحسد أدى إلى القتل..
ماذا قال إخوة يوسف بعد ذلك؟(اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ) (يوسف/ 9).
اقتلوا يوسف... ما هذه القلوب المتحجرة؟ أتعلم من هم إخوة يوسف؟ إنهم آباء اليهود!
- الجرأةُ على القتْل:
إنها جرأة شديدة على القتل، وما أسهل القتل عند اليهود!
لقد ظلوا أربعين سنة يخفون الحقيقة عن أبيهم. يتعذب الأب ويفقد البصر من كثرة الحزن على يوسف (ع)، وهم في قسوة من القلب.
لقد خططوا لقتله، قال تعالى: (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ).
لقد وصلوا إلى أبيهم، وقالوا له: ألا تستأمنا على يوسف؟ فهذا حال من ينوي ارتكاب الخطأ (قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ) (يوسف/ 11). انظر إلى عظمة هذا القرآن، واعلم أنّه سيكون أنيسك في القبر، فاجلس وتفهَّم أسرار القرآن واستمتع بها. (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (يوسف/ 12).
يرتع من الرتع، والرتع: هو أن يأكل ويشرب بغير حساب.أرسله معنا يلعب ويأكل بغير حساب، فتخيل أنّ القرآن يجيز الرتع واللعب، فهم لم يكونوا أطفالاً بل كباراً، ولم يُعلِّق عليها سيدنا يعقوب (ع)، فليس عيباً أن يلعب المسلم ويرتع، ويأكل ويشرب ويرتدي أحسن الثياب ويبتسم.
أنت بشكلك هذا نافع للإسلام، أنت بعلمك في الكمبيوتر والإنترنت نافع للإسلام، وأنت برياضتك وقوة جسمك مفيد للإسلام...
(قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ) (يوسف/ 14).
لقد طمأنوا أباهم بأنهم جماعة، وسوف يحافظون عليه ولن يأكله الذئب.(فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (يوسف/ 15).
كلمة أجمعوا... تخيل عشرة إخوة اتفقوا كلهم على الإضرار بسيدنا يوسف (ع)، ألا يوجد من تحرك قلبه ونهاهم عن هذا الفعل الشنيع؟
ماذا يحدث لطفل له من العمر عشر سنوات، يجردونه من ثيابه وهو ينادي عليهم: يا إخوتي، لا تجردوني من ثيابي، وقبل أن يجردوه من ثيابه أخذوه في أرض بعيدة جدّاً، حتى لا يعرفها فإذا قدر أنّه خرج من البئر لا يستطيع العودة. أيُّ حقدٍ هذا؟
- مناجاة يوسف لإخوته:
فأخذوا يتوغلون به في الصحراء إلى منطقة مليئة بالذئاب، وبدؤوا يجردونه من ثيابه وهو ينادي عليهم: إخوتي: ردوا إليّ قميصي أتوارى به في هذا الجب، فإن مت كان كفني وإن عشت ستر عورتي، لقد كان همّ الطفل أن يستر عورته. فما بال الفتيات لا تبالين بالتكشف والسفور؟
انظر إلى هذه المصائب والشدائد، كم تساوي مصائبك بجوارها؟ تخيل معي أنّه الآن في البئر لا يرى شيئاً وإنما يسمع أصوات الحيات والعقارب. وسيبقى به ثلاثة أيام، وتخيل أنّه ينادي على إخوته: يا إخوتي، إذا اجتمعتم فاذكروا غُربتي... يا إخوتي، إذا أكلتم فاذكروا جوعتي، وإذا شربتم فاذكروا عطشي، وإذا رأيتم غريباً فاذكروا غربتي.
(وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ) (يوسف/ 10)، الجب بمعنى: البئر. فلماذا لم يقل القرآن غيابة البئر؟
لأنّ الجب يختلف عن البئر. الجب هو البئر العميق السحيق المليء بالعقارب والحيات. البئر من الممكن أن يكون قريباً، وبه ماء نظيف، أما الجب فأعمق وأشد.
أأنت متخيل كل هذا لسيدنا يوسف (ع) ابن العشر سنوات!! قال لهم هذا لعلهم يُشفقوا عليه ويرجعوه معهم.والآن أصبح في قعر البئر وبقي فيه لمدة ثلاثة أيام وهو في ظلمة ووحشة وخوف شديد، لكنه وسط ذلك كله تحمل وصبر رغم كل ما حدث له، ولم يفكر بالانتقام من إخوته بسبب هذا الظلم الذي عانى منه طيلة ثلاثين عاماً.
قال تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (يوسف/ 15)، هنا بدأ يدعو الله عزّ وجلّ وهو في البئر الدعاء الذي علمه إياه والده النبي يعقوب منذ صغره، وبدأ يناجي ربه: "يا مؤنس كل فريد، يا مؤنس كل وحيد، يا صاحب كل غريب، يا ملجأ كل خائف، يا منتهى كل شكوى".
ماذا لو كنت مكان يوسف لثلاثة أيام في هذا البئر، وستفقد أهلك لمدة أربعين عاماً، حتى أنك لا تعرف بأنك سوف تعود إليه يوماً، وأنك ستباع كالعبيد، وقد كنت ابن نبي معزَّز ومكرَّم وأنت الكريم ابن الكريم ابن الكريم، وكل ذلك بسبب ما فعله بك إخوتك!!! هل من الممكن أن تتخيّل كيف سيكون مستقبلك!
(وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ) (يوسف/ 16)، المفترض أن يكون في القرآن (يتباكون) بدلاً من (يبكون)... لا.... إنما هم يبكون فعلاً، حزناً على يوسف، لأنهم عاشوا بمشاعرهم مع هذه الكارثة، لقد غرق الآن... لقد أكلته الحيات والعقارب... وهكذا فبدؤوا يبكون حسرة وحزناً على يوسف.
(قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) (يوسف/ 17)، يا أبانا: لقد جهزنا المسابقات، وبدأنا فيها، ويوسف يجلس لحراسة متاعنا فأكله الذئب... لقد جاؤا إليه بكلمة توقعها من قبل حتى يتم الكذب بصورة سليمة، فكما توقعتَ تماماً... لقد أكله الذئب... (وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ)، لقد اعترفوا بكذبهم دون أن يشعروا، يا أبانا: إنك لا تصدقنا حتى ولو كنا صادقين، إذاً فهم كاذبون.
(وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) (يوسف/ 18).انظر إلى ضيق عقولهم، لقد جاؤوا إلى أبيهم بالقميص كما هو، لم يقوموا بتمزيقه حتى يمكن تصديقهم في أنّ الذئب أكله فعلاً، ولكن جاؤوا بشاة فذبحوها ولطخوا القميص بالدماء، وقالوا: يا أبانا، هذا هو الدليل لقد أكله الذئب، وهذا قميص يوسف ملطّخ بالدماء، فنظر سيدنا يعقوب (ع) إلى القميص وقال: "ما أرحم هذا الذئب! أكل ابني ولم يمس قميصه". انظروا إلى فراسة المؤمن وسرعة بديهته!! هذه هي صفات المؤمن، فهو ليس ساذجاً، ويمتنع كثير من الشباب عن التدين، لأنّ المتدين في مفهومهم ساذجاً ويستهزأ به. لا، إنما المتدين سريع البديهة، ذكي، ناجح في حياته، يحبه كل الناس...
فسيدنا يعقوب (ع) علم من خلال كلامهم أنهم كاذبون... فلماذا لم يقل لهم مباشرة: إنكم كاذبون ويواجههم بالحقيقة؟... إنها التربية السليمة والحكمة السديدة، فهو لا يريد أن يزيد حقدهم وحسدهم على يوسف، ولا يريد أن يكسر الحواجز بداخلهم.
فهذه نصيحة للآباء والأُمّهات، إذا فعل ابنك معصية فلا تعيره بها على الدوام، وكلما فعل خطأ تذكره بالمعصية التي فعلها... ولكن غض الطرف عن أخطائه ولا تواجهه بها، ثمّ ابذل له النصيحة دون أن يشعر.
عندما جاء الأبناء بقميص يوسف (ع) قال أبوهم: فصبر جميل. الطبيعي من هذا الأب المكلوم أن يفعل أكثر من أن يقول: فصبر جميل! فمثلاً يقوم بسرعة ويذهب يبحث عن ابنه، أو يطردهم، أو أي شيء من هذا القبيل، إلا أنّه لم يفعل شيئاً من ذلك، لأنّه حكيم ودقيق في معالجة الأمور.
سيدنا يعقوب (ع) يعلم من خلال الرؤيا أن ابنه ما زال حيّاً، لأن رؤيا الأنبياء حقّ. فلماذا لم يذهب للبحث عنه؟... فقد خشي أن يذهب للبحث عنه ويكون الأبناء قد أخفوه في مكان ما، فهو يعلم أنّهم لن يقتلوه، لأنّه سيصبح نبيّاً.
إلى هذه الدرجة يكون إعجاز القرآن؟ ما هذا الصبر الجميل؟... أتتخيل صعوبة موقف سيدنا يعقوب؟ فهو يقول لأبنائه: انظروا ما فعلتم بي فلا أفعل معكم مثلما فعلتم معي، ولكن سأعاملكم برحمة وأصبر صبراً جميلاً، صبراً لا ضجر فيه ولا شكوى. هذا هو الصبر الجميل... يا من فقدتم أولادكم... يا من أصبتم بالمرض الشديد... يا أصحاب العاهات هل تستطيعون أن تصبروا صبراً جميلاً! ولذلك يقول العلماء: لا يقرأ سورة يوسف محزون إلا سرَّى الله عنه.
- العبادة تحتاج إلى عون الله الزم باب مولاك:
بعدما قال يعقوب: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ)، قال: (وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) (يوسف/ 18)، بمعنى أنني لا أستطيع أن أصبر إلا بالله تعالى، فالعبادة تحتاج إلى عون، فالصبر بالله أي: أنّ الله هو الذي يعينك ويساعدك على الصبر.
قد ورد في الأثر أن جبريل جاء لسيدنا يعقوب (ع)، وقد سقط حاجباه وفَقَدَ بصره من هول الفاجعة التي حلت به، لقد فقد ابنه أربعين سنة، فقال له جبريل (ع): لم سقط حاجباك وفقدت بصرك؟ فقال يعقوب (ع): فعل بي ذلك طول الزمان وكثرة الأحزان. فأوحى الله إلى يعقوب أتشكوني إلى غيري يا يعقوب؟ فقال: يا رب، أخطأت فاغفر لي.
- يوسف في البئر:
(وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) (يوسف/ 19).
وجاءت سيّارة أي: أناس مسافرون، وسميت سيارة من السيرة الطويل: هؤلاء الناس مسافرون من الشام إلى مصر... وما الذي جعلهم يمرون في هذه الصحراء في الجنوب؟ لقد ضلوا الطريق... وما الذي جعلهم يضلون الطريق؟... إنّه الله سبحانه وتعالى... إنّ أشياء كثيرة تحدث في حياتنا اليومية يظنها المرء شرّاً، ولكن الله يريد بها رحمة بإ،سان آخر.
الوارد: هو المسؤول عن إحضار الماء من البئر، فانزل دلوه في البئر فإذا به وهو يرفع الدلو يجد شيئاً ثقيلاً به، يجد غلاماً كأجمل ما يكون قال: يا بشرى، ولم يقل: يا بشراي. يا بشراي أي: يا فرحتاه، أما يا بشرى فمن شدة فرحه نادى على البشرى والفرح ذاته.
(وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً) (يوسف/ 19). تقول التفاسير: إن أصل كلمة أسروه أي: أخفوه... ولماذا؟ لأنهم شعروا أن هذا الغلام من أصل كريم فخافوا أن يراه أحد فيأخذه منه...(وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) (يوسف/ 20).
لقد بيع سيدنا يوسف (ع) وكانوا فيه من الزاهدين لماذا؟... ألم يساو شيئاً؟ فلا تغضب إذا قال الناس: إنك لا تساوي شيئاً فليس المهم ما يقال في الدنيا، وإنما ما يقال عند الله تعالى.
(وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف/ 21).
لقد بيع سيدنا يوسف (ع) إلى عزيز مصر أي: وزير الخزانة... ولماذا وزير المالية بالتحديد؟... كي يتعلم منه... لأنّه سيصبح وزير الخزانة مستقبلاً. انظر إلى تدبير الله في الكون وقدرته؟
من دلائل الإيمان أن يلقي الله حبّك في قلوب الناس، ومن دلائل حبّ الله للعبد حب المؤمنين، له ومن دلائل بغض الله للعبد بُد المؤمنين عنه وتجنّبهم إيّاه.
(وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرْضِ) (يوسف/ 21)، أين التمكين في هذا الرق وهذه العبودية؟...
التمكين هو دخوله بيت العزيز، ليتعلم الاقتصاد ويجيد علم المالية، تمهيداً للتمكن في الأرض. وهذا الرجل (عزيز مصر) سوف يعامله كابنه ويلقنه هذه الخبرات.
انظر أخي الحبيب متى قال الله تعالى: (مَكَّنَّا لِيُوسُفَ)؟... وهو في الثانية عشرة ولكن هذا التمكين سيكون بعد أربعين سنة...!! ولكن إذا قضى الله أمراً فلا رادَّ لقضائه، فالله قضى من الله أنّه سيكون نبيّاً، وسيكون ملكاً على مصر و... فلا جدال في ذلك.
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (يوسف/ 22).
(بَلَغَ أَشُدَّهُ)، أي: وصل إلى سن الثلاثينات. فمنهم من قال: إنّه وصل خمساً وثلاثين سنة، ورأي آخر يقول: إنّه وصل إلى أربعين سنة، واستند هذا الرأي إلى قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) (الأحقاف/ 15).
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا)، الحُكم هنا بمعنى: الدين، والعلم هو علم الدنيا، بمعنى إذا أردت النجاح في الحياة فلا تبحث عن الدين وحده أو العلم وحده، فأعطى الله لسيدنا يوسف (ع) الدين وأصبح خبيراً في فنون الحياة، كما أعطاه شطر الجمال، يقول النبي (ص): "إنّ الله أعطَى يوسف شَطْرَ جَمال المخلوقاتِ".
- محطات الإغراء:
(وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (يوسف/ 23).
وتبدأ هذه الآية بمحطات الإغراء التي وقفت بها امرأة العزيز مع سيدنا يوسف، لقد سلكت معه أحد عشر مسلكاً للإغراء... أخي: إنّ هذه الآية تبين خطورة الزنا ومقدماته... فانتبه جيِّداً.
يتعرض سيدنا يوسف (ع) إلى هذه الأساليب، وهو ثابت، كلما تعرض لمحنة ثبت أمامها.
فهيّا بنا إلى عوامل الإغراء التي تعرّض لها سيدنا يوسف، فهو شاب أعزب وأصبح في الثلاثين من عمره، وهو عبد لا يدري هل سيتزوج أم لا، فهو أكثر جرأة على المعصية، قوي البنية، بلغ أشدَّه، ليس ضعيفاً أو غير قادر على الاقتراب من النساء، وكذلك العبد يقبل منه وهو أقل من الحر من العقوبة، وحده دون خليل صالح يعينه، لأنّه كان في بلد لا يعبد الله فيها أحد إلا هو... هذا بالنسبة ليوسف (ع)...
أما امرأة العزيز، فالعزيز لن يتزوج إلا الجميلة، وهي صاحبة السلطة تستطيع أن تفعل كل شيء لا حياء ولا خوف ولا تلجلج، فأحياناً الخجل يمنع المعصية، أما هي فلا...
(وَراوَدَتْهُ) وتأتي هذه الكلمة رويداً رويداً، ظلت فترة طويلة تراوده، لقد ظل معها ثمانية وعشرين عاماً، فبدأت معه بالملاحقة والوُدّ، وهي تقترب منه خطوة خطوة، ثمّ هي امرأة لها قدرة على جذب الرجل...
(الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا) (يوسف/ 23)، أي: أن أسباب المعصية مهيأة من وجود المكان، فإنّ المعصية لا تقع أحياناً، لأن صاحبها قد لا يجد مكاناً، لا يجد فرصة للقاء، أما سيدنا يوسف في بيتها.
(وَغَلَّقَتِ الأبْوَابَ) (يوسف/ 23)، إنّه في أمانٍ تام، فهو ليس باباً واحداً وإنما أبواب كثيرة فغلَّقتها، وجاء القرآن بلفظ: "غَلَّقت" وليس أغلقت، لما فيه من التشدد والإحكام، فهو في مأمن من الفضيحة. كثير من الشباب يمنعه الخوف من الفضيحة!! أما سيدنا يوسف (ع) فقد توفرت لديه كل أسباب المعصية.
ثمّ قالت: (هَيْتَ لَكَ) (يوسف/ 23، أي: قامت وتزينت فهي في غاية الزينة والجمال الذي يعين على الفاحشة.
(قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ) (يوسف/ 23)، أعوذ بالله أن أعصيه، يا لحلاوة هذا الدين!
فهذا هو القرآن يعرض لقصة واقعية في منتهى الخطورة، ولكنك لا تشعر بتحريك شهوة إذا إنك تسمع (مَعَاذَ اللَّهِ) (يوسف/ 23)، تشعر بعلوِّ النفس وارتقائها.
(قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (يوسف/ 23)، أيقصد بـ"ربي" العزيز أم الله سبحانه وتعالى؟ لهذه الكلمة تفسيران، أحدهما: أنّه العزيز، والثاني: أنّه الله سبحانه وتعالى، ولكن لماذا هذا الغموض؟...
حتى تشعر بعظمة القصة، فتجد الضمائر لها أكثر من معنى، وكذلك يريد القرآن أن تعمل عقلك، فكل الآراء صحيحة، والفائدة لك في النهاية. تقول الآية: (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ) (يوسف/ 23)، يقصد بربي هنا: العزيز... لماذا؟
لأن سيدنا يوسف (ع) في هذه المرحلة عبدٌ في قصر العزيز... ولكن لماذا لم نقل الله تعالى؟ ولماذا قصد العزيز؟... لأن (مَعَاذَ اللهِ) لم تؤثر في امرأة العزيز، ولم تشعر بها، فأراد أن يذكرها بزوجها وأنّه صاحب فضل عليه... فإذا أردت أن تخوني زوجك فأنا لن أخون من أكرمني وأحسن إليّ...
ما أجمل وفاء يوسف وعرفانه بالجميل!... وسط هذه الفتنة الشديدة وهذه العواصف المدمرة، فهو لا يزال يتذكر الجميل الذي قدمه له العزيز منذ ثمانية وعشرين عاماً، انظر إلى هذا الثبات.
لقد تعرّض للفتنة، والابتلاء، ولكن الله تعالى لن يتركه وحده، وكذلك أنت أخي الحبيب إذا كثرت عليك الفتنة فاعلم أنّه لن يتركك، ولكن عليك إرضاءه فقط (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (يوسف/ 24)، المخلَصين أي: خالصين لله وحده. اجعل نفسك خالصة لله، قل: يا رب، أمنيتي في الحياة إرضاؤك. أخلص حياتك لله فلن يتركك في الفتن والشدائد.
(وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ) (يوسف/ 25).جاء في الأثر أنها قالت: يا يوسف، ما أجمل وجهك! فقال: في الرحم صورني ربي. يا يوسف، ما أجمل شعرك، قال: أول شيء يبلى مني في قبري.
أرأيت هذا الوسيم كيف فهم الحقيقة؟ فليس مغروراً بجماله، يا يوسف، ما أجمل عينيك. قال: بهما سوف أنظر إلى ربي فلا أعصيه بهما. يوسف ارفع عينيك فانظر بهما إليَّ. قال: أخاف العمى يوم اللقاء.
انظر هي تحادثه في الدنيا وهو منشغل بالآخرة، فيا من لا تغض بصرك في القنوات الفضائية أو في الشارع أخشى أن تحجب هذه العين عن النظر إلى الله يوم القيامة. يا يوسف: أريدك أن تدنو مني وأنت تبعد عني، قال: لو دنوت منك ابتعدت عن ربي، أريد القرب من ربي ببعدي عنك.
المصدر: كتاب (قراءة جديدة ورؤية في قصص الأنبياء)
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق